العدد 7 لسنة 2016
المؤسسة الثقافيّة بين ماض من الزمان وآت.
بقلم : علاء الأديب
................................................
كنت قبل ان اندمج بالواقع الأدبيّ في تونس اسأل نفسي دائما
ماذا يريد الأنسان ليبدع أكثر من الأمان والإستقرار والأجواء الجميلة .
وجميع هذه الأمور متوفرة في تونس والحمد لله .
فلماذا إذن هذا الركود ؟ولماذا هذا التشظّي في المشهد الثقافي؟
كنت في البدء احسب بأن علّة المؤسسات الثقافيّة الرسميّة والتي يعاني منها الجميع هي المسبب الوحيد .لكنّني بدأت اكتشف كلّ يوم علّة جيدة أسوء من علّة مؤسسات الثقافة واللوبيّات المسيطرة عليها.
تجمّعت العلاّت وفاق عددها حدّ التصوّر وقد كنت احسبني بأنّني سأتمكن بالإفلات بنفسي من الوقوع في دوائر هذه العلاّت ومصادرها إلاّ إنّني سرعان ماوقعت فيها لأنّها ذات صلاة وطيدة بعمل أيّ أديب يدير جمعية ثقافية أو يسعى لتنظيم نشاط ثقافي لنفسه أو لغيره من الناس.
حاولت أن اربط الخيوط بين العلّة الأم وأذناب العلل الأخرى فنجحت نسبيا في أن اكتشف دهاليز الربط بين الإثنين.
شبكة معقّدة تربط بين جميع أطراف العلل المسببة لكلّ المشاكل التي يعاني منها الأديب التونسي والأديب العربي المقيم في تونس .
والطريف في الأمر بأنّ تلك الشبكة مصنوعة بطريقتين مذهلتين لم يكن لأحد من صنّاعهاظهور واضح على الساحة بل المتواجدون المتهمون بها الآن ماهم الاّ أدوات لتنفيذ خارطة طريق قد رسمتها أياد خفيّة لأسباب كلّما أردت أن انئى بها عن مدارات السياسة عادت بي الى تلك المدارات مرغما.
كان جميع الأدباء في تونس يحلمون بواقع ثقافي أدبي مغاير لما فرضه عليهم نظام الحزب الواحد والقائد الواحد . إلا إنّ الكثير منهم إن لم نقل جميعهم ممن عانوا التهميش والإقصاء والحيف مازالوا يعانون ذات المعاناة أضافة لمعاناة المحبط بثورته واتي غلّق عليها الآمال.
ما أن بدأت الدولة ببناء مؤسساتها الجديدة بعد الثورة حتى بدأ متنفذو العهد السابق يبحثون لأنفسهم عن ملابس شهداء الثورة الملطخة بادماء الزكيّة ليرتدوها وليحصلوا بطريقة او بأخرى على وجوه جديدة يمكنهم من خلالها المحافظة على الأقل بجزء مما كانوا قد حضوا به في العهد البائد أملا منهم بالتسلق من جديد لقيادة الركب مرّة اخرى.
وإن لم يكن هذا الأمر مسيّسا لصالح حزب او حركة أو ايدلوجيّة أو فكر معين فإنّه لاشكّ من مايمتاز به العديد من المتلونين والإنتهازيين والمصطادين بالماء العكر وهذا الحال طبعا ليس بتونس لوحدها بل هو السمة السائدة على العرب في كل الأقطار العربيّة.
وفعلا نحج هؤلاء بالعودة الى ماكانوا عليه بصورة او باخرى ومن لم تتح له الفرصة في ان يتقلد منصبا في ادارة مؤسسة ثقافية معينة .فقد دخل الساحة من جديد بتأثير من نوع اخر حتى تمكن هؤلاء بالأساليب الجديدة من السيطرة على شاءت له الأقدار ان يتبوء كرسيّا موروثا من كراسي العهد السابق بمكتب جديد من مكاتب العهد الحاضر.
وربّ سائل يسأل عن طبيعة تلك التأثيرات التي يمكن أن يؤثر بها هؤلاء على هؤلاء حدّ مستوى القرار ورسم السياسات في التعامل مع الأديب . وهنا من حقّ السائل علينا أن نوضّح له الصورة التي خفيت عليه بصراحة . وأقول خفيت عليه ولا أقول جهلها . لأن تلك المؤثرات معاشة ويتعايش معها الجميع كلّ يوم غير أنّ المرء يمكن ان لاينتبه لها لأنها تقع ضمن إطار مؤسسات ينبغي أن لايخضع العاملون بها الى ايّ نوع من انواع التأثير السلبي الذي يفضي أخيرا وحتما الى فقدان الدولة هويتها في الساحة الأدبيّة العربيّة والعالميّة .إلاّ انّ واقع الحال كان دون ذلك للأسف الشديد وبقيت الأحوال على ماهي عليه قبل وبعد الثورة في تونس بل ان هناك العديد ممن اكدوا لي بأنّ الحال بغعد الثورة قد صار اسوء بكثير مما كان عليه قبلها على الرغم من حريّة التعبير بالرأي والإنفتاح على العالم.وهنا تضاف مأساة ومعاناة جديدة اخرى لشبكة العلل المترابطة التي اشرنا اليها.
لقد نهج البعض من أرباب العروش السابقة في هذا المجال ولم يتمكنوا أن يحتفظوا بعروشهم من الوصول الى من خدمتهم الظروف للوصول عن طريق المجاملات والعلاقات المتبادلة على اسس المنفعة الماليّة وربّما السياسيّّة والإداريّة فكان تبادل المنفعة الشخصيّة بين الطرفين هو الأساس لمرور هؤلاء الى هؤلاء.
وعلى الرغم من المؤسسات الثقافيّة في تونس وغيرها من الدول العربيّة لاتحظى بدعم كبير يذكر من الحكومات الا إنّ حتى هذا الدعم البسيط له حيتانه وله من يتربص به ومن يحب أن ينتفع منه قدر المستطاع .لذا فإن تلك المؤسسات ولسبب ضعف دعمها فإن اكثر الحكومات لاتضعها تحت طائلة الرقابة والمسائلة فيها وكأنّ موضوع النزاهة من عدمها في هذا المجال مقتصر على السرقة والتلاعب بأموال الدولة فقط.ناسين او متناسين بأن هذه المؤسسات المسؤولة عن الإعلام وعن الثقافة هي السلاح الأمضى من السيف على عنق الدولة وسمعتها .
ولما انتبه المسؤولن لهذا بادروا بوضع قوانين أضنت وارهقت الأديب الذي يتعامل مع هذه المؤسسات لإقامة النشاطات الأدبيّة دون ان تضع قوانين لكيفية التعامل الحقيقي المطلوب للمسؤول بها تليق بمستوى ماتمثله هذه المؤسسات في الدولة .
وللحديث بقيّة بإذن الله
علاء الأديب.