الطيور المهاجرة 7

هل أصدر القاضي حكمه يا سيدي ،،، الحقيقة قاضي واحد هو الذي أرسل حكمه ،،، واحد فقط كيف ذلك يا سيدي ، أين من نقابلهم من العقلاء وأصحاب الرأي؟ هل يخشون التعبير عن آرائهم؟ أم يتكاسلون؟ أم يعتقدون أن المحاكمة عبرت عن رأيهم فلا داعي لمزيد من التعليق؟ أم يظنون أن رأيهم لن يضيف شيئاً؟
لسنا في معرض تحليل الأسباب يا بني فهذه ليست قضيتنا الآن،، يكفي أن نوجه لهم كلمة الدكتور جاسم سلطان نسأل الله أن ينفعهم بها  ، " يقيني أن العقلاء كثر… ولذلك أتوجه إليهم بطلب غير معقد… أيها العقلاء اكتبوا رأيكم ولا تستهينوا به… اكتب ولو كلمة موافق تحت أي مقال يعجبك وغير موافق حول ما لا يعجبك… عبر عن رأيك، واشرح إن أردت الشرح، وأوجز إن رأيت الإيجاز ولكن اكتب… لا تتفرج،.هذه دعوة مباشرة “قل كلمتك ولتكن هذه هي البداية” غادر مقعد المتفرج فأنت في قلب الأحداث وأنت وقودها …لنبدأ بتغيير واقعنا ولو بكلمة " ما رأيك أقرأ عليك الحكم الذي وصلك ،،، تفضل يا سيدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبدأ الجلسة :

 

بالحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى وبالصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

وبعد :

بعد أن سمعت من الجميع ( المتهم والمحامي والمدعي العام ) , 

وبعد مناقشة الأمر مع أعضاء هيئة القضاة :

السيد قلبي والسيد عقلي والسيدة نفسي .

أصدرنا قراراً حاسماً بما يلي :

أولاً :

من الطبيعي أن الأصدقاء يختلفوا ويتنازعوا فيما بينهم أحياناً ؛ طبعاً وليس بشكل مستمر , لأن ذلك سبيل لتجديد العلاقات وتغير الروتين الممل في العلاقات ..!

ولكن ..

هناك ضوابط لهذه الاختلافات والنزاعات ويجب على كلا الطرفين مراعاتها والالتزام بها :

1-  مهما حدث بين الأصدقاء لا يجوز لأي منهم أن يتعدى حقوق الأخوة الإيمانية التي أوجبها الله ومن هذه الحقوق :

أ‌-      وجوب رد السلام .. ((مد يده مصافحا فقبضوا أيديهم ))

ب‌-الابتسامة في وجه أخيك المسلم .. ((ابتسم كشروا ))

فهنا أخطأ الأصدقاء على صاحبنا المسكين عندما أخلوا بحق الصداقة وهي من الأساس من حقوق الإخوة الإيمانية .

2-  صرخت الحشود خائن ، خائن  ،، أقيموا على الحجة ،، نحتاج إلى محكمة ...!

ليس من العدل أن يتهم الصديق صديقه بالخيانة من دون النظر إلى الأسباب والظروف التي مر بها الطرف الآخر , فقد يكون الصديق في أمس الحاجة إلى صديقه ولكنه لا يجده حوله في حينها فيترجل ويفعل ما يمليه عليه عقله ودينه وهذا ما حدث مع صاحبنا المسكين , في حين أنه اتهم بالخيانة بمجرد أنه أصبح للأفضل .

3-  يجب أن يكون هناك حوار وتفاهم بين الطرفين (الصديقين) ولا يدخل طرف ثالث إلا عندما يحتاج الأمر إلى ذلك ,

ولكن ..

أصدقاء صاحبنا لم يقوموا بذلك بل قرروا مباشرة اللجوء إلى القاضي بدون أن يسمعوا منه ما حدث معه بالضبط .

