إسمي محمود أعيش في أحد الأحياء المتوسطه في مدينة التل الكبير التابعه لمحافظة الإسماعيلية, أسرتي مكونة من ستة أفراد أبي وأمي وأربعة إخوة محمد وعلي وإيمان وشيماء , أعرف جيراني جيدا ً أسأل عليهم بإستمرار وأقابلهم دائما في أماكن مختلفه مثلا الشارع أو المسجد أوفرن العيش المملوك لجارنا المسيحي عم فتحي ويديره ولده أمين في الشارع المقابل لي وليد صانع الأحذيه وهو شاب لا يكبرني كثيرا وأحب الحديث معه بإستمرار فهو مشجع أهلاوي وانا زملكاوي فكثيرا ً مانتجاذب أطراف الحديث في كرة القدم ودائماً مايكون حديثاً ممتعا ينتهي بالضحك علي مايحدث في مباريات أحدهما , بجوار محل وليد يوجد إستوديو تصوير مملوك لمسيحي إسمة أمير وفي بعض الأحيان يأتي للجلوس معنا ونتحدث جميعا ً في بعض الأشياء العامه , اما نفس الشارع من الجهة المقابله فيسكن بجوارنا عم حسين وهو رجل كبير في السن يكاد يصل السبعين من عمره ودائماً ما أقابله في المسجد فهو يقضي وقتا ً كثيراً في بيته وبما أن المسجد قريب من منزله فيصلي في المسجد دائما , وذات يوم أردت الإستعداد للذهاب لإستخراج جواز سفر فذهبت إلي أستوديو أمير لإستخراج عدد من الصور الشخصية ذات الخلفية البيضاء اللازمه لجواز السفر ثم أخذت حذائي إلي وليد صانع الأحذيه حتي يطليه فيصبح كالجديد وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلي فرن جارنا لأشتري العيش لأفطر قبل الذهاب لإستخراج جواز السفر ثم ذهبت إلي أمير لأخذ الصور وتوجهت إلي موقف السيارات لأستقل سياره للذهاب إلي المحافظة لقضاء المهمة وانا في السياره سمعت صوتا ً شعرت أني أعرفه جيدا ً فنظرت إلي صاحبه فوجدته عم قدري زميل والدي في العمل فتحدثنا إلي أن إنتهي الوقت ثم وصلنا إلي موقف السيارات فأشرت إلي تاكسي وأخبرته عن وجهتي . فأوصلني إلي مكان إستخراج جواز السفر وهناك وجدت أحد الموظفين فسألته عن المطلوب وكنت مستعدا به فوقفت في الطابور حتي سلمت الأوراق وأخذت الوصل من الموظفه المسأوله وكانت منتقبه , ثم هممت بالرجوع إلي بيتي وفي طريقي فكرت مع نفسي في عدد الأشخاص الذين قابلتهم هذا اليوم
هل كنت لأفعل كل ما فعلت وحدي وهل بدونهم تستمر الحياة بسهوله ويسر كما حدث أم تزداد تعقيدا ً وصعوبة فسألت نفسي من انا بالنسبة لهم جميعا ً ومن هم بالنسبة لي ثم بدأت أبحث في الموضوع
مع نفسي فوجدت أني بالنسبة لهم جميعا ً "من أفراد أسرتي وصانع الأحذيه وصاحب الفرن وسائق السيارة وصاحب إستوديو التصوير وزميل والدي في العمل والموظف المسؤل والسيده المنتقبه العامله في مكان إستخراج جواز السفر وسائق التاكسي" آخر وهم بالنسبة لي آخر .
