تعتبر فترة المراهقة فترة تحول ومنعطف بين مرحلتين هامتين وهما الطفولة والنضج، ولا يقتصر هذا التحول بمعناه الجسمي على الشاب أو الفتاة بل هناك تغيرات انفعالية وعاطفية واجتماعية هامة والتي تعتبر من أهم سمات هذه المرحلة، فبعد أن كان المراهق شخصاً يقوده ويوجهه الآخرون أصبح الآن في وضع يؤهله لاستلام زمام الأمور واتخاذ قراراته بنفسه، ليحقق الحاجات التي كان يطمح لتلبيتها. إلا أن الضوابط الاجتماعية تمنعه من ذلك، لا سيما إذا أدركنا أن حاجات الشاب والفتاة في مرحلة المراهقة تبدو مختلفة عن الآخرين وكثيرة في نفس الوقت. وقد تكون عشوائية وبحاجة لتنظيم، وبحاجة إلى من يتفهمها ويتعايش معها، لذلك يأتي الصدام المتوقع للرغبة في تحقيق هذه الحاجات وإشباع الدوافع النفسية والاجتماعية والبيولوجية عند المراهق، وبين ثقافة الأسرة والمجتمع.

      وقد تختلف أشكال هذا الصدام باختلاف ردود فعل الأسرة نحو المراهق وكل ما يطرحه من أفكار وآراء وسلوكات، وبدرجة شدة المعارضة له قد تأتي ردة الفعل والتي قد تكون عنيفة ومؤذية أحياناً حتى للمراهق نفسه، ومن بين هذه السلوكيات محاولة خياطة الفم أو الهروب من الأسرة، أو إيذاء الذات بكل أشكاله ومحاولات الانتحار والاضراب عن الطعام، وكلها أنواع من الاحتجاج نحو معاملة الآخرين لهم، وكأن المراهق يلفت النظر في بعض الأحيان إلى أنه تساء معاملته ولا يلقى التفهم الكافي لاحتياجاته من قبل الآخرين، للباسه وطعامه وميوله وهواياته ودراسته التي قد يفرض عليه بعضها.

أو أن ذلك قد يعتبر تعبيراً من المراهق عن رفضه لكل ما يحدث من خلال العيش في البيئة التي يحكمها الراشدون ويتفردون بها والذين لا يأخذون بعين الاعتبار احتياجاته ولا يوجد فيها مكان لأفكار الشبان وهمومهم، بيئة "حسب تفكير المراهقين " قاسية مليئة بالممنوعات، مقيدة للحرية والانطلاق والتفكير.

      إن علاج مثل هذه التصرفات والوقاية منها يقع على عاتق مؤسساتنا التربوية، ولا سيما الأسرة كأهم مكون لهذه المؤسسات، فعلى الوالدين أن يربوا أبناءهم للزمن القادم وليس للزمن الذي هم فيه حالياً، مراعين في الاعتبار كل المتغيرات والظروف التي تخص هذا العصر، وحاجات المراهق وطبيعة تفكيره المتغيرة مع الزمن.

      وكذلك فإن النظام الأسري المتماسك يحمي أفراده من الخروج عن دائرة الأسرة أو الجنوح عن حاجاتها المشتركة، خاصة إذا أدرك الشاب وفق التربية السليمة، أن أهدافه لا تتناقض مع أهداف الأسرة العامة، وبالتالي يسعى لتحقيقها في نطاق الأسرة، أما إذا شعر العكس فإنه سينأى بشكل منفرد، لتحقيق ما يعتقد بأنه الصواب، بعيداً عن الأسرة ونظامها الذي لا يعتبر نفسه جزءاً منه.

      إن البيئة المقيدة التي لا تحترم أفكار الآخرين ووجهة نظرهم، ولا تتيح مساحة من النقاش والتواصل معهم وتفهم الجانب الآخر، ستخلق لا شك نوعاً من هذه التصرفات الناقمة على الذات وعلى الآخرين، لذلك يجب التعاطي مع احتياجات المراهق بعقلانية، وشفافية والقرب من مشكلاته وهمومه والتعرف على انفعالاته عن قرب، وإشعاره بأنه شخص محبوب ومرحب به في النظام الأسري والمجتمعي، وعدم الصرامة في المعاملة، لكي لا يصل المراهق إلى الاحساس بالظلم الذي يولد له الأفكار السوداوية عن الذات والآخرين والبيئة المحيطة، فلا يجد حلاً سوى الاحتجاج القاسي على ذاته من أجل عقاب الآخرين بلوم الذات وتأنيب الضمير .

المصدر: روحي عبدات
  • Currently 41/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 454 مشاهدة

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,396,730