بسم الله الرحمن الرحيم
والله إني لأحبك ...
والله إني لأحبك ..!
أخبرني ماهو شعورك عندما يقولها لك إنسان.. وهو آخذ بيدك إلى يده؟
فكيف إذا كان هذ المحب موضع احترامك وتقديرك؟
فكيف إذا كان قدوتك؟
فكيف إذا كان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!
أسأل نفسي .. ترى كيف كان شعور معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو يسمع هذه العبارة ويده بيد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كيف خفق قلبه؟ وتفتحت حواسه كلها لها.. ولكل ما سيأتي بعدها؟ هل نلومه لو طار قلبه بها فرحا وانقادت نفسه استجابة لما بعدها؟!
ونلتفت بقلوبنا؛ لندخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بنا نرى معاوية بن الحكم يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عَطَس رجلٌ من القوم، فشمَّته معاوية - ولم يكن يعلم أن الكلام في الصلاة محرَّم- فتكلَّم أيضًا! فأخذ الصحابة يضربون أفخاذهم بأيديهم يُسكتونه، ولك أن تتخيل الأنظار بعد الصلاة متجهة نحو معاوية مستنكرة، ولك أيضا أن تتخيل شعور معاوية وخوفه وقلقه وترقبه وهو - والجميع- ينتظر ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيال هذا التصرف المحرم في الصلاة..هل سينهره؟ هل سيعنفه؟ هل سيسخر من جهله؟ هل سيشيح بوجه عنه؟
ومع هذا الشعور المفعم بالترقُّب تأتي المفاجأة السعيدة التي حفرت في قلب هذا المخطئ معاني الامتنان والحب والتقبل والتربية النبوية الفريدة!
يقول معاوية: فلمَّا انصرف رسول الله دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبَّني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فقال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) قال النووي : فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم، وفيه التخلق بخُلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه. أهـ
هذان مثالان فقط ، وإلا فإن السيرة النبوية حافلة بعشرات المواقف التربوية الرائعة من القدوة المطلقة صلى الله عليه وسلم ، واسألوا معاذ بن جبل، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، وخريم بن فاتك، وعبدالله بن عمر، وعمر بن سلمة، وأبو محذورة القرشي، وإن نسينا فهل ننسى الفتى المستأذن في الزنا؟ وغيرهم كثر.
إننا اليوم - ياكرام - أشدّ ما نكون حاجةً لهذه الأساليب النبوية في تربية الناشئة، والتعامل الحكيم مع أخطائهم، خصوصا مع ما يواجهه مجتمعنا المسلم من تحديات ثقافية وفكرية وشبهات عقدية وفقهية، وما يعيشه شبابنا ذكورا وإناثا من انفتاح يصعب ضبطه على ثقافات العالم المختلفة.
كل ذلك يحتاج من المربي الوعي والبصيرة والتحلي بأدوات التربية الناجحة، ووسائل معالجة الخطأ المؤثرة بعيدا عن القسوة والتعنيف والفوقية، من تلك الأساليب: التعريض لا التصريح ، الإيحاء والإشارة، الحوار والتدرج في الإقناع، الثناء المغلف بالتوجيه، اللوم والتوجيه الرفيق.
إن من أكبر مشاكلنا التربوية اليوم في بيوتنا أو في محاضننا التربوية هي عدم قدرة المربي على الوصول لقلب وعقل الناشئ، يحدث ذلك عندما نعتبر التربية توجيهات وتعليمات ومتابعة ورقابة ومحاسبة فقط.
ياكرام : التربية الحقيقية هي صناعة الإنسان الواعي؛ المستقل بذاته المتعلق بربه؛ المتبع لنبيه؛ والواعي بغاية وجوده وأهمية دوره وما ينتظره منه مجتمعه وأمته.
التربية الحقيقية في الحوار المغلف بالاهتمام، الممزوج بالوعي، المدعوم بالقدوة، المقترن بالاحترام للمتربي.
التربية الواعية تعني أن نتفهم حتمية الخطأ البشري، وأن نتعلم كيف نتعامل معه، وكيف نستثمره للبناء لا للهدم.
شبابنا يستحق، ومجتمعنا يحتاج، وأمتنا تنتظر.. وأنت أيها المربي كلمة السر.. فانتبه!
ساحة النقاش