التنسيق التركيبي والموسيقي في نص (النزاهة) للشاعر محمد خالد الامين
.
. تعتبر اﻻنماط الادبية بمختلف اشكالها ترجمان يانع لخلجات ناظمها وما يدور بمخيلتة من افكار ، يسكب فيها نفائس مقتنياته اللغوية بطريقة اسلوبية تعكس قدرة الكاتب التعبيرية حسب خبرتة وثقافتة وعمق الدراية اﻻدبية لديه .
وجميل ان يمارس الاديب او الكاتب مهاراته الفنية والبﻻغية ويفجر طاقاته اﻻدبداعية بالسياق النصي ، ويمرر النص عبر مراحل التطوير اللغوي والتدقيق اﻻسلوبي حتى يصبح النص منتوج ادبي مكتمل البنية الفنية، ليجد مكانة المرموقة في ذهنية المتلقي والتكيف في مقتضياته لما يحتويه من الكم الهائل من الكيف البديع .
والشعر هو اسمى ما قاله البشر وله قواعدة الخاصة من حيث النظم والتركيب وغير ذلك، وللشعر العربي خصوصياته وجمالياته المذهلة فهو خالص النضوج له رونقه المميز بالقافية التي تميزه عن باقي الانماط الى جانب التركيبي العروضي الدقيق واﻻنسجام السردي المتناسق و يحمل من اﻻجراس واﻻنغام الموسيقية اعذب اﻻلحان ذات أوتار حساسة الوقع في خﻻيا النفس المتلقية، ويعتبر ارقى اﻻنماط الشعرية وابﻻغها على مستوى العالمي و اصعبها على اﻻطﻻق، فليس اي شاعر يستطيع ان ينظم القصيدة العروضية ما لم يكن ملم بكل تفاصيل اللغة العربية واساليبها الواسعة وهذا ما اكسبه الريادة وتصدر اﻻداب العالمية .
ومن هنا نتوقف افي هذه السطور لحظة تامل نقف من خﻻلها عند قصيدة من اجمل القصائد العربية ونعيش بين خاناتها العذبة نتدارس الجوانب الفنية بتقنيات نقدية هندسية مختصرة لاهم الجوانب الفنية فيها.
واولى الوقفات عند البوابة الرئاسية للنص (النزاهة) هذه الكلمة المدججة بالواقع الرائع ما تحمله من مفاهيم راسخة في ذهنية المتلقي وما تعنيه له من دلالات الترفع والعلو عن الصغائر وتمنح المعنى ابعادة مدججة بالثقة ومقتنيات الخلو من الشوائب التى تطرأ على الشيء المراد فهي في حد ذاتها تعني (البعد عن السوء ترك الشبهات ) 1 أما لو ننظر الى ابعادها الدﻻلية فهي واسعة الدﻻلة ذات انزياحات دﻻلية مترامية اﻻبعاد تتمتع برونق خاص وتكسب حاملها ميزة خاصة فنقول (فﻻن نزيه- المكان نزيه- الهواء نزيه ) ونستعمل لفظ (التنزه او النزهة ) والعديد من مشتقاتها فلفظ (النزاهة) جامد له مشتقات عديدة، واستخدامها هنأ كعنوان لقصيدة يوحي بافاق مفتوحة ويكسب العنوان شمولية القصد تستظل تحت مظلته كافة التأويﻻت ذات الصلة. اما على المستوى النصي فاننا نجده متنفس يشع بعناصر اﻻبداع بتناسق النمط التركيبي واﻻجراس الموسيقية التي يتمتع بها النص أستخدم فيه قافية الراء مع حركة الكسر و هي من القوافي الرنانة ذات التناغم الموسيقي البديع الذي يحدث صدى في نفسية المتلقي بتوافق مع التركيبية الشعرية للنص.
والبنية العروضية للنص قائمة على تقنيات بحر الوافر ...مفاعلتن مفاعلتن فعولن ..تتناسق مع القافية الى ابعد حد .
