لقاطــــــــــــع.
.
.
.
لا أرى الوقت يمر، لكن هو يراني، تترصدني ساعاته ودقائقه وثوانيه وكسور وحداته، يتقرب مني ببعده الفيزيائي، يرتب أحداث يومي كما يريد، يتدخل في زمني النفسي، يتذمر من تلكّئي وصعوبة استيقاظي، يكره الانتظار ويحب توالي الأحداث بدون تقهقر إلى الوراء، يعتبر نفسه سيلا يجري في اتجاه محدد من قديم الأزمان ولست أنا هذه الهباءة في تقويمه من ستؤخره، تلكز ميقاتاته خاصرتي فلا عودة للنوم في هذا البيت بعد خروج أفراده ، مَنْ إلى عمله ومَن إلى مدرستهم، أقفز من السرير، أرتبه، أشتُم لما ينحصر إبهامي بين اللحيفة وحديدُه، يشتم أيضا عدم صبري وتحملي، يتبع حركاتي الدائرية والمستقيمة والمتسلقة والهابطة، يتأفف من زيادة الملح في عجينتي، يئن من حرق الفرن لمعصمي، لم يرقه أني أجلي الأواني بالماء البارد في حين الساخن متوفر، يتعب من ثني الظهر لتنظيف الأرضية ويكح من رائحة المنظفات المهيجة لجهازه التنفسي الهش، يلهث ورائي على السلم صعودا إلى السطح لنشر الغسيل ..تحترق جلدته الرقيقة من شمس أبريل العمودية ، يتدجرج نزولا على لعبة أطفال فيسبقني ..يدوخ قليلا يذهب ليرى أين وصلت العقارب على دائرة ساعته ..يردد إثنتيْ عشرة " يا إلهي".سيزعجني الأولاد بشغبهم وعدم احترامهم لي ..ينبهني صراخه أنني نسيت الأولاد وأبناء الجارات في المدرسة..ينحشر معي في جلابتي، ألبسها بالمقلوب فيقهقه مني ويسخر، أضع غطاء رأسي في غير ضبط فتبقى خصلات من الشعر خارجة تتنفس الهواء الطلق.. أنطلق قبله إلى طريق مكتظة، أراوغ فيراوغ معي السيارات المسرعة يضيء الضوء الأحمر لي خوفا من أن تنتهي صلتي الدنيوية به ويفقد من يمارس عليها ساديّته وسيادته..نعود بالأولاد، أنظفهم أطعمهم ونعيدهم معا في عجلة من أمرنا إلى دروسهم، أتنفس الصعداء وأتمدد على السرير أبتغي شيئا من راحة ..تك ..تك ..تك ..تك ...يبقى واقفا على رأسي، تتردد تكْتكته في دماغي فتجافيني القيلولة ...تْرااااانْ...تحكّم في الغسالة فأوقفها وأنهى دوراتها..إن بقيت الثياب بها يهمس لي ستبدو لمّا تنشر كأنها خرجت من كومة بِيكْيا..فلتبق لن أنهض، سأعيد تدويرها مرة ثانية، يصفني بالمبذرة للماء المسرفة في استهلاك الكهرباء والمِضْياع له "هو"..ألقم الصغير ثديي المترع، عشر دقائق للأيمن ومثلها للأيسر هكذا أمرت الطبيبة ..لم يكملها، يرفض المص، يصرخ ويفرغ جوفه علي، حرارته ترتفع..أحشر أصبعي في فمه أتحسس اللوزتين أنظر إلى قاع حلقه ، لا التهاب، البطن مرنة لا انتفاخ، الحفاظ نظيف لا إسهال، أين المِحْرار؟ مضاد السخونة لم ينفع أعرف ذلك بالتجربة بعد ربع ساعة من وضع التحميلة، أحَمّمه بسرعة، الماء بنفس حرارة الجسم ..خمس دقائق لا ثانية زيادة ..ألُف رأسه القرعاء في قطن وأسكب عليها خلا وماء ورد..