أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة


 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، وخليلة أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهادة حتى أتاه اليقين، فالهم اجزء عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء، وايها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء: وطبتم جميعاًوطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً وأسأل الله الكريم جل وعلا الذى جمعنا مع حضراتكم فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته، ودار مقامته إنه ولى ذلك، والقادر عليه.

أحبتى فى الله: حقوق يجب أن تعرف سلسلة منهجيه جديدة تجمع بين الداء، والدواء فتحدد الدواء من القرآن، والسنة لهذا الداء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو داء الانفصام النكد بين المنهج المنير، والواقع المرير فأنا لا أعرف زماناً من الأزمنة قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها، ونبيها كهذا الزمان ولا أعلم زماناً قد ضيعت فيه الأمة حقوق الإسلام كهذه  الأيام فأردت بهذه السلسلة أن أذكر أمتى بهذه الحقوق الكبيرة التى ضاعت عسى أن تسمع الأمة من جديد عن الله وعن رسوله  ، وأن تردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة. ونحن اليوم بإذن الله جل وعلا على موعد مع اللقاء السادس من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وكنا قد تحدثنا فى اللقاء الماضى عن حق الوالدين، وحديثنا اليوم بتوفيق الله عن الحق المقابل لحق الوالدين ألا وهو حق الأولاد.

فأعيرونى القلوب والأسماع إن هذا الموضوع من الأهمية والخطورة بمكان أيها الأحبة: رأيت أنه من الأدب وحسن الخلق ، وأنا أتحدث اليوم عن حق الأولاد على الوالدين أن أستهل هذا الحديث بمخاطبة إخوانى وأخواتى الذين حرموا من نعمة الأولاد لأذكرهم بأن الله- عز وجل- هو الذى يملك الأمر كله، وهو الحكيم الذى لا يخطئ العليم الذى لا يجهل الرحيم الذى يملك الأمر كله، وهو الحكيم الذى لا يخطئ العليم الذى لا يجهل الرحيم الذى لا يظلم يقول تعالى: { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(216) سورة البقرة.

فاصبر أيها الأخ الكريم على ابتلاء الله عز وجل واعلم بأن الرضا بالقضاء هو من أعظم ثمار التوكل على الله تعالى، وهو ركن من أركان الإيمان كما فى صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب – رضى الله عنه- وفيه أن جبريل سأل المصطفى أخبرنى عن الإيمان؟ فقال الحبيب  :" أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره"([1]) فاصبر على قدر الله، وقضائه، وكن على يقين مطلق بأن اختيار الله عز وجل لك هو الخير، ولقد وعد الله الصابرين بخري الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (155، 157) سورة البقرة بل ووعد الله الصابرين وعدا عظيماً فقال جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر فاصبر على اختيار الله وارض بما قسم الله، وتذكر قول رسول الله  كما فى صحيح مسلم من حديث صهيب:" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"([2]).

وأرجو إن أخذ إخوانى وأخواتى بجميع الأسباب المادية عند الأطباء فأرجوا أن لا ينسى الإخوة والأخوات سببين من أعظم أسباب الإنجاب يغفل عنهما كثير من الناس ألا وهما: الاستغفار، والدعاء، إن الاستغفار من أعظم أسباب الإنجاب، والذرية تدبر قول رب البرية يقول تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (9، 13) سورة نوح  وما لكم لا توحدون الله حق توحيده؟ ولا تعبدون الله حق عبادته؟ ولا تقدرون الله حق قدره؟ وهو القادر على كل شئ، والمدبر لكل أمر.

يقول تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (13) سورة نوح  ثم الدعاء قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة.

واذكر بدعوة عظيمة كريمة فى هذا الباب ألا وهى دعوة نبى الله زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام ذلكم النبى الكريم الذى اشتعل رأسه شيباً وبلغ من الكبر عتيا بل وكانت امرأته عاقراً ومع ذلك لجأ إلى ربه جل وعلا بهذا الدعاء الكريم: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } (89) سورة الأنبياء انظر إلى الجواب فكان الجواب بفاء الترتيب والتعقيب فقال ربنا الله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (90) سورة الأنبياء.