ثانياً :

رفيق الأنس : سيدي القاضي لو سألتكم ما الحكم الذي تنزلونه بالسارق لقلتم قطع يده ، وشارب الخمر يجلد ، والقاتل يقتل ،،، أما خيانة الصداقة فشيء مختلف ،، لذلك سيدي القاضي أطالب من سعادتكم أن يعدم المتهم حيا ،،، ... (لإعدام حيا في عالم الصداقة يا سيدي أن يتم فضح الخائن) ..

سيد رفيق الأنس كيف تعتبر نفسك صديقاً وأنت أول من أراد أن ينزل العقاب على صديقه من دون السؤال عنه أو حتى عن حالته ومعاناته مع نفسه .

فمن واجبي كــ قاضي أن أحاكمك أولاً على تقصيرك لحقوق الصداقة .

وذلك بمنع هذا القرار القاسي والذي يرفضه الشرع والعرف والدين , لأن ليس من الدين أن نفضح المسلمين إلا عند مواضع شرعية معينه ويكون ذلك للعبرة والاتعاظ , لا لأجل رغبات شخصية .

ولكن ..

ثالثاً :.

رفيق الأنس : كاذب ، أتذكر المكان الذي وضعتنا به ،، فجأة اضطرب من تحت أقدامنا ،، وبدأ يتزلزل ويتزلزل ، حتى سقط السقف علينا ، وما زال المكان يضطرب ويضطرب حتى أصبح كومة من الحجارة والتراب ،،وهذا لا يحدث إلا إذا حدثت خيانة للصداقة ،،، أنظر إلى حالنا نستظل بخيمة كمشردي فيضانات باكستان ،،،

. كان المفترض بصاحبنا أن ينبه ويحذر أصدقاءه من أن هذا المكان الذي كانوا فيه لا يدوم إلا بالشهوات والمعاصي , فكان من واجبه عندما علم بالعواقب أن يحذرهم حتى تعم الفائدة على الجميع ولا تكون الفائدة حكراً له , فإذا كنت يا صاحبنا تفكر فيهم في كل وقت كما زعمت فمن المفترض أن تفكر أيضاً في مساعدتهم على الصلاح كما فعل معك سيدنا .

رابعاً :

المتهم : ذاك ماضي قد مزقت أوراقه ،

يا صحبنا العزيز لا يوجد شئ اسمه ماضي ومزق ؛ لأن أي شئ فعلناه في الماضي ترتبت عليه حياتنا في الحاضر والمستقبل , ولذلك يجب لكل إنسان أن يجني ثمار ماضيه سواء كانت جيدة أو سيئة .

خامساً :

بالنسبة للسادة الكرام :

1-  السيد مخلف الوعد والسيد الخائن :

ليس من أخلاق المسلمين إخلاف الوعود وعدم الوفاء بها أو الخيانة للمسلمين , غير أنها من أكبر الأسباب المجلبه للعداوة والبغضاء بين المسلمين , بل إنها من صفات المنافقين التي حذر منها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام , فليس من العدل أن تقاضوا صاحبنا على تقصيره وأنتم لم تقاضوا أنفسكم على تقصيركم في حق أنفسكم وحق ربكم وحق المسلمين الذين أخلفتهم الوعود يا سيد مخلف الوعد , أو خنت أمانتهم يا سيد خائن  .

2-  السيد المجازف :

من الجيد أن يجازف المرء أحياناً ولكن يكون ذلك في حدود وضوابط وشروط وأنت لم تراعي ذلك يا سيد مجازف فتسببت في كثير من الضرر والأذى لصاحبنا , وان كنت ترى أن للمجازفة ايجابيات فسلبيتها تفوق ايجابياتها بمراحل .

وبالمقابل أخطأ صاحبنا عندما استغل هذه الصفة لشئ سئ وأخطأ أيضاً عندما رأى أصدقاءه على خطأ ولم ينصحهم بل استغل هذه الصفات السيئة لأهدافه المشينة , ولكنه الآن تاب إلى الله وندم على ما فعل بل وانه أراد أن يصلح ماضيه الأسود بكل جهده ووقته , ولكن هذا لا يعني أنه لن يتحمل جزء من أخطاء ماضيه والتي ستبقى له إلى ما شاء رب العباد . 

