أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران: 102.

        {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1

        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71.

أما بعد ..

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد  وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.

ثم أما بعد ...

فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله عز وجل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الذى جمعنا فى هذه الدنيا دائماً وأبدا على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أحبتى فى الله:

حقوق يجب أن تعرف سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو الانفصام النكد بين منهجها المنيروواقعها المؤلم المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان فأردت أن أذكر نفسى وأمتى بهذه الحقوق الكبيرة التى ضاعت لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله  ، وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.

ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء التاسع والعشرين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة مع حق كبير جليل ألا وهو ((حق اليقين)).

وكعادتى وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى هذا الموضوع والحق الجليل فى العناصر المحددة التالية.

أولاً: منزلة اليقين وعلاماته.

ثانياً: أوجه اليقين ودرجاته.

ثالثاً: شموس فى سماء اليقين.

وأخيراً: أمة تحتاج إلى اليقين.

فأعيرونى القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.

أولا: منزلة اليقين وعلاماته:

أحبتى فى الله: اليقين هو العلم وزوال الشك قال ابن القيم رحمه الله: ومنزلة اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، ومنزلة اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد تفاضل العالمون وإليه شمر العاملون وفيه تنافس المتنافسون، قال رب العالمين:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24) سورة السجدة فإذا تزوج الصبر باليقين ولد بينهم الإمامة فى الدين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} وخص الله أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} (20) سورة الذاريات. وخص أهل اليقين والفلاح فقال رب العالمين:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1 ،5) سورة البقرة. وأهل اليقين هم أهل الإيمان وأصحاب الجنان قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } (15) سورة الحجرات. أى: لم تعصف ريح الشكوك بحقيقة الإيمان واليقين فى قلوبهم.

وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى  أعطاه تعليه وقال:" يا أبا هريرة اذهب بنعلى هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة".

وبين الله أن أهل النار ما كانوا من أهل اليقين قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (32) سورة الجاثية.

فاليقين هو روح أعمال القلوب، فاليقين هو روح أعمال القلوب التى هى روح أعمال الجوارح، فإذا وصل اليقين إلى القلب امتلأ القلب نوراً وإشراقاً وإيماناً ومحبة لله، وخوفاً من الله، وثقة فى الله، وشكراً لله، ورضا بالله، وتوكلاً عليه، وإنابة إليه.

قال سفيان الثورى: إذا امتلأ القلب باليقين طار شوقاً إلى الجنة وهو يأمن النار، ومن علامات اليقين النظر إلى الله فى كل شئ والرجوع إليه فى كل أمر، والاستعانة به فى كل حال، النظر إلى الله فى كل شئ صاحب القلب الذى ذاق حلاوة اليقين يراقب الله فى السر والعلن، يراقب الله فى كل شئ لا يغيب عن قلبه ولا عن بصره ولا عن سمعه قول ربه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى 
ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا 
هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
 (7) سورة المجادلة.

وصاحب اليقين يرجع إلى الله فى كل شئ ليرضى بعمله ربه سبحانه وتعالى، هل هذا العمل على مراد وعلى شرع رسول الله؟ وهل هذا العمل يرضى الله تبارك وتعالى؟ فهو يرجع إلى الله فى كل شئ ويستعين بالله فى كل شئ، إذا لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول، فما هى أوجه اليقين ودرجاته؟ هذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز.

أوجه اليقين ودرجاته:

قال أبو بكر الوراق: نقل ذلك عنه الإمام ابن القيم فى المدارج قال: اليقين على ثلاثة أوجه: يقين خبر، ويقين دلالة، ويقين مشاهدة.

يقين خبر: وهو أن يسكن القلب للخبر فكيف يكون سكون القلب وكيف تكون ثقة القلب لخبر عن الله ورسوله، فإذا جاء الخبر عن الله وإذا جاء الخبر عن رسول الله فهو اليقين هذا يقين الخبر.

قال تعالى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} (122) سورة النساء

وقا تعالى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} (87) سورة النساء. وقال فى حق نبيه {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1، 4) سورة النجم .

وقال تعالى فى حق نبيه {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} (33) سورة الأنعام. فيقين الخبر أن يثبت الخبر عن الله وعن الصادق رسول الله .

