أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

التمهيد والافتتاح

وضع القصة فى القرآن ومكانتها ومنزلتها وفائدتها من كتابى أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم .

 {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3 ] 

الله تبارك وتعالى يقول نحن نخبرك ونروى لك ونعرفك - يا محمد يا رسولي ومصطفاى وأحب خلقى - أحسن وأفضل وأجل وأقيم وأجمل القصص بما أوحينا إليك بإرسالنا جبريل يتلو عليك ويسمعك ويحفظك هذا القرآن الذى هو نور منا لك وللعالمين ، لنعرفك ما لم تكن تعرفه عن أخبار السابقين من الرسل والنبيين إخوتك وغيرهم الذين لم تعرفهم وتعايشهم من الأمم السابقة التى ليس لك بها علم أنت ولا أحد من أمتك ، لكى نثبت فؤادك ونطمئنك ونبهجك ونسري عنك ونعظك ونعلمك ، ونثبت قلبك على الإيمان 0  هذا هو المعنى الأول , وهنا القص والإخبار والتعريف خاص بسيدنا محمد أولا لأنه المعنى من الله بالدرجة الأولى لأنه نبيه ومصطفاه وأحسن خلقه إليه تبارك وتعالى 0 وبما أن القرآن بنى على التشابه والمثانى مما يحمل للكلمة أو الآية معنيين وقد عرفنا الأول ويبقى الثانى حيث ينصرف المعنى على العموم لمن يقرأ هذا القصص فى القرآن يصبح هو المعنى بنداء ومخاطبة الله له أنا وأنت وغيرنا , ويصبح المعنى من الله الذى يقول نحن نخبرك ونعلمك ونعرفك أنت يا من تقرأ القرآن المتضمن لهذا القصص نعرفك بما لم تكن تعرفه عما سبقك من أخبار المرسلين السابقين من الرسل والأنبياء والصاحين وغيرهم من الطغاة الفاسدين والكفرة الملاحيد لكى تتعظ وتتعلم وتعرف قدرة الله وأحكامه وثوابه وعقابه ووعده ووعيده لمن يخالف أوامره ونواهيه ويكفر أو يؤمن برسله ، وكيف ينال من آمن واستحق ثوابه ، ومن كفر كيف استحق عقابه وناله فى الدنيا والآخرة ، وذلك من أجل أن نطمئن ونسعد ونفرح ونقوى من إيمان من يؤمن بالله ، ونخيف ونرعب ونرهب من يكفر ، كما تكون تسرية وتسلية وإمتاعا واتعاظا لمن يريد أن يفرج عن نفسه من كرب يلاقيه ، أو من حزن يرفل فيه  أو من يأس يعانيه  فيقرأ هذه القصص ويتذكرها ويفهمها ويعيها حتى تكون له السلوى والعلاج النفسى الذى يعالجه من كل ما علق به من أدران ومخاوف وأحزان وغيرها ، فتكون سببا لتجديد الأمل والاصطبار على صعوبات الحياة وتكون الزاد لمواصلتها والإحساس بجمالها وحلاوتها والتمسك بطاعتي ومحبتي وشكواه واللجوء إلىَّ فى كل شىء , فأنا المعين وأنا مفرج الكروب وقابل التوبة وباعث السرور ومبدل السيئات بالحسنات وأنا الذى أجزى وأنا الذى أعاقب وأمرى بين الكاف والنون ، وإنى قادر على كل شيء بالحق والعدل والإحسان ، وأنا أقرب لك حين تنادينى من جوارحك نفسها لأنى أراك وأعرفك ولا تخفى على خافية لأنى لا أنام وأنا الرحمن الرحيم اللطيف بك 0  

 تلك القرى وهى : قرية بابل التى كان فيها سيدنا نوح 0 وقرية الأحقاف كانت مساكن عاد في جنوب شبه الجزيرة العربية ، وهى القرية التى كان فيها نبى الله هود الذى أرسل فيهم0 وقرية ثمود التى كان فيها قوم سيدنا صالح عليه السلام الذى أرسل فيهم وكانوا عرباً من العاربة يسكنون بين الحجاز وتبوك 0وقرية سدوم على شاطئ البحر الميت، فيما يعرف اليوم بالأردن التى أرسل فيها سيدنا لوطا 0 وقرية مدين التى كان فيها سيدنا شعيب هذه القرى نقصُّ عليك – يا محمد - من أخبارها التى أرسلنا إليها رسلنا بالبينات والمعجزات والحجج الواضحة الجلية على صدقهم ،  فلم يؤمن أهل هذه القرى بما جاءتهم به الرسل التى أرسلناها لهم ; بسبب طغيانهم وتكذيبهم بالحق فاستحقوا العذاب الذى أنزلناه عليهم 0 ما يحصل به عبرة للمعتبرين وازدجار للظالمين,  والعبرة والعظة لمثلهم من أمتك من مثل هؤلاء الكافرين المذكورين من أهل القرى السابقة , يختم الله على قلوب الكافرين بك وبرسالتك وسيكون لهم الخزى فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة0

 {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }الكهف13 ]

ونقصُّ عليك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك ، كل ما تحتاج إليه مما يقوِّي قلبك ويشد من أزرك ويزيد من صبرك ليعينك على القيام بأعباء رسالة الإسلام التى هى للناس كافة ، وقد جاءك في هذه السورة التى تشمل القصص المتنوعة وما اشتملت عليه من أخبار وتعريف وتسرية وتعليم  لبيان وتوضيح الحق الذي أنت عليه ، وجاءك فيها موعظة تزيد من إيمان المؤمنين وردع يرتدع به الكافرون ، وذكرى يتذكر بها المؤمنون وإيقاظ لضمائر العاصين والخارجين عن طاعتك وطاعتي0

