أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

موقف أهل السنة والجماعة من البدع والمبتدعة عبد الرحمن بن عبد الخالق ________________________________________ المقدمة الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وبشيراً ونذيراً للناس أجمعين، فهدى به من شاء إلى الصراط المستقيم، وأضل من شاء عن الهدى المبين. ونسأله سبحانه أن يجعلنا ممن هداه، ووفقه إلى التزام الحق، والعمل به إلى أن نلقاه على الإسلام والدين.. أما بعد: سبب تأليف هذه الرسالة: فهذه رسالة جمعتها لبيان موقف أهل السنة والجماعة ممن يخالفونهم في الاعتقاد والعمل، أسأل الله أن يشرح لها الصدور، ويوفق الجميع للأخذ بما جاء فيها من الحق. أنه هو السميع العليم. عبد الرحمن بن عبد الخالق الأحد 6 من ذي القعدة 1416هـ 17 أبريـــــــل 1996م ________________________________________ الباب الأول مقدمات 1- أولاً: حقيقة الدين. الدين الحق الذي لا يجوز لأحد خلافه هو اتباع كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع أمة الإسلام، وهذه الأصول الثلاثة هي أصول الدين المعصومة فقط التي لا يتطرق إليها خلل مطلقاً. فأما الكتاب فهو كلام الله الذي: {لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد}، كتاب قد فصل الله آياته، وجعله هداية للعالمين، وأمرنا بتدبره، وتعلمه وأعلمنا سبحانه أنه قد يسره للذكر. قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر:17)، فلا حجة لأحد في الإعراض عنه بأي عذر، فهو بلسان عربي مبين، وهو واضح المقاصد، بين الهدف، محكم العبارة، مفصل القول. قال تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} (هود:1)، {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} (ص:29) وأما السنة النبوية فهي معصومة بعصمة الله لنبيه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو شارح القرآن، ومبينه بأقواله وأفعاله وتقديره. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44)، وكذلك هو الذي أنزلت عليه الحكمة كما أنزل عليه القرآن، قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)، والكتاب القرآن، والحكمة سنته صلى الله عليه وسلم.. وقد أوتي النبي الكريم القرآن ومثله وهي سنته، وفيها من الأحكام في الحلال والحرام والوجوب والندب والتحريم مثل ما في القرآن من الأحكام.. كما قال صلى الله عليه وسلم: [ألا وإني أوتيت هذا الكتاب، ومثله معه] (أخرجه أبو داود (4604) عن المقدام بن معدي يكرب في صحيح الجامع الصغير برقم(2643)). وأدلة عصمة السنة كثيرة منها قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3-4)، وقوله تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} (الحاقة:44-47) وأما الإجماع فهو: اتفاق أمة الإسلام على قول في الدين، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلاله، قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (النساء:115). فجعل سبيل المؤمنين واجب الاتباع كالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أجمعت الأمة على معظم قضايا الدين: ككمال القرآن، وحجية السنة، ووجوب العمل بها، وخلافة الصديق ، وصحة قتال المرتدين، والصلوات الخمس، والأذان والإقامة... الخ مما أجمعوا عليه. وهذا الذي قدمناه يعني –بحمد الله- أن مجمل قضايا الدين عقيدة وشريعة ثابتة، واضحة، لأن القرآن حوى معظم الأحكام، وأصول التشريع في كل شأن من شئون حياتنا، كما قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} (النحل:89) والسنة لم تترك أدق التفاصيل في حياة المسلم إلا وقد بينته، ووضحته، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمد الله قد طبقوا الدين كله وأجمعوا على عامة أصوله وكثير من فروعه، بل ليس لهم خلاف في قضية أصولية عقائدية أصلاً، وإنما خلافاتهم في فروع من الدين يجوز فيها الخلاف ولا يتوقف عليها كفر، وإيمان. 2- ثانياً: البدع والأهواء والفرق. ومعلوم أن كثيراً ممن انتسبوا إلى الإسلام قد اختلفوا في حقيقة الدين، وخالفوا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخرجوا عن إجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، واتبعوا أهواءهم، وجعلوا هذه الأهواء أقوالاً واعتقاداً، وتحزبوا حولها وافترقوا بها عن سائر الأمة ممن بقي متمسكاً بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأهواء لا شك أنها نشأت جميعاً بعد قرن الصحابة فلم يكن من الصحابة أحد -بحمد الله- داعياً إلى بدعة، ولا صاحب هوى ولا صاحب طريقة مخالفة للكتاب والسنة، وإنما نشأت البدع فيمن بعدهم، وتصدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان هذه البدع.. كما تصدوا لبدعة الخوارج، والقدرية، والمرجئة. ثم نشأت البدع الأخرى كالرفض، والجهمية ومنكري الصفات، والباطنية ممن يظهرون معتقداً ويخفون ديناً آخر، ويحملون القرآن والسنة على دينهم الباطني الباطل الذي لم يكن عليه أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن المسلم ليعجب أشد العجب عندما يقف على مقالات الفرق التي انتسبت للإسلام حيث يرى أقوالاً واعتقادات هي في غاية الكفر والشناعة والتردي إلى مهاوي الانحطاط