وأنتظر، عيني على الساعة ويدي على حلمة الأذن، تنخفض الحرارة ، ينفرج همي وأزفر خوفي، يسكت ، يهدأ وينام ..يدخل زوجي متعبا من العمل، يتذمر، أتذمر أيضا .. أنا تعبان، وأنا منهكة ..ماذا كنت تفعلين طوال اليوم ؟ أنا من يتحمل صهد هذه الحياة حتى تهنأوا..نسي هذا الإنسان أننا اثنان ..الوقت كما قلت يرانا ولا نراه، عشر سنين وهو يرافق ارتباطنا، كان هنيئا معنا في بدايتنا الرومانسية الجميلة، ثم صار يتعرض للسب.. "يلعن أبو اليوم الذي التقيتك فيه ..لا شيء بقيَ يعجب في هذه "الخرابة" الغداء بارد وشبشبي الأسود لا أجده والماتْش مرّ شوطُه الأول..أين وضع عفاريتك الرّيموت كُنترول ؟ أدعه مع الوقت يتهادَران وأنزل، جرس الباب رنّ، وجارتي صاحبة الدور المسائي لمرافقة الأولاد في عودتهم من المدرسة تحْت تنتظر، تنقل ثقل المسؤولية وجسمها البدين من رجل إلى رجل وتسْتسرعُني، أتسلمهم منها شاكرة، أنفحها ببعض "بطْبوطات "ساخنات للُمْجَة المساء وصحن مربى..أعانقهم، اِبني الأوسط فرِح، لقد تعلم حكمة اليوم ويلح أن أسمعها .."الوقت كالسيف إن لم تقطعه ..قطعك" ..أهنيه وأشجعه، وأحثهم على تغيير ملابسهم ومباشرة الواجبات المدرسية ..يستبد بي التعب وأجَنّ، أدخل المطبخ، أقفل علي،أمسك سكينة وأعيث في نسبية الفضاء والزمان وسرعة الضوء وأبعادهم التي أجهل عددها ومداها تقطيعا .. أهدأ قليلا من هذه المبارزة الدونكيشوطية، وأحاول أن أربط كلمات الحكمة التي أفاضت كأسي بدلالاتها، الجملة بحد ذاتها مربكة، السيف يقطع هذا بديهي، وكل الرؤوس التي أطارها تعرف ذلك، فكيف يقطعُ الوقت ؟ إنه يقطع، لقد اقتنعت ..يرْتَهِنُنا ويقطع .. هو أحدّ وأمْضى، قطَع نفَسي وقصم ظهري وصدّع علاقتي مع معارفي وأسرتي البعيدة وفصَمني عن أناي..لم أعد أعرف من أنا وكم مِن أنا صرتُ...تعدّدتُ واسْتُنسِخت مني نسخ ..أم..زوجة..طباخة..منظفة..سمكري.. ممرضة ..مربية.. معلمة...خادمة.. نسيت أن أذكر أنني موظفة، وفي إجازة وضع قربت أن تنتهي ..أين الأنثى ؟ أينَني..؟ أنظر إلى ثوبي المُهمل وشعري المنفوش ولدوائر الكحل السائل تحت عينيّ، أشْبِه حيوان البانْدا..لا لوم على زوجي فهذا منظر لن يشجعه على الحياة ولم يعد يعرفني ..أتذكر أن لي وجها، أضعه تحت صنبور الماء فتنساب برودته منه إلى كل أعصابي المشدودة كوتر قناة ..أعود بابتسامة اقتنصْتها عنوة من الزمن، الأولاد في أسرتهم، والحكاية اليوم ..الجزْء الثاني و..(..)..من مُسلسل المرأة الحديدية "سُوبَرْ مَهْدو"، من إنتاجي وإخراجي..وفي ركن من الغرفة، التي زيّنتْها مصمّمة الدّيكور "حضرتي" ..لا يتخلّى الوقت عن جيئته وذهابه، ولا يسْتمتع بالحكاية ويستعجل مرور ناثرِ الرّمل على عيونِهم الصغيرة ليتفرّغ لي ..فليْلي قد لا يغْفُو !
نشرت فى 21 أغسطس 2018
بواسطة akilameradji
أَبو فروة الظريف
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
20,478