جامعة الإبداع الأدبي والنقد المعاصر

شاعرية اللغة وزفير المكان
في قصة الكاتبة مهدية اماني الرغاي
( حافية على ركْح ملتهب)
قراءة نقدية بقلم الناقد والقاص العراقي
اسماعيل آل رجب
**
ولأهمية العنوان في الدلالة على المحتوى فإن( ركْح )تعني جانب الشيء عندما تضاف اليه نقول ركْح الجبل أي جانبه او المكان المرتفع الذي بمقابلة فضاء اوسع.ويكثر استعمال تلك اللفظة في تونس وبعض دول المغرب العربي بمعنى المسرح في صالات الغناء والرقص والعروض الاخرى.
(حافية على ركْح ملتهب)جملة اللفظ فيها مجازي لتصوير حالة الانسانة التي اضطرها العوزللإرتماء فيما لاترغب وتحمل العذاب 
خصوصا امتهان الرقص في النوادي الليلية التي يرتادها اجناس مختلفة من البشر.. ثمّ نعجب ونحن نرى حصانا يرقص على انغام الموسيقى ،ثم لايلبث العجب ان يزول حين نعلم انهم يروضونه بالوقوف على الصفيح الساخن فيرفع ارجله بالتناوب من شدّة الالم وعلى انغام موسيقى معينة فصار كلما سمع تلك الموسيقى يرقص غريزيا. ونسوق هنا للمناسبة البيت الشعري للمتنبي يقول(لاتحسبنّ رقصي في الهوى طربا...الطير يرقص مذبوحا من الألم )..
وكذلك تصف لنا الكاتبة بطلة القصة بلغة شعرية رشيقة (، يهتز جسدها البديع الممشوق على طرق الطبلة.. تتلوى ،تتوهج تحت الأضواء ، تتقوزح..تصعد مع نوتات الناي ..تتهادى مع نغمات العود....)
لم تتواجد الكاتبة في المكان وجودا عابرا،بل تعلّقت به وتنفست زفيره وجعلتنا نتحسس اشياءه ،ليس بحاسة النظروالصورة فحسب وانما بحاسة الشم كذلك (أتشرب الطاقة الكامنة فيه، أتعقب روائح ماضٍ ليست للنسيان، أشتمُّ أدخنة أفران عتيقة عابقة بعطر الخبز الطازج، أمتعض من بعض عفن حاضرمُتحضر، تفسخ "يورياه" على الحوائط المتخفية عن أنظار المارة).
ولم تكن حاستي البصر والشم فحسب حاضرتين في الوصف وانما حاسة السمع كذلك كانت تصغي للاصوات (الهفهفة،الهمس، صوت ملائكي يُصلّي،وتتسمّع لصك حوافر أحصنة وقعقعة جنودعلى رقعة شِطْرنج).
تقول (هناك، حيث ترعرعت..أكاد أغفو ورأسي بين يدي وكوعيّ على الطاولة، أخضع لسطوة المكان واستمرئ بُطء مرور الوقت ..من ركني المنزوي تصلني دقات ساعة تقضم الثواني، فوْح سكر يُكرمل، وهمهمة كتاب وشعراء يستلهون اليراع خَلقا، همس عشاق تتلامس أيديهم حول الأكواب الدافئة في احتشام، هفهفة أقدام ملكات وصكّ حوافر أحصنة وقعقعة جنودعلى رقعة شِطْرنج، وَ..صوت ملائكي يُصلّي من أجل مدينة السلام(.
وتشترك حاسة الذوق في ايصال الصورة(..يستعيدني عُنوة طعم فروكتوز الفراولة وطيبُها من هذياني ، ينفجر في حلقي لونها القرمزي ،تدغدغني حموضتها، تُرغم لساني على لوك اللقمة واستلذاذها)،
بجمل قصيرة..عبارة عن مقاطع،مشحونة بلغة شعرية ،بحركة الاحاسيس،بتصويرها الفني،بتشغيلها الحواس ،اوصلت لنا الكاتبة هذا النص القصصي الممتع.
أما فكرة النص فتقوم على اساس ان البطلة هي طبيبة نفسيه لديها مهمة لمدة شهر واحد للعمل تحت غطاء راقصة لتقديم دراسة عن الدوافع النفسية التي تجبر الانسان للعيش في وسط (السقوط إلى قبو الهاوية دوّى ودوّت معه أنغام وموسيقى وصراخ الثمالى..على عينيها قناع من المخمل الزمردي بريش طاووس أصرت على وضعه، سيضفي إثارة وغرابة ، تحجّجت ، حين رفضت المزينة أن تغطي وجهها ،الرئيس لن يكون راضيا ..فلينفلق ،أجابتها، --- تفوغ الأشداق بكلام الخلاعة والفسق، اللّحم جديد.. أسقطي القناع يا سا.. اللحم جديد...القناع..الطراااوة.. القناع ..سْترِيب ..سْتريبْ ..تنسحب متوليّة ..يكتنفها قهرمن ألقى بنفسه في أفواه بني آوى البَخْراء، ومن التهمت جسده عيون الضباع الصفراء)
فخرجت بنتيجتين :-
النتيجة الأولى:ان في هذا الوسط الرديء قد يتواجد انسانا يتعالى على الحاجة الجنسية للجسد، محب للخير ،يحاول انفاق ماله باصلاح مايستطيع (يد تربت عليها وقد أخذتها غفوة تعب وإنهاك..تهبّ واقفة وجلَة، تختل دورتها الدموية لثوانٍ ويعصف بها دوار، تسقط في شبه غيبوبة..تفيقها رشّــة ماء على وجهها وصوت حنـــون ..
-اِجمعي ما على السرير يا بُنيّة..ضعيه في حقيبتك ..حلال لك وعليك ، حارسي الشخصي سيوصلك لبيتكم).
النتيجة الثانية: أن الطبيب النفسي أو المعالج النفسي إنسان يشبه الآخرين في الصحة والمرض.. ويمكن له أن يصاب بالاضطراب النفسي مثله في ذلك مثل من يمارس مختلف المهن الطبية أو العلاجية الأخرى(- يا دكتورة أنت لا تنصتين إلي ..من دقائق وأنا أحكي لك عن قصتي وحياتي ورغبتي في التخلص من إدماني حياة الليل ..
أستعيد تركيزي ، أنظر إليها ..أتصورني في مكانها أستجدي عون طبيب نفساني لاستعادة توازني وبعض كرامتي ورأب صدع نفسيتي ..لوْلا...)

١ تعليق١‏الأستاذة سماح‏
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 12 سبتمبر 2018 بواسطة akilameradji

أَبو فروة الظريف

akilameradji
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

17,443