والرذيلة!! ومن ذلك على سبيل المثال القول بحلول ذات الله وصفاته في ذوات المخلوقين، واكتساب بعض المخلوقين صفات الرب سبحتنه وتعالى من الأحياء، والإماتة، والرزق، والخلق، وإدخال الجنة، والإخراج من النار، والعلم بالغيب كله.. ومن الأقوال الشنيعة كذلك تفضيل بعض البشر على الرسل والأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وتكفير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة فقط، والقول بتحريف القرآن ونقصه، والقول برجعة الناس إلى الدنيا للحساب على أعمالهم قبل يوم القيامة وأن الذي يحاسبهم هو الحسين بن علي رضي الله عنهما، أو علي رضي الله عنه!! ومن الأقوال الشنيعة كذلك، تكفير المسلم بالمعصية، وتكفير علي بن أبي طالب، وعثمان رضي الله عنهما، وتكفير الحكمين، والخروج على المسلمين بالسيف لمعاصيهم، والقول بخلود مرتكب الكبيرة، ونفي رؤية الله تعالى في الآخرة. ومن الأقوال البالغة في الكفر والمروق القول بوحدة الوجود وأنه لا موجود إلا الله، وأن ما عداه هو العدم، وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو التجسد الكامل لله سبحانه وتعالى .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولو ذهبنا نعدد مقالات الفرق الضالة لبلغ ذلك المجلدات. والقصد هو بيان أن أهل الإسلام والمنتمين له اختلفوا في حقيقة الدين اختلافاً كبيراً كما كان الشأن فيمن قبلهم من اليهود والنصارى كما قال الله سبحانه وتعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة:213). فأخبر الله سبحانه أن الذين أوتوا الكتاب هم الذين اختلفوا فيه، وأن منهم من هداه الله إلى الحق ومنهم من ضل سواء السبيل.. كما قال صلى الله عليه وسلم: [افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة] (أخرجه أبو داود (5496)، والترمذي (2640) عن أبي هريرة. انظر صحيح الجامع (1083)). وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والأرض مليئة باليهود، والنصارى ولكنهم جميعاً كانوا كفاراً مشركين حكم الله تعالى بكفرهم وشركهم وضلالهم مع ادعائهم أنهم على الحق وأنهم أهل الجنة دون الناس، ولا شك أن هذا وقع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن الله سبحانه وتعالى وفق هذه الأمة وميزها بأن تبقى منها طائفة متمسكة بالدين الحق، ظاهرة عليه ولا تزال كذلك إلى قيام الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم: [لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يقاتل آخرهم الدجال] (صحيح الجامع (7287، 7296)). 3- ثالثاً: من هم أهل السنة والجماعة؟ ذكرنا أن الاختلاف وقع في أتباع الإسلام كما وقع في اليهود والنصارى، وأن الله امتن على هذه الأمة الإسلامية بأن جعل منها طائفة على الحق إلى قيام الساعة، فمن هذه الطائفة؟ وما صفاتها؟ والجواب: إن أهل السنة، والجماعة، والطائفة الحقة المنصورة الباقية على الدين الصحيح إلى قيام الساعة هم الذين اعتصموا بأصول الإسلام المعصومة، وهذه الأصول هي الكتاب، والسنة وما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بينا أن هذه الأصول هي الأصول المعصومة، التي لا يتطرق إليها خلل، أو شك. وأهل السنة يردون كل قول، وكل خلاف إلى هذه الأصول، فما وافق الكتاب، والسنة، والإجماع، قبلوه، وما خالفها رفضوه من قائله كائناً من كان، فإنه لا أحد معصوماً، ولا قولاً معصوماً سوى ذلك، أي: الكتاب، والسنة، والإجماع. وقد سميت هذه الطائفة بأهل السنة لأنهم تمسكوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أصل واجب الإتباع، وكذلك في المقابل أهل البدعة الذين اخترعوا أقوالاً، وأعمالاً مبتدعة في الدين جعلوها أصلاً يجتمعون عليه، ويتسمون به، ويفترقون به عن أهل الإسلام، كما زعم الرافضة أن الله أنزل خلافة علي، وأحد عشر من أولاده نصاً في القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على ذلك وسموا أنفسهم شيعة، ورافضة. كذلك اخترع الخوارج مقالات في الدين: كتحريم الاجتهاد، وقولهم (لا حكم إلا لله) يعنون نص القرآن، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وأن مرتكب الكبيرة كافر، حلال الدم، مخلد في النار، ومن أجل ذلك افترقوا بأنفسهم عن سائر المسلمين فكفروا علياً، وعثمان، ومعاوية، والحكمين، وخرجوا على الجميع بالسيف، فسموا: "خوارج" بفعلتهم القبيحة، وسموا أنفسهم: (الشراة) زعماً أنهم شروا أنفسهم لله...، وهكذا كل أصحاب بدعة تسموا ببدعتهم، أو برأس بدعتهم، ومخترع مقالتهم، أو من نسبوا أنفسهم إليه، وليس هو منهم كالإسماعيلية والقدرية والجهمية... الخ، والمرجئة. وأما أهل السنة، والجماعة، فإنهم تسموا بهذا الاسم (الجماعة) لالتزامهم بالجماعة، وهي جماعة أهل الإسلام، ونبذهم الفرقة، والخلاف، وحكمهم بإسلام كل من قال: لا إله إلا الله، ولم يخرج عنها بمكفر ظاهر. ومن أجل ذلك كان أهل هذه الطائفة الحقة هم الذين قام فيهم الإسلام واضحاً جلياً من حيث الاتباع، والالتزام، والحفظ، والتعهد فهم أهل الحديث، والفقه، وهم علماء الحديث، والأثر المتقدمين بحمد الله على هذا المنهج الحق، وجميع فقهاء أهل الإسلام المشهورين، وأئمة الدين المتبوعين، وسادة المسلمين من الصحابة والتابعين. وشأن هذه الطائفة