عالم السياسة والثقافة الإخباري .. نصر الزيادي

أيها الشعب إياكم أن تطالبوا باستخراج الثروات من باطن الأرض 

    كنت أتمنى سابقا من حكوماتنا المتعاقبة أن تستخرج ما في باطن الأرض من خيرات وثروات لعل الشعب يخرج من معاناته الطويلة ويأخذ نفس من الراحة ، وهو الذي عاش فترة طويلة باعتباره الإستثمار المفضل لدى الحكومات بما تفرضه عليه من رسوم وضرائب ورفع أسعار ، وتَحَمَّلَ المواطن الأردني ما لم يستطيع تحمله أي مواطن على وجه البسيطة دون حمد أو شكر ، بل حتى أنه يسمع شتيمته بأذنه ويصفح عنها ، فسجل بهذا المواطن المثالي في العالم .

    أما الآن فإنني أصر وبحزم يجب ألا تستخرج هذه الثروات في الوقت الراهن في ظل حكومات يشار إليها بالبنان ولا تستطيع محاسبة الفاسدين والمفسدين وما يقوموا به من محاسبات وفتح ملفات هنا وهناك ما هي إلا تغطية حمقاء عن بؤر الفساد الحقيقي لتغض نظر الشعب بل تحوّل الأبصار عن بؤر الفساد الحقيقية .

    إن ابتداء فتح ملفات الفساد منذ فترة بشخصيتين بارزتين ومدعومتين من الوسط العشائري لم يكن بمحض الصدفة ، بل أكاد أجزم أن الأمر مخطط له ومدبر ومعروف عندهم نتائجه مسبقا وتحقق لهم ما أرادوه بالفعل .
    فعند الإعلان عن هاتين الشخصيتين وعن تهم الفساد الموجهة لهم قامت عشائر هؤلاء بالتجمهر من جهة وبالتهديد من جهة أخرى ، وهذا ما أرادته القوى الخفية المسيطرة على الأوضاع برمتها . وبدأت ملفات الفساد تُغلق الواحدة تلو الأخرى بطريقة أو بأخرى ، وبدأ الإعلام المأجور والموجه يعزف على نفس وتر المخططين لهذه اللعبة القذرة التي انطوت على معظم الشعب ، فقد سمعنا في عدة محطات تلفزة وإذاعة من عدة مسؤولين في حينها بأننا نريد أن نحاسب الفاسدين لكن الشعب هو من لا يريد محاسبتهم واستشهدوا بخروج المدافعين عن المتهمين الى الشوارع . فاختيار هاتين الشخصيتين تحديدا في ظل هذه الظروف الراهنة وبما يسمى ربيع عربي هو فساد بعينه للتغطية على ملفات الفساد المتراكمة والتي تطال رموز كثيرة في الوطن وسد أفواه المطالبين بفتح ملفات الفساد .
    فلما لم يختاروا شخصيات غير هؤلاء وليس لهم ثقل عشائري وكلنا يعلم أن معظم من تولى المناصب الحساسة هم من عائلات صغيرة العدد ولا وزن لها بين العشائر وهم كثر ومن ثم يتحولوا الى الشخصيات التي لها وزنها العشائري أو الشعبي فيكون حينها اقتنع الشعب أن الحكومات جادة في محاسبة الجميع ولا أحد يستطيع الاعتراض على محاسبتهم !!؟
     من هنا فقد عملت هذه القوى على توجيه رسالتين هامتين بهذه الخطة الشيطانية ، الرسالة الأولى وجهت الى الملك عبدالله الثاني الذي كان يطالب ويركز بخطابات التكليف السامية لرؤساء الحكومات المتعاقبة بمحاسبة الفاسدين والقضاء على الفساد والمراد من هذه الرسالة أن يثبتوا للملك أن الشعب نفسه لا يريد فتح هذه الملفات . والرسالة الثانية الى الشارع الذي بات حديثه في حينها وفي كل مناسباته لا ينقطع عن المطالبة بمحاسبة الفاسدين . ونجحوا في اقناع الجميع بأن ملفات الفساد ليست بالحجم الذي يصوره المطالبون بفتح هذه الملفات ، وأن فتح مثل هذه الملفات " الصغيرة " مثلما صوّروها للجميع سيؤثر سلبا على جلب الإستثمارات للبلد من جهة ومن جهة أخرى ستجعل الدول المانحة والداعمة للأردن تتخوف من إرسال أي دعم طالما لا يذهب في الإتجاه الصحيح . فسكت معظم المطالبون بفتح هذه الملفات وبقيت أصوات قليلة ربما لا أحد يسمع لها أو يعيرها أي اهتمام ، والأخطر من ذلك أننا لم نرى في خطاب التكليف السامي الأخير ذكرا لهذا الموضوع وهذا يدل أن الملك ربما اقتنع بتلك الرسالة أو أنه اقتنع بأن هذه القوى والتي أطلق عليها من قبل قوى الشد العكسي ليس بالسهولة التخلص منها .
    
    لذا ومن هذا الباب ولوضوح الرؤيا لدينا نرى أن من الضروري جدا أن تبقى الثروات في باطن الأرض ويجب علينا أن نقف بوجه كل من أراد استخراجها والحفاظ على هذه المقدرات بكل ما أوتينا من قوة ولا نسمح باستخراجها إلا بعد تصفية البلاد من كل الفاسدين وتولي من يتسم بهم الشعب خيرا أمور المسؤوليات والولاية العامة .  

نصر الزيادي

السبت الموافق 28-12-2013م

عمان - الأردن