أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

    أول حكم من أحكام الموت هو تلقين المحتضر الذى نام على فراش الموت، فإذا حضره الموت وجب على من عنده أمور.

الأول : أن يلقنوه الشهادة :

 

    لقوله  r " لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله ، فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة " (1)

وقال  r  " من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه"(2)وكان r يقول:"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"(3)

        وفى حديث : " من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنة "(4) والروايات كلها رواها الإمام مسلم فى " صحيحه" والزيادة فى الحديث الأول لم ترد فى صحيح مسلم، وإنما وردت فى صحيح ابن حيان.

        إذاً أول حكم من أحكام الموت : إذا نام المحتضر على فراش الموت وجب على أهله المحيطين به أن يلقنوه كلمة التوحيد، فمن وفق لهذه الكلمة دخل الجنة، ولا يوفق للنطق بها إلا المُوفق، ولا يرزق أحد النطق بها إلا المُسدَّد ، فليس كل أحد يستطيع فى هذه اللحظات أن ينطق بـ ( لا إله إلا الله ) قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (27) إبراهيم

قال بن عباس : هو قول لا إله إلا الله :{ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}  (27) إبراهيم

ويقتضى عدل الله سبحانه وتعالى أنه من عاش على التوحيد مات على التوحيد، وبعث فى زمرة الموحدين ، قال  r  : " من مات على شيء بُعث عليه"(1)

        قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه، أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.

     فمن عاش على الطاعة مات على الطاعة ، وبُعث على الطاعة، ومن عاش على الصلاة ومات على الصلاة ، بُعث على الصلاة ومن مات على معصية ، بعد ما عاش دهره وحياته على المعصية، بُعث على ذات المعصية، ومن مات وفى يده كأس الخمر بُعث يوم القيامة وهو يحمل بيده كأس الخمر ، ومن مات وهو يزنى بُعث يوم القيامة بهذه الفضيحة ، ومن مات وهو سارق بُعث يوم القيامة، وهو يحمل على كتفه ما سرق قال تعالى : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(161) سورة آل عمران

 نسأل الله أن يسترنا فى الدنيا والآخرة إنه ولى ذلك والقادر عليه.

ثانياً التضرع إلى الله بالدعاء للميت :

 

   على من حضر الميت أن يتضرع إلى الله – عز وجل – بالدعاء له ، ولا يقول فى حضرته إلا خيراً لحديث أم سلمة – رضى الله عنها – قال رسول الله r: " إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"(1)والحديث رواه مسلم والبيهقى.

  يعنى : لو مات الميت فلا تقل إلا خيرا، لو صرخت المرأة فى البيت وقالت : ( يا سبعى يا جملى ) تؤمن الملائكة على هذا القول ولا ينتقى الوزر عن الميت، إلا إذا أوصى وتبرأ من كل ما يخالف الشرع.

   فاكتب وصيتك من الآن ولا تسوف ، فإن الموت يأتى بغتة ، أوص بكل ما تريد ، تبرأ من كل مخالفة يرتكبها الأهل بعد الموت، فربما ترى من أهلك من يصر على أن يصنع لك صواناً ، أو خيمة ضخمة، وينفق من أموال اليتامى ما لا يحق بحال ، فهذا أكل لمال اليتامى بالباطل والظلم ، والله تعالى يتوعد من أكل أموال اليتامى بوعيد شديد يقول سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} (10) سورة النساء

وهذا من الظلم أن تنفق لما بعد الموت من مال اليتامى بغير حق {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء  

والتلقين ، تلقين الميت : المراد به أن يقول له: قل : لا إله إلا الله وهو يحتضر ، وليس التلقين بعد الدفن ؛ لأن تلقين الميت بعد الدفن فى القبر ليس من السنة ، ولم يثبت هذا عن صاحب السنة r.

        إنما التلقين إذا نام الميت على فراش الموت ، واحتضر تلقُنه لا إله إلا الله؛ لينطق بها، ليرددها خلفك، ليقول هو بلسانه : لا إله إلا الله.

        إنما التلقين فى القبر بعد الموت فلم يثبت هذا أبداً عن الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى r ، والرواية الواردة فى هذا الباب رواية لا تصح بحال عن النبى 
المختار r .