الاجتماع على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونبذ الفرقة، والخلاف ولذلك كانوا بحمد الله هم سواد أهل الإسلام وعامة المسلمين وأما غيرهم ففرق، وشراذم، وأهل ضلالات يظهر بعضها، ويختفي بعضها على مدى العصور، وتنتشر ضلالتهم حيناً، ثم تختفي، وتبور أحياناً أخرى. وأهل السنة، والجماعة هم الأمة الحقيقية للإسلام، والسواد الأعظم، والقرون الإسلامية المتصلة جيلاً بعد جيل، والطائفة الظاهرة المنصورة القائمة باقية قولاً، وعملاً على مدار السنين، والتي حافظت على أصول الإسلام المعصومة، وعملت بمقتضاها في الجملة. وهذه الأصول هي: الكتاب، السنة، وإجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحصر الإجماع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، إنما كان لأنه لم يتحقق إجماع بمعني الإجماع إلا في زمانهم، ولأن الله سبحانه وتعالى شهد لهم بالإيمان والفضل، وأثنى عليهم في كتابه، كما قال سبحانه وتعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} (البقرة:285)، وشهد لهم بالفضل، كما قال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح:29). وشهد سبحانه أنه رضي عنهم كما قال جل وعلا: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (الفتح:18). وأخبر أنه سبحانه قد تاب عليهم كما قال جل وعلا: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} (التوبة:117) ووعدهم الله عز وجل بالنصر، والتمكين، ووفى لهم، كما قال جل وعلا: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} (النور:55) وقد فعل سبحانه. نعم قد كان فيهم منافقون بين الله أخبارهم وهتك أستارهم، ولكنهم كانوا قلة معلومة محصورة. وأما عامة الصحابة، وسوادهم فكانوا من المؤمنين المخلصين المتقين، ولذلك قال لهم الله سبحانه وتعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110). فإذا أطلق اسم الجماعة، كما جاء الحديث: [عليكم بالجماعة]، كان أول من يدخل في مسمى الجماعة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن الله لا يجمع أمتي] أو قال: [أمة محمد على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار] (أخرجه الترمذي رقم (2168) في كتاب الفتن باب لزوم الجماعة، والحاكم (1/116)). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إن الله تعالى اطلع في قلوب العباد، فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته، وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده، فاختار له أصحاباً، فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم، فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح]. (أخرجه الإمام أحمد برقم (3600)، والهيثمي في مجمع الزوائد (1/177)) ومن أجل ذلك فإن أهل السنة، والجماعة، يجعلون إجماع الصحابة على أمر ما حجة قاطعة في الدين، ويقدمون فقههم، واجتهادهم على كل فقه واجتهاد، ويفسرون القرآن ويفهمون السنة على النحو الذي طبقوه، فهم أعنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم قدوة أهل السنة والجماعة في فهم الإسلام، والعمل به. ومن أجل هذا كانت البدعة هي ما خالف القرآن، والسنة، وإجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ________________________________________ الباب الثاني ضوابط وقواعد في البدعة وأهل البدع 4- تعريف البدعة. البدعة: "طريقة مستحدثة في الدين، يراد بها التعبد، تخالف الكتاب، والسنة وإجماع سلف الأمة"، وقد عرفها بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: "والبدعة: ما خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات: كأقوال الخوارج والروافض، والقدرية، والجهمية وكالذين يتعبدون بالرقص، والغناء في المساجد، والذين يتعبدون بحلق اللحى، وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة. والله أعلم" (الفتاوى 18/346). وهذا الكلام على قلته جامع مانع في تعريف البدعة من حيث أنها ما خالف القرآن، والسنة، وإجماع سلف الأمة، وذلك في الاعتقادات والعبادات. كأقوال الخوارج القائلين بإخراج المسلم من الإسلام بالمعصية التي لا تبلغ حد الكفر، والشرك، وقتال أهل الإسلام، وترك أهل الأوثان، وغير ذلك من بدعهم، وكذلك بدع الروافض الذين زعموا أن الله نص على اثني عشر إماماً بأعيانهم وأن من خالف ذلك فهو كافر، ونحو ذلك من أقوالهم التي خالفوا فيها القرآن والسنة، والإجماع، وكالقول بنقص القرآن، وتحريفه، والقول بالرجعة، والبداء، وكذلك القدرية في إنكارهم عموم المشيئة، والجهمية في جحدهم معاني الأسماء والصفات، ومثل الصوفية الذين يبيحون السماع، والرقص في المساجد، ومصاحبة الولدان، وأكل الحشيش!!! الخ. 5- البدعة اللغوية. والبدعة التي لم تخالف كتاباً، ولا سنة، ولا إجماعاً لسلف الأمة، هذه البدعة إنما سميت بدعة في اللغة، إلا أنها قد لا تكون سيئة، بل قد تكون حسنة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما خالف النصوص فهو بدعة باتفاق المسلمين، وما لم يعلم أنه خالفها فقد لا يسمى بدعة، قال الشافعي رحمه الله: البدعة بدعتان: بدعة خالفت كتاباً وسنة وإجماعاً، وأثراً عن بعض (أصحاب) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه بدعة ضلالة، وبدعة لم تخالف شيئاً من ذلك فهذه قد تكون حسنة لقول عمر: [نعمت البدعة هذه] وهذا الكلام أو نحوه رواه البيهقي بإسناده الصحيح في المدخل، ويروي عن مالك رحمه الله أنه قال: إذا قل العلم ظهر الجفا، وإذا قلت الآثار كثرت الأهواء" (الفتاوى 20/163). ومثل هذا ما استحدث من وسائل، وأساليب في العلم، والتعلم، والدعوة، كالمدارس، والجامعات، وطبع القرآن، ونشره، وتنظيم الجيوش، والدواوين، وما قد يدخل في المصالح المرسلة، وما لا يتم الواجب إلا به. وقد فصلنا هذا كثيراً في مواضع كثيرة عند البحث في أساليب الدعوة ووسائلها. 