بقلم محمد الصبروت
رئيس النقابة المهنية للصحافة والاعلاموالمستشار الاعلامى للاتحاد المصرى الدولى لحقوق الانسان
وبينما تستعد بلد الأهرامات لانتخاب رئيس جديد، وفي ظل الضعف والتردد الذي ظهر على الأحزاب السياسية أمام حكم الإخوان، انطلقت حملات شعبية في مناطق مختلفة من مصر تطالب القائد العام للقوات المسلحة المصرية الترشح للانتخابات الرئاسية.
والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، رئيس حزب "الحركة الوطنية المصرية"، الفريق أحمد شفيق أعلن أنه لن يترشح في حال ترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
لماذا الفريق أول عبد الفتاح السيسي؟
الكثير من السياسيين لم يعلن عن موقفه من الترشح لانتخابات الرئاسية القادمة، ربما في انتظار الموقف النهائي للرجل الذي يحظى بشعبية جارفة بين المصريين، ويجد نفسه أمام مطالب شريحة كبيرة من المجتمع تطالبه بالترشح للمنصب، لاستكمال المشوار الذي بدء في 30 يونيو الماضي.
والشعور العام داخل المجتمع المصري يرى في شخصية السيسي قائدا عسكريا يُدرك حجم المخاطر والتحديات، وحضوره اللافت في المشهد السياسي والخلافات الحادة بين الإخوان والجماعات المؤيدة لمرسي والأحزاب المدنية، وتقديره للمواقف الاستراتيجية لما يحمله المشهد من تداعيات سلبية على مستقبل الأجيال والدولة المصرية.
وما أظهره من انحياز للمصالح الوطنية للشعب والدولة، وحفاظه على مبادئ العقيدة العسكرية التي تضع الأمن الوطني المصري في مقدمة أولوياتها، والتي ظهرت في الاستجابة لمطالب الملايين وأعلن نهاية حكم الإخوان في 3 يوليو الماضي.
الجنرال الذي جاء من المخابرات الحربية وزيرا للدفاع في أغسطس 2012، ورغم أن شخصية الرجل لم تخرج عن دائرة النخبة المصرية، وظلت مجهوله للشريحة الأكبر في المجتمع، حتى أعلنت عنه مواقفه التي خلقت له شعبية كبيرة فاقت تلك التي يتمتع بها السياسيون، و بات يجسد عندهم شخص الراحل جمال عبد الناصر في قراراته الجريئة ومواقفه التي تنتصر للإرادة المصرية.
أوصاف كثيرة تلك التي أطلقها المصريون على وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، منها "الرجل الجريء" "البطل الشعبي" و"الرجل الشجاع" و"القائد العسكري والسياسي المحنك" .
واللافت أن هذه الحملات تلقى تأييدا داخل المجتمع الباحث عن رئيس قادر على قيادة البلاد في خضم من العواصف والأمواج العاتية في الداخل والخارج إقليميا ودوليا، وكأنهم قد عثُروا على ضالتهم المنشودة في شخص السيسي.
إن الخوف من الإرهاب والفوضى والمصير المجهول، كالذي يتعرض له الشعب السوري، ومن قبله العراقي، الليبي، في ظل الانتشار الواسع للجماعات الإرهابية، هو ما يجعلنا نؤيد ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية لحماية البلد من الأخطار التي تتعرض لها.
في الصراعات التي تتوالى بالقرب من مصر في سوريا و ليبيا اليمن وفلسطين العراق ولبنان، والأطماع الأمريكية في العالم العربي، والتهديدات العسكرية سواء في سوريا أو لبنان أو إيران، بأنها تعزز من فرص فوز أي مرشح للرئاسة المصرية له خلفية عسكرية حتى يمكن الحفاظ على المصالح المصرية، وأكد ان وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي المرشح الأقوى لهذا المنصب رغم انه أعلن عدم رغبته في العمل السياسي، لكنه ربما يستجيب مع ضغط الشارع ومطالب المواطنين .
رد فعل السيسي :
خلال لقاء قيادات الجيش والشرطة، شدد السيسي على أن الشرعية مملوكة للشعب المصري يمنحها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء، وأن حماية الدولة ستبقى علي عاتق الجيش والشرطة، وانهما سيظلان أمناء على إرادة الشعب الحرة فى اختيار قيادته بكل حرية.
وأكد :" أقول لمن يردد استيلاء الجيش على السلطة، أن شرف حماية إرادة الشعب أعز من حكم مصر، ونحن لا نسعى لإقصاء أحد.. وإننا أكثر حرصا على الإسلام بمفهومه الصحيح الذي لم يكن أبدا أداة للتخويف والترويع والترهيب للآمنين" .