أما يقين الدلالة: فهو أن الله تبارك وتعالى مع أنه أصدق القائلين والخبر من الله كل الصديق بل هو الصدق واليقين ومع ذلك فإن الله تعالى يقيم الأدلة على صدق خبره فهذا يقين الدلالة فهو يثبت وحدانيته وتبارك وتعالى بالدليل القاطع فى القرآن : {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *  أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (60، 64) سورة النمل .

لله فى الآفاق آيات لعل
ولعل فى النفس من آياته
الكون مشحون بأسرار
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعوفى بعد ما
قل للصحيح مات لا من علة
بل وسائل الأعمى خطا وسط الزحام بلا
بل وسائل البصير كان يحذر حفرة
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكا
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
واسأله كيف تعيش يا ثعبان
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سل اللبن المصفى من بين فرث
وإذا رأيت النبت فى الصحراء
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشراً
وإذا رأيت النار شب لهيبها
وإذ ترى الجبل الأشم مناطحا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
ألإله مع الله؟ هذا يقين الدلالة

 

أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو نرى عيناك
إذا حاولت تفسيرا لها أعياك
يا شافى الأمراض من أرداك
عجزت فنون الطب من عافاك
من يا صحيح بالمنايا دهاك
اصطدم من يا أعمى يقود خطاك
فهوى بها من ذا الذى أهواك
راع ومرعى من ذا الذى يرعاك
لدى الولادة ما الذى أبكاك
فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك
أو تحيا وهذا السم بملأ فاك
شهدا وقل للشهد من حلاك
ودم من ذا الذى صفاك
بربو وحده فاسأله من أرباك
فاسأله من يا نخل شق نواك
أنواره فاسأله من أسراك
فاسأل لهيب النار من أوراك
قمم السحاب فسله من أرساك
فاسأل لهيب النار من أوراك

سل الواحة الخضراء والماء جاريا
سل لاروض مزدانا سل الزهر والندى
سل هذه الأنسام والأرض والمسا
فلو جن هذا الليل وامتد سرمدا

 

وهذى الصحارى والجبال الرواسيا
سل الليل والإصباح والطير شاديا
سل كل شئ تسمع التوحيد لله سارياً
فمن غير ربى يرجع الصبح ثانيا

لا رب غيره، ولا معبود سواه، إله مع الله؟

انظر لتلك الشجره
كيف نمت من حبة
ابحث وقل من ذا الذى
ذاك هو الله الذى
ذو حكمة بالغة
وانظر لتلك الشمس التى
فيها ضياء وبها
فابحث وقل من ذا الذى
ذاك هو الله الذى
ذو حكمة بالغة

 

ذات الغصون النضره
وكيف صارت شجره
يخرج منها الثمره
أنعمه منهمره
وقدرة مقتدره
جذوتها مستعره
حرارة منتشره
يخرج منها الشررة
أنعمه منهمره
وقدرة مقتدره

{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (75، 79) سورة الأنعام . فمع أن الخبر من رب العالمين ومن سيد الصادقين، فإن الله يقيم الأدلة على صدق خبره وصدق خبر رسله وأنبيائه فيجرى المعجزات على أيدى الرسل، ليثبت للخلق صدقهم وأنه من عند الله {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(24) سورة البقرة.

فالله سبحانه وتعالى يقدم اليقين لأهل اليقين من جهتين من جهة يقين الخبر، ومن جهة يقين الدلالة فالخبر من الله ومع ذلك يقيم الأدلة على صدق الخبر، فيقدم البراهين على أن الله هو الإله الحق ويقدم البراهين على أن دينه هو الحق وعلى أن الرسل والأنبياء هم أهل صدق وإنما هم مرسلون من قبل الله جل وعلا.

لماذا: لينتقل بالناس بعد ذلك إلى مرتبة يقين المشاهدة، من يقين الخبر غلى يقين الدلالة إلى يقين المشاهدة بمعنى: أن ينتقل المؤمن بعد يقين الخبر إلى يقين الدلالة إلى يقين المشاهدة هذا فينظر إلى كل خبر عن الله وعن رسول الله وكأنه يراه بعينيه وكأنه يشاهده هذا يقين المشاهدة.

