أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد [آل عمران:197]. متعب للنفس المسلمة أن ترى الباطل في صولة وسلطان. وأن ترى الحق في ذل وهوان ولكن ذلك يزول عندما تعلم وتوقن أن الدنيا متاع، ولابد للمتاع أن ينفد، وجهنم هي المآل والمصير للباطل وأهله. فما جهنم؟ ولماذا؟ وما صفتها؟ ومن هم أهلها؟ وكيف النجاة منها؟ أما جهنم: فكما أنه سبحانه جعل مستقر رحمته لأوليائه الجنة فقد جعل مستقر عذابه لأعدائه جهنم. وينبغي أن تعلم: 1- أن لجهنم أسماء تدل على شدتها وأهوالها، ومن أسمائها : أ/ الهاوية: فأما من خفت موازينه فأمه هاوية [القارعة:8-9]. قال ابن زيد: (الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها)([1]). ب/ الحطمة: كلا لينبذن في الحطمة [الهمزة:4]. قال ابن كثير: (لأنها تحطم من فيها)([2]). ج/ لظى: كلا إنها لظى نزاعة للشوى [المعارج:15-16]. فهي تتلظى وتلتهب وتحرق جلدة الرأس وهي الشوى وقيل الجلود والهام وقال الضحاك: (تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا)([3]). 2- الداخل إليها لا يموت فيستريح ولا يحيي حياة طيبة: ثم لا يموت فيها ولا يحي [الأعلى:13]. لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر:36]. وعند ذاك يكون الموت أمنية الداخلين، الموت الذي كان أبغض شيء لهم في الحياة يصير أمنية يتمنونها: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون [الزخرف:77]. قال ابن عباس: مكث ألف سنة ثم قال: إنكم ماكثون ([4]). وأما لماذا جنهم؟: 1- فلا بد من وجود جنهم حتى لا يمضي الظالم من غير عقاب، فإذا ما اختلت موازين العدالة في الأرض فإن موازين السماء ثابتة لا تعبث بها الأهواء والمصالح والأموال والوساطات: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء:47]. وللحديث: ((يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله عز وجل: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان. فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست))([5]). حتى يتشفى قلب المؤمن من الطغاة والظلمة الذين سفكوا وقتلوا ونهبوا وحرفوا الأمة عن ربها، ومثلوا دور الأمناء وهم الخونة، والصادقين وهم الكذبة والعلية وهم السفلة. ويوم القيامة هو يوم العدل والقصاص، سخرية تقابلها سخرية: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون [المطففين:29]. ويوم القيامة: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [المطففين :34]. وعذاب يقابله عذاب: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق [البروج:10]. وشتان بين عذاب العباد وعذاب رب العباد للعباد. 2- لأن بواعث النفس للعمل ثلاثة فأما أن يكون الباعث هو معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وهذا هو حال رسول الله : ((فقد كان يقوم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبدا مشكورا))([6]). وأما أن يكون الباعث الرغبة في الجزاء والمثوبة والجنة: إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا [النبأ:31-34]. وأما أن يكون الباعث للعمل الصالح هو الخوف من عذاب الله وعقابه وناره: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم [الطور :26-27]. وأما صفة جهنم: مادة وقودها: فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة [البقرة:24]. والوقود هو ما يلقي في النار لإضرامها كالحطب ونحوه، فوقود جهنم هم الداخلون إليها، فكلما دخلها فوج تأججت وازدادت لهيبا. عمقها: حديث ابن مسعود: سمعنا وجبة (أي صوتا شديدا) فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله : ((هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها))([7]). لونها: للحديث: ((أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها))([8]). حرارتها: وللحديث: ((إنها لجزء (أي نارنا) من سبعين جزءا من نار جهنم وما وصلت إليكم حتى نضحت مرتين بالماء لتضيء لكم))([9]). طعامها وشرابها: للحديث: ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟))([10]). وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه [الكهف:29]. والمهل الماء الأسود المنتن الغليظ الحار. قال سعيد ابن جبير: (إذا جاع أهل النار استغاثوا فأغيثوا بشجرة الزقوم، فيأكلون فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم)([11]). ثيابهم: قال تعالى: هذا خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود [الحج:19-30]. قال سعيد بن جبير: فصلت لهم مقطعات من النار من نحاس وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي)([12]). وللحديث: ((إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه - وهو الصهر- ثم يعاد كما كان))([13]). عميان أهلها: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم [الإسراء:97]. وعن أنس : ((قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال: الذي أمشاههم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم))([14]). عظيمة أجسامهم: للحديث: ((ضرس الكافر مثل أحد (أي جبل أحد) وفخذه مثل البيضاء(اسم لجبل) ومقعده من النار كما بين قديد ومكة))([15]).((إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة))([16]). أقل أهل النار عذاب: للحديث: ((إن أهون أهل النار عذابا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم))([17]). والقمقم ما يسخن به الماء من نحاس وغيره. وللحديث: ((إن أدنى أهل النار عذابا الذي له نعلان من نار يغلي منهما دماغه))([18]). وأما من هم أهلها؟