نعرفك يا محمد أخبار بعض الصالحين الذين لم يكونوا من الرسل ولا الأنبياء آمنوا بى وتمسكوا بإيمانهم رغم ما قابلوه من أذى واضطهاد – نقص عليك خبرهم بالصدق ، إنهم  شُبَّان صدقوا فى إيمانهم  وامتثلوا لأمرى فزدناهم هدى وثباتًا على الحق 0

نعرفك يا محمد أخبار ما قد سبقك من إخوتك من الرسل والأنبياء الذين سبقوك وآتينا كل واحد كتابه وقد آتيناك من عندنا هذا القرآن العربي معجزة لك وتشريفا لأمتك من العرب وذكرى لمن يتذكر 0

   ما سبق هو خلاصة الفائدة والهدف الأعظم من القصص ، حيث فيها العظة والعبرة والنصيحة والتعليم والذكرى والتسرية والتسلية والاقتداء والعلاج النفسى بالخلاص من الأحزان ، والتسرية عن الفؤاد والسرور والبهجة للقلوب ، والتطهير للضمائر من الأدران والشرور والآثام ، والعلاج للنفوس من الأحقاد والكره والعداء  وتخليص العقول من اليأس والقنوط والشرور ، وزرع الآمال  فى النفوس0

ما الفعل الحقيقي الحق ؟

    القصص فى القرآن نزلت من أجل سيدنا محمد قبل أى واحد منا لتكون له عبرة وعظة وتثبت فؤاده وتعظه وتسليه وتسرى عنه وتبهجه ، هذه القصص بالنسبة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولنا نحن المؤمنين به هى فى حقيقتها كانت لفعل حقيقى حدث فى الماضى ، وكما قلنا إن الماضى لا يعود إلا قولا نخبر به نحن لنعرفه ونستقى منه العبرة والنصيحة والموعظة وغيره ؛ لأن القصص كانت لأنبياء ورسل وصالحين أرسلهم الله فى الأمم السابقة، وكل واحد منهم كان يحمل رسالة من الله وكتابا مقدسا منه مثل سيدنا موسى نبي بنى إسرائيل أى نبي اليهود وقد أرسله الله برسالة منها تخص فرعون مصر الطاغية ؛ لكى يحرر بنى إسرائيل من استعباده ليكونوا أحرارا يعبدون من يستحق العبادة الذى عرفهم موسى وهو الإله الواحد والذي لا تصلح ولا تكون العبادة إلا له ، وأعطاه الله التوراة التى إلى يومنا هذا هم يسيرون على هديها ويؤمنون بموسى ومن جاء بعده من رسلهم التى كانوا منهم ، وهم يعيشون على حدودنا وتربطنا معهم معاهدة سلام . ثم سيدنا عيسى نبى المسيحيين  الذى جاء بالإنجيل ذلك الكتاب المقدس الذى أرسل به ليعبدوا الله على هداه وهم إلى الآن يعملون بهديه ويؤمنون برسوله عيسى وهم يعيشون اٍخوة لنا ، ولم يقل اليهود ولا المسيحيون ويتدارسون فيما بينهم أن نبيهم موسى , وما جاء به سوى قصة كما هى عندنا نحن المسلمين قصها الله علينا فى القرآن الكريم ونؤمن أنه رسول حق ورسالته حق أرسله الله بها ، وكذلك سيدنا عيسى وأخبر بهم سيدنا محمد عن طريق الإخبار أى القص ولكن لأخبار حقيقية حدثت فعلا , وكما أكدنا أنها حقيقية فعلا أن اليهود والمسيحيين لا يحملونها على أنها قصص بل فعل حقيقى لرسل من قومهم من بنى إسرائيل مركز تفاخرهم على الأمم من أنهم أولاد وأحفاد أنبياء الله.  وأعود فأقول إن تلك الأفعال الحقيقية التى مضت عادت إلى سيدنا محمد بالقص القولى فى القرآن . ولكن ماذا نسمى ما قام به سيدنا محمد ؟ إنه قام بفعل حقيقى وكان مشاهدا من أهل مكة والمدينة وغيرهم من الأقطار ، والفعل الحقيقى الذى قام به كلفه الله فيه برسالة الإسلام للناس كافة وهو إلى الآن بالنسبة لنا لا يزال فعلا حقيقيا ليس قصة ولا أسطورة ولا شيئا من هذا القبيل مع أن سيدنا محمداً مات ، ولكن سيرته عطرة بيننا إلي أن تقوم الساعة ، ولا يستطيع مشكك كائنا من كان أن يطعن فى هذا الفعل الجلل العظيم مهما بلغ من غلو وكفر وإلحاد وكراهية وعداء ، ولذلك عندما نريد أن نتكلم عن الفعل الحقيقى المشاهد فلا نستطيع أن نتجاوز حدودنا إلى فعل آخر ليكون هو الملهم والدليل والبرهان لنا فى إثبات الفعل المشاهد الذى نريد له أن يكون قصة فعلية تشاهد وتأتى أكلها الطيب وثمارها الوارفة وعظتها الطاهرة ونصحها الراشد وتعليمها العظيم وتسليتها النبيلة ومثالها الرائع ، ومنه نصل إلى أصل الفعل المشاهد.

المصدر: فتحي محمد حسان
aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 160/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
52 تصويتات / 585 مشاهدة
نشرت فى 29 أكتوبر 2009 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

123,923