عالم السياسة والثقافة الإخباري .. سليمان أبو الخيل
نحو إستراتيجية حديثة للتعامل مع العشائرية كمنظومة سياسية اجتماعية تتلاءم مع المرحلة
مقدمة:
لا يخفى على عاقل إن القبيلة أو العشيرة لم تعد مجرد منظومة اجتماعية ترتبط بروابط معينة تعيش في البادية وتُختزل في رجل هرم يرتدي عباءة يقول فيسمع له و يؤخذ كلامه بشيء من القداسة. بل أصبحت العشيرة والقبيلة في هذا الزمان منظومة سياسية اجتماعية تضم في كنفها كفاءات وطاقات ونخب وسياسيين ومفكرين أشبه ما تكون بحزب سياسي ، ولا بد من التعاطي معها وفق هذا المنطلق والمنظور حيث لم يعد مقبولا التعامل معها بمنظور الستينات والسبعينات واختزالها في شخص أمي (غالبا) يرتدي عباءة ويحمل أفكار متهرئة لا تصلح لمثل هذه المرحلة وتجاهل تلك الطاقات الشبابية الواعية والمثقفة وهذا ( للأسف ) ما هو بمعمول به في مستشاريه العشائر في قيادته البادية لغاية الآن.
لذا فان هذا البحث أو الدراسة إن جاز التعبير يحمل بعض الأفكار أو العناوين التي يمكن الأخذ بها ضمن إستراتيجية حديثة لاستيعاب العشيرة أو القبيلة ودمجها في المجتمع من خلال اعتبارها منظومة سياسية واجتماعية ذات روابط تمارس من خلالها أشكال الديمقراطية وتستوعب طاقات شبابها ضمن المصلحة العليا للوطن والمجتمع بدل اختزالهم في ذلك الشيخ الذي فاته القطار لسنين خلت وترك تلك الطاقات تتشتت هنا وهناك باحثة عن ذاتها وربما تستغل من قبل المتربصين لغير مصلحة الوطن والله الموفق .
المفهوم التقليدي للقبيلة والعشيرة
كانت القبيلة أو العشيرة في السابق تعني مجموعة من الأفراد تتسق مع بعضها بروابط معينة مثل ( الدم والعادات والتقاليد ) وربما الجغرافيا... الخ وغالبا ما تتصف بصفات مثل البداوة ويغلب عليها الأمية وضعف الثقافة اللهم إلا فيما يخص القبيلة وعاداتها ، ويغلب عليها أيضا عدم الاهتمام بشؤون الحضر من سياسة وغيرها وكان يقبع على رأس هذه العشيرة رجل كبير السن يرتدي عباءة وتكون له امتيازات تكاد تكون مطلقة في قيادة هذه المنظومة الاجتماعية في الحرب والسلم ، وكانت كلمته مسموعة يسمعها الجميع ، ومستقبل القبيلة معلق على قدرات هذا الشيخ سلبا وإيجابا ، وكان يغلب على سلوك هذه القبائل والعشائر طابع الفزعة والتعصب للقبيلة أو العشيرة ، وكانت الأمور تسير بشكل شبه عادي آنذاك في ظل بساطة الحياة وخلوها من التعقيدات الموجودة في العصر الحاضر.
المفهوم الحديث للقبيلة أو العلاحقة
في ظل تطور الحياة وانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال وانتشار العلم وميل أبناء القبائل والعشائر للتعلم والتلاقح بين البدو والحضر ، وارتقاء مستوى التفكير لدى أبناء البادية وازدياد وعيهم لمسؤوليتهم تجاه أبناء وطنهم وأمتهم ، وإيمانهم بأنهم جزء لا يتجزأ من البناء الاجتماعي والسياسي والثقافي من أمتهم ، وفي ظل انتشار الأفكار السياسية والنظريات والمذاهب السياسية وتحول العالم نحو الحياة الحزبية ، وفي ظل فشل أساليب السيطرة وعدم جدوى ما يسمى بالإحكام العرفية ، وكذا السيطرة الفكرية والإغلاق الإعلامي الموجه في منطقة معينة ، في ظل هذا كله وغيره نجد أنفسنا مرغمين على تغيير النظرة للقبيلة والعشيرة بمفهوم ومنظور حديث يواكب المرحلة ، فلم تعد القبيلة هي مجرد منظومة اجتماعية كما هو المفهوم القديم ، بل لا بد من النظر إليها كمنظومة سياسية اجتماعية أشبه ما تكون بحزب بمواصفات خاصة ، لأنها أصبحت تتعدى كونها مجموعة أشخاص عاديين يحكمهم شيخ كبير مطاع ، فقد أصبح بناء القبيلة أو العشيرة يحتوي على كفاءات واتجاهات و مشارب فكرية مختلفة ، ففيها الدكتور والمهندس والمحامي والسياسي والاقتصادي والحزبي ، وفيها أصحاب الطاقات من الشباب وفيها القيادات ، لذلك لم يعد ممكنا التعامل معها بالطريقة التقليدية واختزالها في ذلك الرجل الهرم الذي يرتدي عباءة ويصدر أوامر هنا وهناك دون أن يملك في غالبية الأحيان أدنى مستوى من الوعي السياسي وحتى الاجتماعي لما يدور حوله ، لذا أصبحت القبيلة والعشيرة في ظل تعاملنا معها بالطريقة القديمة أصبحت مصدر لكثير من المشاكل ، لذا خرجت بعض النظريات تنادي بضرورة السعي لتفتيت العشائرية والاستغناء عنها بالحزبية ، وهذا في نظري غير ممكن بل يكاد يكون مستحيل ، فما هو الحل ؟؟ هذا ما سنتطرق إليه في عناوين لاحقة ..