3-  السيد المتركز حول ذاته :

أخطأت عندما أكثرت الثرثرة عن نفسك ولم تبالي بعواقب ذالك , وأخطأ صاحبنا عندما استغل ذلك فيك , فمن المعيب أن يستغلك من هم بمثل سنك ومن الجيد أن تكون أكثر حرصاً في الكلام  وأن تراعي الأوقات المناسبة لذلك بل حتى أن تراعي الأشخاص الذين تحدثهم عن نفسك حتى لا تتعرض لمثل ذلك الاستغلال مرة أخرى .

4-  السيد الفاضح :

أنت مثلك مثل السيدين الخائن ومخلف الوعد فقد جمعت بينهم في عملك المشين فلم تكتفي بإخلافك بالسر بل أفضيت به إلى آخرين وتفاخرت بمعصيتك وأصبحت كالنمام الذي ينقل الكلام بغير هدف أو بهدف الإفساد وكلاهما عمل يرفضه الدين الإسلامي الذي ربانا على غير ذلك من الأسس الحميدة سواء كان نقلك للكلام صحيح أو مكذوب.

وأنت يا صاحبنا قلي بربك أتعتب عليه وأنت تقوم بما هو أسوء منه ؟

أرى أن كلاكما مخطئ , ويجب أن ترجعا إلى الله وتتوبا إليه ,

بالإضافة , عليكما أن تستسمحا من كل شخص فشيتما بسره أو آذيتماه لأن للمسلمين عليكم حق حفظ عرضهم وحرماتهم وأسرارهم , بل هي من الضروريات الخمس التي يجب على المسلم أن يحفظها لنفسه وللمسلمين .

5-  السيد المنافس :

من الجيد أن ينافسك الأصدقاء وتتنافس معهم , ولكن من المشين أن ترى صديقك يقلدك بلا هدف وتسكت على خطأه ولا تنصحه فإذا كنت صديق حقيق لصاحبنا فمن الطبيعي أن توجهه وتنصحه إذا غلا في الشئ , ولكنك لم تفعل ذلك بل وأصبحت تفرح لذالك التقليد الذي زاد عن حده بكثير , وجعلته يبدوا كـ المغفل الذي يقلد الصحيح والفاسد .

فلتعلم يا سيد منافس أن الصديق الحق هو من يساعد صديقه على الخير ويجعله ينافسه في الخير وأن يقلده فقط في الأمور الجيدة من دون تفريط في ذلك .

6-  السيد المعتدي :

أيها السيد المعتدي الظالم .. كيف تجرأت وقاضيت صديقنا وطالبت بعقابه مع من زعم , وأنت أول من يستحق العقاب !!

أما تعلم أن صديقنا لم يحبك يوماً بل تظاهر بحبك من خوفه الشديد منك ومن طولة لسانك التي لطالما أبكته ليالي وأيام ومن قسوة قلبك الذي لم يبالي بضراباته المستمرة حتى لو لم تقصد الضرب حقيقة وكانت مجرد مزحة , أو شئ أنت تعودت عليه , كان يجب عليك أن تراعي مشاعر الناس وقدراتهم على الاستحمال , أما علموك يا سيدي أن من أكثر ما يجرح القلب ويحطم الصداقة هي كلامات ترميها من لسانك لتصل إلى قلب صديقك وتبقى تنزف وأنت لا تعلم ولا تلقي لها بالاً من الأساس .

أنصحك يا سيد معتدي أن تراجع نفسك لفترة وأن تعود لسان قبل يدك عن الكف عما يؤذي المسلمين وخاصة أقرب الناس إليك .

وأنت يا صاحبنا يجب عليك أن تكون شاباً قويا ً لا يتأثر بكلام الناس ولا يسمح لأي شخص بالاعتداء عليه ؛ لأن رسولنا الكريم أخبرنا بأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , فاجعل هذا الحديث حلقة لتعينك على تحمل الحياة بكل ما فيها .

7-  السيد مصاص الدماء :

بالفعل صدق من سماك بذلك !!!