وفي السياق النصي ، يبدأ القصيدة بعزف لغوي ممنهج يرتكز على اﻻشارة الى مواضع الذات الانسانية بشارة واضحة لذات الانا المتكلمة نفسها التي تخص ذاتها (وروحي ) باستهﻻلة شعرية مركزة باستهداف مباشر لمواضع التفاعل الانساني اﻻعلى للشعورباعتبارها اسمى المواضع ذات الصلة والمتخصصة بالادرك الشعوري والركيزية الروحية للانسان (و روحي- وقلبي) استخدمها الشاعر بتقنيات نظرية للعمق التفصيلي المسندة بﻻلة ياء الملكية والمخصصة للمتكلم ذاته دون غيره (وروحي امر السوء المرير- وقلبي يرتوي طيب العبير) بنسق المقاربة والجمع بين متناقضين لمواضع متصلة (الروح- القلب) لذات واحدة (روحي- قلبي) هذه الثنائية المتضادة (السوء المرير- طيب العبير)استخدمة بطريقة توحي بالحسرة والاسى عند اﻻنا الساردة رغم استخدامها بوتيرة موسيقية عالية مكتنزة باجراس الموسيقية الداخلية للتكرار الحرفي لحرف الراء (روحي- امر- المرير- يرتوي -العبير ) في البيت الاول وما أحدثه هذا التكرار من تناغم موسيقي بديع وخاصة تماشيه موسيقيا مع توافق الحرف اخر شطرالاول مع الحرف الاخير للشطر الاخير اي حرف القافية ويسمى هذا في البﻻغة (تصريع) 2.
وتضج القصيدة بطاقات اسلوبية عالية متماسكة البنية الجوهرية ومقتضة بالتﻻحم الموسيقي للموسيقا الداخلية المشبعة في بيوت القصيدة بمحاورها المختلفة مما يعطي القصيدة نكهة جمالية هائلة تشكل موسيقي شعرية رائع متناسقة مع حركة القافية الموسيقية، وكما قلنا ان تكرار حرف الراء في البيت الاول أحدث نغم موسيقي رنان، فأن البيت الثاني (ولست أرى النزاهة قهر نفس ...و ﻻحسن الطبائع بالحرير ) ياتينا بتنوع موسيقي اخر لموسيقى داخلية اكثر روعة ذات اجراس موسيقية بديعة لها نغمة أخرى وذلك من خﻻل احرف الصفير (س- ز)(لست- النزاهة-نفس- حسن ) وتشكل هذه الموسيقا بيئة جمالية متكاملة بالسياق الشعري السلس .
وقد بدأ البيت الثاني باسلوب النفي (ولست أرى النزاهة)الذي يوحي1-2
. برغبة اﻻنا المتكلمة بطرح وجهة نظرها بخصوص موضوع (النزاهة) عن طريق اسلوب النفي القائم على التركيز النظري لحاسة النظر بدﻻلة (أرى)بغرض التصويب نحو الهدف وانتقال بالمتلقي من الاشياء الغير ملموسة المستخدمة في البيت السابق (روحي- قلبي) والقائمة على اﻻدرك الغير مشاهد الى تعميق الرويا بالمشاهدة العينية والمحسوسة بدﻻلة (أرى- بالحرير) والقائمة على حاستي النظر واللمس ، على الرغم من أن الاشياء المرادة هي معنوية وغير ملموسة (السوء- النزاهة-الطبائع ) اﻻ انه استخدم التجسيم التصويري لحاستي النظر واللمس لتقريب الرويا الشعرية وجعلها حسية دﻻليا فيما يخص الأنا المتكلمة ذاتها بدﻻلة (أرى) والرويا هنا ليست هي الرويا العينية بذاتها والمراد من ذلك هي الرويا المنطقية والفكرية او هي وجهة نظرة لان لفظ (النزاهة) ليس ملموس وهذا ما يجعل الرؤيا مغايرة تمام للمشاهدة العينية الى المشاهدة الذهنية بصورة تقريبية استطاع ان يوضح ذلك بالانتقال من مفهوم الرويا الى التوضيح ابتدأ من المصدر (ومصدرها الكتاب وأنت واع ...بما ابهى و اقوال البشير) وهذا يشكل المدخل الرسمي والرئسي الى الجوهر التشخيصي للحدث النصي والي التفاصيل اﻻيضاحية لوجهة نظر الأنا المتكلمة فيما يخص الموضوع الشعري المشار الية والذي تصدر العنوان النصي (النزاهة) ويركز الشاعر بشكل مبدئي مباشر على دغدغة المشاعر الدينية من خﻻل استحضار الجانب الديني بقوة تأثيره المدعم بالثوابت العقائدية الراسخة التي ﻻ جدل عليها باصولها الراسخة، وقد استخدمها الشاعر بطريقة بارعة بطريقة اسلوبية حوارية أشرك فيها (اﻵخر) بشكل مباشر وباشارة واضحه (وأنت واع) بطريقة تقضي على براعة اﻻنا المتكلمة على سد اي ثغرة لمجال الشك او النقاش واستحضار الأخر بشكل مباشر هنأ (انت واع) لانتزاع اعتراف من اﻻخر بغية رضوخ اﻵخر للرؤيا التعريفية المعمقة عقائديا، وذلك ليسهل على اﻻنا الساردة طرح كل المتعلقات بطريقة مقنعة لغرض تاصيل الرؤية واﻻلمام بها من كل النواحيبطريقة اسلوبية مكتنزة بالجماليات البﻻغية واللغوية وبطريقة شعرية شفافة تتمتع بتناغم موسيقي رائع لحركة الاجراس الموسيقي سواء كان بالتكرار الحرفي في الابيات او التناغم الموسيقي لحركات اﻻعراب والتنوين والمستقاه من الصور البيانية والبﻻغية الرائعة لتعزيز الرؤى المطروحة بتصوير جميل، في محاولة حثيثة منه لنقل صورة مضمونية ناضجة من التمهيد الى اللب بحركة دائرية مترابطة شكلتها البنية الترابطية التوليدية التي شكلتها استخدام لحرف الربط (الواو) وموقعه الرابط بداية كل بيت في معظم القصيدة (وروحي- ولست- وخذ- وﻻ تقطف- ونزهت -وكم- واعجب -وللاخﻻص -وكم في الخير ).
