العدد 4 لسنة 2016
أدباء منتديات نبع العواطف الأدبيّة
الأديبة ليلى أمين
الأديبة ليلى أمين
ليلى حاج أحمد هو اسمي. نشأت في بيت يقدس العلم حيث كان لدينا مكتبة ثرية أسسها والدي مدرس اللغة العربية رحمه الله. كنت أخلد إلى قاعة المطالعة كلما أردت أن أسافر بين سطور كتاب أو أشبع نهمي للقراءة. بدأ عشقي للغة العربية منذ نعومة أظافري و بدأت موهبة الكتابة تكبر معي فوجدتني أكتب أول محاولاتي الأدبية من عامي العاشر. أتذكر أن مدير المدرسة كان يجوب الأقسام ليقرأ عليهم مواضيعي الإنشائية مما زادني ثقة بقدراتي و شجعني على الإبداع أكثر و أكثر. عشقت اللغة التي أستمتع بتدريسها اليوم و تمتعت بالغوص في أعماقها. لي فرقة مسرحية أحرزت العديد من الجوائز الوطنية أنا كاتبة جميع مسرحياتها أذكر منها على سبيل المثال : أبناء الجزائر جرح في قلب التاريخ أعدولي طفولتي أوكسجين للبيع هذا إلى جانب مشروع كتابة مجموعة قصصية للأطفال من تراث الجدات سينشر عن قريب ان شاء الله. لي مجموعة قصصية أيضا عنوانها " يوميات مدرِّسة" في صدد المراجعة و التنقيح. أرجو أن أكون وفقت في اختيار هذه الخاطرة متمنية أن تنال اعجابكم.
على ضفاف الغدير
خرجت إلى الطبيعة وأنا أردد أعذب الألحان بما جادت به سريرتي من حب ووله بالحياة ولأبثها أخلص الروابط وأدفع عنها قوى البغي والظلم بل أجعل منها معزوفة ترددها الصبايا وأرسم منها لوحة خالدة تبهر الناظرين وأنقلها بسمة على شفاه المحبين.وبينما أنا أرقص على نغمات الأحلام! أيقظني صوت غريب.......تسللت بين الأشجارلأعرف مصدره،فلم أر غير بساط أخضر تأرجحت فيه بعض الأزهار البرّية . اقتربت أكثر فلمحت غديرا ماؤه كالأمل يحيي فؤاد الولهان هبّ نحوه نسيم عليل عانق عروس النهار ، فارتسمت صورة شمس الأصيل على سطحه حتى خيّل للناظر عذارى تتراشق بمياهه العذبة الصافية صفاء اللجين.وبينما أنا أمتّع النظر بهذا المشهد الملائكي زاد الصوت حدّة وزاد معه فضولي ترى من أين يأتي هذا الصوت؟نظرت من حولي...........أحسّه يقترب مني شيئا فشيئا .....إنّه بكاء قطرة ماء علقت بحذائي ،حاولت إعادتها إلى الغدير ولكّنها أبت وتشبثت أكثر........وقالت والبكاءأبحّ صوتها : انا لست قطرة ماء!!!!
أصغيت إليها في حيرة وهي تتوسل بقاءها معي لمساعدتها في إيجاد موطنها الأصلي . انحنيت إلى الأسفل وحملتها بين أناملي في رفق كي لا تنساب من بين أصابعي ورحت أجوب بها الغابات وأقطع الوديان بحثا عن المجهول.....سرنا سوّيا بين أحضان الطبيعة .ألقيت نظرة فإذا بها هادئة ،ثابتة بمكانها .
أشرقت الشمس عاليا فاغتاضت السنديانة وتمنت لو عانقتها لتزيد اللوحة جمالا ....ولكنّها أبت وظلّت عالية تداعب السماء رافضة عالم الحضيض و البلابل بعثت بالحانها الشجّية وعزفت سمفونية الخلود فانتفضت القلوب النائمة لترقص رقصة الحياة .
واصلنا طريقنا وسط الجنان والطيرفوق الغصون تملأ الجّو بأعذب الألحان.حينها قطعت خيوط الصمت وخاطبتها برفق :أيا لؤلؤتي فتجهمت وانتكست وردت:شتان بيني و بين اللؤلؤ!!!
جلسنا فوق صخرة عذراء تخفي وراءه زهرة داعبتها رياح الصباح تفوح بحلو العطر وقطرات الندى زادتها رونقا وجمالا. وفجاة قفزت من مكانها لتستقر فوق الزهرة مهللة مستبشرة وهي تصرخ بأعلى صوتها :عرفت من أكون : أنا قطرة من الندى . وما هي إلاّ هنيهة حتى عادت إلى يدي مكسورة الجناح وهي تردد: لست قطرة ندى ...
أرخى الليل سدوله وانتشر الظلام فنامت الطبيعة فوق الربى والسهول واختفت وراءها كل الألوان .
انزوينا تحت جذع شجرة نحلم بنورالصباح لنواصل الطريق.أحسّ الليل بأنينها ووجعها فضمّنا تحت جناحيه و لفّ حولنا وشاحه الأسود وهدّأ من روعنا بسكونه الروحاني وكأنّه يقول لنا ناما أنا هنا...
بزغ فجر جديد فنفض الليل جناحيه وحلّق في السماء, فانتشر الضياء و استيقظت الطبيعة على صوت المطر وهي تنعش الزهر والنبات و الأشجار فالتفت من حولي أجس نبض رفيقتي البائسة. لمحتها من بعيد وهي تتسلق ساق زهرة بللتها حبات المطر. حملتها بين أناملي ووضعتها فوق الزهرة برفق. وفجاة هبّت صارخة :لست قطرة مطر......فعاودها الحنين وانتكست رافضة وجودها.رثيت لحالها وانتابتني أوجاع أسكبت مدامعي فغرقت القطرة بنهر دموعي وإذا بها تهلل وقد تغيرت ملامح وجهها وازدادت لمعانا و هي تردد:يا فرحتي يا فرحتي اليوم عرفت هويتي,أنا دمعة من مقلة فرّت باحثة عن الخلود لكنّها أدركت أنّها تولد لتموت .
بقلم ليلى بن صافي