أخطأت كثيرا بحق صاحبنا بل حتى إنك استغليته من كل النواحي أي شخص أنت !

تخطئ ثم تلقي باللوم على صاحبنا !

ألا تعلم أن أمثالك الذين لا يستطيعون الاعتماد إلا على غيرهم لا يستحقون أن يكونوا عضواً في هذا المجتمع بل هم عالة عليه أو أكثر لأنهم يملكون عقول وأطراف كاملة وصحة ولم ينقصهم شئ , مجرد أن كسلهم واعتمادهم على غيرهم وتدليلهم سبب لهم الأذى لغيرهم ولنفسهم أيضاً وللمجتمع بأسره , وحتى وإن ارتقوا إلى مناصب عليا فهذا أولاً بفضل الله ثم بمجهود غيرهم من الأصدقاء , وهذا لا يرضاه الدين ولا العقل , فكل إنسان يحاسب على أعمالهم لوحده يوم القيامة , فكيف ترضى أن تكافئ على شئ لم تفعله  ولم تتعب لأجله , وهذا لا يعني أن صاحبنا لم يخطئ بل إنه أخطأ لأنه  رضي بأن يكون تحت أمر جاهل متكاسل لمجرد فقط أن يقول الناس عليه كلامات قد تسره الآن ويدفع ثمنها غداً .

كلاكما مخطئ وأمركما  أن تراجعا نفسيكما وتعودانها على التواضع والكرم والجد والاجتهاد والمجاهدة , فلا يمنع أن يساعد الصديق صديقة بل هو واجب علينا نحن المسلمين أن نساعد بعضنا البعض ولكن ليس للدرجة التي وصلتما إليها ولا لدرجة الإفراط . 

8-  السيد الكذوب :

ألا تعلم أنه لا يجتمع الكذب والإيمان في قلب مؤمن !!!

ففي الحديث "أيكون المؤمن كذابا قال لا" .

وقد جاء الوعيد عليه شديدا وحذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من سوء عاقبته، ولا فرق في ذلك بين كذبة صغيرة وأخرى كبيرة، وعلى من ابتلي بهذه الخصلة الذميمة أن يجاهد نفسه حتى تتعود الصدق.

وأنت يا صاحبنا أما علمت أن الساكت عن الحق شيطان أخرس , كيف أهداك عقلك أن تسكت عن صديقك ولا توجهه !!

أقلها حتى أن تسكته عن قول الأكاذيب وأن لا يتعدى على أعراض الناس بكذبه وتبليه .

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا". رواه البخاري ومسلم.

فأرى أن كلاكما مخطئ بحق الآخر بالإضافة إلى خطئه بحق الله عزو وجل أولا ً كيف لا وهو الذي أعطى الإنسان لساناً ليتعلم به ويتكلم بالمفيد ويساعد غيره , لا أن يستخدمه فيما يغضب الله ويخرجه من دائرة الإيمان .

أتمنى أن تراجع نفسك سيد كذوب ولتحاسب نفسك وتتوب إلى الله قبل أن تحاسب حساباً شديدا , وقبل أن تتهم غيرك بالتقصير !!

9-  وأخيراً السيد المتطفل :

من الجميل أن يهتم الصديق بصديقه وأن يبادله أحزانه وأفراحه , ولكن أعلم أيها المتطفل أن أي شئ يزيد لحده ينقلب لضده ,

فأنا أعلم أن غرضك هو الخير والمساعدة , ولكن تماديك في الأمر ضر صاحبنا كثيراً , فليس من حقك أن تتدخل فيما لا يعنيك , إلا بإذن صاحب الشأن أو أن تكون مربياً ومعلماً أو مصلحاً كبيراً عاقلاً , تريد بتدخلك أن تمنع أذى أو أن تقوم سلوك وأيضاً يكون ذلك بحدود وبشكل مدروس ولا يكون عمل عشوائي .

أيها السادة الأفاضل ::

فلتراجعوا أنفسك أولاً ولتصلحوا من ذاتكم ثم ابدؤوا بمقاضاة الناس الآخرين .

وبعدها يكون لكل حادثة حديث.