فلا تغفل أخي عن الاستغفار، وعن الدعاء لرب الأرض والسماء، وأسال الله بأسمائه الحسنة، وبصفاته العلا، وأمنوا على هذا الدعاء أيها الفضلاء فى هذه اللحظة أسأل الله أن تكون لحظة إجابة أن يرزق، إخواننا وأخواتنا الذين حرموا من نعمة الأولاد ، وأن يجعل ذريتهم ذرية صالحة إنه ولى ذلك والقادر عليه، ولكن كما أن الإبتلاء يكون بالحرمان فقد يكون الإبتلاء بالعطاء والامتنان.

أكرر أيها الإخوة قد يكون الإبتلاء بالحرمان وقد يكون الإبتلاء بالعطاء والأمتنان قال سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء وهذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز:

الأولاد إما نعمة وإما فتنة

        نعم إذا كان الأولاد الصالحين كانوا من أعظم وأجل نعم رب العالمين على الوالدين قال سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (46) سورة الكهف وقال سبحانه : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (14) سورة آل عمران.

فالأولاد إن كانوا من الصالحين كانوا من أجل نعم الله على الوالدين تدبر فى حياة الوالدين، بل وبعد ممات الوالدين فإن ميزان الوالدين يثقل بعد موتهما وإن درجة الوالدين ترفع عند الله بعد موتهما، وذلك باستغفار ولدهما، ودعائه لهما:

ففى صحيح مسلم أن النبى  قال:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"([3]) فالولد الصالح نعمة لوالديه فى حياة والديه وبعد ممات والديه سترى ميزانك يوم القيامة فيه من الأعمال ما لم تعمله أنت فى دنياك فمن أين هذا من أين هذا الفضل؟ ومن أين هذا الثواب؟ إنه بسبب غرسك الطيب فى الدنيا بسبب تربيتك الصالحة لأولاد صالحين تضرعوا إلى الله لك بالدعاء بعد موتك وأكثروا الاستغفار لك بعد موتك فيرفع ميزانك فترفع درجتك ويقل ميزانك بفضل الله عز وجل ثم بفضل استغفار ودعاء أولادك إليك: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.

أما إن كان الأولاد أيها الأحبة: سبباً من أسباب إنحراف الوالدين عن طاعة الله فقدم الوالدان حب الأولاد على حب الله ورسوله، وقدم الوالدان حق الأولاد على حق الله ورسوله فحينئذ يكون الأولاد فتنة من أعظم الفتن على الوالدين فى الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28) سورة الأنفال وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وأرجو أن تتدبر هذا النداء لأهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (14) سورة التغابن كيف يكون الولد عدواً ؟ تدبر قول النبى  فى الحديث الصحيح الذى رواه الطبرانى من حديث خولة بنت حكيم أن النبى  قال: "إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة"([4]) كيف ذلك؟.

إن الولد مبخلة: أى قد يصيب الولد والديه بالبخل الشديد لشدة حرصهما على توفير المال لولدهما فيبتلى الوالدان بالبخل من أجل الولد، ويبتلى الوالدان بالجبن خوفاً على أن يتركا الولد ويبتلى الوالدان بالجهل فيفرق الوالدان فى طلب العلم، وفى السعى من أجل الولد ومحزنة فلا شك أن الوالدان قد يصاب كل واحد منهما بالحزن، والألم الشديد إذا ابتلى الولد بما يؤلمه ، وبما يحزنه.

إن قدم الوالد حب الولد على حب الله ورسوله ولذلك فى الصحيحين من حديث أنس أن النبى  قال:" ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وفى الصحيحين أيضاً من حديث أنس أنه  قال:" والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"([5]).

فإن قدم الوالدان حب الأولاد على حب الله ورسوله وتعارض حق الله ورسوله، مع حق الأولاد فقدم الوالدان حق الأولاد على حق الله ورسوله كان الأولاد فى هذه الحالة فتنة من أعظم الفتن الذى يبتلى بها الوالدان فى الدنيا والآخرة.

نعم أيها الأحبة الكرام: فالأولاد إما نعمة إن كانوا صالحين وإما فتنة إن كانوا فاسدين إن كانوا منحرفين عن منهج رب العالمين، ومنهج سيد المرسلين وكانوا سبباً فى انحراف الوالدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وبهذا التأصيل المهم يتبين لنا أن الأولاد أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة فى أعماق الوالدين نسأل الله أن يعيننا جميعاً على هذه الأمانة إنه ولى ذلك والقادر عليه، وهذا هو عنصرنا الثالث ، والمهم من عناصر هذا اللقاء

 حق الأولاد على الوالدين.

