يصرح الحداثيون في بلاد الإسلام دون خوف أو مواربة بأن دعوتهم تقوم على أساس الثورة والتمرد على التراث والماضي بكل صوره وأشكاله، وهم في ذلك صورة للحداثيين الغربيين الذين كانوا نتاج ثورة فكرية ملحدة على تعاليم الكنيسة. فليست الحداثة - كما يحب أن يصورها البعض - خروجاً عن الشعر التلقيدي إلى الشعر الحر ، والاستعاضة بالعامية عن الفصحى فحسب، بل هي أشمل من ذلك وأوسع، فهي ثورة على القديم كل القديم بما في ذلك الدين واللغة والشعر، بل وحتى الأعراف والتقاليد، فنظرة الحداثيين إلى الدين مثلا نظرة ملحدة، لا تعترف له بالقداسة والعصمة، لا في أخباره ولا في أحكامه . فعلى سبيل المثال دعا أحد كبار الحداثيين إلى عدم اعتبار القصص القرآني ثابتاً تاريخيا حتى يثبته البحث العلمي كما زعم ، ولا يخفى مروق هذا النهج وخروج صاحبه عن الإسلام، فهو مبني على الشك في خبر الله عز وجل، المنزه عن الكذب سبحانه وتعالى . ولتوضيح شمولية هذا الفكر الحداثي، وأنه لا يقتصر على الشعر واللغة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الدين والقرآن والحديث النبوي، نتأمل قول الكاتبة الحداثية خالدة سعيد في مجلة "فصول" المجلد الرابع العدد الثالث صفحة 27 في مقال لها بعنوان: (الملامح الفكرية للحداثة) : "إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينات، تقدم خطوطا عريضة تسمح بالقول : إن البداية الحقيقية للحداثة من حيث هي حركة فكرية شاملة، قد انطلقت يومذاك، فقد مثَّل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين، العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثمّ تطوري " . وتـقول أيضاً في نفس المرجع صفحة 26 "عندما كان طه حسين وعلي عبد الرزاق يخوضان معركة زعزعة النموذج (الإسلام)، بإسقاط صفة الأصلية فيه، ورده إلى حدود الموروث التاريخي، فيؤكدان أن الإنسان يـملك موروثه ولا يملكه الموروث، ويملك أن يحيله إلى موضوع للبحث العلمي والنظر، كما يملك حق إعادة النظر في ما اكتسب صفة القداسة، وحق نزع الأسطورة عن المقدس، وحق طرح الأسئلة والبحث عن الأجـوبة". فهذه هي دعوتهم وهذا ما يهدفون إليه "نزع القداسة عن القرآن والسنة"، ووضعهما على طاولة البحث العلمي، وليس الخطر في البحث العلمي، فالبحث العلمي المجرد لا يزيد الحق إلا ثباتا ورسوخاً، ولكن الخطر في نزع اعتقاد المسلم بعصمة الوحي الثابت قرآنا وسنة، وفي ذلك خروج عن الدين ومروق عنه، لأن فيه تكذيبا لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، فهي دعوى صريحة للردة، ولكن باسم البحث العلمي !! فليتنبه لذلك المسلم، وليحذر من هذه الدعوات أشد الحذر . وإليك نماذج من شعر الحداثيين تتضمن الطعن في الله ودينه، ولو من طرف خفي لا يخفى على العاقل . نماذج من شعرهم يقول بعض شعرائهم ( وهذه النماذج مؤخوذة من كتاب " الحداثة في ميزان الإسلام" للدكتور عوض القرني ) ( أرضنا البيد غارقة طوف الليل أرجاءها وكساها بعسجده الـهاشمي فدانت لعاداته معبدا ) فواضح من هذا النص من يلمز هذا الحداثي ومن يذم ، ومن يعني بالهاشمي الذي دانت له البيد " الصحراء " فصارت لعاداته معبدا ، أيقال هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بمعثه بعثت أمة العرب وأصبحت البيد " الجزيرة العربية " مركز هدى وعلم ونور، تهتدي به البشرية في أرجاء الأرض كلها، لكن "البيد" أصبحت في نظر هذه الحداثي أرضا غارقة يلفها السواد ، وتتحكم فيها العادات الهاشمية، انظروا إلى هذا السم الذي ينفثه هؤلاء ،وتأملوا