6- حد البدعة التي يكون بها الرجل من أهل الأهواء. لا يجوز الحكم على مسلم بأنه مبتدع، إلا إذا جاء، أو اتبع بدعة تخالف الكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخروج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: "أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة"، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. و"الجهمية" نفاة الصفات، الذين يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، وإن محمداً لم يعرج به إلى الله، وأن الله لا علم له، ولا قدرة، ولا حياة، ونحو ذلك، كما يقوله المعتزلة، والمتفلسفة، ومن اتبعهم، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان، فاحذروهما: الجهمية، والرافضة. فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية، فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية". و"الرافضة" في هذه الأزمان مع الرفض جهمية قدرية، فانهم ضموا إلى الرفض مذهب المعتزلة، ثمن قد يخرجون إلى مذهب الإسماعيلية، ونحوهم من أهل الزندقة، والاتحاد. والله ورسوله أعلم" (الفتاوى 35/414-415). 7- أصول البدع. أصول البدع القديمة خمسة هي: "الرفض، والخروج، والتجهم، وإنكار القدر، والإرجاء" والبدعة -كما مر- طريقة مستحدثة في الدين، ولها صور كثيرة متعددة فإما تكون بإحداث زيادة ليست في الدين وجعلها منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: [من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد] (متفق عليه)، وإما بحذف ما هو من الدين كبدعة من أنكر السنة، وقالوا حسبنا كتاب الله، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: [يوشك رجل شبعان على أريكته يقول حسبنا كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت هذا القرآن، ومثله معه] (أخرجه أبو داود (4604) عن المقدام بن معدي يكرب في صحيح الجامع الصغير برقم(2643)). فنفاة السنة مبتدعة، وأما أن تكون البدعة بتحريف معاني النصوص من آيات، وأحاديث، كما هي بدعة المؤولة من الجهمية، والمعطلة، وإما أن تكون بجهل، وتطرف، ومروق من الدين كما هي بدعة الخوارج.. *وأصول البدع قديماً أربعة، وهي: (الرفض، والخروج، والإرجاء، والقدر)، وهذه الأصول تفرعت بعد ذلك، وتشعبت، فالرافضة افترقوا على أكثر من خمسة عشر فرقة، وأكثر من مائة مقالة مختلفة، وكذلك الخوارج والمرجئة والقدرية.. وأما الجهمية المعطلة فإن عبد الله بن المبارك لما سئل عنهم قال: "ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا لنحكي كلام اليهود، والنصارى، ولا نستطيع أن نعدهم مسلمين" والزنادقة منافقون يتسترون بالإسلام، ولكن يلبسون كفرهم لباساً إسلامياً، ويخرجون بأقوال ومقالات غاية في الكفر، ويحملون عليها آيات القرآن ولا وجه لحملها مطلقاً، فليس لهم قط تأويل سائغ، ويدخل في هؤلاء أهل التأويل الباطني لكلام الله، وأصول البدع الأربعة، أو الخمسة إذا أضيف إليها التجهم، وهو نفي الصفات ومعاني الأسماء، أصولها ما زال لها وجود، وتشعبات إلى اليوم. 8- اللادينية بدعة العصر الحاضر. وقد نشأ ما هو شر من ذلك كله، وهو (اللادينية) أو (العلمانية) وهي البدعة التي يفرق أصحابها بين الدين والدنيا، وجعل أحكام الدين التي يجب اتباعها إنما هي في العقائد، وأعمال القلوب فقط، وإخراج المعاملات، والسياسات، والحلال، والحرام عن حكم الدين، والشريعة، وجعل التشريع في هذه الأمور خاصاً للأمة، أو الشعب، والناس، وإبطال فريضة الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أجل القول بأن الدين سلوك فردي، واختيار شخصي، ولا سلطان لأحد على أحد فيه.. وهذه أعظم بدعة معاصرة، وعلى أساس هذه البدعة تقوم اليوم معظم الحكومات، والجامعات، والأحزاب، والمؤسسات، والنظم السياسية المعاصرة، وخاصة الديمقراطية التي تقوم على هذه العقيدة وهي الفصل بين الدين، والدنيا، وجعل الحكم للشعب، والأمة، وليس لله سبحانه وتعالى. وهذه أعظم البدع العقائدية المعاصرة بإطلاق، وهي التي يقوم حولها الصراع بين أنصار العقيدة الإسلامية التي تقوم أساساً على أن الحكم لله، وأن الجميع منفذ لأمره، خاضع لمشيئته، وبين أنصار عقيدة الحياة، أو العلمانية التي تقوم عقيدتهم على أن الحكم للشعب، وأن ما ارتضاه هو ما يجب تشريعه، وما لم يرتضيه فلا يجوز أن يجبر عليه، وكذلك رفض ما يسمى بالحكومة الدينية. 