فمن هو الآخر ولما هو آخر ومامعني قبوله ولماذا نقبله ؟
بكل بساطه هو من ليس انا "من أشخاص قريبين لي أو بعيدين عني متفقين معي في شئ أو مختلفين معي في كل شئ "
هو آخر لأنه ليس جزءً مني انا كأحد أطرافي مثلا ً فأطرافي بالنسبة لي ليست آخر
من أحد المشاكل التي نواجهها في المجتمع المصري في الآونه الأخيره هي مشكلة قبول الآخر وأحترامه في آرائه وحتي أقواله فنعتقد أنه حينما يختلف معنا يضع بيننا وبينه حدا ً فاصلا ونعتقد بذالك انه أختار عداوتنا وأختار البعد عنا حتي اننا في بعض الأحيان نعده عدوا ً لله ورسوله حتي ولو كان إختلافه معنا ليس في أمر ٍ عقائدي ٍ أو شرعي ولكن أليس الإختلاف أحد سنن الله في خلقه فما معني ان نكون جميعا ً كبشر نفكر بنفس الطريقه ونلبس نفس اللون ونتعامل بنفس الأسلوب فأين روح الحياة وأين متعة الإختلاف والتكامل ولكن لنرجع لنسأل أنفسنا لماذا نحن نختلف عن بعض لنعلم اننا لا نعيش جميعا ً في نفس البيئه , أو البلد , ولا ننهج أسلوبا ً واحدا ً في التعليم أو التربية او التفكير بل وإننا لا ننهج نفس الأسلوب في إخيار أي شئ مشترك مثلا ً فيما بيننا حتي الطعام نجد هناك من يشترك معنا في إختيار نوع معين من الطعام ولكن لسبب آخر فمع كل هذا لإختلاف من الطبيعي أن يكون هناك انا وآخرين غيري مختلفين عني لنكمل بعضنا ليشعر القوي بقوته في مساعدة الضعيف والغني بأهمية رعايته للفقير والكبير بثمارإرشاده الصغير .
ولكن ما السبب في هذه المشكلة في الأساس ؟
التعصب الأعمي للرأي يجعل المرء رافضا ً لفكرة المعارضة من أحد حتي ولو كان علي خطأ بين , وقد يكون الفهم الخاطئ لأمر معين هو سبب رفض الآخر, وقد يكون أحد الأسباب الشخصية بأن يكون الفرد تربي علي الإعتزاز برأيه وأنه لا يخطئ وأن من حوله هم المخطئون دائما ً, وقد يكون ممن يشعر بأن له اليد الطولي في أمر معين فلا يريد من أحد تابعيه أن يختلفوا معه في الرأي بأي حال .
ماذا نجني من عدم قبول الآخر وآراؤه ؟
قد يكون هذا خطأ كبير في التعامل مع الأخرين فنحن نمنع أنفسنا من الإستفاده من خبراتهم في مجالات عديده لسنا متخصصين فيها أو علي الأقل لسنا ملمين بكل ما يتعلق بها
تسبب الكراهيه بين الناس فحينما يشعرون أن آراؤهم ليست مقبوله من الآخرين فيلجئون إلي أساليب قد تكون غير حضاريه لفرض وجهات نظرهم حتي ولو لم تكن هي الأصوب إلا أننا في النهايه نقع في مأزق من يريد فرض رأيه بالقوه ومن لا يريد حتي أن يسمع هذا الرأي .
تصنع فجوه كبيره بين الأفراد في مجتمع واحد فيمتنعون عن التواصل مع بعضهم البعض وعرض وجهات نظرهم المختلفه المتعلقه بموضوع معين
عدم الوصول إلي حقيقة شئ بعينه أو حقيقه مٌسلم بها لعدم الحوار المقبول من الآخرين
لن يكون هناك إتحاد فالجميع ملتزم برأيه ولا يسمح لأحد ان يتحدث معه ليحاولوا سويا الوصول إلي حل وسط أو حتي مناقشة وجهات النظر المختلفه فالإتحاد لا يأتي إلا من قبول الحديث مع الآخر والإقتناع بالأصوب من الأراء ووضعها كمبادئ تتبع في المجتمع الواحد .