الإستراتيجية الحديثة للتعامل مع القبيلة أو العشيرة في ظل ما ذكر من التحول في مفهوم ومضمون القبيلة والعشيرة بين الماضي والحاضر
لا بد من الحديث عن إستراتيجية حديثة للتعامل مع القبيلة والعشيرة واستيعابها كمنظومة سياسية ضمن الجسم الطبيعي للدولة الأردنية من خلال مجموعة المرتكزات التي تتكئ عليها هذا الإستراتيجية مثل:
أولا: العمل من خلال أجهزة ووزارات الدولة المختلفة على دراسة أوضاع العشيرة والتغيرات التي طرأت عليها وكيفية بناء طريقة حديثة للتعامل مع مكونات هذه العشائر وتفعيل الطاقات والكفاءات ضمن هيكلة القبيلة والعشيرة بدل من تهميشها وتركها تهرب إلى الأحزاب والهيئات السياسية الأخرى وتفريغ القبيلة من هذه الكفاءات وجعلها خاوية مختصرة على ذلك ( الشيخ ) ومجموعة من الناس العاديين الذين لا يجدون من يوجههم الاتجاه الصحيح فتصبح العشيرة مصدر للمشاكل والأخطار كما نشهده في هذا الزمان ، فالعنف الجماعي أصبح مصدره العشيرة وبعض الحراكات الغير واعية أصبح مصدرها العشيرة ، وعصابات سرقة السيارات أصبحت تحت حماية العشيرة ، فما أن تسرق سيارتك حتى تنصح بالذهاب إلى المنطقة الفلانية ومقابلة الوجيه أو ( الشيخ ) الفلاني الذي يقوم بدوره بالتوسط بينك وبين مجموعة من ( الزعران ) والذي هم بنظره أصبحوا أبطال لقصر نظره ، فتدفع مبلغا من المال ثم تأخذ ما تبقى من سيارتك . فهل يعقل أن نبقى نتعامل مع هذا الواقع وندفن رؤوسنا في التراب ولا نفكر في العمل على تقوية المفاهيم والروابط ودعم الكفاءات داخل العشيرة .
ثانيا: لا بد من الوقوف مع مستشارية العشائر في قيادة البادية ورفدها بالكفاءات والعمل على أحداث ثورة أصلاحية داخل هذه المستشارية بالتعاون مع أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة لتغيير شامل في طريقة التعامل مع العشائرية كمكون مهم من مكونات الوطن , وفي نظري أهم من الأحزاب ودليل قولي هذا انه حتى الأحزاب لا تستطيع أن تستغني عن العشائرية فتجدها في الانتخابات تتكئ على العشائر من خلال طرح مرشح حزبي ابن عشيرة ، أذا فالعشيرة تمتلك من المقومات والروابط ما يفوق الأحزاب فهل يعقل أن نهمل العمل عليها . العاقل يقول غير ذلك ، إذا لا بد من تضافر الجهود من اجل تشكيل هيئات شبابية مثقفة داخل كل عشيرة تعتبر رديف للمشايخ في استيعاب أبنائها ضمن هذه التجمعات الشبابية للاستفادة الواعية من طاقات العشيرة في مصلحة الوطن فأبناء العشيرة اقدر على التأثير في بعضهم البعض وأقوى في التوجيه وإصلاح السلوكيات الشاذة إذ أن هناك داخل العشيرة من المثقفين والشباب من يؤثر ( و يمون ) أكثر من معظم الشيوخ لكنه مهمش بل ومحارب من قبل هؤلاء الشيوخ لخوفهم على مراكزهم الوهمية من قدرات الشباب.