قال أحد السلف: إنى رأيت الجنة والنار. قالوا: فكر فيما تقول يا رجل، قال: والله لقد رأيت الجنة والنار .. قالوا: كيف ذلك؟ قال: رأيتهما بعينى رسول الله ورؤيتى لهما بعينى رسول الله أوثق عندى من رؤيتى لهما بعينى، لأن بصرى قد يزيغ وقد يطغى، أما بصر النبى فقد قال فيه ربه العلى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}(17) سورة النجم انظروا إلى يقين المشاهدة.

قال أحدهم: والله لو كشف الحجاب ما ازددت يقينا والله لو كشف الحجاب ما ازددت يقينا لماذا؛ لأنه انتقل إلى يقين المشاهدة لكل خبر انتقل إليه عن الله وعن رسوله  لو كشف الحجاب ما ازددت يقيناً ، والله لو كشف الحجاب ما ازددت يقيناً لماذا؟

لأنه انتقل إلى يقين المشاهدة لكل خبر انتقل إليه عن الله وعن رسوله . لو كشف الحجاب ما ازددت يقينا.

هذه هى أوجه اليقين فما هى درجاته درجات اليقين تنقسم إلى ثلاثة أقسام: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.

أما علم اليقين: فهو العلم الثابت عن الله ورسله هذا علم اليقين علم عن الله بأسماء جلاله وصفات كماله علم عن البرزخ والبعث والموت والصراط والميزان والجنة والنار. علم ثابت عن الله ورسوله علم اليقين.

قال عالم إنجليزى مشهور: إن كل ما وصل إليه العلم الحديث إلى يومنا هذا إنما هو مجرد احتمالات، فإن نظرية تخرج اليوم لتنقضها نظرية بعد اليوم أو لتزيد عليها أو لتنقص منها.

أما علم اليقين فهو علم عن رب العالمين، وعن الصادق الأمين.

أما عين اليقين: فهو العلم الذى لا يحتاج صاحبه إلى دليل لو أن رجلا أخبرك بأن عنده عسلاً وهو صادق عندك فهذا علم اليقين فإن أحضر لك العسل ورأت عينيك العسل فهذا عين اليقين، فإن أطعمك قليلاً من العسل، هذا حق اليقين فعلمنا بالجنة والنار فهذا عين اليقين، فإن أطعمك قليلاً من العسل، هذا حق اليقين فعلمنا بالجنة والنار فهذا عين اليقين، فإذا قامت القيامة وأزلفت الجنة للمتقين، وعاينها الخلائق وبرزت الجحيم للغاوين، وعاينها الخلائق فهذا عين اليقين، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فهذا حق اليقين: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ * فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (75،90) سورة الواقعة .

إن كان من أهل القرب وهذه هى الدرجة الأولى من درجات أهل الإيمان. {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}وهذه الدرجة الثانية {فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (91) سورة الواقعة نعوذ بالله من الثالثة {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } كل هذا الذى سبق {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (95،96) سورة الواقعة .

قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (1، 8) سورة التكاثر.

قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *  لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (4، 52) سورة الحاقة .

فعلم اليقين: علم عن الله ورسوله.

عين اليقين: أن ترى بعبنيك.

حق اليقين: أن تنتقل لتعيش فى هذا النعيم، أسأل الله أن نكون من أهله وليعيش أهل الجحيم فى الجحيم نعوذ باله من النار.

فتعالوا بنا أيها الأفاضل لندخل بستان اليقين هل يا ترى حقق الذى ذكرت أناس من البشر نعم.

وهذا هو عنصرنا الثالث والمهم شموس فى سماء اليقين وأعظم الخلق تحقيا لليقين هم الأنبياء والرسل.

تدبر معى يقين نبى الله نوح الذى قام امتثالا لأمر ربه ليصنع سفينة على الرمال: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (37، 38) سورة هود .أى: عقل لهذا الرجل؟ يصنع سفينة على الرمال، أين المياه أين البحار والأنهار والمحيطات إن الماء بعيد كل البعد عن الموطن الذى يصنع فيه نوح السفينة، ومع ذلك فهو ممتلئ القلب باليقين لأمر ربه تبارك تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} فصنع نوح الفلك فكان ما تعلمون لما زاد البلاء واشتد الاضطهاد وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء الحار {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} (10) سورة القمر. فكانت النتيجة: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَوَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (11، 14) سورة القمر.