 أيها الأحبة: إن الولد أمانة عظيمة، وجوهرة غالية خالية من كل نفس، وصورة تلك الجوهرة القابلة لكل شئ ينقش عليها، الولد مائل بفطرته إلى كل ما يمال به عليه فإن تعود الخير اعتاده وإن تعود الشر اعتاده، إن تربى على الفضيلة اعتادها وأصبح عنصراً نافعاً لنفسه ولدينه ولمجتمعه وإن تربى على الرذيلة، والشر أصبح عنصراً فاسداً لنفسه ولدينه، ولمجتمعه ولذلك قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.

وحمل النبى  الأمة أو الوالدين المسئولية الكاملة فى تربية الأولاد فقال كما فى الصحيحين من حديث ابن عمر: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام- يعنى الحاكم- راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع فى أهل بيته، ومسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته"([6])­­.

وتدبر هذا الحديث الذى لو وعيناه والله انخلعت القلوب من شدة الوعيد فيه ففى الصحيحين من حديث معقل بن يسار أن النبى   قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"([7])

ستسأل عن رعيتك إن كنت والياً ستسأل عن الرعية، إن كنت مسؤلاً فى شركة، ستسأل عن مرؤوسيك، إن كنت رب أسرة والداً فى بيت ستسأل عن رعيتك عن امرأتك وعن أولادك.

فالتربية تربية الأولاد مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة ستسأل عنها بين يدى الله جل وعلا هى مسئولية تضامنية مشتركة بين الوالدين مسئولية تضامنية مشتركة بين الوالدين معاً فإن تخلى الوالد عن هذه المسئولية وظن أن وظيفته تتمثل فى المأكل والمشرب والملبس والمسكن فحسب ثم تخلى عن الأبوة عن النصح عن أبوة التعليم للعقيدة، والعبادة والأخلاق، وظن أن وظيفته فى البيت أنه ممثل لوزارة المالية فقط يطٌعم الأولاد فحسب.

هل فكر والد منا أيها الفضلاء وهو يقدم ألوان الطعام وألوان الفواكه لأولاده، قد يدخل الواحد منا على أولاده وهو يحمل ألواناً من الفاكهة يطعم الأولاد فهل فكر والد منا أيها الفضلاء ، وهو يطعم أولاده الفاكهة أن يجلس معهم؛ ليربط قلوبهم بخالق هذه الفاكهة؛ ليقول: انظر أيها الولد إلى هذه الفاكهة انظر إلى هذه الحبات كيف رصت بهذا الاتقان وبهذا الجمال انظر إلى فاكهة المانجو انظر إلى فاكهة العنب انظر إلى فاكهة كذا، وكذا انظر إلى هذا الطعام يا بنى هذا البرتقال هذا الليمون وهذا البطيخ وهذا المانجو وهذا العنب، كل هذه الفواكه التى اختلف طعمها واختلف لونها واختلف شكلها، خرجت من أرض واحدة، وسقيت بماء واحد فمن الذى خلقها؟ إنه الله عز وجل ليربط الوالد قلب ولده بالخالق؛ ليربى الوالد ولده على عقيدة التوحيد من أول لحظة ليشعر الوالد ولده بالمنعم، والمحسن سبحانه وتعالى.

قد نغفل عن دروس تربوية عظيمة لا تكلفنا شيئاً على الإطلاق، فإن تخلى الوالد عن التربية وانشغل بالوظيفة، بالأموال بالتجارات قد يكون الوالد معذوراً فى انشغاله للظروف الاقتصادية الطاحنة التى يعيشها كثير من الآباء وأنا لا أجهل الواقع الذى نعيش فيه ونحياه، لكن الذى يؤلم القلب ويتعب النفس إن للوالد رمق من الوقت وعاد إلى بيته يتفنن فى قتل هذا الوقت قتلاً بالجلوس أمام المباريات والمسلسلات والأفلام، مع أن جلوس الوالد وسط أولاده ولو لم يتكلم منهج تربوى فيه من عمق التربية ما فيه فكيف لو تكلم فذكر الأولاد بالله، وذكر الأولاد بحديث رسول الله، ونصح ووعظ، وسأل عن الولد وسأل عن البنت فحل إشكالاً ورسم منهجاً وبين طريقاً وحل لغزاً وأشعر الوالد أولاده بالقرب، والحنان، والرحمة كيف لو فعل الوالد ذلك يا إخوة.

