من طرائف شيوخ الأزهر

استقرت في أذهان كثير من الناس صورة نمطية للعلماء الأزهريين

سعود السرحان

* يشتهر أهل مصر بالطرفة وسرعة البديهة، وهذا أمر يشترك فيه رجالهم ونساؤهم، عالمهم وجاهلهم، لذا فشيوخ الأزهر الشريف لم يكونوا حالة شاذة بعيدة عن واقع المجتمع المصري.

إلا أنه استقرت في أذهان كثير من الناس، لا سيما من لم يكن من أهل مصر، صورة نمطية لشيوخ الأزهر، بعيدة عن الواقع، وساعد في ترسيخ هذه الصورة مجموعة من الأفلام المصرية أظهرت الشيخ المعمم بصورة: شرس الطباع، النهم في الأكل فهو يأكل بكلتا يديه، ويتكلم بفصحى مبالغ فيها، ويتقعر بالألفاظ، بل يتكلم في كلامه العادي «بالتجويد»! وسأذكر بعض الطرائف التي وقعت لمجموعة من كبار شيوخ الأزهر وعلمائه، تكشف عن جانب لم يسلط عليه الضوء في حياتهم العلمية والاجتماعية.

* الشيخ محمد بن إبراهيم السمالوطي:

* قال عنه أحمد الغماري: «كان ضيق الصدر شرس الأخلاق جداً، يحصل له في درسه مع السائلين مناوشات ومشاتمات ومضاربات ونوادر غريبة مشهورة عنه، شاهدنا منها الكثير، فكان إذا سأله سائل يجيبه أول مرة، فإذا أعاد عليه السؤال للتحقيق وحل ما أشكل من جوابه يبادره بقوله: اسكت يلعن أبوك. فمنهم من يتحمل له ذلك، ومنهم من يقوم، ومنهم من يشتمه بالمثل فيضربه (الشيخ) بنعله أو ينزل إليه من الكرسي ويتقاتلان، رأيت هذا منه مراراً، منها مرة مع رجل صعيدي غريب دخل يزور سيدنا الحسين ووقف في الدرس فسأله سؤالاً فأجابه عنه، ثم أعاد عليه السؤال فلعنه وسبه، فلعنه ذلك الرجل، فنزل إليه من الكرسي وقام الطلبة ففرقوا بينهما وأخرجوا الرجل من المسجد.

وحضرته مرة يقرأ في رمضان وفي الحضور رجل تركي فسأله أيضاً فلعنه، فرد عليه التركي بالمثل، فقام الشيخ من الكرسي واشتبك مع التركي بالمضاربة، فقام المجلس كله والحضور يزيدون على المائتين يفرقون بينهما، وأقيمت صلاة العصر فتقدم الشيخ إلى الصف الأول وكذلك التركي وبينهما الطلاب، وكنت خلفهما في الصف الثاني أو الثالث، فبمجرد أنْ سلَّم الإمام وثب الشيخ مع النطق بالميم من (السلام عليكم) وأخذ بتلابيب التركي واشتبكا في القتال، فتركت الناس يفرقون بينهما وخرجت».

* الشيخ محمد بخيت المطيعي (1854 ـ 1935):

من كبار علماء الأزهر، وعين مفتياً للديار المصرية. قال عنه أحمد الغماري: «كان متواضعاً مع الطلبة يباسطهم ويمازحهم في الدرس، وربما نطق بالألفاظ المستبشعة والحكايات المستهجنة مصرحاً بالألفاظ المتداولة، وكان حلو النادرة مقبول الفكاهة كثير النكتة، لا تمر به نكتة فيسكت عنها أصلاً، حتى انتشرت نكته بين الخاص والعام بالقطر المصري بأجمعه فتجدهم يحكونها عنه، ومما شاهدته من ذلك أني زرته يوماً مع بعض الفاسيين القادمين إلى الحج، وكان في مجلس فيه ناس كثيرون، فصرت أعرف به وقلت له: إنه من العائلة الفاسية الشهيرة، ولا بد أنْ تكون تعرفهم. فأجاب بقوله: أبداً، ولا شممت رائحتهم. يعرض بلفظ الفاسي عن الفسو.

وسأله يوماً طالب في الدرس بسؤال فأجابه عنه، ثم قدم غيره فسأله ذلك السؤال عينه، فقال له: ألم أجبك عن هذا السؤال الآن؟ قال: ما حضرت إلا الساعة. فقال: ... «إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا» (البقرة: من الآية 70).

وكان يوماً يتكلم في الدرس فانخفض صوته، فناداه طالب من جهة اليمين قائلاً له: ارفع صوتك فإنا لا نسمع. فالتفت إلى جهة الشمال وقال: وأنتم أيضاً لا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُم» (الأنفال: من الآية 23).