وهذا نبى الله إبراهيم يلقى فى النار ويأتيه جبريل أمين أهل السماء: يا إبراهيم ألك حاجة؟ انظروا إلى حلاوة اليقين فيرد إبراهيم ويقول: حسبى الله ونعم الوكيل.

هذا هو الثابت الصحيح كما فى الصحيح، أما القول المشهور على ألسنة بعض إخواننا من أهل العلم أن إبراهيم قال: علمه بحالى يغنى عن سؤالى فلم يثبت عنه على نبينا وعليه الصلاة والسلام إنما الذى ثبت أنه قال: حسبى الله ونعم الوكيل.

قالها إبراهيم حينما ألقى فى النار وقالها أصحاب محمد حينما قيل لهم:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ([1])* فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (173، 174) سورة آل عمران.

وهذا نبى الله موسى عندما كان فرعون وجنده من خلفه والبحر أمامه والمستضعفون مع نبى الله موسى يخشون من فرعون وبطشه: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ} أى : جمع نبى الله موسى وجمع فرعون: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (61) سورة الشعراء. قال صاحب اليقين موسى: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (62) سورة الشعراء.

وهذا صاحب أعلى يقين عرفته الأرض إنه يقين الحبيب محمد  {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة. إنه يقين الحبيب، فالمشركون قد أحاطوا بالغار من كل ناحية ومع ذلك يقول الصديق لحبيبه: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. فيرد عليه المصطفى  بقلب ذاق حلاوة اليقين وأى قلب سيذوق حلاوة اليقين إن لم يذقها قلب سيد المرسلين قيرد النبى على الصديق بلغة اليقين يقول: " تحزن إن الله معنا".([2])­­.

بل لقد جاءه خباب بن الأرت كما فى صحيح البخارى يشكو إليه هذا العذاب وهذا البلاء: يا رسول الله ادع الله لنا ألا تستنصر الله لنا فقعد النبى فى ظل الكعبة وقد احمر وجهه قال:" والذى نفسى بيده لقد كان يؤتى بالرجل قبلكم فيحفر له فى الأرض ويوضع المنشار فى مفرق رأسه فيشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون العظم واللحم فما يصده ذلك عن دين الله" ثم قال:" والذى نفسى بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى ليسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون"([3]).

أنظر إلى يقين النبى فى نصره دين الله وهو فى أشد مراحل الاستضعاف وأنا بقلب يملؤه اليقين مع هذا الذل الذى تحياه الأمة فإن الجولة المقبلة لدين سيد المرسلين بشر بها النبى فى أحلك الأوقات فى الوقت الذى جاء فيه الصحابة وقد ظهر عليهم العذاب، وتلون جسدهم تحت وقع السياط:" والله ليتمن الله هذا الأمر" أى هذا الدين وأتم الله الدين وفتح الحبيب مكة ودخل الناس فى دين الله أفواجاً وعليه نزل قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3) سورة المائدة.

هذا هو اليقين قد يقول قائل: إنك تحدثنا عن الأنبياء وهؤلاء صفوة الله من خلقه وهؤلاء مختارون من قبل الله رباهم على عينه، واصطنعهم لنفسه جل جلاله لكن هناك من البشر من جسد اليقين فى دنيا الناس تجسيداً لا يستطيع بليغ على رجه الأرض أن يعبر عن هذا اليقين اللهم إلا أن تعبر عنه كلمات القرآن الكريم.

تدبر معى هذا الموقف العظيم، إنه موقف سحرة فرعون أناس من دقيقة واحدة يغترون بفرعون وببطشه وبجبروته ويقولون على مرأى ومسمع من الخلق وقد اجتمع الناس فى ساح واسعة وها هو نبى الله موسى فى وسط هذه الحلقة وها هم سحرة فرعون يجلس فرعون باستعلاء يريد أن يثبت هزيمة نبى الله موسى وأن يعريه من صفة الرسالة والنبوة وينزل السحرة بكبر واستعلاء إلى ساحة النزال ويعلنونها صريحة: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون.

