كيف ظهرت البروتوكولات للعالم:
((كاتب هذه المقدمة هو الأستاذ سرجي نيلوس أول ناشر للبروتوكولات بالروسية، وهذا ما يفهم من مقدمة الطبعة الإنجليزية التى سبقت هنا، وإن لم تذيل القائمة باسمه ولم تصدر منسوبة اليه صراحة)).
لقد تسلمت من صديق ((هو أليكس نيقولا نيفتش كبير جماعة أعيان روسيا الشرقية أيام القيصرية)) شخصى - هو الآن ميت - مخطوطاً يصف بدقة ووضوح عجيبين خطة وتطوراً لمؤامرة عالمية مشئومة، موضوعها الذى تشمله هو جر العالم الحائر الى التفكك والانحلال المحتوم.
هذه الوثيقة وقعت فى حوزتى منذ أربع سنوات (1901)، وهى بالتأكيد القطعى صورة حقة فى النقل من وثائق أصلية، سرقتها سيدة فرنسية، من أحد الأكابر ذوى النفوذ والرياسة السامية، من زعماء الماسونية الحرة ((Freemasonry الماسونية الحرة الشرقية)) وقد تمت السرقة فى نهاية اجتماع سرى بهذا الرئيس فى فرنسا، حيث وكــــر (المؤتمر الماسونى اليهودى) (Jewish masonic conpiracy).
وللذين يريدون أن يروا ويسمعوا، أخاطر ((هكذا يقول الناشر الروسى، وليس فى هذا التعبير مبالغة ولا تجاوز وحسب القارىء أن يتصور مقدار ما تفضح البروتوكولات من أسرار سياسة اليهود، وسعة نفوذهم فى العالم، وعدم إحجامهم عن ارتكاب أى جريمة فردية أو جماعية عن طريق وكلائهم الأشرار الفاسدين)) بنشر هذا المخطوط تحت عنوان (بروتوكولات حكماء صهيون) وبالتفرس المبدئى خلال هذه المذكرات - قد تشعرنا بما نشعر به أمام ما نسميه عادة الحقائق المسلمة (truisms). إنها تظهر فى هيئة الحقائق المألوفة كثيراً أو قليلاً، وإن عبر عنها بحدة وبغضاء لا تصاحبان عادة الحقائق المألوفة، فبين سطورها تتأجج بغضاء دينية وعنصرية عميقة الغور متغطرسة قد خبئت بنجاح أمداً طويلاً, وإنها لتجيش وتفيض، كما هو واقع، من إناء طافح بالغضب والنقمة، مدرك تمام الإدراك أن نصره النهائى قريب.
ونحن لا نستطيع أن نغفل الإشارة الى أن عنوانها لا ينطبق تماماً على محتوياتها، فهى ليست على وجه التحديد مضابط جلسات، بل هى تقرير وضعه شخص ذو نفوذ، وقسمه أقساماً ليست مطردة اطرادا منطقياً على الدوام. وهى تحملنا على الإحساس بأنها جزء من عمل أخطر وأهم، بدايته مفقودة. وإن كان أصل كل هذه الوثائق السالف ذكرها يعبر هنا عن نفسه بوضوح.
ووفق تنبؤات الآباء القديسين لابد أن تكون دائماً أعمال أعداء المسيح محاكاة لحياة المسيح، ولابد أن يكون اهم خائنهم غير أن خائنهم، من وجهة نظر دنيوية، لن يظفر بغاياته طبعاً، واذا فمن المؤكد أن ينتصر (الحاكم العالمى) انتصاراً كاملاً، لكن لفترة وجيزة. وهذه الإشارة الى كلمات و. سولوفيف W. Soloviev لا يقصد بها أن تتخذ برهاناً على سندهم العلمى, فالعلم من وجهة النظر الأخروية لا مكان له, والجانب المهم هو القضاء والقدر. إن سولوفيف يعطينا النسيج والمخطوط المعروض أمامنا سيقوم بالتطريز ((المعنى أن كلمات سولوفيف - التى يحيل اليها نيلوس دون أن يعينها - تمد القارىء بفكرة عامة عن الموضوع، والبروتوكولات تمده بالتفصيلات)).