قد يتألم الإنسان إذا قلت لأحدكم الآن: ما تقولون فى والد دخل يوماً إلى بيته وسحب ورقة بيضاء وخط فيها رسالة لإمراته لزوجته وقال فيها : بسم الله الرحمن الرحيم إلى زوجتى الفاضلة: السلام عليكم ورحمة الله وبعد فإنى أقدم لكى اليوم استقالتى من تربية الأولاد، فيتهم هذا الوالد فوراً بالجنون، ثم لماذا تقولين فى أم تقدم هى الأخرى مثل هذه الاستقالة لزوجها أقدم لك يا زوجى العزيز استقالتى من تربية الأولاد ، ستتهم بالجنون، بل وربما زوجها الطلاق إن هذه المسئولية الضخمة ستسأل عنها بين يدى الله عز وجل، ستسأل بين يدى الله عما استرعاك وتبدأ التربية لا بمجرد أن يوجد الولد الذى يعقل لا بل تبدأ التربية قبل الزواج.

وهل عندى ولد أربيه قبل الزواج؟ أؤكد لحضراتكم أن التربية الصحيحة تبدأ قبل الزواج وذلك باختبار الزوجة الصالحة التى ستكون أرضاً طيبة لنفسك وغرسك، تلك هى البداية المرأة التى ستعينك على تربية ولدك فالبيت قلعة من قلاع العقيدة وحصن من حصون الإسلام، أنا أؤكد لحضراتكم أن هذه القلعة، وأن هذا الحصن إن كان مهدداً من الداخل فلم نستطيع أن نقيم على الأرض للإسلام دولة، من هنا تبدأ التربية من البيت وتدعوا لأختيار الزوجة الصالحة بإعداد الأرض التى ستلقى فيها البذر والنبت:" تنكح المرأة لأربع: لجمالها، وحسبها، ومالها ، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"([8]) وفى صحيح مسلم: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"([9]) خير متاع لك فى الدنيا المرأة الصالحة، الزوجة الطيبة التى تعلم مسئولية التربية، قد ينشغل الوالد بعمله فتبقى الأم فى البيت مدرسة؛ لتربى الأولاد دفعاً إلى طاعة الله، وحفظ كتاب الله وإلى الأخلاق الفاضلة ثم يحرص الوالدن على غرس العقيدة الصحيحة فى قلوب الأولاد بمجرد النشأة قد يظن كثير من الآباء أن الولد لا زال صغيراً مع أن أولادنا بمجرد النشأة قد يظن كثير من الآباء أن الولد لا زال صغيراً مع أن أولادنا على قدر كبير جداً من الذكاء وإن أردت أن تتأكد من ذلك ففكر فى أسئلة طفلك الصغير ربما يحرجك ولدك بالأسئلة، إن الطفل ذكى، قلبه طاهر نقى ذكى ينقش عليه كل شئ ونحن لا ندرى، قد يقوم ولدك ابن السنتين ليقلدك فى الصلاة وأنت تصلى قد تقوم ابنتك بنت السنتين لتقلد أمها فى الخمار وفى الحجاب وهى لا تعى فالطفل ذكى صاحب قلب طاهر نقى، قابل لكل ما ينقش عليه من خير أو شر أو فضيلة أو رذيلة فلا ينبغى أن نقلل من شأن أطفالنا ومن شأن أولادنا.

فينبغى على الوالدين أن يبدأ بتعليم العقيدة الصحيحة فى قلوب الأولاد منذ الصغر، وهذا المنهج ليس بدعاً إنما هو منهج الحبيب النبى  فى التربية أسمع إلى تربية النبى  وتوجيهه كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: كنت خلف النبى  يوماً أى على حمار أو دابة فقال له النبى  :" ياغلام- أنظر إلى التربية والتوجيه- يا غلام إنى أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك- عقيدة تأصيل للعقيدة- أحفظ الله يحفظك أحفظ الله  تجده تجاهك إذا سالت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشئ لن ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشئ لن يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"([10]).

أنظر إلى التأصيل العقدى انظر إلى التوجيه التربوى للأبناء فى سن مبكراً لماذا ؟ لأن الولد لو تربى على العقيدة الصحيحة عرف حلاوة الثقة فى الله وذاق برد اليقين فيه وخرج واثقا فى الله معتزاًُ فيه وبنفسه فأسعد نفسه وأسعد أمته وأسعد مجتمعه، افتحوا على أولادكم أول ما ينطقون بلا إله إلا الله، بحب الله، بحب رسول الله  بحب الدين ، بحب العقيدة، علمه المراقبة- مراقبة الله عز وجل فى السر والعلن بأسلوب سهل جميل لا يحتاج ذلك إلى أسلوب معقد أو قد يظن بعض الآباء أن الأمر يحتاج إلى محاضرات كلا 
كلمات قليلة .