: الملحدون: الذين يدعون العقل ولا عقل، والذين انكروا أن يكون للكون إله وعاشوا وماتوا على ذلك، فإن من العقول من لا تؤمن حتى ترى العذاب: لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم [الشعراء:201]. المشركون: الذين جعلوا مع الله إلها آخر سواء كان صنما أو شجرا أو طاغية يأخذون منه المنهج والتشريع، وأعرضوا عن منهج الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذين اعتقدوا أن غير الله سبحانه هو النافع الضار المحيي المميت، الرازق المانع: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب [البقرة:165]. المنحلون: الذين يريدون أن تنزلق الأمة إلى مهاوي الرذيلة والخنا حتى يسهل قيادها لأعداء الله ويلتمسون لذلك الأساليب من ترويج لصور العاهرات والساقطات حيث لم يتركوا عاهرة إلا وعقدوا معها لقاء وأظهروها بمظهر المتحررة من القيود البالية، ومن يثيرون الغرائز الحيوانية بالكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية ومن لا يحسنون إلا (أدب الفراش) من شعراء النهود، ومن يتكسبون الأموال بالحفلات الماجنة وتأجير الشقق للدعارة وتحويل البلاد إلى بيت دعارة باسم السياحة والانفتاح قال تعالى: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون [النور:19]. المجرمون: الذين لا تجدهم في مواطن الرجولة والدفاع عن الأمة وساحات الكرامة الذين لا يحسنون إلا قتل الأبرياء والعُزّل من المؤمنين، والأمة إذا فسقت ذلت وهانت وصارت نعلا بقدم الطاغية: فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين [الزخرف:54]. يسلب مالها، ويهتك عرضها، ويسلك بها سبل الضلالة والغواية والسقوط، وهي ترقص وتغني وتضحك وتصفق للمجرم الذين يغتال صالحيها: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما [النساء:93]. المضيعون لفرائض الله سبحانه: ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين [المدثر:43-45]. قال ابن كثير: (أي ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا وكلما غوى غاو غوينا معه حتى جاءهم الموت)([19]). وأما موقف المسلم من جهنم: فإن العبد كلما ازداد معرفة كلما ازداد خشية وكلما ازداد خشية ازداد صلاحا واغتناما للأوقات قبل رحيلها، فهناك تعظم الحسرات وتسيل العيون بالدموع والعبرات أنهارا: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو اجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم مكان الدمع))([20]). وتعض الأيدي ندما وتحسرا: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [الفرقان:27]. وتصرخ الألسن بالأمنيات: ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا [الأنعام:27]. يا ليتني قدمت لحياتي [الفجر:24]. يا ليتها كانت القاضية [الحاقة:27]. قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت [المؤمنون:99-100]. فكان لابد من: 1) أن تعلم أن اللذة والنشوة الحرام سوف تذوي وتذوب عند أول غمسة في النار: ((ويؤتي بأنعم أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغه ثم يقال: يا ابن آدم: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب))([21]).ويصبغ أي يغمس. التوبة: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا [التحريم:8]. قال ابن كثير: (التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه كلما ذكرته) وقال عمر : (إن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبدا)([22]) واستيفاء شروط التوبة من الندم والعزيمة على أن لا تعود إلى الذنب ورد الحقوق إلى أصحابها والإقلاع عن المعصية. المحاسبة: محاسبة النفس لازمة للنجاة يقول عمر : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا) فما وجدته من خير فأحمد الله عليه وما وجدته من شر فاستغفر الله عنه واعزم على أن يكون غدك خير من يومك ويومك خير من أمسك. 2) العمل: فما ذكر الله الإيمان إلا واتبعه بذكر العمل الصالح الذي يصدقه، والذي يوزن يوم القيامة هي الأعمال: فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية [القارعة:7-9]. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة:7-8]. 3) المجاهدة: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [العنكبوت:69]. ((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))([23]) مخالفة هوى النفس وطاعة الرحمن هي السبيل إلى تلك الجنان. 4) أن تحفظ جوارحك وحواسك عن الحرام: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا [الإسراء:36]. يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [النبأ:40]. ((من يضمن لي ما بين لحييه (عظما الحنك أي اللسان) وما بين رجليه (الفرج كناية عن الزنا) ضمنت له الجنة))([24]). وسأل عقبه بن عامر رسول الله فقال: ((يا رسول الله ما النجاة؟ فقال: امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك))([25]). 5) أن يكون لك ورد تحافظ عليه في يومك وليلتك: من قراءة لجزء من القرآن في كل ليلة ما أمكن. والمحافظة على الصلوات المكتوبة في المسجد، والمحافظة على السنن الراتبة. وأن يكون لك ركعات بعد صلاة العشاء ومن الليل. وأن تكون محافظا على الأوراد والأدعية. وأن تكون لك في كل باب من أبواب الخير نصيباً، لعلك تنجو وتزحزح وتفوز.

  • Currently 22/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 205 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

131,379