       قال r كما فى حديث أنس الذى رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم : أن رسول الله r  عاد- أى زار – رجلاً فقال النبى r  له " يا خال قل : لا إله إلا الله، قل : لا إله إلا الله ".

وأود أن أذكر أيضا أن المحتضر إذا قال : لا إله إلا الله مرة فكفى لا ينبغى أن نلح عليه ؛ ليكررها فإذا قالها، فليمت بعدها ، حتى ولو طال وقت الموت فهذا هو آخر كلامه فى الدنيا، فالنبى r  يقول له : " يا خال قل : لا إله إلا الله "فقال : أى هذا المحتضر - : أخال أم عم؟ فقال r  : " لا بل خال " فقال للنبىr : فخير لى أن أقول لا إله
 إلا الله ؟ فقال r  : " نعم " (1)

        أما قراءة سورة " يس " عند الميت أثناء الاحتصار، بل وحتى توجيه الميت نحو القبلة، فلم يثبت هذا ولم يصح عن النبى r  ففى أى وضع كان الميت فى بيته ، فى فراشه ، فلا حرج على الإطلاق، لا توجه السرير، ولاتوجه الميت ، فالميت أصلاً على الإطلاق ، موحد مسلم لا يحتاج أن نثبت له إسلامه بعد الموت لتوجيهه نحو القبلة ، فهذا من التكلف الذى نهى عنه النبى r  وهذا ما اعتاد عليه جل المسلمين.

على أى موضع مات الميت على موضعه، حتى يجهز ويغسل، ويُدفن لا حرج، فلم يثبت أبداً عن النبى r أنه أمر بتوجيه الميت نحو القبلة، لم يثبت هذا، ولم يصح عن 
النبى r .

 بل لقد كره إمام التابعين سعيد بن المسيب ذلك وقال له جميلة : أليس الميت امرءاً مسلما. فعن زرعه بن عبد الرحمن : أنه شهد سعيد بن المسيب، فى مرضه وعنده وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن – من العلماء – فغَشىِ على سعيد بن المسيب – أغُمى عليه – فأمر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن يحولوا فراش سعيد بن المسيب نحو الكعبة، وسعيد – رحمة الله عليه – فى إغمائة الموت ، فأمر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن يحولوا فراش أبى سعيد نحو القبلة، فأفاق سعيد بن المسيب ، فوجد أنه قد وُجَّه فراشه، فقال : حولتم فراشى ؟ قالوا : نعم فنظر إلى أبى سلمة بن عبد الرحمن وقال : أراه بعلمك فقال : نعم . أنا الذى أمرتهم، فأمر سعيد بن المسيب أن يعيدوا فراشه مرة أخرى، وقال قولته الجميلة : أليس الميت امرءاً مسلماً ؟(1)

    ما دام لم يثبت هذا عن الصادق المصدقون r  فلا ينبغى أن نتكلف ما لم يفعله الحبيب r. ولا بأس على الإطلاق، فى أن يحضر المسلم، وفاة رجل كافر؛ ليلقنه الشهادة، لعل الله أن يرزقه الشهادة.

        إن كان لك جار يهودى أو نصرانى، وسمعت أنه يحتضر، لا بأس عليك أن تٌسرع إليه بنية أن تَذكره بالإسلام وبالتوحيد، " لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم "(1)

    والدليل على ذلك : ما رواه البخارى وأحمد والحاكم ، وغيرهم من حديث أنس – رضى الله عنه – قال : كان غلام يهودى يخدم النبى r  فمرض الغلام، فأتاه 
النبى  r  يعوده أى يزوره – فقعد النبى r  عند رأسه وقال له r  : " أسلم " أى قل لا إله إلا الله، فنظر الغلام إلى أبيه وهو رجل يهودى هو الآخر فقال الأب لولده : أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام فخرج النبى r  من عند الغلام وهو يقول :" الحمد لله الذى أنقذه من النار"(2) وصدق ربى وهو العزيز الغفار إذ يقول فى حق نبينا، وهو النبى المختار :

{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) التوبة

وصدق ربى إذ يقول : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) الأنبياء

فهو رحمة للمؤمنين، بل ورحمة للعالمين من المشركين والمسلمين فمن آمن به فقد ُرحم فى الدنيا والآخرة، ومن كفر به فقد رُحم فى الدنيا من عذاب الله ثم بعد ذلك – إن شاء الله – ينال هذا الكافر عذابه فى الآخرة، فالامر يرجع إلى مشيئة الله تبارك وتعالى فى كل وقت، وفى كل حال.