فمن أجمل ما قرأت كيف أن أولاد السلف تربوا على العقيدة منذ نعومة أظفارهم: مر عمر بن الخطاب يوماً على مجموعة من الأولاد الصغار وهم يلعبون فى إحدى طرقات المدينة فلما رأى الأولاد عمر بن الخطاب، وكان عمر صاحب هيبة كما تعلمون، وكيف لا والشيطان نفسه كان يهاب عمر فلما رأى الأولاد عمر بن الخطاب جروا، هربوا إلا واحداً ثبت ولد صغير من الأولاد، ولم يجر إنه عبد الله بن الزبير- رضوان الله عليهما- فسعد عمر بهذا الغلام وأقبل إليه وقال له: لمَ لم تهرب مع الأولاد فماذا قال الغلام؟ قال: ما كنت مذنباً لأهرب منك يا أمير المؤمنين، وليس الطريق ضيقاً لأوسع لك أى عقيدة هذه؟ وأى فهم؟

وهذا عبد الله بن عمر- رضوان الله عليهما- يمر يوماً على راع صغير يرعى الأغنام فأراد عبد الله بن عمر أن يختبره وأن يذكره فقال له: يا غلام بع لى واحدة من هذه الأغنام أنها ليست لى يا سيدى إنما أنا راعى فقط، وإنما هى ملك لسيدى فى المدينة فقال له ابن عمر- رضوان الله عليهما: قل لصاحب الغنم لقد أخذ الذئب واحدة وهو لا يراك فالتفت إليه الغلام وهو يقول: فإذا كان صاحب الغنم لا يرانى فأين الله؟! فبكى ابن عمر وانطلق وهو يردد قولة الغلام: فأين الله فأين الله، فأين الله؟!: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (7) سورة المجادلة. نعم أيها الحبيب:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل

                                خلوت ولكن قل على رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

                                ولا أن ما يخفى عليه يغيب

ومن أروع وأجل ما قرأت فى أن أولاد السلف تربوا على العقيدة بل وأراد الطفل منهم أن يبذل دمه وروحه لدين الله وفداء لحبيبه ومصطفاه.

ففى الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف- رضى الله عنه- قال: بينما أنا واقف فى الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وشمالى فتيان حديثا السن رأى غلامين صغيرين عن يمينه، وشماله يقول عبد الرحمن بن عوف: فرجوت أن أكون بين رجلين غيرهما خشية أن يكون بين هذين الغلامين فى الصف ما سرنى أن أكون بينهما يقول عبد الرحمن بن عوف: وبينما أنا كذلك إذ بأحدهما يغمزنى سراً من صاحبه لا يريد أن يسمع الآخر فيقول له: يا عم يا عم هل تعرف أبا جهل؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: نعم وماذا تصنع بأبى جهل يا ابن أخى؟ فماذا قال الغلام؟ قال: لقد سمعت أنه يسب رسول الله ، ولقد عاهدت الله- عز وجل- إن رأيت أبا جهل أن أقتله أو أن أموت دونه وفى لفظ: (أن لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا) يقول عبد الرحمن بن عوف: وإذا بالغلام الآخر يغمزنى سراً من صاحبه: يا عم يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال الأول: لقد سمع أنه يسب رسول الله  ولقد عاهدت إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه وأن لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا يقول عبد الرحمن بن عوف: فوالله ما سرنى أن أكون بين رجلين مكانهما فرأيت أبا جهل يذود فى الناس أى يأتى ويروح فقلت لهما: انظرا هل تريان هذا؟ قالا: نعم قال: هذا صاحبكما الذى تسألان عنه إسمع ماذا قال عبد الرحمن: قال: فانقضا عليه كالصقرين فقتلاه فابتدراه بسيفيهما فقتلاه وانطلق الغلامان، معذرة وانطلق البطلان إلى النبى  كل منهما يقول: قتلت أبا جهل يا رسول الله والآخر يقول: لا أنا الذى قتلته فقال لهما النبى  : هل مسحتما سيفيكما؟" قالا: لا فأخذ النبىالسيفين ونظر إلى الدماء عليهما وقال لهما: "كلاكما قتله؟"([11]).

