جامعة الإبداع الأدبي والنقد المعاصر

ظِلّي .. وأنا
راودني عن نفسي ذاتَ يومْ .. وغلَّقَ الأبوابْ ... هَمَسَ بأذنِ الفؤادْ، وتَلا بَسملةَ عشقهِ ـ جنونيةٌ من أولِ وهْلةٍ، أكْملَ آياتِ الهيامِ فتلبّسَتْ في جوارحي لهْفاً كالشراعِ على جسدي المرهفِ الحسّاسْ ... امتلكتْ هَواجِسي .. شَعرتُ بطوفانِ بَحرهِ الهائجِ يعصفُ بي؛ همَّ وهَمَمَتُ .. حينها جَنحْتُ به الى شواطىء تأملي وضِفافِ سَريرَتي، في جَزيرةِ وحدَتي ... ابْتَلّتْ مِنهُ سكناتُ مهجتي ... راحَ يلثِمني بلِا هَوادةٍ فَأيْنـَعَتْ واخْضَرّتْ أوراقُ خَريفي ...
وهُنا بَدأتْ رحْلَتي مَع ظِلّي الذي لَمْ أشْعُر بوجودِهِ من قَبلُ، لَمْ ألتفِتْ لولادتهِ معي ... تَوَسّدَ طولُهُ طولي،
وأغْرَقَني كأسُ تلذذِهِ، فَيْضاً نَرْجِسياً مُفعَماً بِعِطْرِ البَنَفسَج .. 
ّ اسْتَطالَ معَ شَمسه في سماءِ تبرجِهِ؛ ليسْبِقَ طولهُ طولي، لمْ أعرف حِينها أسْرارَ جسده الشَفيف ... ابتَعَدَ كثيراً حتى ارهقَني القَلَق ..ّ. عادَ يَقْتَربُ، يَتَمايَلُ كراقصةِ السّيرك على حَبْلِ توددهِ وأرجوحَةِ دلالهِ ... قَصُرَ طولُهُ من جَديد شَيئاً فَشيئاً كالساحِر ،كلما ارتفعَتْ شَمسُ توهجِهِ ...
أحسّ بِتَوتّري؛ خَشي نَباهَتي، فَسَجَدَ تَحْتَ قَدَمي عِنْدَ الزَوالْ، تركتُهُ هنيهةً ليُصَلّي الغُفرانَ على سجادِ البَراءةِ، كأنّهُ يَتَغابى فَتَغابَيْنا مَعاً ...
نَهضَ بهدوءٍ واسْتَطالَ طولهُ معَ طولي؛ مُسترخياً،
لكنّما هاجسٌ بَـدأ يَنتابُني ويتلبّسُ جَوانِحي ... أدْركَ ذَكاؤهُ فِطْنَتي؛ غَشيَني كُلّـهُ، وكُلّي حَولَهُ، تلبّسني الشيطانُ؛ َهَزّ كُلَّ مَفاصلي ... وارْتَعَشَتْ لهُ اسطورة كِياني ، كَيوْمِ صائِمْ؛ ابتلتِ العروق ولَمْ يَثْبت الأجر ... 
تلا آيةً أخرى، فَصَدَّقْتُ، وكُلما يَتلو أصَدِّقُ لهُ ...
فبتُّ أنشدُهُ شِعْرَ العِشقْ، دِفْقٌ يَتلو دفقاً، وهُوَ يَتَلوّى بِجَسدي ... يَخترقُ كُلَّ مفصلٍ منّي ... يَسيرُ في دَمي؛ تحترقُ الخلايا وتولدُ أخرى، ويَنْحتُ ذاتَه في كُلِّ خَليّة ولِدَتْ للتَوْ ... حروفُهُ لمْ تَكُنْ كالحُروف، لا أدري هلْ كِرسْتاليةٌ أم نورانيّة ... 
أحسستُ حينها بولادةٍ جديدةٍ، وربيعُ عُمري بَدأت تُزهرُ أشجارُهُ، وفاضَ رحيقُ أورادِهِ، وسَكنتْهُ الفراشات وهيَ تُنشد لغدٍ آت، عَزفَتْ أوتاري قصيدةَ الأملِ، وهو يرقصُ أمامي على استحياءْ ... 
قَطفَ وردةً حمراء وقدّمها لي بأناملِ الخُيَلاء؛ فقطفْتُ لهُ وردةً بيضاء من نبتةِ الصفاءْ، وقدّمتْها لهُ أناملُ لهفي كوثيقةِ سلامْ، كُتِبَ عليها سيمفونيةُ عِشقٍ سرمدي،
ساعاتٌ عُدَّتْ بِلحظات ... 
صَنعَ من أظلعي ناياً قدَّمهُ لي، وبدأَ يَستطيلُ من جديدٍ ... نَبضَ قلبي خوفاً .. وارتعشَتْ شَفتاي .. 
طالَ طولهُ، غارَ عُمْقهُ، يلتفتُ بينَ حينٍ وحينْ، يشاكسني محاولاً تهدئةَ روعي، حتى غَرِقَ في الأفقِ البعيد ... 
فجنحتْ معهُ الروح الى المغيبْ، عانقَ الأفقَ؛ وانسلّ كلُّ شيءٍ منهُ عنّي ... ابتلعهُ الأفقُ ولمْ يبقَ معي منهُ سِوى ماتركهُ من سحرٍ وتعويذاتِ جنونهِ وجُنَّتهِ في جَسدي، سَكنَ كُل شيء .. وجلستُ بَعدَ أن جَمَعْتُ حطبَ مَوقدي، وأشعلتُ نارَ الدِفء، بَردٌ خارقٌ يفترسني ... 
حينها ادركتُ سِرَّ الناي ... فَعزفَتْ أوتارُ اليأسْ أغنيةَ الفراقْ ونفختُ أنفاسي في أمعائهِ، وأدركتُ حقيقةَ ظلّي ... كانَ جِن تلبسَ بي وأغواني ... استغلَّ جَسدي ليختبىءَ به هرباً من شبحٍ يلاحقُهُ ذاتَ نهار؛ ثمَّ هربَ معَ الغروب؛
فبقيتُ جسداً شفافاً .. لا ظِلَّ.أعجبنيأعجبنيأحببتههاهاهاواااو
المصدر: محمد الميالي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2018 بواسطة akilameradji

أَبو فروة الظريف

akilameradji
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,477