الدعوة إلى الله -تعالى- هي مهمة ورسالة أشرف الخلق (الأنبياء والمرسلين) -عليهم الصلاة والسلام-، وهي سبب خيرية أمة الحبيب محمد  " صلى الله عليه وسلم" ، ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  حين كان يقول: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها. قالوا: وما شرط الله فيها يا أمير المؤمنين؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

والإسلام دين يصلح به كل زمان ومكان على مر العصور، حيث أخذ بكل الوسائل المتاحة لنشر الدعوة من الخطابة والرسائل والشعر والاتصال الجمعي في المساجد وموسم الحج والعمرة، ولنا في رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أسوة حسنة، فهو الذي استخدم وسائل متنوعة منذ بعثته، مثل: الخطابة، والإشارة باليد والأصابع والعصي، كما استخدم الرسم على الأرض، فها هو  " صلى الله عليه وسلم"  يستخدم التخطيط والرسم على الرمال، ليبين لأصحابه الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بالسير عليه، حتى لا نضل ولا نفترق، ويتضح ذلك من حديث ابن مسعود  "رضي الله عنه"  إذ يقول: خط رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  خطا بيده ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيما» ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه السبل ليس سبيل منها إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَ?ذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ? وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (الأنعام:153)، وتارة تجده يستخدم الإشارة فيقول  " صلى الله عليه وسلم"  فيما رواه سهل بن سعد الساعدي  "رضي الله عنه" : «بعثت أنا والساعة كهاتين»، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، مشيرا إلى قرب قيامها، ضاربا بذلك أعظم الأمثلة الإعلامية في استخدام مختلف الوسائل، من أجل توصيل الرسالة الاتصالية عن طريق استثارة الحواس جميعها.

كما اعتنى الإسلام ورسوله بالاتصال المواجهي من شخص إلى آخر، أو إلى مجموعة قليلة من الناس، علما أن نظام الدواوين، والوقف والزكاة صنع إسلامي أصيل، حتى إن الإسلام استوعب ما سبقته إليه الأديان الأخرى من فضائل وإيجابيات، وبعضها أقرها كما هي والبعض الآخر طورها وصبغها بصبغة الإسلام، بما ينفع الناس كافة.

ومع التطورات المتلاحقة، وبخاصة ما يتعلق بالتقنيات الحديثة مثل الإنترنت التي أحدثت نقلة غير تقليدية في عالم الاتصال والتواصل، بوسائله المختلفة مثل الصحف والمواقع والإذاعات الإليكترونية المسموعة والمرئية، والمدونات، والشات، والمنتديات، والبريد الإليكتروني، والمجموعات، ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن الدعوة الإسلامية أحوج ما تكون إلى استخدام هذه الوسائل وبفاعلية لشرح مبادئ، وقيم، وموقف الإسلام من القضايا المطروحة على الساحة في مختلف المجالات الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والعسكرية، والإنسانية، وغيرها.

ويلاحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة «الفيسبوك» و«تويتر» استحوذت على عقول كثير من الناس، وبخاصة الشباب منهم، مما يجعلنا نؤكد على ضرورة التوجه صوب هذه الوسيلة لاغتنامها في الدعوة الإسلامية، من خلال دعوة غير المسلمين للإسلام وتعريفهم به، ودعوة الشباب المسلم للتمسك بدينه وعدم الولوج في بحر الظلمات المليء بموبقات التواصل مع الآخرين، وهي لا تخفى على أحد، بل أكدتها الدراسات العلمية وغيرها، ومنها دراسة أجريت على عينة من طلاب الجامعة، حيث أكدوا أن الفيسبوك قد يتعارض مع الثقافة والقيم والمبادئ السائدة في مجتمعاتهم، ومع ذلك فهم لا يمكنهم الاستغناء عن متابعته

 

وحسب دراسة أجرتها شركة كيتشوم بلون عام 2011م بعنوان «الفيسبوك وحماية الخصوصية الفردية» تبين أن حوالي (800) مليون يستخدمون الفيسبوك، وفي دراسة لشركة Surge ons digital المتخصصة بتسويق العلامات التجارية على الشبكات الاجتماعية عام 2010م بينت أن أكثر من 500 مليون مستخدم للفيسبوك، وأن حوالي 100 مليون مستخدم لتويتر.

كما توصلت إحدى الدراسات حول الطلاب والشبكات الاجتماعية عام 2010م إلى أن 40 في المئة من الطلاب موضوع الدراسة استخدموا الفيسبوك لاكتساب معارف وخبرات، و20 في المئة للبحث عن أصدقاء، وأن نسبة 50 في المئة منهم يستخدمون الفيسبوك كشبكة اجتماعية، وأن هذا الاستخدام يشغلهم عن الدراسة، وأن هذا الاستخدام يؤدي بهم إلى التكاسل والتراخي بنسبة 30 في المئة.