9- زيادة تفصيل في بدعة (العلمانية). وأما البدعة المعاصرة التي هي بحق شر من البدع جميعاً فهي البدعة التي جاءت إلى هذه الأمة من النصارى، واليهود، ولعل هذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: [لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه]، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: [ومن الناس إلا أولئك] (متفق عليه). وهذه البدعة نشأت أولاً في أوربا في عصورها المسماة بالوسطى حيث كان رجال الكنيسة يتولون الحكم فلما فسقوا، وفجروا، وتكبروا، وساعدوا الطغيان، وأنكروا العلوم العصرية، والقوانين الطبيعية، وأحرقوا علماء الطبيعة، وأكلوا السحت، وحولوا الأديرة إلى مباءات للفساد، وكنزوا الذهب، والفضة التي يستحلونها ببيع المغفرة والجنة، واطلع الناس بعد ذلك على حقيقة أحوالهم، وأنهم ليسوا رهباناً امتنعوا عن الزواج وكسب العيش للعبادة، وإنما ملوك فسقة جبابرة جهلاء يمارسون الفاحشة مع الراهبات، ويعيشون حياة جنسية مبتذلة، ورفاهية فائقة، قامت الثورة عليهم، ورفع شعار: (اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)! ثم استحدث الناس النظام اللاديني الذي فصل بين الكنيسة والحياة، وجعل للكنيسة قدراً لا تتعداه، وهو الشعائر العبادية فقط دون التدخل في حياة الناس، وجعل الحكم في كل الأمور الحياتية للشعب والأمة. ولقد كان هذا سبباً في رقي أوروبا، وامتلاكها ناصية العلم المادي وتحولها إلى أمم غازية، محاربة، مستعمرة، وقد فوجئ العالم الإسلامي الذي كان غارقاً في الجهل، والتفكك بهجوم أوروبا اللادينية عليهم، وقام من أبناء المسلمين من ينادي بأن يفعل بالإسلام ما فعل بالنصرانية، فيعزل الدين ورجاله وعلماؤه عن الحياة، وتقام دساتير وقوانين يجعل التشريع فيها للشعب، والأمة، وذلك اقتداء بأوربا التي لم تنهض إلا بذلك!!!، *ولما كان الإسلام غير النصرانية المحرفة، وكان علماء الإسلام، وخلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا كملوك أوروبا وأباطرتها.. قامت المعركة طويلاً وما زالت بين أهل الإسلام الحقيقي المنتمين لأهل السنة، والجماعة، واللادينيين الذين انسلخوا عن أمتهم، ودينهم، وينادون بأن يكون الحكم لله في المسجد فقط، والحكم للبشر في سائر أنحاء الحياة!! هذه خلاصة عاجلة لمفهوم (العلمانية واللادينية) وهي أخطر البدع التي تجابه المسلمين اليوم لأن المفتونين بها الآن هم كثرة الناس، وسوادهم، ومتعلموهم، والغرب الكافر الآن يساعد أصدقاءه، وأولياءه ممن يدينون بالعلمانية من الحكام، والكتاب والمدرسين والمثقفين والجيوش. ولا يزال هذا الصراع قائماً حتى تعلو بحول الله راية الحق في النهاية مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [ولن يترك الله بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام، بعز عزيز، يعز الله به الإسلام، وأهله، وبذل ذليل، يذل الله به الكفر، وأهله] (السلسلة الصحيحة لشيخنا محمد ناصر الدين الألباني 35). ولا شك أن (اللادينية أو العلمانية) كفر، وخروج عن الإسلام لأن حقيقتها أنه ليس لله أمر، ولا نهي، ولا حكم، وأن الأديان كلها سواء، وليس فيها حق، وباطل وأن من دان بالإسلام عقيدة كمن دان بالبوذية، أو الهندوسية، أو اليهودية بلا تفريق، وأنه لا جهاد، ولا دعوة، ولا عمل لإعلاء كلمة الله في الأرض، وكل هذا كفر وردة. وقد ذكرنا العلمانية في مسمى البدع لأن كثيراً من أهل الإسلام أصبح يدين بها، وكثير من هؤلاء يصلون، ويصومون ويزكون، ويحجون، ولكنهم يقولون: إن الحكم لا يجوز أن يكون ديناً، ولا أن تقوم حكومة على أساس الدين، وإنما يجب أن يفصل بين الدين، والدنيا، فيكون الدين فقط في شئون الآخرة، وأما المعاملات الدنيوية، والحياة، فالبشر وحدهم هم الذين يختارون فيه ما يشاءون. وهذه البدعة هي بدعة العصر في الوقت الحاضر، ويجب التصدي لها، وبيان خطورتها على الإسلام، وفضح الدعاوي العريضة التي تزكيها، وتدعو إليها، وتصور للمسلم أنه يبقى مسلماً مع اعتناقها!!! 10- البدعة المركبة. وهناك من أهل البدع من جمعوا أكثر من بدعة، فالرافضة مع الرفض جهمية ينكرون الصفات ورؤية الله في الآخرة وهم على منهج المعتزلة في الأسماء والصفات. والمعتزلة جهمية في الصفات، وهم مع التجهم قدرية. والخوارج كذلك على منهج المعتزلة في الأسماء والصفات. 11- بدعة الزنادقة. من أشر ما ابتدعه الزنادقة في الدين، التأويل الباطني لكلام الله، وحمل كلام الله وكلام رسوله على العقائد الضالة التي هي للمجوس والمشركين والصابئة، والفلاسفة، فالفرق الباطنية جميعها تقوم على هذه البدعة (الزندقة). فمقالات الإسماعيلية الباطنية ومقالات الحلولية والاتحادية، ووحدة الوجود وتأليه البشر، وتعمد الكذب على الله ورسوله، وتفسير القرآن بما سموه الباطن كقولهم: {وإلهكم إله واحد} أي إمامكم إمام واحد، وقولهم: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد} فسروه لا تتخذوا إمامين اثنين!! وحملوا قوله تعالى: {أإله مع الله} قالوا معناها: (أإمام هدى مع إمام ضلالة)!!.. وقالوا إن الإمام المقصود بعد رسول الله هو علي بن أبي طالب واتخاذ أبي بكر إماماً باطل واستدلوا بقوله تعالى: {أإله مع الله}.. فهذا ومثله من التأويل الباطني الخبيث لكلام الله سبحانه وتعالى هو فعل الزنادقة الملحدين الذين صرفوا كلام الله عن معانيه الحقيقية إلى هذه المعاني الباطلة. وحركة الزندقة كانت حركة عظيمة سرية أفسدت الدين وأدخلت في عقائد الفرق الضالة مقالات شنيعة تهدم الدين من أساسه. وقد تصدى لهذه البدعة منذ أول ظهورها علماء الإسلام كما رد الإمام أحمد عليهم في كتاب (الرد على الزنادقة) وهم الذين نفوا وجود الله فوق عرشه سبحانه وتعالى.. وكتب الغزالي كتاباً عظيماً سماه (فضائح الباطنية) كشف فيه جانباً عظيماً من تلبيساتهم وتأويلاتهم. 