أصبحنا نعيش منذ سنوات حياة صعبة تاهت فيها الومانسية والحب وسط الحياة نتيجة الضغوط المادية والمعنوية وفى حياة كل واحد منا لحظات رومانسية، لحظات يشعر فيها أنه ملك متوج على عرش الحياة، ويحس وقتها وكأنه طائر يحلق بجناحيه وسط سحب السعادة، والحب، وكل المعانى الجميلة. ولكن للأسف هذه اللحظات الجميلة أصبحت نادرة بحيث أصبحنا نبحث عنها، ونحاول البحث عنها، فى محاولة للهرب من ضغوط الحياة العصرية.
مع التقدم الذى يشهده عالمنا المعاصر، تتزايد ضغوط الحياة، ومتطلباتها حتى تزايدت الشكوى من الواقع المادى الذى نعيشه. وأصبح البعض يحاول البحث عن لحظات ينعم فيها بالهدوء، ويشعر فيها أنه مستعد للتخلى عن كل شىء من أجل لحظات حب أو سعادة حقيقية دون أن يكون وراءها أغراض معينة. إلا أن الهروب من الواقع، واللجوء إلى العواطف المجردة ليس شرطا لجلب السعادة والفرح.. فهناك البعض ممن يشتكون من عواقب هذه النظرة المثالية للحياة.
تقول إيمان حمدى (ربة منزل – 40 سنة) عشت حياة قاسية فى بيت العائلة، فقد كان والدى من النوع المتشدد فى تربية الأبناء وكانت هذه القسوة تزيد إذا تعلق الأمر بالبنات. ولهذا كنت دائما أفكر فى الهروب من هذه الحياة. وبدأت فى تكوين صورة رومانسية أو مثالية عن شريك الحياة. وتصورت نفسى وأنا فى إنتظار الفارس الذى يأتى على حصانه الأبيض لينتشلنى من حياتى، ويمنحنى الأحاسيس التى افتقدتها فى بيت والدى. وعندما بلغت سن العشرين بدأ الخطاب يتوالون على منزلنا، ولكن الصورة التى رسمتها لفارس أحلامى جعلتنى أرفض الكثيرين. كنت فى ذلك الوقت على استعداد لأن أضحى بكل شىء مقابل أن أجد الشخص الذى يستطيع أن يفهمنى وأن يتجاوب مع أحلامى. كنت أبحث عن الشحص الذى يستطيع أن يعزف على أوتار قلبى، ويحرك مشاعرى. وتكرر رفضى للخطاب واحدا تلو الأخر.. هذا لأنه غير مثقف، وهذا لأنه عملى أكثر من اللازم.. وهكذا.. حتى تقدم بى العمر.. ووصلت إلى سن الخامسة والثلاثين. عندها فوجئت أننى بدأت ايأس من العثور على الشخص المناسب.. وأجبرنى أهلى عندها على التزوج من طبيب. وطبعا لم يكن أمامى سوى الموافقة تحت ضغط. وبعد أن عشت معه حوالى خمس سنوات.. فإننى أعيد التساؤل حاليا عن مفهوم الرومانسية.. وما الذى استفدته من تلك الأفكار سوى أننى تزوجت كأى فتاة عادية.. وليس فى حياة زوجى أى فكرة عن الأحاسيس والمشاعر.. فهو نادرا ما يهتم بى ولو بكلمة أو بهدية بسيطة تعبر عن مشاعره لأنه لا يقدر هذه الأحاسيس. وإذا فكرت فى أى مرة من المرات أن أطلب منه أن نحتفل بمناسبة عيد ميلاده أو ميلادى أو عيد زواجنا فإنه يسخر من هذه الأفكار كأى رجل تقليدى لا يشعر باهمية هذه المشاعر. ومع ذلك فالحياة مستمرة لأننى أدركت أن ما كنت أفكر فيه شىء والحياة العملية شىء آخر.
وتقول هدى. ج (موظفة – 27 سنة) فتقول أن تجربتها مختلفة.. فهى كانت على علاقة حب بأحد زملائها فى العمل وكانت تتصور أنه سيتفهم رومانسيتها.. ولكنها فوجئت به بعد فترة من علاقتهما يشعر بالملل من تصرفاتها.. فهى تهتم بالتفاصيل الصغيرة.. فإذا نسى تاريخ أول لقاء بينهما أو لم يحضر لها هدية فى عيد ميلادها تغضب منه.. وهو لا يهتم بهذه التفاصيل.. ولا يعتبرها مهمة رغم أنها تعتبرها من أهم الأشياء فى حياتها.. وحتى إن أحضر لها هدية مثلا فى عيد الحب ولم يكتب عليها إهداءا رقيقا فإنها تغضب منه وتتهمه باللامبالاة.. حتى تضايق من تصرفاتها وأصبح يحاول التملص منها، ولا يعطيها الاهتمام اللازم.. وهكذا انتهت العلاقة رغم أنها تحبه حتى هذه اللحظة إلا أنها تشعر أنها تسببت بتصرفاتها فى تركه لها. وتقول هدى إنها تتمنى أن تجد الشخص الذى يقدر أهمية إهداء حبيبته ولو وردة بسيطة أو تناول العشاء على ضوء الشموع.. وتقول رغم أن هذه الأشياء بسيطة إلا أن معظم الرجال لا يهتمون بها ولا يدركون مدى تأثر المرأة بهذه الأشياء وأهميتها لتغذية علاقة الحب والحفاظ عليها دافئة. فالحب يحتاج إلى التجديد والرعاية كأى نبتة تحتاج إلى الإهتمام والحرص عليها حتى تكبر وتقوى.