 

وعلى الرغم من تلك الإيجابيات لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن لها سلبيات خطيرة جدا على سلوك الشخصية المسلمة، وعلى عقيدتها وآدابها، وقيمها، وأخلاقياتها، لأنها ليس فيها حدود للتعامل بين المسموح والممنوع، أو بين الحلال والحرام؛ بل كل شخص حر فيما يطرحه من فكر أو سلوك أو اعتقاد، فتجد انتشارا كثيفا لتلك الصفحات التي تدعو إلى نشر الإباحية والإلحاد، وعقيدة الحرية الشخصية، وغير ذلك من الأفكار الخبيثة والدخيلة على هذا المجتمع المسلم الملتزم بحدود الله تعالى، بل هناك حرية شخصية تفعل ما تريد كيفما تريد، طالما لا تتعدى على حرية غيرها، وهذا مناف تماما للإسلام جملة وتفصيلا، وهدفه الوحيد هدم تلك الصلة القوية بين المسلم وبين دينه

 

لكن الأخطر من ذلك، ومن هذه الصفحات الإباحية والتي تهدف إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا، هي تلك الصفحات التي تشكك المسلمين في دينهم وفي عقيدتهم، وقد انتشرت تلك الصفحات الاجتماعية بكثافة كبيرة جدا، خصوصا في الأعوام الثلاثة المنصرمة، فتجد الصفحة تسمي اسمها في البداية بأي اسم علمي، ثم تأخذ في عرض مميزات الإسلام، والتي تتفق مع ما يريدونه من أهداف، كاحترام الإسلام للمرأة مثلا، وكيف أن الله عزوجل وصى بها وكرمها، ثم بعد ذلك يأتي بطرح شبهة تمس المرأة أيضا، وذلك بعد أن جذب روادا كثرا لتلك الصفحة، ثم شبهة أخرى، وغالبية تلك الشبهات إنما هي من كتب المستشرقين، ثم يأخذ في تشكيك المسلمين في دينهم عقائديا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا، حتى يرسخ عند المسلم فكرة أن هذا الدين إنما هو بينك وبين ربك، ولا يصلح أبدا أن يخرج إلى الحياة بعد هذا التطور العلمي الصارخ الذي لن يستطيع الإسلام مجاراته

 

كذلك من أخطار هذه المواقع على الشخصية المسلمة، أنها ضياع للأوقات بشكل كبير جدا، وأن هناك كثيرا من رواد تلك المواقع اكتفوا بالتواصل الافتراضي، واستغنوا به عن التواصل الحقيقي مع الناس العاديين، وحتى مع أقاربهم، مما يشكل خطرا شديدا على الصحة النفسية والاجتماعية، وكذلك القدرات العقلية، مع مرور الوقت، مما قد يجعل الشخص مصابا بمرض التوحد، وهذا الأمر أخطر ما يكون على الأطفال، بجانب أنها قد تكون مدخلا لإقامة علاقات شخصية محرمة.

فعلى سبيل المثال أكدت «سيتي هاريانتي» الأمينة في محكمة شرعية في جونونج كيدول في إندونيسيا أن الفيس بوك وراء حمل المراهقات، أو في الزواج المبكر مؤكدة لوكالة «أنتارا» الإندونيسية الحكومية أنه السبب في تزايد حالات حمل المراهقات في البلاد، وقالت «هاريانتي» إن «الدخول على الفيس بوك بات سهلا، حتى في القرى مما يؤدي إلى أن تصبح الفتيات حوامل خارج نطاق الزواج» حيث يبلغ عدد مستخدمي «فيس بوك» في إندونيسيا 35 مليون شخص، ما يجعلها ثاني أكبر سوق لاستخدام الموقع بعد الولايات المتحدة حسب موقع «جلوبال بوست» الأميركي على الإنترنت

 

ومن يطالع الصفحة العربية للفيسبوك يجدها من أسوأ الصفحات على مستوى لغات الفيسبوك قاطبة، سياسيا وأخلاقيا ولغويا وحواريا وأدبيا وقيميا.. صحيح أن الكثيرين محترمون يدركون الفرق بين حياتهم الخاصة والعامة، ويتصفون بالرقي في كتاباتهم وحواراتهم، ومع ذلك هناك من يصرون على تشويه كل ما هو جميل في حياتنا، فهل كتب علينا أن نكون دائما في ذيل القائمة؟!

فقد أوصت دراسة سعودية حديثة بضرورة تنمية الأخلاقيات الإيمانية ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني، وتفعيل دور الجامعات السعودية في تقديم برامج تسهم في رفع مستوى هذه الأخلاقيات، حيث توصلت الدراسة التي أجراها الدكتور خالد بن علي القرشي من جامعة أم القرى على (1939) طالبا من خمس جامعات، وكانت بعنوان «أخلاقيات التواصل الاجتماعي الإلكتروني لدى طلاب الجامعات السعودية».. توصلت هذه الدراسة إلى أن 5 في المئة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني استخداما سلبيا، وأن 75 في المئة من المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي يهتمون بنشر الفضائح على «الفيسبوك»، بينما يهتم 72 في المئة منهم بنشر الغيبة على «تويتر»

 

ويمكن توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة الدعوة الإسلامية على النحو التالي:

أولا- الفيس بوك «Facebook»: وهو موقع اجتماعي شهير يدخل عليه الملايين على مستوى العالم، وهو ما يؤكد أهميته ورواجه الواقعي، ومن خلاله يمكن التواصل مع أي إنسان في أي مكان وزمان، ومن هنا فقد انتبه إليه دعاة كثر في زماننا، وتم عمل صفحات شخصية لهم عليه لمخاطبة جماهيرهم، ونشر الدين والدعوة داخل العالم العربي وخارجه، ولكن ليس بالحجم المطلوب، ويمكن توظيفه دعويا من خلال القيام بالآتي:

1- عمل مجموعات «GROUPS» تقوم بالحث على الفضيلة ونشرها بين الناس.