لأنه إذا أصلحتم دواخلكم يصلح الخارج مباشرة ولن تحتاجوا بعدها لمقاضاة أحد أو محاكمته .

وإن حدث وأخطأ عليكم شخص من غير وجه حق فتذكروا قول الله تعالى : ( فمن عفا وأصفح فأجره على الله ).

والآن وبعد أن وضحت ما لدي ..

فالقرار لكم أما أن تعودوا أصدقاء كما كنتم طبعاً بعد أن يغير كلاً منكم من نفسه , أو أن أحكم عليكم الحكم الذي اتخذه أعضاء هيئة القضاة , وهو النازل بحق صاحبنا فقط وهو ما يلي :

1-  أولاً عليك أن تدعو الله عز وجل بأن يهديك ويهدي أصدقاء جميعاً ولا تيأس من الدعاء , وإن لم يستجب لك الله فأعلم أنه خير لك ولهم .

2-  ثانياً إذا افتكرت أياً من أصدقاءك هؤلاء عليك أن تستغفر 100 مرة حتى يساعدك على النسيان .

3-  ثالثاً أمنعك منعاً باتاً من الاختلاط بهم ما داموا على معصيتهم ولكن حق الله السلام والابتسامة لابد منها .

4-  رابعاً أريدك أن تكون قوياً واثقاً بنفسك ومتفائلاً بربك , لأن الذي أعطاك هؤلاء الأصدقاء بقادر أن يعطيك ما هم أفضل منهم .

5-  خامساً عليك أن تتابع طريقك وتسلك المنهج الإسلامي الصحيح , وأن تحافظ على دينك و بلدك وأمتك .

6-  سادساً لا تترك الدعاء لأصدقائك مهما بلغ بينكم ما بلغ , أريدك أن تكون متسامحاً عذباً كريماً .

7-  سابعاً آمرك بتغير الأماكن التي كنت تذهب إليها معهم , حتى لا يحن قلبك إلى ما كنت عليه سابقاً  لذلك أخلص النية لله عز وجل وتوكل عليه , وسوف تتفاجئ بأن كل ما تريد أصبح بين يديك طبعاً إذا أخلصت النية فيه.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

رفعت الجلسة ..

ما رأيك في حكم القاضي ،،، انه مثلك يا سيدي يضع لي المصابيح ولكنه يترك لي مهمة إشعالها ،،، أريد أن أسمع منك يا سيدي ،، سمعت صوت القاضي ، أعطاني مهارات تركهم ،، بقي صوتك ، صوت محامي الصداقة ،،، كيف أتصرف ،،، أريد أن أرتب قلبي ،،، والترتيب الذي أريد لن يعجب أصدقائي ،، سيعدمونني حيا ،،،

يا بني ما تتوقعه حقيقة ، فنحن بشر نخضع لمتغيرات كثيرة ، حتى أنت لو غير شخص ترتيب فكره أو مشاعره سيكون لك ردة فعل معينة ،،، صحيح انصحني ماذا أفعل كيف أدافع عن نفسي ،،، حسنا سنأخذ من قصة موسى عليه السلام مبدأ تعيش به في حياتك ،،عندما ذهب موسى إلى فرعون ، وطلب من أن يؤمن رد عليه فرعون مثلما ذكر الله سبحانه وتعالى بقوله ۝وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ۝

