مبارك

منذ أن نجحت الثورة، غدا الحديث عن كرسى الرئاسـة الشاغر حـديثاً مألوفاً نستمع فيه لآراء شتى، بيـد أن ثمة ثوابت التقت عليها أغلب الآراء، وأولها ترديد الجميع لمقولة ألحت عليها كثير من وسائل الإعلام، وكأنها تحرث الأرض لقادم ما يعرفونه والمقولة الشهيرة هذه تقول: "إننا لا نحتاج لزعيم"!!، وتساق التبريرات إحنا عايزين مدير لا نحتاج لكاريزما خوفاً من عودة الفرعون واستنساخ تجربة الرئيس السـابق مبارك، ولا أدرى أى من صفات الزعامة امتلكها مبارك، بل أزعم أن التركيبة الشخصية له هى تركيبة الموظف الإدارى فلم يكن يوماً زعيماً ولا حتى ادعاها، ولم يمتلك رؤية ولا مشروعا خاصا به كل ما فى الأمر أن محـدودية مواهبه جعلته باحثاً عن ما سماه الاستقرار فقط، وربما أفادت سياسته الاستقرارية هذه - إن صح التعبير – مصر أحياناً بعض الفوائد وجنبتها مزالق لكن دفعنا الثمن أضعافاً مضاعفة من كرامتنا وآدميتنا ورد عليه التاريـخ رداً عملياً بتدافع الأحداث ونهاياتها أن حركة التاريخ لا تتوقف وتتجاوز من يطيل الوقوف، وأن مياهها جارية لم ولن تعرف الركود، وعليه فكل من يفكر أنه سيقف بالسفينة فى محطات انتظار ويبحر بهدوء خوفاً من الموج فمصيره الغرق المحتم.

أزعم يا سـادة أن أى دارس للتاريخ الشرقى والمصرى على الأخص يدرك مدى تعلق النفوس بالزعامة الملهمة، وصبرها انتظاراً للمخلص كامن فى النفوس، ويفسر لنا علماء الجغرافيا علاقة هذا الارتباط النفسى الغريب لشعب مصر بالحاكم بنهر النيل كأنه نواة شديدة الجاذبية تشد الجميع إليها وإلى حاكم الوادى وربما كان هذا سراً من أسرار بقاء الدولة المصـرية منذ ولادتها حتى الآن كأقدم دولة فى التـاريخ واستعصائها على كل محاولات إسقاطها التى نجحت بيسر فى دول أخرى، ومن المستحيل تغيير هذه الطبيعة النفسية الكامنة منذ آلاف السنين لدى شعب وادى النيل، وإذا كنا بصـدد هذه التركيبة وفى نفس الوقت لاقينا ظلماً وجوراً من حكامنا فهل الحل تجاهل هذا التراكم التاريخى أم ترويضه وتفكيكه وتجميع عناصره مرة أخرى فى خلطة مصرية جديدة؟.

يحدثنا الجميع عن أننا بصدد الجمهـورية الثانية ودستور يليق بمصر العظيمة، يحكمها رئيس محدود الصلاحيات، محدود المدى الزمنى، يدرك يوم دخوله أن يوم خروجه سيكون بعد أربع أو ثمان سنوات، على أقصى تقـدير، وهذا حديث لا يختلف عليه اثنان ولا أرى تعارضاً بين هذا وبين البحث عن الشخصية الملهمة التى تمتلك مشروعاً حضارياً ورؤية لتاريخ مصر ومستقبلها، وتملك القدرة على الجمع بين التحليق بأحـلام الناس والواقعية السياسية على الأرض وبين مـداعبة الحماس وتجميع شتاتنا على أهداف قومية وبين الحكمة المطلوبة، الرجل الذى نحبه ونحترمه ونهابه ونأمن له وبه وننتظر سمـاع صوته فى الملمات.

علينا بدلاً من أن نهاجم فكرة النظرة الأبوية للحاكم أو للسلطة عموماً أن نتعلم التعامل معها فنستفيد من الزعامة مع نزع أنيابها وتقليم أظافرها، وفى تاريخنا القريب عرفنا زعامات تركت أثراً فى حياتنا بعيداً عن الجدل المثار حولها والاختلاف عليها فكان اسم "النحاس باشا" مرتبطاً بالحلم المصرى وإنجازات ما قبل ثورة 1952 وعرفنا عبد الناصر بحضوره الطاغى وإنجازاته وعثراته ودموع مودعيه وارتبط النصر لدينا باسم "السادات" ودهائه وحنكته.

وقد كنا نردد قبل الثورة أن أجواء مصر تشابه أجواءها قبل يوليو 1952 ولذا كنت أقول دائماً إن مصر حبلى بالتغيير وستلده يوماً لأن هذه سنة الله فى الكون أن الباطل مهما علا وتجبر فهو نمر من ورق وحين تخرج صيحة الحق تنهار أمامها كل الحصون كأنها لم تكن، والآن أقول إن أجواء مصر تشابه إلى حدٍ كبير أجواءها بعد يوليو 1952 نحتاج إلى رجل استثنائى له حضوره وذكاؤه وقدرته وحسن طويته يستعمل هذه المواهب للم شتاتنا وإعادة ترتيب ملفاتنا والاستفادة منا فى حل مشاكلنا ولا يستعملها فى الانقلاب علينا وتثبيت وجوده.

قد نكون بانتظار ظهور عاشور الناجى الذى أخرجه لنا الأستاذ نجيب محفوظ فى رواياته ليدافع عن الحق ويرد المظالم ويقف خطيباً فى الحرافيش أنهم حماة الحق وإن بداخل كل منهم عاشور الناجى وإنهم لو تركوه بدون تقويم إذا اعوج حاله سيغدو مثل الفتوة الظالم المهزوم.

فهل اقترب الميلاد يا مصـــر..

akramalsayed

مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 26 ديسمبر 2011 بواسطة akramalsayed

ساحة النقاش

اكرم السيد بخيت (الطهطاوي)

akramalsayed
ثقافي اجتماعي ديني »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

899,600