تقرير : محمد الصبروت
منذ طفولتنا يتطرق إلى آذاننا لفظ الجن، هذا العالم الغريب، والمشوق في آن واحد، والذي نسمع عنه ولم نره، بل ارتبط اسمه بالشعور بالخوف والرعب في مخيلتنا ونحن صغار وبالسخرية في عقولنا أحيانا ونحن كبار.
هذا العالم المحير والمليء بالألغاز التي لم يستطع علماء العصر الحديث حتى الآن فك شفرتها، أصاب الكثير من الناس بالأذى والألم النفسي والعضوي أيضا، بسبب استغلال الدجالين.
في البداية نتعرف على وجهة نظر الدين الإسلامي، والعلم الحديث في مسألة حقيقة وجود الجن من عدمه؟
وورد الجن في جميع الأديان والأساطير القديمة على أنها مخلوقات تعيش معنا، لكن لا نستطيع رؤيتها، إلا أنها تتمتع بالعقل والفهم، والإسلام لم ينكر وجودها، بل أقر بوجودها في نصوص كثيرة، كذلك يعتقد بأنها كائنات هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة في صورة حيوان أو أشباح أو حتى إنسان، يقول الدكتور عز الدين نجيب: “الجن من مخلوقات الله خلقها من نار السموم قبل خلق آدم”.
وللجن ذرية أي أن منهم رجال وإناث لأن الله خلق من كل شيء زوجين، وللجن قبائل ومعاشر وأمم، ولأن الجن أحد خلق الله في الأرض فيصير عليهم ما يصير علينا من موت وبعث وحشر ثم حساب، والجن يسمعوننا ولا نسمعهم، وقد حذرنا الله من الاتصال بالجن والاستعانة به حتى لا يزيدوننا رهقا، ولكنه سبحانه استثنى “سليمان” عليه السلام فقد أعطاه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده وسخر له شياطين الجن قال سبحانه: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
الجن في القرآن والسنة النبوية:
أقر الإسلام حقيقة وجود الجن، لكنه صحح بعض المفاهيم الخاطئة عنها لدى العرب، مثل أنها ذات سلطان على الأنس ويجب على الأنس الخضوع لها، والانسياق لأوامرها، والخوف من غضبها، وأسهب في الحديث عنها في الكثير من الآيات:
فعن قابلية الضالين فيهم للهداية والإيمان بالله عز وجل يقول الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، وعن جدوى نفعهم من عدمه يقول الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، وعن قدرتهم وقلة حيلتهم يقول الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ).
ورد في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد عن النبي محمد، قال: “خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم كما وصف لكم” صحيح مسلم.
الجن عند العلم الحديث:
في العلم الحديث لا توجد أدلة علمية على وجود الجن، لأن كثيرَا من أسرار الكون لازالت مجهولة، لم يتم اكتشافها بعد، رغم أن هذه الأسرار واقع موجود، لكن العلم لم يكتشفها بعد، ومثال ذلك لم يكتشف العلم الحديث “الفيروس” إلا من وقت قريب رغم أن الفيروسات موجودة من آلاف السنين، وعلى هذا القياس فمن المحتمل اكتشاف العلماء لحقيقة وجود الجن في المستقبل.
ويبرر العلماء حالات رؤية أو سماع الأجسام والكائنات الغريبة إلى هلوسات ذات صلة “بالجاثوم” أو “بالباركينسون” أو بتعاطي بعض المواد المخدرة فضلاً عن حالات نفسية مثل الشيزوفرينيا، وبسبب جهل البعض بعلم النفس والأمراض النفسية، أرجعوا بعض أعراض هذه الأمراض إلى التلبس بالجن.
مس الجن للإنس حقيقة أم خرافة؟
اختلف العلماء في إمكانية مس الجن للإنس هل هي حقيقة أم خرافة؟ فمنهم من رفض الفكرة واعتبرها من الخرافات والأساطير القديمة، ومنهم من أقر بإمكانية حدوث ذلك، ولكل فريق حججه وأدلته.
ـ بعض علماء الأزهر يؤكدون حقيقة حدوث المس بل وحلول الجن في جسد الأنس وساقوا أدلة على ذلك من القرآن والسنة النبوية، ومن هؤلاء الدكتور “منصور مندور” من علماء الأزهر الشريف والذي أكد أن مس الجن للإنسان ليس خرافة، ولكنه أمر ثابت بالعديد من الأدلة الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، حيث يستطيع الجن أن يدخل جسد الإنسان ويلحق به بعض الأضرار التي تظهر في صورة الصرع، والاضطرابات، والتشنجات، وغيرها من الأعراض المقرونة بالمس الجني.
ويشير إلى أن مس الجن للإنسان يعد حالة مرضية لها علاج في القرآن الكريم والسنة النبوية، مؤكدًا أن الرقية الشرعية هي العلاج المشروع والفعال لحالة المس الجني، كما أنها علاج للكثير من الحالات الاخرى، مثل حالات السحر والحسد.
ـ وبعض العلماء لم يؤمن بالفكرة وأنكرها مثل الدكتور “حامد أبوطالب” حيث يقول: “أما مسألة علاقة الجن بالإنسان، ومقولة إن الجن يتلبس بالإنسان، ويدخل في جسمه، ويتصرف فيه، ويتحكم في شأنه، وينطق بلسانه، فأنا لا أؤمن بهذا رغم أن هناك علماء كبارا في عصرنا قالوا بهذا”.
وأرى أن الله سبحانه وتعالى لم يُمكن الجن بحيث يتحكم في الإنسان هذا التحكم، فهذا يتنافي مع قول الله تعالى: “إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً” فقد استخلف الله الإنسان في الأرض، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا، وكل ما في الكون مسخر للإنسان فكيف يسخر الإنسان للجن؟ بالعكس رأينا الإنسان يسخر الجن مثلما هو الحال في قصة سيدنا سليمان عليه السلام.
الوقاية من أذى الجن للأنس:
الوقاية من المس والأذى من الجن كثيرة، وتكون بالقرآن والأذكار الشرعية، فلا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية، وربما يروعون الإنسان، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنَّة ودلَّ عليها الواقع، وقد جاء في السنَّة أذكار يعتصم بها الإنسان من الشياطين ومنها: الاستعادة بالله من الجن، قراءة المعوذتين، قراءة آية الكرسي، قراءة سورة البقرة، قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير “مائة مرة، وكثرة ذكر الله عز وجل تقى الإنسان من كل شر،” فالله خير حافظا”.