وينوع الطرح الاسلوبي باشكال لغوية بديعة فتارة باستخدام الصور الضدية (سما المفهوم اخﻻقا لمصل -ويذيب شوائب الزيع الحقيرة ) وتارة بالتصوير الاسلوبي الجميل القائم على التشبيهات البديعة بصورة استعارية جملية(خذ عسل النزاهة من جباح ) حيث شبهه النزاهة بالنحل مستحضر في الصورة شي من لوازم المشبه به (عسل) وتسمى هذه الاستعارة (استعارة مكنية ) 3بتقياتها الجميلة التى اكسبت النص قوة بﻻغية رائعة تعكس المام الشاعر بالاساليب البﻻغية التي لها رونقها الرائع .
ويمدنا بتارة فنية اخرى هذه المرة من رحاب التشبيه بصورة تشبية دقيقة التصوير (ومراقبة الذوات موجة بل ..كقلب رجفه صدق البصير).
وكما غصنا في رحاب القصيدة اكشفنا صورة جمالية ثرية لها خصوصية النظم والسبك البديع بالفاظ مستقاة من ينابيع اللذاذة اللغوية المتناسقة اسلوبيا وموضوعيا (نزهت الدعاء- ركبنا النفس- كفانا حمل وزر- غياب الوعي اضرم نار عار- اذا فقد اللبيب زمام عقل- اقمنا بالمبأدى نهج رزق- بدر منير .....) فكل صورة لها رونقها الخاص ولها ميزتها الدﻻلية الثرية منطقيا، استخدمت باحترافية عالية تجعل من النص متنفس ابداعي متشعب المفاصل اﻻبداعية برؤى واسعة تخدم الرؤيا المطروحة بشكل مكتمل البنية الفكرية لتصل الى المتلقي بصورة مكتملة تشبع المتلقي ورغبته المعرفية، استطاع ان ينقل وجة نظر باسهاب شعري مفتوح يحاول من خﻻله وضع رؤيا اكثر وضوحا مبين فيها الخطوط الحمراء عن طريق اسلوب التحذير (ﻻ تقف طعام من حرام-..)واسلوب الترغيب والترهيب وغيره من الاساليب المتبعة بطريقة مبسطة وشفافة تتناسب مع الذهنيات المتلقية بمختلف مستواياتها الثقافية، مما يعكس لنا تمكن الشاعر لغويا وفكريا وشعريا واهتمامه بالجوانب اﻻخﻻقية والتهذيبية ، كون الشعر منتوج سامي، ورسالة انسانية سامية ونبيلة تخدم الانسانية وتوصل الرسالة بصورة غير جافة او مملة .
استخدمها الشاعر في نقل رسالة ذات اهمية دينية واجتماعية وانسانية في غاية اﻻهمية .
المصادر والمراجع
للمزيد من اﻻطﻻع ومعرفة التعريفات ذات الصلة ينظر الى اﻻتي :-
1-ينظر القاموس المحيط للفيروزابادي مادة (ن ز ه)
2-ينظر اﻻيضاح في علوم البﻻغة- القزويني
3-علم اساليب البيان- د غازي يموت
4-أخرى
.
بندر علي مجمل. اليمن