ويعتقد محمد حسن (طالب بكلية الهندسة) أنه من الصعب أن يجد الشاب أو الفتاة شخصا تنطبق عليه مواصفات الإنسان الرومانسى.. فالرومانسية ليست مجرد كلمات بل مشاعر وأحاسيس.. والرومانسية لا تعنى الهروب من الواقع بل تعنى القدرة على مواجهة الواقع بأساليب تخفف من ضغوطه وقيوده. فليس معنى الرومانسية أن أبكى أمام مشهد حب مؤثر فى التليفزيون أو ان أهدى لحبيبتى وردة حمراء فى عيد الحب.. ولكن الأهم هو الحرص على جعل الطرف الآخر يشعر بالحب. ومن الممكن أن تكتفى المرأة بكلمة بسيطة أو بقبلة أو عناق حميم ينقل المشاعر ويعبر عنها أكثر من أى وردة أو هدية. كما أن على الرجل والمراة أن يدركا أن ظروف الحياة يمكن أن تجعل تفكير الرجل مشغولا دائما بكسب لقمة العيش والعمل ليلا ونهارا بحيث لا تكون أمامه الفرصة للتعبير عن مشاعره بشكل سليم. الرمانسية باختصار ليست فى الكلمات والهدايا بل فى احترام مشاعر الطرف الآخر حتى دون التعبير بالهدايا أو بالكلام عن هذه المشاعر.. التصرفات هى الأهم.
وترد مروة محمد (طالبة بكلية الحقوق) على هذا الكلام بالقول أنه من المستحيل أن يتخلى أى شخص عن الرومانسية.. فالرومانسية ليست أفكارا سيئة يجب التخلص منها.. بل على العكس الرومانسية تساعدنا على مواجهة الحياة، وتجديد مقاومتنا للظروف القاسية التى نعيشها. ولكن المشكلة تكمن فى الأفكار الخاطئة عن الرومانسية. البعض يعتقد أنه من العيب أن يكشف الرجل عن مشاعره لزوجته ويعتبرون ذلك ضعفا منه.. والبعض يعتبر الرومانسية فكرة غربية لا يجب تقليدها.. أو يعتبرون أن الرومانسية لم تعد تتناسب مع الإيقاع السريع للحياة. والحقيقة أننا جميعا كمجتمع نعانى من عدم فهم حقيقة الرومانسية وأنها علاج فعال لمشاكل الحياة العصرية. وأن من المفروض أن نلجأ من وقت لآخر للتعبير عن مشاعرنا للطرف الثانى فى العلاقة سواء كان ذلك بكلمة رقيقة أو بهدية بسيطة لأن هذه التصرفات البسيطة لها تأثير سحرى على الفتيات بالذات، لأنهن أكثر ميلا للرومانسية وأكثر حاجة للعاطفة. فالرجل يمكن أن يفكر بعقله ويتجاهل عاطفته أما الفتاة فتحتاج إلى أن تشعر بأنها مهمة وأنها محبوبة.. والرومانسية تكسر هذا الحاجز بين الشاب والفتاة، وتحطم الجمود والملل، وتجدد المشاعر. وتتساءل مروة: "من منا لا يحب أن يسمع كلمة جميلة؟ من منا لا يفتقد للمسة حنان؟ من منا لا يريد أن يشعر أنه محبوب ومرغوب من الناس؟ طبعا نجن جميعا نفتقد هذه المشاعر التى أصبحت نادرة فى حياتنا. وبالتالى لا يجب أن تجاهل تأثير هذه المشاعر على النفس.. ولا يجب أن نتجاهل أن هذه المشاعر الجميلة هى التى تعيد تجديد الحياة وتكسبنا القدرة على المقاومة ومواجهة المتاعب".
ومن الواضح أن الرومانسية تختلف من شخص لآخر، فهناك مقاييس ومعايير مختلفة لدى كل واحد من الذين التقيناهم. البعض يراها فى كلمة حب أو لمسة حنان، والبعض يراها فى التعبير العملى عن الحب دون الاهتمام بالكلمات والهدايا. والبعض يحتاجها تعويضا عن مشاعر مفتقدة فى المنزل، وهروبا من ضغوط الحياة، ولكن الشىء الذى يربط بين الجميع هو الاتفاق على أن المشاعر مهمة والأحاسيس ضرورية سواء تم التعبير عنها بشكل مادى أو أحس بها الطرف الآخر طبيعية غير مفتعلة.