12- الصوفية بدعة البدع جمعت كل البدع. التصوف من البدع المركبة فهو يبدأ بالبدع العملية في الأذكار والأوراد، كالسماع، وينتهي بأشنع البدع وأشدها نكارة وفحشاً وكفراً وهو (وحدة الوجود).. وفيما بين هاتين البدعتين جمع التصوف ادعاء علم الغيب، والغلو في الصالحين، وادعاء الولاية للزنادقة الملحدين، وصرف الناس عن العلم الشرعي والكتاب والسنة، واتباع سبيل المشعوذين الضالين إخوان الشياطين، وادعاء الولاية، والفتوة، والصفاء والصلاح، مع العكوف على أعظم البدع والمنكرات، وبدعة التصوف من التلبيس والتلون والخفاء بحيث تخفى على كثير من الناس، وقد تتبعنا بحمد الله هذه البدعة منذ أول ظهورها في الإسلام وإلى عصرنا الحاضر مع بيان عقائد أهلها، وشرائعهم وطرائقهم وتلبيسهم على الناس، وكشفنا بحمد الله هذا كله في كتابنا الفريد (الفكر الصوفي على ضوء الكتاب والسنة) فليراجع لمعرفة أبعاد هذه البدعة الخطيرة التي كان من آثارها تحويل جمهور عظيم من أمة الإسلام عن الإسلام الحق، وتقويض آخر خلافة إسلامية للمسلمين، وفتح ديار المسلمين لدخول الزنادقة والملحدين بل وجعلهم أئمة في الدين وقدوة للمؤمنين والحال أنهم زنادقة ملحدون. 13- مفاسد بدعة الخوارج. ولا شك أن بدعة الخوارج من شر البدع وذلك لأمور كثيرة منها: أ- أن ظاهر تمسكهم بالدين يوهم عموم الناس، ومن لا فقه له بأنهم أحق الناس بالدين، والإسلام، وهم في الحقيقة على غير ذلك. ولذلك فهم يشتبهون على كثير من الناس. كما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. فقيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلاً. قيل:من هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا. (جامع الأصول لابن الأثير 10/79-87) وقال ابن عمر رضي الله عنهما: هم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين (صحيح البخاري 12/295). ب- أن حربهم وبأسهم لا يكون إلا على المسلمين، وما عرف خارجي في القديم، ولا سائر على منهجهم في الحديث إلا وكل همه نصب العداوة لأهل الإسلام وترك أهل الكفر والأوثان!! ج- إنها أول البدع ظهوراً، وأبقاها على مدى العصور، كما قال صلى الله عليه وسلم: [كلما خرجوا قطعوا حتى يخرج آخرهم مع الدجال] (أخرج ابن ماجة (174) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ينشأ نشئٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم كلما خرج فرق قطع حتى يخرج في أعراضهم الدجال] السلسلة الصحيحة(2455)). قال شيخ الإسلام رحمه الله: "أول البدع ظهوراً في الإسلام، وأظهرها ذماً في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة، فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقتالهم،وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم، وذمهم، والأمر بقتالهم". وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة] (متفق عليه). والحرورية لهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم أولاهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل فإنك لم تعدل، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل] (مسلم (1063) عن جابر). فقوله: فإنك لم تعدل جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سفهاً وترك عدل، وقوله: اعدل، أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، ويحسن ما قبحته السنة، أو يقبح ما حسنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة. والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن. وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكي عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق والمصدوق، وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة، إما برد النقل وإما بتأويل المنقول. فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن. وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول، بل ولا بحقيقة القرآن. والأمر الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات. ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين، وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم دار الإيمان. وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم. فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفراً. (الفتاوى 19/71-73) 14- إياك ومنهج الخوارج. وسبب ضلال الخوارج ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أنهم جعلوا ما ليس بسيئة سيئة، وما ليس بحسنة حسنة، وكذلك أنهم حكموا على المسلمين بالكفر بما رأوه ذنباً وعاملوهم معاملة الكفار، فاستحلوا بذلك دماءهم وأعراضهم وأموالهم.. ومما يشابه منهم الخوارج من وجه هؤلاء الذين يتهمون إخوانهم في الدين والعقيدة، ويخرجونهم من أهل السنة والجماعة وبذلك يستحلون أعراضهم، وحربهم، وتحذير الناس منهم، وقد يتقربون إلى الحكام بدمائهم.