لم يعد الاب يلعب ذلك الدور المحوري والاساسي داخل الاسرة مثلما كان من قبل، وتراجع دوره بشكل ملحوظ ليتلاشى بالتدريج..
ومعظم الزوجات يشتكين بان ازواجهن سلبيون داخل البيت ولا يثير اهتمامهم اي شيء يتعلق بالاولاد او متطلبات البيت. بينما يرى الزوج أنها هي التي اختارت القيام بهذا الدور في البداية، وأنها المسؤولة عن تجريده من هذه المسؤوليات. والملاحظ حاليا هو أن الزوجة الام هي التي تقوم بالاشراف على تربية الاولاد ومتابعة تحصيلهم الدراسي وحل المشاكل التي تعترضهم في المدرسة، وهي بالاضافة الى الاعمال المنزلية، «من طبخ وغسيل وكنس ومسح، اصبحت مضطرة للقيام باعمال الصيانة داخل البيت بنفسها اذا لم تتوفر لها الامكانيات المادية لدفع مستحقات من يقوم بذلك بدلا عنها». وسواء كانت تعمل خارج البيت ام لا، فهي مطالبة أيضا بان تدفع رسوم الماء والكهرباء، واستخراج الاوراق الادارية.! ونتيجة لهذا الوضع اصبح العديد من الزوجات يتذمرن، فقد اصابهن الارهاق وأصبحن يدرن في حلقة مفرغة لا يعرفن الخروج منها..
تقول الدكتورة كريمة الجزيري مستشار التنمية البشري «ان غياب الاب يأخد عدة اشكال منها الغياب الاضطراري بسبب عوامل خارجية مثل الهجرة او الانشغال بالعمل طوال الوقت او بسبب الطلاق، وهذا الغياب يكون مبررا وتأثيره واضح على مستوى التنشئة الاجتماعية للاطفال، وقد يكون احد الاسباب الرئيسية لتفكك الاسرة، لكن هناك نوعا ثانيا من الغياب، وهو الغياب المعنوي اي ان الحضور المادي للاب موجود لكن دوره الفعلي غائب، وهذا النوع له تاثيراته التي لاتقل خطورة عن النوع الاول من الغياب على الاطفال والام ايضا».
واكدت " الجزيري " «ان الطفل الذكر على الخصوص يحتاج الى وجود الاب منذ سن ثلاث سنوات ،لانه يعتبر صلة الوصل بينه وبين العالم الخارجي ، وهذا له دور كبير في تكوين شخصيته مستقبلا. وغياب الصورة الحقيقية للاب قد يدفع الطفل الى ان يبحث عنها في الشارع من خلال مصاحبة مراهقين اكبر منه سنا والاقتداء بسلوكهم المنحرف، او الاعجاب باحد الممثلين الى حد التماهي مع شخصيته. كما ان غياب دور الاب له تاثيره السلبي ايضا على الفتيات وقد يتخذ
د. كريمة الجزيري
مظاهر عدة من بينها الانطواء على الذات والتقوقع والخوف من مواجهة العالم الخارجي او العكس اي: التمرد مبكرا، والخروج الى الشارع بحثا عن صورة خيالية لاب وهمي!» كما لا يمكن تجاهل تاثير غياب دور الاب على الزوجة الام، التي تتحمل مسؤوليات كثيرة فوق طاقتها وليست من اختصاصها، فمع مرور السنوات تشعر انها تقدم تضحيات كثيرة من دون ان تحصل على مقابل، مما يؤدي إلى شعورها بالحرمان والتهميش والمرارة والاحباط، لان زوجها المفترض انه المسؤول الاول على الاسرة ،لا يقوم بدوره كمايجب ولاتشعر معه بالحماية. ومع الوقت تتحول هذه المشاعر الى اسقاطات على الاطفال، وقد تتخد مظاهر خطيرة مثل الشعور بالرفض تجاه اطفالها، والقسوة عليهم وتأنيبهم على اتفه الاسباب، الامر الذي يولد بدوره شعورا بالظلم لدى الاطفال، الذين قد«ينتقمون» من امهاتهم عندما يكبرون بانحيازهم المطلق للاب، فتصاب الام بالانهيار، لان ما اعتبرته من وجهة نظرها تضحية ومعاناة من اجل استمرار الاسرة، يعتبره الاب والابناء تسلطا من جانبها وامتهانا لدور الاب وصورته.
وتقول " الجزيري " انه ثبت لها من خلال تجربتها العملية واستقبالها لمئات من النساء المصابات بالاكتئاب والاحباط بسبب تفاقم المشاكل الاسرية «ان الزوجة تقلص بالتدريج دورالاب الزوج داخل الاسرة، عندما لا تكون مقتنعة به كأب مسؤول عن البيت، فتسحب منه سلطاته الواحدة تلو الاخرى لانها تشعر انها الاقدر على ادارة بيتها والاشراف على تربية ابنائها من دون الحاجة اليه. واضافت ان نساء كثيرات يعبرن عن هذا الوضع بالقول انهن لسن بحاجة الى «امرأة» اخرى في البيت! وهنا تسقط الزوجة كما تقول في خطأ كبير، من دون وعي منها، لان الاب الزوج بعد ذلك، لا بد أن يأخذ موقفا منها، لانها جردته من جميع صلاحياته، فيشعر بالتهميش واللاجدوى بنظرها ونظر ابنائه، فيسعى الى الانتقام منها بمختلف الاشكال مثل التنكيد عليها داخل البيت وانتقاد سلوكياتها طوال الوقت، او الانغماس في علاقات نسائية أخرى، وغالبا ما تؤدي هذه المشاكل الى الطلاق لان كل واحد يلقي اللوم على الشريك الاخر، ولا احد يعي اصل المشكل، لانهما يجدان صعوبة كبيرة في اعادة بناء العلاقة من جديد بسبب الشرخ العميق في علاقتهما».
وتوجه الدكتورة كريمة الجزيري بعض النصائح للطرفين معا وهي:
ـ قبل التفكير في بناء اسرة، على المرأة والرجل ان يخططا لكيفية بناء هذه الاسرة ،والا يتركا ذلك كله الى ما بعد الزواج، حيث يتصرفا باعتباطية بناء على افكار مسبقة وخاطئة يحملها كل واحد منهما عن الاخر. ـ تقسيم الادوار الاجتماعية وعدم الغاء دور الاخر مهما بدا انه غير مقنع من وجه نظر الآخر.
ـ الاتفاق على اسلوب موحد لتربية الابناء من خلال الحوار الهادئ، بدل الدخول في مجادلات يومية يحاول من خلالها كل واحد ان يفرض رأيه على الاخر.
ـ الاعمال اليومية داخل البيت مهما كانت بسيطة او تافهة قد تتحول ضمنيا الى احد الاسباب غير المباشرة لنشوء الخلافات لذلك ننصح بتوزيع المهام داخل المنزل وخارجه.
ـ عدم السماح للمشاكل مهما كانت بسيطة بالتراكم، لان المرأة تتنازل كثيرا في بداية الزواج وتسكت عن امور كثيرة لا ترضى عنها، ونفس الامر بالنسبة للرجل، بحجة الصبر وعدم تعريض الاسرة للانهيار، لكن بعد ذلك تأتي مرحلة التمرد من الطرفين معا او احدهما، بعد ان يكون قد فات الاوان وكل واحد قد تعود على نمط معين من السلوك يصعب تغييره.