في أحيان كثيرة تؤدي إلي فتنة ٍ طائفية ٍ لل يعلم مداها إلا الله تعالي فمثلا ً هناك الشيعه والسنه في العراق ولبنان إذا لم تقبل حالة الحوار واتعامل علي أساس قبول الاخر لأصبحوا في مشكلة ٍ وحربٍ أهلية ٍ أكثر مما هم فيه
ولنسأل من هو المستفيد من مثل هذا الوضع أي عدم قبول الآخر أو حتي الحوار معه وأحترام رأيه مع أني لست من مؤيدي نظرية المؤامرة ولا أحاول أن أنظر إلي المواضيع والمشكلات علي أساسها إلا أنني بالرجوع إلي التاريخ فقبل أن يتم تقسيم الوطن العربي إلي دول الشام ومصر والمغرب لم يكن هناك داع ٍ لوجود خلاف بين قاطني هذه الدول فأتي الإستعمار باحثا ً عن نفوذ ٍ يمتد لقرون في بلادنا العربيه فسعي جاهدا ً إلي تفريق كلمتنا وإلي جعلنا عصبيين لدولنا التي قسمها لهذا الهدف فأصبحنا لا نستمع إلي بعضنا البعض علي الرغم من انا ما يجمعنا لهو أكبر بكثير مما يفرقنا مثل الحدود التي وضعها المستعمر بل وجعل عليها خلاف حتي يثير الفتنه بين الإخوه كما يحدث بين المغرب والجزائر علي بعض المناطق الحدودية وكما حدث بين العراق والكويت وبين مصر والسودان علي بعض المناطق الحدوديه .
معني قبوله ؟
قبول السماع منه ومحاورته , قبول التعامل معه , قبول التعايش بسلام ,قبول التزاوج والمساكنة , قبول التآخي والتحاب, قبول التساوي
وقبول دينه، وأفكاره، وأخلاقه، مهما كانت، وعلى أية صفة، واحترامها واعتقاد صحتها
فكل هذه الاحتمالات في معنى "القبول" واردة
ثم أي احتمال لكلمة "قبول" يمكن توفيقه مع أي احتمال لكلمة " الآخر"، فيصح أن يقال حينئذ
- قبول السماع من الجار والصديق..وقبول التعامل مع الأخ وابن القبيلة.. وقبول التعايش مع الأبوين.. وقبول التآخي مع المؤمنين، وقبول الخلاف معهم.. وهذا نوع أول.
- ونوع آخر، يمكن أن يقال كذلك: قبول دين البوذية.. واحترام دين اليهود والنصارى، باعتقاد صحتهما.. وقبول التآخي والتحاب مع المعتدي الكافر بدين الإسلام.. وقبول أفكاره، واختياره.
وفي حالة الوقوع في مشكلة عدم قبول الآخر كما هو الحال الأن فعلينا أولاً ان نبدأ بالحوار او أن نسمح لأنفسنا بسماع الأخر فالخلاف لم ولن يؤتي ثمارا ً طيبة تعود علي المجتمع ككل ففي مصر الأن نعاني من هذه المشكلة ولنكن صريحين كفايه لنتحدث عنها فهناك مشكله حواريه بين أتباع الديانات المختلفه وحتي بين أتباع الدين الواحد فلنبدأ الأن مع العلم أننا متأخرون , ولكن لنبدأمتأخرين أفضل من ألا نبدأ أبداً ولنعلم اننا سنحقق مالم يحققه من سبقنا خلال النصف الثاني من القرن العشرين ممن إلتزم برأيه وتعصب له وأراد ان ينفرد بحمل الرايه ولم يعطي نفسه فرصة ً ليسمع ماذا يقول الأخر فيستمر في إصدار الأحكام ون علم .
وفي التاريخ الإسلامي مايشهد علي قبول الحوار مع الأخر والإستماع اليه وإحترام رأيه فحينما أتي الوليد بن المغيرة إلي النبي ( صلي الله عليه وسلم) يفاوضه ويسترضيه ليكف عن عرض الإسلام
وعن نقد دين قريش وتسفيه معتقداتهم وأصنامهم، ولما فرغ من كلامه قال له النبي
" أفرغت يا أبا الوليد؟! قال: نعم
فقال له الرسول : فاسمع مني.