والبطل الأول هو معاذ بن عفراء والبطل الثانى هو معاذ بن عمرو بن الجموح- رضى الله عنهما- وعن السواعد التى ربت وهذبت فيجب على الوالدين أن يبدأ بغرس العقيدة ثم ليحبب الوالدان الأولاد فى القرآن، وفى حفظ القرآن رحم الله الكتاتيب التى حفظنا فيها القرآن كله فى سن مبكرة لم تبلغ العاشرة، ورحم الله أهلها، والقائمين عليها.

أين الكتاتيب؟ أصبح الوالد الآن حريصاً على أن يربى ولده وأن يعلم أولاده اللغات، وهذا أمر جميل أنا لا أقلل من شأنه أبداً بل أتمنى أن لو تعلم أبناؤنا اللغات لكن  فى الوقت ذاته لا ينبغى أن يتجاهل الوالد أن يعلم  ولده قرآن رب الأرض والسماوات، وأن يحرص الوالد على ذلك فتعليم القرآن سر من أسرار تفوق الولد فى الدنيا فى كل مجال، وأقول : إن لم تتعلق قلوب أبنائنا بالمساجد فى المساجد، فأين سيتربى الأولاد؟ فى النوادى أم أشرطة الفيديو أمام الإعلام المضلل.

افتحوا صدوركم وقلوبكم للأولاد فى بيوت الله عز وجل وإن كان الولد مخطئأ فليهذب، وليرب، وليؤدب، وليعلم، وعلى الوالد أن يحرص على اصطحاب ولده معه لبيت الله عز وجل وأن يفضى له النصيحة والتوجيه والتربية فوالله لقد كان المصطفى  مربياً للأطفال فى المساجد ويا له من مرب.

ففى صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله الصلاة الأولى- أى صلاة الظهر- ثم خرج إلى بيته وخرجت معه، يقول : فمر النبى  على الولدان أى على الأولاد وهم يلعبون يقول جابر: فجعل النبى يمسح على خدى أحدهم واحداً واحداً ثم مسح النبى  على خدى فرأيت ليده براداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار([12]).

بل وارتقى النبى  المنبر يوماً فرأى الحسن والحسين، يتعسران فى المسجد فنزل من على المنبر وحمل الحسن والحسين وارتقى بهما على المنبر، ثم التفت إلى الناس وقال: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"([13]) خلق.

ولا أنسى رجلاً علمنى وأنا فى السعودية فى القصيم دخل على يوماً وقال: يا فلان؟ قلت: نعم، قال: ولدى حفظ سورة يوسف، والرعد ، وإبراهيم من شريط لك وهو يحبك جداً ولم يرك ويريد أن يراك وسآتى به لأول مرة فى الجمعة المقبلة وهذه هدية وأخرج فى هدية وقال: ضع هذه الهدية عندك فى المسجد فإذا أتيت بولدى فى الأسبوع المقبل- إن شاء الله تعالى- فقدم لولدى هذه الهدية على أنها منك ليزداد حبه لك وليزداد الأولاد تعلقاً بالمسجد.

أنظر إلى الفهم الراقى قلت: لقد علمتنى ليتعلق أبناؤنا بالمساجد: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"([14]) ففى المسجد سيتربى الولد على الفضيلة، على حفظ القرآن، على سماع كلام النبى عليه الصلاة والسلام على الخلق وإن أعظم وسيلة لتربية الولد ولتحبيبه فى الصلوات، وفى المساجد- أن يرى الولد والده إن سمع الأذان كأن حية قد لدغته قام وانتفض وأعطى للأذان مكانة وحرارة فيستشعر الولد أهمية ما سيقبل عليه والده فيقوم ويسارع إلى الوضوء ثم يتطيب ثم يقول لولده: يا فلان توضأ هيا بنا إلى المسجد، ويأتى به إلى المسجد ليعلمه إن أتيت المسجد فلا تتحرك، ولا تتكلم، ولا تحدث صوتاً فأنت فى بيت الله عز وجل فهل يا بنى تستطيع أن ترفع صوتك أمام مدرسك فى الفصل ؟ يقول: لا فأنت فى بيت الله يعلم الوالد ولده كيف يتأدب بآداب المسجد بكلمات قليلة فإن القدوة فى البيت من أعظم وسائل التربية لا يمكن أن يحب الولد الصلاة إلا أن رأى والده يحب الصلاة ولا يمكن أن تتربى البنت فى البيت على الفضيلة إلا إذا رأت أمها تحب الفضيلة ومحال أن تعشق البنت الحجاب إن  رأت أمها متهتكة متبرجة سافرة.

