من واجبات الوالدين في مجال القيام بتربية أبنائهم هو تنمية المشاعر الإيمانية والخلقية في نفس الطفل، إذ يجب على الآباء والأُمّهات حسبما تصرح به الأحاديث أن يربوا أطفالهم على الإيمان، ويوقظوا فيهم فطرة عبادة الله بواسطة العبادات التمرينية بتشجيعهم على إتباع الأوامر الإلهية والإرتباط بالخالق العظيم.
إنّ الحقائق التي توجد في العالم يمكن تقسيمها علمياً إلى طائفتين: الطائفة الأولى، وتشمل الموجودات التي استطاع العلماء قياسها بالوسائل والآلات الدقيقة والقوية في ظل التقدم العلمي الذي يحرزه الإنسان يوماً بعد يوم، واخراج تلك الموازنات بصورة أرقام دقيقة أو تقريبية، والطائفة الثانية، تشمل الحقائق الموجودة الأخرى التي لا يملك العلم البشري مقدرة علمية تجريبية عليها، فهي لا تخضع للقياس، ولا يستطيع العلماء قياسها بمقاييس آلية دقيقة: إنّ عدد الحقائق التي لا تقبل القياس العلمي في جميع الموجودات بصورة عامة، وفي تكوين الإنسان بصورة خاصة كبير جدّاً، ويرى العلماء والباحثون ان تلك الحقائق أهم بكثير من الحقائق القابلة للقياس.
والطفل يولد على الفطرة وأهم ما تمتاز بها الفطرة هي أنها توحيدية وهي تبرز في صفحة الطفل قبل أن يكمل عقله وينضج لإستيعاب المسائل العلمية، ويكون مستعداً لتقبل الأساليب التربوية. على الوالدين أن يهتما بقيمة هذه الفرصة المناسبة ويستغلا مشاعر الطفل ويقظة فطرته الإيمانية فيعملا منذ الطفولة على تنمية الإيمان بالله في نفسه، هذا ما يجعل الطفل متجهاً في طريق الطهارة والإيمان قبل أن يتفتح عقله وينضج لإستيعاب الحقائق العقلانية وإدراك المسائل العلمية.
إنّ الإنسان يتجه إلى خالق الكون بفطرته قبل أن يستخدم الأدلة العقلية لإثبات وجود الله، انّه لا حاجة للأدلة العقلية المحكمة في إيجاد الحس الإيماني في الطفل، فالمعرفة الفطرية المودعة فيه تكفي لتوجيهه نحو الإيمان بالخالق العظيم، ومن السهولة جعله إنساناً مؤمناً بالإستناد إلى طبيعته الفطرية وما يقال عن حاجة تنمية الإيمان في نفس الطفل إلى الأدلة العقلية وعن حاجة تنمية الصفات الفاضلة فيه.. كالصدق، والإستقامة، والحنان، وأداء الواجبات، الإنصاف ومساعدة الآخرين، فبالإمكان تعويده على تلك السجايا الحميدة لمجرد توجيهه في طريقها.
إنّ التنمية الصحيحة للمشاعر هي أساس التكامل النفسي، والوصول إلى السعادة والكمال المحدد للإنسان لا يكون بدون تنمية الإيمان والفضائل، علماً بأن ركائز ذلك يجب أن تصب في أيام الطفولة.
إنّ تنمية الإيمان والفضائل في نفس الطفل حق له على عاتق أبيه.. وقد وردت أحاديث وروايات كثيرة في هذا الصدد.
1- قال رسول الله (ص): "حق الولد على والده – إذا كان ذكراً – يستفره أُمّه، ويستحسن اسمه ويعلمه كتاب الله ويطهره".
2- وعن النبي (ص) أيضاً: "إنّ المعلم إذا قال للصبي بسم الله كتب الله له وللصبي ولوالديه براءة من النار".
3- وفي حديث عن الإمام العسكري (ع): "إنّ الله تعالى يجزي الوالدين ثواباً عظيماً".
فيقولان: يا ربنا أنى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟
فيقال: هذه بتعليمكما ولدكما القرآن وتبصير كما إياه بدين الإسلام.
- أثر الإيمان في الطفل:
إنّ الطفل الذي يتربى على أساس الإيمان بالله منذ البداية يمتاز بإرادة قوية وروح مطمئنة، تظهر عليه إمارات الشهامة والنبل منذ الصغر وتطفح كلماته وعباراته بحقائق ناصعة وصريحة.
وكمثل على ذلك نأخذ الصديق يوسف (ع) فقد كان إبن النبي يعقوب، هذا الطفل المحبوب تلقى درس الإيمان بالله من أبيه العظيم، ونشأ طفلاً مؤمناً في حجر يعقوب، لقد نقم أخوته الكبار منه وصمموا على إيذائه فأخذوا الطفل معهم إلى الرعي ثمّ فكّروا في قتله، ثمّ انصرفوا عن هذه الفكرة إلى القائه في البئر...