ثالثا: بالعمل على تشكيل هذه الهيئات داخل العشائر مع ضرورة أن تشكل بطريقة متوازنة بحيث تستوعب جميع ألوان الطيف داخل العشيرة مهما اختلفت التوجهات إذ الاختلاف يثري العمل ، وهذا واجب الأجهزة الأمنية المختلفة أثناء تشكيل هذه الهيئات والتجمعات.
رابعا: الإبقاء على القيادات الفخرية ( الشيوخ ) حتى لا يفهم هذا العمل بأنه موجه نحوهم وبالتالي يحدث خلل في تطبيق الإستراتيجية.
خامسا: يمكن تسويق هذه الفكرة من خلال ندوات تعقد في كل محافظة على حدا يدعى لها نخبة من المثقفين والكفاءات ( على أن تختار بعناية ) بحضور الشيوخ لإيصال الفكرة لهم بوضوح وتوجيههم نحو تشكيل مثل هذه التجمعات والهيئات .
سادسا: من خلال هذه الندوات وتشكيل هذه الهيئات فإننا نحمل العشائرية بهيئاتها وشيوخها المسؤولية الوطنية تجاه بلدهم من خلال إشعارهم بأهميتهم وأيضا من خلال خلق روح التنافس الشريف بين هذه العشائر في خدمة الوطن ومن خلال بيان أن قوة العشيرة تظهر من خلال تشكيل هيئات متماسكة ومترابطة .
المرحلة تتطلب مثل هكذا إستراتيجية الناظر ( المتفحص ) في التطورات الإقليمية والمحلية يجد أن مثل هذه الإستراتيجية أصبحت ضرورة ملحة للحفاظ على النسيج الاجتماعي قويا وعصيا على الاختراق سواء أكانت هذه الاختراقات داخلية أو خارجية والإبقاء على التعامل التقليدي مع العشيرة يحرم الوطن من الميزات الموجودة في العشائرية من روابط وتماسك وعادات وتقاليد وانتماء للمكان ويهدر هذه الطاقات ، بل ويترك للآخرين الاستفادة منها بما يضر الوطن ويهز بنيانه، إذ العشائرية أثبتت على مر العصور أنها أقوى من كثير من الإمبراطوريات والدول من خلال قدرتها على الاستمرارية على مر العصور وتركها وإهمالها من قبل أي دولة يعد عامل سلبي خاصة في الوقت الحاضر فنحن نرى دول وأنظمة تسقط وتبقى كلمة الفصل للعشائر في تلك الدول ، ونحن في الأردن لدينا عشائر منتمية ونقية يجب العمل على تقويتها وتوعيتها من الداخل لتشكل في مجموعها لحمة وطنية عصية على الاختراق .
أيهما أقوى العشائرية أم الحزبية ؟
من وجهة نظري المتواضعة وفي بلد تشكل العشائرية الحديثة غالبية فيه فأني أرى أن العشائرية هي الكفة الراجحة إذا ما استغلت ووجهت بما يواكب المرحلة، أما الأحزاب في ظل هذا الواقع فهي اضعف في مواجهة العشائرية ، ودليل ذلك فإنها ما زالت تعتمد اعتمادا كليا على العشائرية حتى في برامجها الانتخابية ، وهي تسعى في معظمها لاستقطاب الطاقات المهمشة من العشائر لتكثير سوادها ، بل أكثر من ذلك فهي تجد في تفتيت العشائر مصلحة لها وهذا غير ممكن كما أسلفنا إذ العشائر امتدادها التاريخي أطول حتى من الدولة نفسها . ونحن هنا لا ندعو إلى إهمال العمل الحزبي والإقلال من دورة لكننا نضع النقاط على الحروف في ظل فهمنا لواقع الحياة في الأردن.
الجهات المعنية بإنفاذ هذه الإستراتيجية
إن المظلة الرئيسية لتبني هذه الإستراتيجية هي مستشارية العشائر في الديوان الملكي بقيادة سيادة الشريف فواز بن زبن ولكنها وحدها لا تستطيع العمل على إنفاذ هذه الإستراتيجية ، والتي إن قدر لها النجاح ستحدث تحولا نوعيا على كافة الأصعدة على مستوى الوطن ، لذا لا بد من دور كبير لوزارة التنمية السياسية وأجهزة وزارة الداخلية المختلفة وكذالك وزارة الشباب وكثير من الدوائر الرسمية وأجهزة الإعلام التي تعتبر مقصرة أو قاصرة عن فهم مثل هذه المتغيرات ، لذا جئت مقدما لهذه الفكرة لأضعها بين يدي جلالة الملك المعظم وبين يدي الغيارى من مسئولي هذا الوطن لعلي أن أكون قد قدمت ما يفيد وطني وأبناء جلدتي والله الموفق .
سليمان أبو الخيل