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فينبغي للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم". وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة، فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة. ومن كفر المسلمين بما رآه ذنباً سواء كان ديناً أو لم يكن ديناً وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارق للجماعة وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين" (الفتاوى 19/75) وقد لا يصل بعض المتشددين أن يكون خارجياً فيقف دون التكفير لإخوانه ولكنه يشتط في معاداة إخوانه المسلمين، وظلمهم، وبغضهم فيفرط في حقوق الموالاة لهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما التكفير باعتقاد بدعي فيد بينته في غير هذا الموضع، ودون التكفير قد يقع من البعض والذم والعقوبة -وهو العدوان- أو من ترك المحبة والدعاء والإحسان وهو التفريط ببعض هذه التأويلات بما لا يسوغ، وجماع ذلك ظلم في حق الله تعالى أو في حق المخلوق، كما بينته في غير هذا الموضع. ولهذا قال أحمد بن حنبل لبعض أصحابه: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس" (الفتاوى 19/75). 15- التفريق بين المبتدع الداعي إلى بدعته ومن ليس بداع إليها. هذا ولقد فرق السلف رضوان الله عليهم بين المبتدع الداعي إلى بدعته ومن ليس بداع إليها، فرقوا في الرواية عنه، والسلام عليه حياً، والصلاة عليه ميتاً، وزيارته، ومودته، والاستفادة من علمه في غير هذه البدعة كأن يكون قارئاً للقرآن معلماً له أو عالماً بالأخبار، أو التواريخ ونحو ذلك. قال أبو داود: "قلت لأحمد لنا أقارب بخراسان يرون الإرجاء فنكتب إلى خراسان نقرئهم السلام؟ قال: سبحان الله لماذا لا تقرئهم؟" أخبرنا أبو بكر قال حدثنا أبو داود قال: قلت لأحمد: نكلمهم؟ قال: نعم إلا أن يكون داعياً ويخاصم فيه" (مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص276) قال عبد الله: قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث، يأتون الشيخ لعله يكون مرجئا، أو شيعيا، أو فيه شيء من خلاف السنة، أينبغي أن أسكت فلا أحذر عنه، أو أحذر عنه؟ قال: إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها ويدعو إليها تحذر منه. (مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص276) ويقول شيخ الإسلام في معرض بيان منهج أهل السنة في عدم تأثيم المجتهد وإن أخطأ في اجتهاده: "ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين أن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع". (الفتاوى 13/125) ثم قال بعد ذلك: "ولهذا يقبلون شهادة أهل الأهواء ويصلون خلفهم، ومن ردها كمالك وأحمد فليس مستلزماً لإثمهما، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، ولهذا فرق أحمد، وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره، وكذلك قال الخرقي: ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد". (الفتاوى 13/125) والشاهد هنا هو قول شيخ الإسلام بأن الإمام أحمد فرق بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره ممن يعتقد هذه البدعة ولا يدعو لها. 16- القول في تكفير أهل البدع. عرفنا في الفصل السابق أصول البدع القديمة وما تفرع عنها وأهم البدع المعاصرة وهي (اللادينية أو العلمانية) ونأتي الآن إلى الحكم الشرعي على أهل البدع، أكفار هم أم لا؟ وإذا قيل كفار فهل هم من المخلدين في النار؟ وننقل هنا كلاماً جامعاً مانعاً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك، وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا: أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن المبارك: والجهمية؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا: "إن الجهمية كفار لا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم الزنادقة" وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمس، فعلى قول هؤلاء: يكون كل طائفة من (المبتدعة الخمسة) اثنا عشر فرقة. وهذا يبنى على أصل آخر، وهو (تكفير أهل البدع) فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم، فإنه لا يكفر سائر أهل البدع بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله: هو في النار، مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً يأكلون في بطونهم ناراً} (النساء:10) ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين: منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المتأخرين المنسبين إلى الأئمة أو المتكلمين. وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير (المرجئة) (والشيعة) المفضلة (الشيعة المفضلة هم الشيعة الأُول الذين فضلوا علياً على أبي بكر وعمر وهؤلاء لا يكفرون وإن كانوا مخالفين للصحابة جميعاً بما فيهم علي بن أبي طالب نفسه الذي ثبت عنه من ثمانين وجها أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وقال: من فضلني على أبي بكر جلدته حد المفترى. وأما الشيعة الآخرون وهم أكثر من سبعين فرقة منهم الأمامية الإثنا عشرية، فهم الذين يقولون إن الله نص على إمامة علي واثني عشر من أولاده، وهؤلاء يكفرون جميع المخالفين والصحابة إلا ثلاثة أو خمسة، ويقول جمهورهم بل إجماعهم في القرن الثالث والرابع بتحريف القرآن، ويفضلون هؤلاء الأئمة الإثنى عشر على سائر الأنبياء والمرسلين، وكذلك الملائكة، ويدعون لهم علم الغيب والعصمة، وأنهم مفوضون في التشريع يشرعون ما شاءوا) ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع -من هؤلاء وغيرهم- خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة (لأن الذي لم يبلغه الحق والصواب، ومن لُبِّس عليه، فهو معذور والسلف يرون العذر بالجهل في الأصول والفروع). ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة. والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير (الجهمية المحضة) الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلم ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة، ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات. وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عند أحمد وغيره. وأما القدرية الذين ينفون (الكتابة) والعلم فكفروهم (أي من ينفي أنيكون الله قد علم أفعال الخلق قبل أن يخلقهم، أو ينفي كتابة المقادير قبل الخلق)، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال. (الفتاوى 3/351-353) 17- ضوابط تكفير أهل البدع. ومعلوم أن السلف رضوان الله عليهم قد تحرزوا وتورعوا كثيراً في قضية التكفير، ولم يشهدوا على أحد ممن انتسب إلى الأمة بكفر إلا أن يكون كفراً معلوماً صريحاً فيه من الله برهان، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أصلين في ذلك نذكرهما قال: "وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين: أحدهما: الناس صنفان فقط: مؤمن وكافر: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقاً، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة فصار الناس ثلاثة أصناف: مؤمن به، وكفار به مظهر الكفر ومنافق مستخف بالكفر ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، وذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشر آية في المنافقين. وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن، كقوله {ولا تطع الكافرين والمنافقين} (الأحزاب:48). وقوله: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} (النساء:140) وقوله: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا} (الحديد:15) وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام، وإلا فهم في الباطن شر من الكفار كما قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} (النساء:45). وكما قال: {ولاتصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله} (التوبة:84) وكما قال: {قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوماً فاسقين. وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} (التوبة:53-54). وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة. وأول من ابتدع الرفض كان منافقاً (هو عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، والذي ادعى الإسلام في عهد عثمان، وألب الناس عليه، وهو أول من قال بأن علياً هو وصي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعنده أسرار الدين، ولما قتل علي رضي الله عنه قال: لو أتيتمونا برأسه في سبعين صرة مرة، فلن نؤمن بأنه قتل، أو مات، وإنما رفع إلى السماء). وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق. ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرفض والجهمية لقربهم منها. ومن أهل البدع من يكون فيه إيماناً باطناً وظاهراً، لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقاً أو عاصياً، وقد يكون مخطئاً متأولاً مغفوراً له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين. وهذا الكلام المجمل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تفصيله كالآتي: 1) الناس صنفان فقط مؤمن وكافر.. والمنافق الخالص داخل في مسمى الكافر. لأنه كافر بقلبه ويظهر الإسلام كذبا. 2) من المبتدعة كفار وهم الزنادقة الملحدون، وطوائف الباطنية الذين تظاهروا بالإسلام زوراً وأرادوا هدم الإسلام، واخترعوا مقالاتهم ليضلوا المسلمين وألبسوها لباس الإسلام زوراً وهم يعلمون حقيقة ما يصنعون. كابن سبأ مخترع الرفض، وجهم وأشكالهما. 3) ومنهم مبتدع جاهل أو متأول يظن أن ما قاله واعتقده من البدعة حق، وأن هذا هو دين الله، وهذا لا يجوز إخراجه من الإسلام. والأصل الثاني: 18- يجب التفريق بين الكفر والكافر. إن المقالة تكون كفراً كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب فلا يكفر وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما انزل على الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه ولما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم. 19- أوجه فساد مقالة الجهمية. وتغلظ مقالاتهم من ثلاثة أوجه: أحدها: أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع

  • Currently 18/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 232 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

131,378