وقد نكون ملومين حقاً على التشكك فى طبيعة هذه الوثيقة، غير أنه لو أمكن البرهان على هذه المؤامرة العالمية الواسعة بخطابات أو تصريحات من شهود عيان، وأمكن أن يكشف قناع زعمائها وهم ممسكون بخيوطها الدموية - اذن لكشفنا بهذه الواقعة الحقة (أسرار الظلم) ولكن لكى تحقق المؤامرة نفسها يجب أن يبقى سراً حتى يوم تجسدها فى (ابن الفناء) ((يعتقد أكثر المسيحيين أن الأقنوم الثانى - الابن - اتخذ جسداً فى أحشاء مريم بقوة الروح المقدس فصار إنساناً حقيقياً ليتمكن من تخليص العالم من الخطيئة، ومادامت حياة عدو المسيح محاكاة لحياته، فلابد من تجسيد، وكما تجسد المسيح تتجسد المؤامرة اليهودية التى حملتها القرون الطويلة حتى تضعها ممثلة فى إنسان من اليهود، أو مسيح كاذب يحكم العالم فيعيد الملك الى اسرائيل حسب اعتقاد اليهود، والأستاذ نيلوس يسخر هنا حين يقيس تجسد المسيح الكاذب الفانى على تجسد الأقنوم الثانى الخالد فى السيد المسيح عليه السلام)).
إننا لا نستطيع البحث عن براهين مباشرة فى مشكلات الخطط الإجرامية التى أمامنا، ولكن علينا أن نقنع بالبيانات العرضية أو القرائن، وأن مثلها ليملأ عقل كل متأمل مسيحى غيور ((إنما خص الأستاذ نيلوس بكلامه المسيحيين هنا، لأنه مسيحى يخاطب مسيحيين ليستنهضهم وينذرهم، ويحاول أن يقنعهم عن طريق الدين)).
إن المكتوب فى هذا الكتاب ينبغى أن يقنع من لهم آذان للسمع ((هذه كلمة المسيح كما وردت فى الأناجيل, وكان الأستاذ نيلوس يصرخ بها صرخة المسيح لأمته المسيحية - روسيا - كى يثير حماستهم الدينية ضد اليهود كما أشرت فى الفقرة السابقة)) لما فيه من وضوح, ولأنه مقدم إليهم بقصد حثهم على حماية أنفسهم, إذ الوقت متسع لهذه الحماية, حتى على حذر.
إن ضميرنا سيكون راضيا اذا وصلنا بفضل الله الى هذا الغرض الأهم من تحذير العالم الأممى (غير اليهودى) دون إثارة الحقد فى قلبه ضد شعب اسرائيل الأعمى. ونحن نثق بأن الأمميين لن يضمروا مشاعر الكراهية ضد جمهور اسرائيل المؤمن خطأ ببراءة الخطيئة الشيطانية لزعمائه ((يؤمن اليهود بأن الله أباح لهم ولزعمائهم كل شر ضد الأمميين (غير اليهود) من الكتبة والفريسيين الذين برهنوا مرة قبل ذلك على أنهم هم أنفسهم سبب ضلال اسرائيل ((يشير نيلوس الى إنكار اليهود للمسيح عيسى حين جاءهم، ثم اضطهادهم اياه ضالين ظالمين)) واذا نحينا جانباً نقمة الله من الظالمين لم تبق إلا وسيلة واحدة: هى اتحاد المسيحيين جميعاً فى سيدنا يسوع المسيح والفناء الشامل فيه مستغفرين لأنفسنا وللآخرين.
ولكن أهذا ممكن مع حالة العالم الضالة الآن ؟ إنه مستحيل مع سائر العالم، ولكنه ممكن مع حالة روسيا المؤمنة ((هذا - على رأى نيلوس - أيام كانت روسيا محكومة بالقياصرة قبل أن يستولى عليها أبالسة الشيوعية من السهود وعملائهم، وينشروا الإلحاد والفساد فيها)). فالظروف السياسية الحاضرة للدول الأوروبية والغربية والأقطار التابعة لها فى الجهات الأخرى قد تنبأ بها أمير الحواريين.