لم يخف موسى ولم يدافع عن نفسه أو يتهم غيره بأنه السبب بل كان رده  كما قَالَ تعالى ۝فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ۝ ،، تقصد أنه علي أن أعترف بأني قد أخطأت وأتحمل مسؤولية أفعالي ،،، نعم  ، وتذكرهم بقول الله تعالى  ۝قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝،، وفي هذا دعوة لهم لطريق الخير ، ويعلمون أنني معترف بذنبي وراجع لربي ،،، أصبت  يا بني ،،، هل تعتقد أنهم سيتركونني لشأني ،،، في اعتقادي أنهم سينقسمون إلى أربعة أقسام ، القسم الأول يعرف خطأ الطريق الذي كنتم فيه ويرغب أن يعود إلى الصواب ولكنه يحتاج إلى قائد وستكون أنت القائد فسيبقى معك وستكون بالنسبة له طوق النجاة ،، والقسم الثاني ،،، يعرف أنه على خطأ ، ولا يرغب أن يرجع عنه ،فهذا سيتركك في حال سبيلك وفي قرارة نفسه سيغبطك على التغيير ، وستكون حافزا له ليتغير مثلك ، وهذا يحتاج مني أن النصيحة والدعاء،،، والقسم الثالث ، من يرى نفسه غير مخطئ ولكن عندما تحدثه تجد أن لديه الرغبة في الطريق الصحيح ،،، وهذا شخص يا سيدي فقد التوجيه الصحيح وهو صغير ،،،، ربما يا بني ،،، يحتاج مني أن أعلمه ،،، صحيح والقسم الأخير  من لا يرى نفسه مخطئا ولا يرغب في طريق الهداية ،وهذا أصعب قسم ،،، يبدو أن هذا القسم هو الذي سيعدمني حيا ، فماذا أفعل معهم يا سيدي ،،، أنت من يقرر ولكن أساعدك بشرح مفهم الصداقة حتى يساعدك في اتخاذ القرار ،،، فإني منصت ،،، علينا أن نتفق على نقطتين ، الأولى أن الصداقة - من وجهة نظري-تعني ( صدق وصلاح وصبر ) ، والثانية أن الصداقة نقطة الانطلاق نحو جميع أنواع العلاقات الأخرى ،، أستطيع أن أخمن الأولى ولكن كيف تكون الصداقة نقطة الانطلاق مع جاري وأبنائي وزملائي ،،، الصديق  هو الشخص الوحيد الذي تختاره في حياتك بنفسك بدون أي اجبار ،، عائلتك اختارها الله لك ،، زميلك في العمل أو الدراسة ، جارك ، طبيبك ، مدرسك ،البائع الذي تشتري منه ،وغيرهم ممن تراهم يوميا وتتعامل معهم وضعتهم ظروف معينة أمامك ، وقد لا تملك في آحيان كثيرة أن تقبل أو ترفض التعامل معهم ، ولكن الصديق هو الوحيد من البشر الذي تقرر أنت وبمحض إرادتك أن ترتبط به في حياتك ولو كان مبدئيا ،، ما الذي تقصده بالعبارة الأخيرة ، أقصد أنك عندما تقرر أن تصادق شخصا فأنت تضع في ذهنك أنه سيكون صديق العمر ،،، صحيح لم أصادق أحدا وأنا أحدث نفسي أني سأتركه بعد سنه مثلا ،،، نعود لشرح النقطة الأولى ، بما أنك اخترته برغبة منك فإنك سوف تتعلم مهارات كثيرة في فن التعامل ، هذه المهارات ستمكنك من تكوين فريق عمل جماعي على قدر من الكفاءة ، إقامة علاقات طيبة مع جيرانك ، الحفاظ على علاقة وثيقة برفاقك وهكذا ،،، سيدي  اريد أن أسألك سؤالا خاصا ؟ تفضل ،،، وترد على بصراحة ،،، نعم ،،، الديك أصدقاء ،،، نعم لدي ،،، كم عددهم ،،، عدد أصابع اليد ،،، قليل ،،، من وجهة نظرك ،، لدي المئات ، سمهم رفاق ، أصدقاء لا ،،،ضيعتني يا سيدي فلا أعرف معنى للصداقة والصديق عندك  ،،،  قال الله تعالى ۝ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ۝ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ۝ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً ۝

فالقرآن سمى الصديق بمفهوم اليوم الخليل ، وكذلك استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل "

كذلك أطلق عليه الصاحب لأنه يصحبك في فكرك ومشاعرك ، وفي أخلاقك ، والأماكن التي تذهب إليها ،، وقد أطلق الله هذا اللقب على أبي بكر رضي الله عنه فقال تعالى  ۝إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝

 وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمنا " وقال الشاعر

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم    ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