أن موقف وزير الدفاع يجنب المؤسسة العسكرية، الدخول في المعترك السياسي الذي يمكن أن يؤثر سلبا على الدور الرئيسي للقوات المسلحة، كما انه يؤكد على ان الثورة شعبية وانحاز لها الجيش، على عكس مزاعم البعض بأن ما حدث في 30 يونيو كان انقلابا.
وأوضح انه علينا الانتظار حتى يتم حسم أسماء المرشحين للمنصب الأرفع في مصر بشكل نهائي، خاصة في ظل التحديات التي تواجه المرحلة وفي ضوء المتغيرات والمستجدات التي تطل على المشهد المصري بعد 30 يونيو.
دور الجيش في السياسة :
المؤسسة العسكرية منذ عام 1952 تمثل عنصرا مهما في المعادلة السياسية، وبعد 25 يناير، ظل دور المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي محل تساؤلات، حتى اتسعت رقعة الخلافات وتزايد التوقعات بالصدام المحتوم مع جماعة الإخوان التي عملت على اقصاء الجميع عن إدارة شؤون الدولة والسير في اتجاه تحقيق المشروع الخاص للجماعة، متجاهلة ضرورة تحقيق التوازن المطلوب لتجاوز تحديات المرحلة .
وقد كانت لتجربة حكم الإخوان وتداعياتها في سيناء ومناطق أخرى، سببا كافيا لعودة المجلس العسكري في تشكيله الجديد الى صدارة المشهد السياسي، منذ دعوة وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، كافة القوى السياسية بما في ذلك مؤسسة الرئاسة للمصالحة والتوافق الوطني، لكن مكتب الإرشاد رفض خوفا من عودة الجيش للسياسة.
جماعة الإخوان تدرك تمام الإدراك أن المؤسسة العسكرية، تقف عائقا أمام طموحات ومخطط مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، لذلك حاول مرسي ومن خلفه قيادات التنظيم تحييد الجيش في الخلاف مع الشعب.
لكن الانقسام السياسي والمجتمعي في مصر الذي بات يمثل تهديدا استراتيجيا للأمن القومي المصري ومستقبل الأجيال القادمة، دفع الجيش إلى التحذير أكثر من مرة من الانجراف الى بئر سحيق من الصراع الى المجهول واللادولة.
لقد فتح صراع الإخوان مع القوى السياسية وشباب الثورة، طريقا للجيش والشرطة لاستعادة ثقة الشعب، كما ان الانحياز للشعب من شأنه أن يعيد الدولة التي سلبت من الجميع، ويساعد أجهزة الأمن في التعامل بإيجابية مع المخاطر التي تهدد أمن المصريين في حياتهم ويعيد للمؤسسات هيبتها ويحفظ للدولة دورها الأقليمي والدولي.
مخاوف الحكم العسكري:
المجلس العسكري الحالي يُدرك حجم المخاوف التي لدى المصريين من الحكم العسكري، فعمل على التأكيد على ان مهمة المؤسسة العسكرية هي حماية إرادة الشعب في الاختيار والحفاظ على كيان الدولة المصرية.
فرغم الحملات الشعبية التي تطالب بالسيسي رئيسا، فهناك شريحة أخرى أعلنت مخاوفها من عودة الحكم العسكري أو "الحاكم ذو الخلفية العسكرية" باعتبار ان ذلك من شأنه القضاء على جهود بناء دولة المؤسسات وسيأتي خصما للتحول الديمقراطي وتداول السلطة.
وقد جعلت سلبيات إدارة المجلس العسكري السابق لشؤون البلاد، المخاوف تتزايد من تكرار التجربة من جديد بعد زوال حكم الإخوان، بينما تبدد تصريحات القائد العام للمجلس الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعضا من هذه المخاوف.
الاستنتاج:
المصريون الذين اعلنوا تأييدهم للحملات الشعبية الداعية لترشيح السيسي رئيسا لمصر، يرون فيه رجل المرحلة المليئة بالتحديدات، لكن الجنرال الذي يحظى بشعبية كبيرة وان المصريين يعتبرونه رمزا وطنيا واجه فاشية جماعة الإخوان وتطرف وإرهاب الجماعات في سيناء، مدافعا عن إرادة المواطن، ومهما كان الاختيار فالثابت أن المؤسسة العسكرية بات عنصرا لا يمكن تجاهله في المعادلة السياسية لمصر ما بعد 30 يونيو ذلك أن الحياة الحزبية ما زالت تحتاج الى وقت طويل حتى تنضج.
=============================