مشى الطاووس يوماً باختيال
فقال علام:تختالون قالوا
ينشأ ناشئ الفتيان منا

 

فقلده بمشيته بنوه
لقد بدأت ونحن مقلدوه
على ما كان علمه أبوه

التربية بالقدوة ولكننى أود أن أطمئن القلوب الجريحة فقد يئن الآن كثير 
من آبائى ويقولون: يا أخى سامحك الله نحن نربى الأولاد فى البيت تربية طيبة 
على القرآن وعلى السنة، ولا يسمع الولد فى البيت إلا الفضيلة وإلا الكلمة 
الطيبة ولا يرى من أمه إلا الخير، ولا من أبيه إلا الفضل، ومع ذلك قد يصدم 
الولد البيت ببعض الألفاظ وبعض التصرفات التى لا يمكن البتة أن يتربى عليها فى 
البيت فمن أين ذلك.

أقول هذا هو عنصرنا الأخير من عناصر اللقاء إنها مسئولية الجميع، والحديث عن هذا العنصر فى عجالة بعد جلسة الاستراحة.

أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم:

الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولى المتقين واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابة وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهدية واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام إنها مسئولية الجميع ، نعم قد يتربى الولد فى البيت على الفضيلة نعم على الفضيلة فهو لا يرى فى البيت تلفازاً ولا يرى امرأة متبرجة عارية، ولا يرى إلا والدا فاضلاً مربيا ومع ذلك قد يقول الولد كلمات تخلع القلب، وقد يفعل الولد بعض التصرفات الخطيرة التى لم يدركها وذلك لأن الأولاد ينشأون الآن فى بيئة متضارية متناقضة فقد تبنى وغيرك يهدم يتربى الولد فى البيت على الفضيلة، فإن خرج إلى المدرسة يسمع الرذيلة من بعض أصحابه من الشارع، من الإعلام فالمسئولية مشتركة فالمسئولية على الجميع وأنا لا أتكلم عن ولدى فحسب، بل أتكلم عن أولادنا جميعاً.

فأولادنا جميعاً مسئوليتنا يجب أن أحافظ لك على ولدك، ويجب أن تحافظ على ولد أخيك، وهكذا، فإنها مسئولية على الجميع يتربى الولد على الفضيلة، ثم يخرج إلى الشارع إلى رفقاء السوء فيسمع الكلمات الخبيثة وينظر إلى التلفاز فيرى الحركات المريبة ويسمع الكلمات التى تخدش الحياء فيحفظ الولد وتحفظ البنت ويقلد الولد تقليداً أعمى وهو لا يعى وهو لا يدرك ومحال أن يكتمل البنيان حتى وإن كنت تبنى وغيرك يهدم كل يوم ما تبنيه.

فالمسئولية مسئولية الجميع، تبدأ من البيت، ثم بالمدرسة ثم بالإعلام ثم بالمسجد أو بالبيت ثم بالمدرسة ثم بالمسجد، ثم بالإعلام، المهم أن تؤدى كل مؤسسة من هذه المؤسسات دورها ووظيفتها، وأن تكتمل الجهود كلها لتربية أولادنا تربية ترضى الله عز وجل ويسعد الأولاد بأنفسهم ويسعد بهم مجتمعهم وتسعد بهم أمتهم؛ ليكونوا أعضاء صالحين فى هذه الأمة، وفى هذا المجتمع.

فالمدرسة عليها دور وأنا أتألم حينما أطالع المناهج التعليمية التى تدرس لأولادنا فإنها تحسن أن تعلم أبناءنا المعارف، والمعانى ، والعلوم، ولكنها لا تحسن أن تعلم عيونهم الدموع ولا قلوبهم الخشوع محال أن يتعرف الولد على دنيه بشموله وكماله فى المدرسة بل إن حصة الدين حصة ثانوية مهملة، إن أراد المدرس أن ينكت مع الطلاب أو مع تلاميذه، لا يكون إلا فى حصة الدين بل وإن أراد الأولاد أن يكرمهم أستاذهم فليقل: حصة الدين ألعاب.

والدين هو المادة الوحيدة التى لا تضاف إلى مجموع الطالب فلا يهتم بها التلميذ، ولا يهتم بها الطالب التاريخ الإسلامى يشوه، وتربينا على تواريخ محرفة، ومزورة فيخرج الولد مسكين لا يعرف الحق إلا من رحم ربك جل وعلا.

