جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
يرى حيدر الآملي المحقق والعارف الجليل أن للوجود شخصية واحدة وتعينات كثيرة تظهر في مرائي كثيرة ، ويجد أن أهل البيت عليهم السلام هم من تدرك في ذواتهم هذه الحقيقة الوجودية فكل شيعي لا علاقة له بالمنهاج السلوكي العرفاني على منهاج الصوفية الكبار فهو غير شيعي كما أن كل صوفي لا يعرف أهل البيت عليهم السلام وغير متحقق بهم فهو ليس صوفي ، فحقيقة التشيع والتصوف عند هذا العارف المحقق أمر واحد، فالمشايعة عنده هي الوصول إلى عالم الصفاء الإلهي المتمثل بعالم الأطهار عليهم السلام ومنهاج الصوفية كذلك ما دام يجد أن أهل البيت هم أهل الصفاء الإلهي.
فمنسك العدم والفناء عند هذا العارف المحقق ،لا يدخله إلا من تخلص من شوائب الوجود من حب الدنيا وحب الأولاد وحب الجاه وحب السلطنة وما إلى ذلك، فالله سبحانه وتعالى غيور ومن غيرته أن يحرم حرمه المقدس على كل قلب فيه ذرة من حب هذه الزائلات الفانيات.
فقلب الإنسان العارف بالله هو قلب وسع الله في كل تجلياته، لذا فهذا القلب هو حرم الله ولا يجتمع في حرم الله، حب الله وشيء آخر معه، وفي حرم الله هذا تظهر كل المعاني والتصورات والنظريات العرفانية المتصلة بالوجود الكلي الظاهري منه والباطني .
فعلى مستوى القلب العارف بالله والنابض بمحبته يكون العارف المتحقق على مستوى يجد نفسه والوجود معه في وحدة شخصية للوجود لها ظهورات وتعينات، في عدة مرائي وجودية لذا تكثر النظريات عند العرفاء فمنهم من أسس عرفانه على وحدة الوجود ومنهم من أسس عرفانه على فلسفة الإنسان الكامل ، عند حيدر الآملي كل هذه النظريات هي نظرية واحدة في ألبسة كثيرة لذا فهو يفضل أن يجمع كل تلك النظريات العرفانية في نظريته القائلة بالوحدة الشخصية للوجود.
فقول العارف في مقولته منسك العدم والفناء، فذلك يعني الكثير من المعاني السامية التي تجعل نظريته الوجودية في أعلى مقامات التوحيد والتجريد، فسبحانه وتعالى يقول كان الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان ولا شيء معه )، فمنسك العدم يناسب( كان الله ولا شيء معه) وقوله منسك الفناء يناسب (وهو الآن كما كان ولا شيء معه)، وهذا هو التوحيد المحض والاندكاك في ذات الحق حقا.
كما نجده كذلك في كتابه جامع الأسرار ومنبع الأنوار يقسم التوحيد إلى قسمين عمليين وهما التوحيد الألوهي والتوحيد الوجودي.
ولنبدأ بالتوحيد الألوهي : يؤكد هنا السيد العارف المحقق أن التوحيد الذي جاءت به جميع الأنبياء هو التوحيد الألوهي، فهم جميعا جاؤوا يبلغون حقيقة واحدة وهي وجود إله واحد خلق ما كان ويكون في الخليقة، وفي ما نعلم وفي ما لا نعلم . وهو يدعونا لعبادته عبر ديانات جاءت تناسب لغة البشر وظرفياتهم وعقلياتهم التي تتواجد فيها عبر كل واقع أرضي.
أما التوحيد الوجودي هو ما سوف نستخلصه في ذوقنا المعرفي الوجودي في إطار التجربة الروحية عبر تجارب الأولياء ومقولاتهم المستخلصة في لب هذه التجربة المعاشة في التعرف على رب الأرباب قلبا وروحا وذوقا.
من خلال التوحيد الألوهي والوجودي نجد هذا العارف قد توصل إلى معنى الموالاة الحقيقية لأهل البيت عليهم السلام حيث أنه لم يفصل الموالاة عن التوحيد ولا التوحيد عن الموالاة فهما في خط معرفي وذوقي واحد، كما أن التوحيد الألوهي يناسب (كنت كنزا مخفيا) في الحديث المعروف، والتوحيد الوجودي يناسب (أردت أن أعرف)، فبالتوحيد الألوهي عرف أن الله هو الخالق، وبالتوحيد الوجودي عرف معنى هذا التوحيد في قلب الموحد العارف.
وفي بيان المقصود من الشريعة والطريقة والحقيقة نجد العارف بالله السيد حيدر الآملي يؤكد أن الشريعة والطريقة والحقيقة كلها حقيقة واحدة،أي أنها أسماء مترادفة الدلالة على حقيقة واحدة التي هي حقيقة الشرع المحمدي باعتبارات مختلفة،وليس بين هذه المراتب مغايرة أصلا في الحقيقة لأن الشرع كاللوزة مثلا المشتملة على القشر،واللب،ولب اللب،فالقشر كالشريعة الظاهرة،واللب كالطريقة الباطنة،ولب اللب كالحقيقة الباطنة للباطن،واللوزة جامعة للكل،كما قيل في الصلوات ومراتبها المترتبة عليها.الصلاة خدمة وقربة ووصلة،فالخدمة هي الشريعة،والقربة هي الطريقة،والوصلة هي الحقيقة،واسم الصلاة جامع للكل.
وقيل أيضا. الشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقوم بأمره، والحقيقة أن تقوم به.
ويعضد ذلك كله قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشريعة أقوالي،والطريقة أفعالي،والحقيقة أحوالي،والمعرفة رأس مالي،والعقل ديني،والحب أساسي،والشوق مركبي،والخوف رفيقي،والعلم سلاحي،والحلم صاحبي،والتوكل ردائي,والقناعة كنزي،والصدق منزلي،واليقين مأواي،والفقر فخري،وبه أفتخر على سائر الأنبياء والمرسلين.
كما أن الشريعة تناسب الرسالة والطريقة تناسب النبوة والحقيقة تناسب الولاية فترجع الدائرة من حيث انطلقت فأصل الشريعة هو الولاية وأصل الولاية هو الشريعة.
وكذلك قوله تعالى
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) (المائدة48).
ساحة النقاش