ماذا سيقولون عندما يكون مجال حريتهم أوسع ، كما هو الحال في قول الشاعر الآخر، الذي قال دون حياء أو مواربة : " كان الله رماداً " هل هذا يندرج ضمن الخطة الحداثية في تحويل الماضي كل الماضي رمادا وتجاوزه بل وسحقه، حتى الله ورسوله وتاريخ المسلمين ؟!! واسمعوا إلى حداثي آخر وهو يلمز النبوة من طرف خفي فيقول : ( قلت لا ليل في الليل ولا صبح في الصبح منهمر من سفوح الجحيم وقعت صريع جحيم الذرى سألك جسد الوقت معتمر بالنبوءة والمفردات المياه أيـها الغضب المستتب اشتعل شاغل خطاك البال منحرف للسؤال أقول كما قال جدي الذي ما انتهى رأيت المدينة قانية أحمر كان وقت النبوءة منسكبا أحمر كان أشعلتها ) واسمعوا إلى آخر وهو يستهزيء بالنبي بأسلوب خفي ، ثم يكمل استهزاءه بالإسلام ليتهمه باستعباد المرأة، وأنها منذ نزول تبت - سورة تبت - والقناع - الأمر بالحجاب- وهي تشترى وتباع . يقول لا بارك الله فيه : ( بعض طفل نبي على شفتي ويدي بعض طفل من حدود القبيلة حتى حدود الدخيلة حتى حدود القتيلة حتى الفضاء المشاع من رجال الجوازات حتى رجال الجمارك حتى النخاع يـهجم الخوف أنى ارتحلنا وأنى حللنا وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديل وفي فجوات النـزاع باسمنا باسم رمح الخلافة باسم الدروع المتاع اخرجوا فالشوارع غارقة والملوحة في لقمة العيش في الماء في شفة الطفل في نظرة المرأة السلعة الأفق متسع والنساء سواسية منذ تبّـت وحتى ظهور القناع تشتري لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع ) ولم يسلم من تهكمهم حتى طريقة المحدثين في إيراد الأخبار النبوية، إذ اعتبروها مثارا للسخرية وحديثا للتندر ، ولنا أن نسأل عن وجه السخرية في طريقة المحدثين في إيراد الأخبار النبوية، لقد أدهش السند الإسلامي الغرب، وعُدَّ مفخرة من مفاخر أمة الإسلام بين الأمم، إن من يسخر من السند الإسلامي يجعل من نفسه مثار سخرية، إذ يحوِّل نفسه إلى سفيه سوقي لا يفرق بين ما يستدعي العجب والتعظيم وما يستدعي الضحك والسخرية . ولنسمع إلى أحد هؤلاء الحداثيين وهو يسخر من السند الإسلامي، بل إن كلامه لا يخلو من لمز في الحديث النبوي، فيقول كما في (مجلة الشرق عدد 362 الصفحة 38 ) ( حدثنا الشيخ إمام عن صالح بن عبد الحي عن سيد ابن درويش عن أبيه، عن جده قال : "يأتي على هذه البلاد زمان إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه ولا تعذلوا أهله بل لوموا أنفسكم قالـها وهو ينتحب فتغمده الله برحمته وغفر له ذنوبه ) هذه نبذ من أشعارهم ، ونحن نعتقد أنه لولا تخوفهم من محيطهم وواقعهم لصرحوا بأغلظ من هذا وأفظع ، فدعوتهم - ومن خلال ما ذكرنا- لم تقتصر على الثورة على الشعر العمودي الموزون والانتصار للشعر الحر ، أو الثورة على اللغة الفصحى والانتصار للعامية فحسب، وإنما هي حركة فكرية شاملة تهدف إلى هدم كل قديم بما في ذلك الدين، وإحلال قيم المجتمع الغربي مكانها من حرية هوجاء، وإباحية مطلقة ، وتنحية شرع الله وحكمه . نسأل المولى عز وجل أن يحفظ أمة الإسلام من مضلات الأهواء والفتن وأن يحفظنا أمام هذا الهياج الكفري المتستر بقوالب الأدب والفكر، ونسأل الله أن يجعل ما نكتبه جرس إنذار لكل من يقرأ مقالنا هذا فيتحصن بدينه ويتترس به، من سهام ورماح الحداثيين، التي لا تعدو أن تكون أسهما ورماحا من ورق طالما وقف من يتصدى لها بنور الوحي والهدى .
أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى
تسجيل الدخول
ابحث
عدد زيارات الموقع
131,275
ساحة النقاش