وقال علي بن أبي طالب

ولا تصحبن إلا تقيا مهذبا      عفيفا ذكيا منجزا للمواعد

أضحكك يا سيدي كنت أطن أن القرين هو الشيطان حتى قرأت قول الشاعر واختر من الأصحاب كل مرشد    إن القرين بالمقارن يقتدي

وقال شاعر آخر

عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه     فكل قرين بالمقارن يقتدي

واختر صديقك واصطفيه تفاخرا       إن القرين إلى المقارن ينسب

وكل امرئ بنبيك عنه قرينه          وذلك أمر في البرية واضح

فإنك والقرين ،،، هيه توقف ،، أصلحك الله قلبتها مساجلة ،،، عفوا سيدي يبدو أنني تحمست ،، آآآآآآآآآآآآآسف ،، أكمل ،،، قالوا في الخليل أو القرين أو الصديق كما تريد سمه يا بني " إنسان يشعر بشعورك ، يعتني بشؤونك ، يعتني بأمرك ، ، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك ، ،،، يسر بسرورك يحب لك ما يحبه لنفسه ويكره لك ما يكره لنفسه ، وينصح لك في مشهدك ومغيبك ،يأمرك بالخير وينهاك عن الشر ، ويسمعك العلم النافع والقول الصادق ، والحكمة البالغة ، ويحثك على العمل الصالح المثمر ، ويذكرك نعم الله عليك لكي تشكرها ، ويعرفك عيوب نفسك لكي تجتنبها ، ويشغلك عما لا يعنيك ، ويسد خلتك ،،، انتظر ما تقصد بخلتك ( حاجتك للمال ) ، ويغفر زلتك ويقيل عثرتك ، ويستر عورتك ، وإذا اتجهت للخير حثك عليه ورغبك فيه ، وبشرك بعاقبة المتقين وأجر العاملين وقام فيه معك وكان لك عونا عليه ، وإذا تكلمت بسوء أو فعلت قبيحا زجرك عنه ومنعك منه وحال بينك وبين ما تريد ، لا يمل قربك ولا ينساك على البعد ، وإن حصل لك خيرا هناك وإن أصابتك مصيبة عزاك ، يسرك إذا حضرت بحديثه ويرضيك بأفعاله ، ويحضر بك مجالس العلم وحلق الذكر وبيوت العبادة ويزين لك الطاعة بالصلاة والصيام والإنفاق في سبيل الله وكف الأذى واحتمال المشقة وحسن الجوار وجميل المعاشرة ، ويقبح لك المعصية ويذكرك ما يعود به الفساد عليك من الويل والشقاء في عاجل الأمر وأجله . لقد صعبتها يا سيدي ،،، واحد وثلاثون صفة ، فكرت في أصدقائي ما وجدت من تنطبق عليه هذه الصفات ، ولا نصفها ، ولا ربعها ، تعلم يا سيدي  ، مر بي من يحمل هذه الأخلاق ولكن أصدقائي خوفوني منه ، وكلما اقتنعت بكلامه أو أفعاله صاروا ينعتونني بأني بلا شخصية ، وأنه يتحكم بي حتى أبتعد عنه ،، وابتعدت ،، منهم من ابتعدت عنه ، ومنهم من سببت له في نفسه جرحا مؤلما  ، المهم يا سيدي من هؤلاء الذين أعيش بينهم إن لم يكونوا أصدقاء ، وكيف أدخلتهم تحت مظلة الصداقة ،، اجبني هل سبق واشتريت ساعة تظن أنها ماركة وبعد الاستخدام ظهر خلاف ذلك ،، كثير، كثير ساعة ، ملابس ، حقائب ، وحتى أجهزة كهربائية ،، وكيف عرفت أنها مقلدة ،،، تعطلت بعد فترة قصيرة ، آخر مرة اشتريت ساعة بمبلغ كبير على أساس أنها ماركة ، وعندما رآها صديقي قال لي إنها مزيفه ، وكيف عرف قبل أن تتعطل ،،، سألته نفس السؤال قال أنظر إلى الجلد انه كذا وكذا ولو كان أصلي لكان كذا وكذا ، ثم تكلم عن اللون ، والعقارب ، والحجم ، ووضعية الأرقام ،، بالعربي فصفصها ،،، كذلك الصداقة فإن كان لديك مبادئ صحيحة فسوف تعرف الصديق الحقيقي من المزيف ، وإن لم يكن لديك مبادئ فبعد العشرة سيظهر لك معدنه التقليد ، وإن لم يكن لديك عقل فسوف تبقي عليه صديق بعد أن عرفت أنه تقليد ،،، أتعني يا سيدي أنه ليس لدي عقل ،،، كلا يا بني ، الحقيقة أنت كنت تعرف أصدقائك وتعرف أنهم أصدقاء دنيا ولكنك كنت تتغابى، لتحقق ما في نفسك ، ولكن الآن تغيرت مبادئك وقيمك فانجلت الغمامة التي كانت على عينيك ،،، وأصبحت تبحث عن الصداقة بمفهومها الحقيقي ،،، أتذكر البراويز التي سقطت والأثاث الذي تكسر ، والسجاد الذي تلف ؟؟  سأجدده يا سيدي