ومتى سيتعلم الولد فى المدرسة الفضيلة وهو يلتصق بزميلته فى الدراسة لصقاً سواء فى المرحلة الاعداية أو فى الثانوية أو فى الجامعة؟! ثم يقال: افتحوا الباب على مصراعيه زميل يجلس بجوار زميلته لتخفف حدة الكبت الجنسى عند الولد، والبنت على السواء وهذا ورب الكعبة ضلال، ووهم، وإضلال كيف يقرب الولد من البنت فى سن حرجة ويقال: إنه تخفيف لحدة الكبت الجنسى، بل هو إشعال للغرائز الهاجعة وإثارة للشهوات الكامنة.

ألقاه فى اليم مكتوفاً وقال له                    إياك إياك أن تبتل بالماء

هذا محال محال أن تصب البنزين على نار مشتعلة ثم تقول للنار: انطفئى هذا وهم بل لابد أن تزداد اشتعالاً فكيف يتربى الولد على الفضيلة فى هذا الاختلاط المدمر ثم ما الحرج فى أن يفصل الولد عن البنت فى فصول متقاربة على الأقل، وذلك أضعف الإيمان لا نقول بانشاء مدارس جديدة وإنما فصول فى المدرسة ذاتها هذا فصل للبنين، وهذا فصل للبنات ليتربى الولد على الخلق ولتتربى البنت على الفضيلة، حتى يظل الحاجز النفسى من الحياء موجوداً بين الولد والبنت على السواء فالمدرسة لها دور كيف يكره الولد الدخان التدخين إن دخل عليه مدرسة الفصل وفى يده السيجارة؟ كيف يفكر الطالب فى الصلاة وهو فى الجامعة إن سمع الأذان وأراد أن يخرج للصلاة فاستهزأ به أستاذه استهزأ أضحك المدرج عليه كله؟ مسئولية كبيرة.

ثم الإعلام وأنا أقرر بكل أمانة أدين بها الله أن الإعلام مسئول مسئولية ضخمة فى انحراف كثير من أبنائنا وبناتنا، يؤصل الإعلام فى قلوب أبنائنا وبناتنا الرذيلة الرذيلة وليست الفضيلة: فى المسلسلات، والأفلام التى تعزف على وتر الجنس والدعارة والعنف والجريمة والوحشية، ويقلد الولد ويتشبع.

ثم لا أقلل أبدا من دور المسجد وأعترف وأقر بأن المسجد مقصر فى دوره وبأن المؤسسة الدعوية فى بلاد المسلمين مقصرة فى حق أبنائنا وأولادنا وبناتنا وشبابنا، فقد يدخل الولد إلى المسجد فى سن خطيرة، فى سن المراهقة، فى سن الجامعة فيدخل إلى المسجد فيرى شيخاً لا يعلم عن الواقع شيئاً ولا عن كلام الله ولا عن كلام رسول الله قبل الواقع أى شئ فيجلس الولد بين الشيخ ليرى أن الشيخ فى واد بعيد عن مشكلاته وحاجاته، بل وربما يرى الولد الشيخ غليظاً شديداً عبوساً يعنفه ويوبخه.

وأنا لا أتصور أبداً أن شاباً من شبابنا قد يأتى إلى شيخ ليقول له: يا شيخ يقول له: نعم فيقول له: ائذن لى بالزنا أعطنى فتوى بجواز الزنا، لا أتصور أن هذا الشاب قد يخرج من المسجد سليماً معافى على أقل تقدير سيهان.

وكلكم يعلم أن شاباً جاء لأعظم مرب عرفته الدنيا للمصطفى والحديث فى مسند أحمد بسند صحيح ليقول له: يا رسول الله إئذن لى فى الزنا يستفتى المصطفى  جاء ليأخذ رخصة من النبى  فى الزنا فيقول المصطفى والله ما وبخه ولا ضربه ولا شتمه ولا أهانه ولا أمر الصحابة أن يحملوه من يديه وقدمية؛ ليرمى به فى الشارع وإنما قال له النبى  :" أدن" فاقترب فقال له المصطفى  :" أتحبه لأمك؟" قال لا يا رسول الله جعلنى الله فداك قال:"وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم أتحبه لابنتك لأختك لعمتك لخالتك؟"والشاب يقول: لا والله جعلنى الله فداك يا رسول الله، والرسول يقول:" وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم" ومع ذلك رفع الحبيب يده الشريفة الطاهرة ووضعها على صدر هذا الشاب ثم دعا ربه عز وجل وثال:" اللهم اشرح صدره و

  • Currently 36/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 376 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

131,264