فلما مات هذا الغلام اليهودى قال النبى r  " صلوا على صاحبكم " هذا هو الحكم الأول من أحكام الجنائز بالنسبة للمحتضر.

الحكم الثانى : ما الذى يجب على أهل الميت بعد موته ؟

 

 إذا مات وأسلم الروح لخالقها وبارئها – جل وعلا – يجب عليهم أمور، منها:

أولاً : أن يغمضوا عينيه :

إذا  خرجت الروح، يتبع البصر الروح، فتدخل على المحتضر فترى عينيه مفتوحة ، تراه شاخصاً ببصره إلى أعلى.

 

ثانياً أن يغطوا الميت بعد الموت :

ومن الأحكام التى تلزم من حضر الميت أيضاً: أن يغطى الميت بعد الموت بغطاء أوبثوب أو عباءة أو بأى شيء يستر جميع بدنه حتى الوجه؛ لما رواه البخارى ومسلم، من حديث عائشة – رضى الله عنها – أن رسول الله r  حين تُوفى، سجى ببردة حَبْرة.

     حَبّرة : بردة من برد اليمن.

     سُجَّى : غطى جسده كله r.

ولم يكشف البردة إلا الصديق حينما دخل على الحبيب r  بعد ما أتى من بيته بالسنح ووجد الناس يصرخون أمام المسجد النبوى، دخل الصديق على حبيبهr  فوجده مسجى – أى مغطى – فكشف الغطاء عن وجهه وقبل النبى r  بين عينيه قال : طِبت حياً وميتاً يارسول الله : أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد ذُقتها ، ولا ألم عليك بعد اليوم(1)

وفى رواية حسنها شيخنا الألبانى فى " مختصر الشمائل " أن الصديق نادى على نبيه وقال : ونبياه وخليلاه (2)

فمن السنة إذا مات الميت أن يغطى جسده كله.

هذا إن مات الميت فى غير الإحرام، أى الحج والعمرة.

فإن مات الميت، وهو محرم فى حج أو عمرة، لايغطى رأسه، ولا يُغطى وجهه ؛ الحديث ابن عباس – رضى الله عنهما فى الصحيحين قال : بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته أو فأقعصته – وطأته الناقة، فمات بمات بلباس الإحرام فقال النبى r " أغسلوا بماء وسدر وكفنوه فى ثوبته " أى فى الإزار والرداء " ولا تحنطوه" (3)

وفى رواية : " ولاتطيبوه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " أى لا تغطوا رأسه ولا وجهه : " فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " (4)

حينما يخرج من قبره يقول أول ما يقول : لبيك اللهم لبيك وقد قلت : إن الصادق قد قال : " يبعث كل على ما مات عليه".


ثالثاً : أن يعجلوا بتجهيز الميت :

 

        ومن هذه الأحكام أيضاً : أن يعجلوا بتجهيز الميت وإخراجه من بيته إلى المقابر، هذا من السنة أيضاً.

        لا ينبغى أن يتأخر الميت ؛ ليأتى فلان من قطر وفلان من الكويت، وفلان من السعودية، وفلان من مصر، وفلان من هنا وهنالك ويغيب الميت لغير ضرورة، ولغير  حاجة.

        فمن السنة إذا مات الميت أن نعجل فى تجهيزه ، أى فى غسله وتكفينه ودفنه – إلا لضرورة – قال r " أسرعوا بالجنازة " وأمر الإسراع بالجنازة يحتاج إلى إسراع فيما قبل الجنازة ، كالإسراع فى التغسيل والإسراع فى التكفين والإسراع فى الدفن "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (1)

        ومن السنة أيضاً : أن يدفن الميت فى البلد الذى توفى فيه إلا لضرورة.

        ولكن هذا هو الأصل وألا ينقل من بلد إلى بلد، ما دام قد مات فى بلد مسلم ؛ لأن هذا يتنافى مع الإسراع الذى أمر به النبى r.