وقال له يوماً آخر طالب: ارفع صوتك فإنا لا نسمعك. وكان أمامه في آخر الدرس، فقال الشيخ، وخفض صوته: كذاب. فقال الطالب: لا والله ما أنا بكذاب وما أسمعك. فقال: عجباً! قولي لك: كذاب، بصوت منخفض سمعته والدرس لا تسمعه!».

نكتة للمطيعي مع الشيخ راضي:

ومن النكت المشهورة أن امرأة أرادت الطلاق من زوجها لكنه رفض طلاقها، فذهبت إلى الفقهاء والمفتين فلم يساعدها أحد، فذهبت إلى فقيه اسمه راضي وأعطته مالاً فأفتاها بأنْ ترتد وتذهب إلى الكنيسة فتعلن أنها تنصرت فيبطل نكاحها من زوجها ثم بعد ذلك تراجع الإسلام، ففعلت وطلقت من زوجها، واشتهرت هذه المسألة عنه، وذمه الناس وكفروه، وصادف أنه في تلك الأيام حضر وليمة عند رجل من الأغنياء وحضر العلماء والأعيان وكان في المجلس الشيخ بخيت وبجانبه الشيخ راضي، المفتي المذكور، فدخل خادم بصينية «الشربات» وصاحب المنزل معه، فقال له: ابدأ بالشيخين، يعني بخيتاً وراضياً، فحضرت الشيخ بخيت النكتة وقال لصاحب المنزل: لم تقل الشيخان وأنا لست بالبخاري والشيخ ليس بمسلم؟ (كأنه يتكلم عن الشيخين البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين، وهو يعرض بما قيل من تكفير الشيخ راضي)، فأراد راضي أنْ يجيبه على النكتة بأخرى فقال للشيخ بخيت: أرى الشيخ مغرماً بهذا الشاب؟ يعني حامل الصينية، فقال له بخيت في الحال: ما عليه شيء إذا كان هو راضي. (كأنه يتكلم عن رضا الخادم، وهو يعرض باسم الشيخ راضي).

* الشيخ سليم البشري (1867 ـ 1917):

* شيخ الجامع الأزهر، ومن كبار فقهاء المالكية، وتولى مشيخة الأزهر مرتين: دخل عليه طالب صغير يريد الانتساب إلى الأزهر، فقال له البشري: ما اسمك؟ قال الطالب: الزبير. فقال له الشيخ: حسن، إياك أنْ تكبر.

طرفة عن أحد علماء الأزهر:

قال أحمد الغماري: كنتُ أقرأ صحيح مسلم على شيخ من كبار علماء الأزهر، فكان يذكر عزمه على الحج في تلك السنة، فلما وصل وقت سفر الحجاج قلت له: هل لا زلت على عزم الحج هذا العام؟ قال: لا، إنما كنا نقول ذلك ليكتب الله لنا ثواب الحج!

* الشيخ محمد أبو زهرة (1898 ـ 1974):

* قال عنه الزركلي: «أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره». لم يكن الشيخ أبو زهرة صاحب نادرة فقط، بل كان محباً للنادرة، ومحتفياً بها، ففي إحدى محاضراته في الجامعة، وبينما الشيخ مستغرق في الشرح والطلاب مستغرقون في الإنصات، وإذا بطالب يدخل المحاضرة ويسير وسط القاعة معجباً بنفسه، ولاحظ الشيخ أبو زهرة أنه يضع على صدره وردة، فناداه الشيخ مداعباً: أهلاً أبو وردة. فضج مدرج القاعة بالضحك، فرد الطالب على الفور: أهلاً أبو زهرة. فأعجب الشيخ بفطنة الطالب وذكائه، وقام من مكانه ونزل إلى الطالب وحياه مقبلاً إياه.

ومن طرف الشيخ أبو زهرة في نقده للفقهاء، أنه قال في إحدى محاضراته، مخاطباً الحضور: أريد أنْ أتجه إليكم بالكلام قبل أن أتجه إلى الفقهاء، فإن نفوسكم بريئة طيبة ونقية، تعرف الحق والباطل بفطرتها، أما الفقهاء وأرجو أن لا يكون بينكم الكثيرون منهم، فلهم بابٌ من التأويل مفتوح، حتى أنه مرة ضاع لرجل محفظة نقوده، فقال: اللهم اجعلها في يد رجل طيب لا يكون مجاوراً (والمجاور هم طلاب الأزهر الذين يكونون من خارج القاهرة ويسكنون قرب الأزهر)، فقيل له: المجاورون أطيب الناس. فقال: أخشى أن يستحلَّ ما في المحفظة بفتوى أو بقولة جاءت في حاشية.

alayman

اللهم ما اجعله خالصا لوجهك يا كريم وانفعنا به واجعله فى ميزان حسناتنا

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 241 مشاهدة
نشرت فى 11 مايو 2010 بواسطة alayman
alayman
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,428