وكانت النتيجة أن بيع الطفل إلى قافلة مصرية، وبصدد معرفة عمره عندما ألقي في البئر يقول أبو حمزة: قلت لعلي ابن الحسين (ع): ابن كم كان يوسف يوم القوه في الجب؟
فقال: "ابن تسع سنين".
ماذا يتوقع من طفل لا يتجاوز عمره تسع سنوات في مثل هذه الظروف الحرجة والمؤلمة، أليس الجواب هو الجزع والإضطراب؟! في حين أن قوة الإيمان كانت قد منحت يوسف حينذاك مقدرة عجيبة وطمأنينة فائقة ففي الحديث: لما اخرج لهم يوسف من الجب وأشتري قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً، فقال لهم يوسف: مَن كان مع الله فليس في غربة ونظير هذا نجده في قصة رسول الله (ص) مع مرضعته حليمة السعدية، تقول حليمة: "لما بلغ محمد (ص) الثالثة من عمره قال لي":
- أماه: أين يذهب أخوتي كل يوم؟
فأجبته: يخرجون إلى الصحراء لرعي الأغنام.
قال: لماذا لا يصحبوني معهم؟
فقلت له: هل ترغب في الذهاب معهم؟
قال: نعم.
فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا فيه جزع يمانية، فنزعها ثمّ قال لي: مهلا يا أماه، فإن معي من يحفظني.
الإيمان بالله هو الذي يجعل الطفل في الثالثة حرّاً وقوي الإرادة بهذه الصورة. أما روح الطفل في تقبله للتعاليم الدينية والأخلاقية فهي تشبه الأرض الخصبة القابلة لإحتواء البذرة في باطنها، وعلى الوالدين أن يبادرا إلى الإيمان والفضائل في نفس الطفل وأن لا يفرطا بشيء من الفرصة السانحة لهما، ومن الضروري أن يفكر المربي في تنشئة الطفل تنشأة دينية صالحة.
عن أبي عبدالله (ع) قال: "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة".
إنّ تزكية النفس والإهتمام بالجوانب المعنوية من الواجبات اليومية لجميع الأفراد ومن اللازم في سبيل الوصول إلى الكمال الإنساني اللائق به ان يهتم كل فرد منّا بالجوانب الروحية إلى جانب النشاطات المادية واشباع الغرائز، ويفكر كل يوم في احراز التقدم المعنوي والكمال الروحي لأولاده.
وقد جاء عن الإمام علي (ع) بهذا الصدد:
" للمؤمن ثلاث ساعات، فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم معاشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل".
- التمرين على العبادة:
لضمان التربية الدينية للأطفال يجب أن يكون هناك تماثل بين أرواحهم وأجسامهم من الناحية الإيمانية، ولهذا فإنّ الإسلام أوجب على الوالدين من جهة أن يعرفا الطفل بخالقه ويعلماه الدروس الدينية المتقنة، ومن جهة أخرى إهتمامهما بتدريب الطفل على العبادات والصلاة على وجه الخصوص.
1- عن النبي (ص) قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً".
2- عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله (ع): في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال "بين سبع سنين وست سنين".
3- يذكر الإمام الباقر (ع) في حديث طويل واجبات الوالدين في إلهام أطفالهما بالقضايا الدينية حسب التدرج في السن، فيجب عليهما أن يعلما الطفل كلمة التوحيد لثلاث سنين، وفي الرابعة يعلماه الشهادة بالرسالة، وفي الخامسة يوجهاه إلى القبلة ويأمراه بالسجود، فإذا تم له ست سنين علّم الركوع والسجود حتى يتم له سبع سنين، فإذا تم له سبع سنين قيل له، اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلها قيل له: صلّ.
فالتمرينات العبادية للطفل ودعاؤه ووقوفه بين يدي الله تعالى، يترك أثراً عظيماً في نفسه، قد لا يفهم الطفل العبارات التي يؤديها في أثناء الصلاة، ولكنه يحتفظ بمعنى التوجه نحو الله عزّوجلّ، ومناجاته، والإستمداد منه بكل جلاء، انّه ينشأ مطمئن البال مستنداً إلى رحمة الله الواسعة وقدرته العظيمة، هذا الإطمئنان والإستناد، والإتجاء نحو القدرة اللامتناهية أعظم ثروة للسعادة في جميع أدوار الحياة، فهو يستطيع في الظروف الحرجة أن يستفيد من تلك القدرة العظيمة ويطمئن إليها، ويبقى محتفظاً على توازنه وإعتداله في خضم المصاعب والمشاكل، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).

المصدر: إبراهيم توفيق
  • Currently 26/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 680 مشاهدة

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,398,544