وكان ما كان بمجرد أن ألقى السحرة عصيهم وحبالهم وخيل إلى الناس من سحر السحرة أنها تسعى، وليست فى الحقيقة قد تحولت إلى ثعابين ويلقى نبى الله موسى عصاه فتتحول إلى ثعبان ضخم تلتقط فى التو واللحظة كل هذه العصى وكل هذه الحبال وسحرة فرعون يعلمون السحر حقيقة فلما رأوا الآية والمعجزة قد تجسدت على وجه الأرض علموا يقيناً إنه رسول من عند الله اسمع: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *  قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (120 ، 124) سورة الأعراف .

اسمع إلى حلاوة اليقين التى باشرت القلوب: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ* إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} (50 ،51) سورة الشعراء

وفى أوائل سورة سورة طه: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (72) سورة طـه.

بالله بالله ما أروعه من مشهد بالله ما أجلها من كلمات فاقض ما أنت قاض لا ضير فى تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف، لا ضير فى التصليب على جذوع النخل لا ضير فى القتل، ولا حرج فى الشهادة لا ضير، لأننا قد آمنا بربنا لقد ذاقت قلوبنا حلاوة اليقين بالله ذاقت قلوبنا حلاوة الإيمان بالله إنه اليقين الذى لا يتزعزع إنه اليقين الذى لا شك فيه ولا ريب.

الله ، الله، إذا باشر اليقين القلوب، الله الله إذا ذاقت القلوب حلاوة الإيمان، إنه اليقين الذى يرتقى بالقلب من حمأ الطين إلى أعلى عليين إنه اليقين يسمو بالقلب إلى ما لم يكن يطمع إليه الخيال، إنه اليقين الذى استعذب به سحرة فرعون كل عذاب إنه اليقين الذى يستعذب فى سبيل الله كل عذاب، إنه اليقين الذى يستعذب فى سبيل الله كل عذاب لا ضير لا حرج أفعل ما شئت، ذبح ، صلب، قتل لأننا آمنا بالله وذاقت قلوبنا حلاوة اليقين بالله.

بك أستجير ومن يجير سواك
إنى ضعيف أستعين على
أذنبت يا ربى وقادتنى ذنوبى
دنياك غرتنى وعفوك شدنى
لو أن ، قلبى شك لم يك مؤمنا
ما دامت الأزهار عاطرة الشى
يا مجرى الأنهار ما جربانها
 رباه ها أنذا خلصت من الهوى
رباه قلب تائب ناجاك

 

فأجر ضعيفا يحتمى بحماك
ذنبى ومعصيتى ببعض قواك
ما لها من غافر إلاك
ما حيلتى فى هذه أو ذاك؟ 
بكريم عفوك ما غوى وعصاك
هذا الشذى الفواح نفح شذاك 
إلا انفعالاً لقطرة نداك
واستقبل القلب الخلى هواك
أترد صادق توبتى حائاك

حاشاك ترفض تائبا حاشاك

يرض عنى الناس أو فليسخطوا          أنا لم أعد أسعى لغير رضاك

وكأنه لازم عليه أن يستأذنوه فى هذا النور الذى تسلل إلى قلوبهم فأحياها بعد موات، كنه كان من الواجب عليهم أن يقتلعون اليقين الذى ثبت فى أعماق أعماق أرواحهم: "آمنتم له قبل أن آذن لكم" لكن هيهات هيهات إذا ذاقت القلوب حلاوة الإيمان برب الأرض والسموات فإما عظماء فوق الأرض وإما عظام تحت الأرض هذا حال أهل اليقين فإما عظماء فوق الأرض وإما عظام تحت الأرض هذا حال أهل اليقين {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (72) سورة طـه.. فمهما طالت فهى قصيرة ومهما عظمت فهى حقيرة، لأن الليل مهما طال لابد من بزوغ الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.

ومن هذا اليقين إلى يقين غلام، إنه الغلام المبارك غلام الساحر والراهب الذى جسد اليقين فى دنيا الناس حينما دخل على الملك وتحداه أن يقتله وأخذه الملك وأرسل به زبانيته ليسقطوه من فوق جبل شاهق فما أن علا هؤلاء بالشاب المبارك على حافة وقمة الجبل إلا وتضر

  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 318 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

131,296