ثم تلا عليه سورة فصلت
حتى وصل إلى قوله تعالى: " فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ" فوضع الوليد يده على فم النبي وناشده الله والرحم ألا يكمل .
وعاد لقومه بوجه غير الذي ذهب به
ولما عاد إليهم: قالوا له نراك عدت بغير الوجه الذي ذهبت إليه يا أبا الوليد...!!
فقال: (سمعت منه كلامًا ليس من كلام الجن ولا من كلام الإنس والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يُعـلى عليه "
ومن هذا الحدث نري أن أبا الوليد لما سمع من النبي ( صلي الل عليه وسلم ) هذا القول البليغ والحجه الواضحه والبرهان الساطع علي صدق رسالته وأنه نبي الله , عاد إلي قومه شاهدا ً علي هذا الصدق وهذه الرساله فهذامن أهداف الحوار مع الأخر ليس سماع الرأي فحسب بل ومحاولة الوصول إلي الحقيقه من وراء هذا القول .
ولنعلم أن هذا الحدث كان في بداية الإسلام لنعرف أن الإسلام قام في الأساس علي إحترام الأخر والإستماع إلي آراءه والرد عليها بكل موضوعيه ومنطقيه من خلال القرآن والسنه النبويه المطهره.
والإسلام في عدم إجبار أحد علي إعتناق الإسلام واضح في قول الله تعالي (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) فالله تعالي أمرنا كمسلمين ألا نكره أحدا ً علي الإسلام بمعنب أن نقبله كما هو بإختلافه عنا في الدين مما كان واضحا ً في قوله تعالي ( قل ياأيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا انا عابد ماعبدتم لكم دينكم ولي دين ) فالمعني الواضح من هذه الآيه الكريمه اننا كمسلمون علينا أن نقبل الآخرين علي إختلاف ديانتهم معنا , فإن كنا نقبل إختلاف الآخرين معنا في الديانه فلما نجد إختلاف الآخرين معنا في الأراء مشكله ليس لها حل بل بالعكس علينا أن نختلف وأن نتفق حتي تسير الحياه في الإتجاه الصحيح وقال الله تعالي في القرآن الكريم موضحا ً أهمية الإختلاف ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون )
فلنعلم ان هناك حكمة من هذا الإختلاف فهو سنة الله في خلقه وعلينا نحن البشر أن نعلم أننا سنظل مختلفين مع بعض إلي يوم القيامه ولكن لنستفيد من هذا الإختلاف فلا نضيع متعة النقاش بأن يحدث بيننا خلاف لا طائل من وراءه بل نحاول الوصول إلي نقطه نتفق فيها معا ً ألا وهي إحترام رأي الآخر المختلف مع رأيي .
وليكن معلوما ً لنا أن التنوع ليس فيه مشكله فما المانع في ان تجد أحدا مختلفا ً عنك في الرأي أو الأخلاق أو حتي العقيده فهذا وارد فالتنوع قوه فليس هو إختلاف يقطع حبل الوصال بل هو إختلاف تكميلي فحينما تختلف آراؤنا في شئ بعينه فيجب علينا أن نتحاور حتي نصل إلي الحقيقة التي هي الهدف دائما ً .
ولنعلم في النهاية أننا بشر هذه هي الحقيقه التي لاخلاف عليها فلنؤمن بها دائما ً وأبدا ً فمهما أختلفنا فيما بيننا فلن نختلف أبدا ً في هذه الحقيقه الثابته ولنبد ألآن لنعمل سويا ً لنحقق ما نسعي إليه من قوة إقتصادية وسياسية بعد القوة الإجتماعيه التي ستأتي من خلال ثقافة قبول الآخر والحوار البناء معه ليس من أجل أن نجد نقاطا ً نختلف فيها معه بل لنجد قواسم مشتركةً نتفق فيها ونتعاون من خلالها ولنجعل إختلافنا أحيانا ًهو سبيل لإتفاقنا دائما ًعلي مبادئ عامه نعمل من خلالها لتحقيق الخير لنا ولبلدنا .
ساحة النقاش