 ابدأ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربه "

وهذ المكان سيكون جميلا إن زينته بقول الرسول " عند الله خزائن الخير والشر ، مفاتيحها الرجال ، فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر " وقوله " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبه ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة "

وسيكون هذا الممر أجمل بهذه اللوحة

خذ من خليلك ما صفا      ودع الذي فيه الكدر

فالعمر أقصر من معاتبة     الخليل على الغير

وهنا سأضع 

إذا المرء لا يرعـــــــــــاك إلا تكلفا         فدعه ولا تكثر عليه التأســــــفا

ففي الناس إبدال وفي الترك راحة     وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا

إذا لم يكن صفو الوداد طــــــــبيعة     فلا خير في ود يجي تكلفــــــــا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها                صديق صدوق صادق الوعد منصفا

وسأضع هذه السجادة في هذا الركن

صن بالتعفف عز النفس مجتهدا   فالنفس أغلى من الدنيا لذي الهمم

واغضض عيونك عن عيب الأنام    وكن بعيب نفسك مشغولا عن الأمم

فان عيبك تبدو فيك وصمته        وأنت من عيبهم خال من الوصم

جازي المسيء بإحسان لتملكه       وكن كعود يفوح منه الطيب في الضرم

وسأضع هنا قول ابن المبارك " المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات " سأضع على باب الدخول "" أهلا وسهلا بالحب والصداقة وكل المعاني السامية التي تخفف من عناء الحياة وتزيد من مساحة الصدق والجمال والوفاء فيها "  وسأضع باب الخروج " َ۝وعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ۝ مع السلامة ،تعلمت كيف أتقبل النهايات الحزينة واسلم بها واتوائم معها

يهذا يدخل الزائر إلى قلبك تقابله اللافتة على الباب مثل العنوان على غلاف الكتاب ،،، فإن لم يفهم العنوان يأخذ جولة في قلبك ينظر للسجاد والمقاعد والبراويز ، فيعرف نوع السكن الذي سيعيش فيه ونظامه ، فإن أعجبه يعيش ملكا متربعا ، وإن لم يعجبه ،،، يصل إلى باب الخروج مودعا بالحفاوة والترحيب بمثل ما استقبل به ،،، مثل الوفود الدبلوماسية ،،، نعم من غير إشعال لشرارة الحرب ،، وإن قرر البقاء وأخطأ قليلا ،،، لن أخرج عن قول الله  ۝خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۝

إن صدقت فلن تجد أحدا على باب الخروج ،،، لم يبقى أمامنا إلا السور نخرج لنرممه ،،،  انتظرني يا سيدي ،،، إلى أين ؟ ،، إلى الدور العلوي سأغير الناس أنجاس إلى الناس أجناس ،،، الحمد لله تعلمت الدرس ، أنا في انتظارك .............

 

 

  • Currently 18/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 360 مشاهدة
نشرت فى 5 سبتمبر 2011 بواسطة aishasaleem

ساحة النقاش

عائشة سليم الذبياني

aishasaleem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

201,700