2- مراسلة جميع أصحاب الصفحات الموجودة لدى الداعية بما تريد توصيله من قيم وأخلاق وغيرها من أعمال فاضلة.

3- التواصل مع غير المسلمين لدعوتهم إلى الدين الإسلامي العظيم؛ وذلك بإتقان لغة المخاطب، وتوضيح صورة الإسلام الصحيحة التي شوهها الغرب عبر إعلامهم.

فقد تمكن داعية سعودي بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بغرب الدمام (نور) من إقناع عروس كندية في العقد الثاني من عمرها بالإسلام عبر موقعي «الفيسبوك» و«سكايبي»، وأعلنت إسلامها تزامنا مع حفل زواجها في بداية العام الميلادي الحالي 2014 بحضور والدها، وأكد فضيلة الشيخ يوسف الرشيد، مدير المكتب على ممارسة دعاة المكتب هذه الدعوة الإلكترونية باستخدام آخر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات التقنية التي وجدت تفاعلا حقيقيا، حيث يوجد أكثر من 100 ألف طالب مستفيد من برامج الدعوة عبر الإنترنت، مع دعاة المكتب على مستوى العالم بأستراليا وبريطانيا والهند وبنجلاديش والفلبين، والتي حققت نتائج ممتازة (9).

4- محاربة المجموعات التي تقوم بتشويه صورة الإسلام والضغط على موقع الفيس بوك لإغلاقها، وهذا ما حدث بالفعل مرارا وتكرارا في مواقف مختلفة.

ثانيا- تويتر «TWITTER»: هو أحد المواقع التي تقدم خدمات مجانية للتواصل الاجتماعي والتدوين المصغر، ويسمح للمستخدمين بإرسال أهم اللحظات في حياتهم في شكل تدوينات نصية لا تزيد عن 140 حرفا؛ وذلك من خلال خدمة الرسائل النصية القصيرة، برامج التراسل الفوري، أو البريد الإلكتروني، ويتميز باستقطاب صفوة القوم، وقطاع لا بأس به من الشباب من الجنسين.

ثالثا- الإيميلات (E:mails) ومجموعات البريد الإلكتروني

(Hotmail - Yahoo maktoob - Gmail)

التي يمكن من خلالها:

1- نشر فكرة إسلامية معينة، أو إرسال رسالة مؤثرة تصحح مفهوما أو تدعو إلى خلق فاضل.

2- التذكرة بفضل المناسبات الإسلامية في وقتها، والدعوة إلى العمل الصالح فيها: ومثال ذلك: دعوة من لديك على بريدك الخاص إلى صيام الاثنين والخميس، أو إلى صدقة جارية أو قراءة القرآن.

3- المشاركة في أعمال خير، أو أعمال اجتماعية تخدم المجتمعات الإسلامية من خلال التعاون الإيجابي على القيام بها، ودعوة رجال الأعمال للمشاركة فيها.

رابعا- المدونات (bloggers): التي يمكن من خلالها القيام بالآتي:

1- توصيل رسالة المدون إلى متصفحي مدونته وتوجيه أفكارهم نحو الصالح.

2- يمكن من خلالها نشر مواعظ ومقالات وأخبار وتحليلات.

3- مواكبة الأحداث الجارية ونشر فكرة المدون وتعليقاته على الأحداث؛ وهو ما يجعلها أكثر فعالية وواقعية.

ويمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عمل حملات إيمانية متواصلة، مثل حملة «كلمني فجرا» (CALL ME DAWN): لإيقاظ أكبر عدد من المسلمين لصلاة الفجر في جماعة، حملة «لا للتحرش» (NO HARSSEMENT):، حملــة «نصــرة غــزة وفلسـطين» (HELP GAZA)، حملات الحجاب، حملة ضد البنطلون الساقط، حملة نصرة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، حملة علاج الفقراء، حملة نظافة البيئة، وحملة ضد ارتفاع الأسعار...الخ، وتوعية الشباب المسلم من الجنسين بعدم الوقوع في الرذيلة الافتراضية التي دمرت مستقبل كثير منهم، وتحذيرهم أشد التحذير من السقوط في شباك الأجهزة المشبوهة التي تجند فتيات في صورة أصدقاء، أو تطلب وظائف محددة ومغرية، فيتهافت إليها الشباب وسرعان ما يقعون فريسة لهذه الجهات.

alayman

اللهم ما اجعله خالصا لوجهك يا كريم وانفعنا به واجعله فى ميزان حسناتنا

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2038 مشاهدة
نشرت فى 9 مارس 2019 بواسطة alayman
alayman
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,698