        ففى حديث جابر بن عبد الله – رضى الله عنه – وأخرج الحديث أصحاب السنن الأربعة وأحمد فى مسنده والبيهقى بإسناد صحيح : لما كان يوم أٌحد حُمل القتلى – أى من الصحابة – ليدفنوا بالبقيع – والبقيع مسافة قريبة جداً ، فلما مات بعض أصحاب 
النبى r فى معركة أحد ، وقتلوا حمل القتلى ليدفنوا فى البقيع بجوار المسجد النبوى، فأمر رسول الله r يأمركم أن تدفنوا القتلى فى مضاجعكم (1) أى فى المواضع الذى قتلوا فيه. 

يقول جابر: بعدما حملت أمى أبى وخالى على ناضح لنا – دابة – لندفنهم فى البقيع فردوا ، ليس هناك حلال ولا فذلكه عقلية ولا فلسفة ، أمر أن يدفنوا فى مضاجعهم فردوا ليدفنوا مع القتلى .

قال فرجعناهما مع القتلى حيث قتلوا ، ولذلك قالت عائشة : لما أخ لها بوادى الحبشة ، فحمل من مكانه ، وددت أنه كان دفن فى مكانه – فى الحبشة – والحديث أخرجه البيهقى بسند صحيح (2)

 

رابعاً : أن يسددوا دينه :

 

        ومن هذه الأحكام أيضاً : أن يبادر أهل الميت بسداد دينه ، فيجب على أهل الميت أن يسدوا الدين عن ميتهم، فإن لم يكن له مال ولم يستطع أهل المتوفى أن يسددوا الدين عليه ، وجب على الدولة أن تقضى عنه الدين؛ للحديث الذى أخرجه ابن ماجه وأحمد والبيهقى من حديث سعد بن الأطول – رضى الله عنه – أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً قال أخوه : فأردت أن أنفقها على عياله فقال له النبى r :

 " إن أخاك محبوس بدينه أى محبوس عن الجنة – فاذهب فاقض " قال فذهب ، فقضيت عنه، ثم جئت ، قلت : يا رسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينه – امرأة ادعت أن لها دينارين عند أخى لكن لم تقدم البينة على ذلك – فقال النبى r " أعطها فإنها صادقة " وفى رواية : " أعطها فإنها محقة "(1)

        وفى حديث عن سمرة بن جندب، الذى أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم، والبيهقى وغيرهم بسند صحيح : أن النبى r صلى على جنازة – وفى رواية – صلى الصبح فلما انصرف قال: " أها هنا من آل فلان أحد " فكست القوم، وكان r  إذا ابتدأهم بشئ سكتوا – رضى الله عن أصحاب النبى المؤدبين – فقال ذلك مرارا ثلاثاً : " أها هنا من آل فلان أحد " لا يجيبه أحد، فقال رجل : هو ذا يارسول الله، فقام رجل يجر إزاره من مؤخرة الناس، فقال له النبىr : " مامنعك فى المرتين الأوليين أن تكون أجبتنى ؟ أما إنى لم أنواه باسمك إلا لخير إن فلانا – يقصد النبى r  رجلا منهم – من آل فلان مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه – أى بسداد الدين – وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله (2)

   فلو رأيت أهله ، ومن يتحرون بأمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أجد أحداً يطلبه بشئ.

الحكم الثالث : وهو ما الذى يجوز لأهل الميت وللحضور أن يفعلوه ؟

 

        بعض الناس يظن : أنه لا يجوز له أن يكشف وجه الميت ويقولون : بأن هذا انتهاك لحرمة الميت، هذا لا يصح، بل يجوز لمن أراد أن يكشف وجه الميت ، وان يُقبِله ، يجوز له أن يفعل ذلك، بل ويجوز له أيضاً أن يبكى على ميته.

        فبعض الناس يظن إن تقبيل الميت حرام، وأن كشف وجهه حرام، وأن البكاء عليه هلع وجزع ، لا.

        فعن جابر بن عبد الله – رضى الله عنهما – قال : لما قتل أبى جعلت أكشف الثوب عن وجهه، وأبكى ونهونى – أى من حولى – والنبى r لا ينهانى يقول : فجعلت عمتى فاطمة تبكى فقال النبى r " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه" (1)

        عبد الله والد جابر – رضوان الله عليه الصحابى الوحيد الذى كلمه الله كفاحاً، أخبر النبى r بذلك ولده المبارك جابر، وقال الله لعبد الله : " تمن فمن تمنى والد جابر إلا أن يرجع إلى الدنيا ليقاتل فيقتل فى سبيل الله ".