إن النوع البشرى - فى استرواحه لإكمال حياته الأرضية وبحثه عن مملكة الاكتفاء العام ((أى حكومة دنيوية يحصل فيها كل فرد على ما يكفيه، وهذا حلم بشرى محال)) التى تحقق المثل الأعلى للحياة الإنسانية - قد غير اتجاه مثله بدعوى أن الإيمان المسيحى كاذب قطعاً، وأنه لا يحقق الآمال المعلقة عليه، وإن العالم - الذى حطم معبوداته السابقة وخلق معبودات جديدة على قواعدها - إنما يبنى لهذه الآلهة الجديدة هياكل ؛ كل منها أعظم فخفخة، وأكبر فخامة من الآخر، ثم يعود فيكنسه و يدمره.
إن النوع البشرى قد فقد الفهم الصحيح للسلطة التى منحها الملوك المسحاء ((المسحاء جمع مسيح)) من الله، و هو يقترب من حالات الفوضى و سرعان ما تبلى بلى تاماً ضوابط الموازين الجمهورية والدستورية، و ستنهار هذه الموازين، و ستجر معها فى انهيارها كل الحكومات الى أغوار هاوية الفوضى المتلفة.
إن آخر حصن للعالم، آخر ملجأ من العاصفة المقبلة هو روسيا، فإيمانها لا يزال حياً، و امبراطورها المسيح لا يزال قائماً كحاميعا المؤكد.
إن كل جهود الهدم من جانب أعداء المسيح اليساريين الظاهرين و عماله الفطناء والأغبياء - مركزة على روسيا والأسباب مفهومة والغايات معلومة، فيجب أن تكون معروفة لروسيا المتدينة المؤمنة.
و إن اللحظة التاريخية المقبلة أعظم وعيداً، و إن الأحداث المقتربة - و هى مقنعة بالغيوم المكثفة - أشد هولاً، فيجب أن يضرب الروسيون ذوو القلوب الجريئة الباسلة بشجاعة عظيمة و تصميم جبار، وينبغى أن يعقدوا أيديهم بشجاعة حول لواء كنيستهم المقدس، و حول عرش امبراطورهم. و طالما الروح تحيا، والقلب الجياش يخفق فى الصدر فلا مكان لطيف اليأس القاتل. و لكننا سنعتمد على ولائنا و إيماننا، لنظفر برحمة الله القادر، و لنؤجل ساعة انهيار روسيا (1905). ((من العجيب أن يتنبأ الأستاذ نيلوس فى الفقرات الأربعة الأخيرة هنا، و فى التعقيب بالانقلاب السياسى الشيوعى البلشفى اليهودى قبل حدوثه بنحو اثنى عشر عاماً، و لقد نصح قومه مخلصاً، و أنذرهم بالكارثة قبل حدوثها، و صرخ فيهم صرخة المسيح من كان له أذنان للسمع فليسمع و لكن صرخته لم تسمع، و لم تنجح فى تفادى الكارثة و لا فى تأخيرها عن موعدها، فلقد نجح ذهب اليهود و دسائسهم ضد روسيا، ثم التضحية ببعض جيوشهم السرية هناك فى قتلها و تمكين اليهود من حكمها، و اتخاذها وكراً للدسائس و نشر المبادىء الهدامة فى العالم أجمع، توصلاً إلى إقامة مملكة يهودية يجلس على عرشها ملك من نسل داود و يدين لها العالم كله بالخضوع والولاء، جاء فى كتاب (المؤامرة اليهودية) ما ترجمه المترجم العربى "إن المحفل الأمريكانى الماسونى الذى يدير الماسونية الكونية - و كل أعضائهم من أعاظم زعماء اليهود وحدهم - عقد مؤتمراً قرر فيه خمسة من اليهود أصحاب الملايين خراب روسيا القيصرية بإنفاق مليار دولار, وتضحية مليون يهودى لإثارة الثورة فى روسيا, و هؤلاء الخمسة الذين تبرعوا بالمال هم: إسحاق موتيمر, و شستر, و ليفى، و رون، و شيف، و كان المال مرصوداً للدعاية و إثارة الصحافة العالمية على القيصرية و ذلك على أثر المذابح ضد اليهود حوالى نهاية القرن التاسع عشر". هذا و كان تروتكسى اليهودى كما يعرف ذلك العارفون، من أعظم الممكنين للرفيق لينين من السيطرة على روسيا بعد الانقلاب، ثم طرد ستالين هذا اليهودى و دبر اغتياله)).
ساحة النقاش