        سبحان الله يقول الرسول r لفاطمة : " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ".

        والحديث فى البخارى ومسلم وسنن النسائى والبيهقى

وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت : أقبل أبو بكر – رضى الله عنه – على فرسه من مسكنه – بالسَنح أو البسُنحْ وهو مكان بأطراف المدينة لكن الفتح أصح عندى – حتى نزل من على فرسه، فدخل على المسجد وعمر يكلم الناس ويقول : من زعم إن رسول الله ما مات، بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران وليرجعن رسول الله ليقطعن أيدى وأرجل المنافقين الذين يزعمون أنه مات. قول شديد من عمر، وجاء الصديق عمر، يصيح فى الناس بهذه الكلمات..

تقول عائشة : فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم النبى r - أى اتجه إلى النبى r - لأن النبى r مات فى حجرة عائشة ، وهو مسجى ببردة حَبْره فكشف البردة عن وجهه الأزهر الأنور بأبى هو وأمى، ثم أكب الصديق على النبىr فقبله بين عينيه ثم بكى وقال : بأبى أنت وأمى يا نبى الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التى عليك فقد ذقتها، أو مِتها، وفى رواية : فقد مت الموتة التى لا تموت بعدها.

إذن نأخذ من هذا الحديث أن الصديق كشف عن وجه الحبيب r وقبله ولو كان النبىr قد نهى عن ذلك ما فعله الصديق. والحديث رواه البخارى والنسائى وابن حبان والبيهقى(1)

وفى الحديث الذى رواه الترمذى وصححه البيهقى (2)وغيرهما ، وله شاهد بإسناد حسن من حديث عائشة : أن النبى r دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، وعثمان بن مظعون هو أول من لُقب بالسلف الصالح، وعثمان بن مظعون ممن شهدوا بدرا والنبى r قال فى حق أهل بدر :  " لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " (3)

وهو أول من دٌفن بالبقيع ، فلما مات، تقول عائشة – رضى الله عنها : كشف النبى r الغطاء عن وجهه ثم أكب عليه فقبله- يا لها من كرامة – وبكى حتى رأت الدموع النبى r  - تسيل على وجنتيه (1) يا ترى على وجنتى رسول الله أم وجنتى عثمان بن مظعون – كلاهما جميل.

هناك من أهل العلم – من باب الأمانة العلمية – من ضعف هذا الحديث، لكن شيخنا الألبانى حسن الحديث بشواهده ، وعن أنس – رضى الله عنه – قال : دخلنا مع رسول الله r على أبى سيف وكان ظئراً لإبراهيم ، الظئر هو زوج مرضعة إبراهيم فأخذ رسول الله r إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه – يحتضر – فجعلت عينا رسول الله r تزرفان – يبكى النبىr بالدموع – فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله؟ فقال r : " يا بن عوف إنها رحمة " ثم اتبعها بأخرى فقال r " إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" (2) والحديث رواه البخارى ومسلم.

وعن عبد الله بن جعفر أن النبى r أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ، ثم أتاهم وقال : " لا تبكوا على أخى بعد اليوم " (3)

والحديث رواه أبو داود والنسائى ، وإسناده صحيح على شرح مسلم.

إذا لا حرج لمن إراد أن يقبل الميت بين عينه ، ولا بأس من كشف الغطاء عن وجهه ، ولا بأس إن بكى عليه ، فالبكاء رحمة ، لكن النهى عنه ، لكن المحرم أن 
نقول : مايسخط ربنا – جل وعلا – وأن تدعوا بدعوى الجاهلية ، كأن تقول 
المرأة ( ياجملى يا سبعى ، يامن ترزقنى  ، يامن تفعل لى كذا وكذا ، لا أستطيع العيش بعدك) إلى آخر هذه الكلمات الجاهلية كأن تلطم المرأة خدها ، كأن تشق المرأة جبينها ، 
أو ملابسها كل هذا لايجوز ، ولا يليق وإنما هو محرم فى دين الله.

هذا والله أسأل أن يرحم موتانا رحمة واسعة ، وأن يختم لنا ولكم جميعاً بالإيمان إنه ولى ذلك والقادر عليه ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  • Currently 58/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 3729 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

131,237