ساحة بيضاء واسعة غمرها النور ،، اصطفت في جنباتها ورود من جميع الألوان زادتها بهاء وجمالا ، وأرخيت ستائر خيوطها من فضة تنعكس على أرضية شفافة تزيد الساحة نورا على نور ، وفي زاوية منها تجمع عدد كبير من الناس تحت مظلة الصداقة ،،، أشار إليهم وقال :

 كلهم أصدقائي ، أكنت تتوقع ذلك يا سيدي ،،،كم أنا محبوب ،،، أنظر إلى لافتات الترحيب في أيديهم ،،،تحتاج إلى أن تزور طبيب العيون في أقرب وقت ،،، ولما ؟؟ ،، ما تقول أنه لافتات ترحيب ، ليس سوى لافتات تنديد وتهديد ،، اقترب منهم ،فابتعدوا ،  مد يده مصافحا فقبضوا أيديهم ، ابتسم كشروا ، أقبل عليه فأشاحوا عنه ،،،

ما الذي حدث؟ ، ما الذي غيركم ؟، أنت من تغير وخنت أصدقائك  ، أنت متهم بالخيانة ،،، لست خائنا وما ارتضيتها ثوبا لي في يوم من الأيام ،،، صرخت الحشود خائن ، خائن  ،، أقيموا على الحجة ،، نحتاج إلى محكمة ، أنت المتهم ، وأنا المدعي العام ،، تحتاجون إلى قاضي ،،،، يمكنك أن تكون القاضي ،،، لا يا سيدي ،، فمن يكون القاضي حتى تكون أركان المحاكمة كاملة ،،، أنت قارئ ستكون القاضي ، وسأرضى بحكمك ،،، وأنا أليس لي دور  ،،، تبقى متفرجا ،،، لا أحب أن أكون في الحياة متفرجا ،،، وماهو  الدور الذي تريده ،، محامي ،،، عن المتهم ؟؟ لا عن القضية ،،، فكرة  ،،،

سيق المتهم إلى قفص الاتهام ،،، وصفت الكراسي للشهود ،،، وجلس الحضور في أماكنهم ،،، وجاء شاهد المحكمة يتلوا بروتوكولات المحاكمة بسم الله الرحمن الرحيم ، عقدت في يوم ____ من شهر ____ سنة ___

محاكمة المدعو _______ بتهمة الخيانة لأصدقائه ،، وقد رشح الأصدقاء السيد رفيق الأنس ليكون ممثل الاتهام 

رفيق الأنس : سيدي القاضي لو سألتكم ما الحكم الذي تنزلونه بالسارق لقلتم قطع يده ، وشارب الخمر يجلد ، والقاتل يقتل ،،، أما خيانة الصداقة فشيء مختلف ،، لذلك سيدي القاضي أطالب من سعادتكم أن يعدم المتهم حيا ،،،

 لحظة ، لحظة سمعت الإعدام شنقا ، و الإعدام حرقا ، و الإعدام بالرصاص ، و الإعدام بالغاز السام ، ولكن يعدم حيا كيف !؟؟،،،

الإعدام حيا في عالم الصداقة يا سيدي أن يتم فضح الخائن فلا يترك أب ولا أخ  ولا صديق ، ولا أستاذ ، ولا ضابط آمن ، حتى سواقي اللموزين ، الا ويقدح فيه عندهم ،، كيف يصلون إليهم ،،، بسيطة رسائل جوال ، المكالمات ، رسائل تقليدية ، ايميلات ، إشاعات ، حتى الجدران لا تسلم ، وأحيانا تصل إلى القتال ،،، كل هذا باسم الصداقة ،،،

المتهم : أنا برئ من تهمة الخيانة ،،، كل ما في الأمر ، خلوت بنفسي بعض الوقت ، في هذا الوقت كنت أفكر فيكم ، أتسقط أخباركم ،، أراقبكم ، اسأل عنكم من بعيد

رفيق الأنس : كاذب ، أتذكر المكان الذي وضعتنا به ،، فجأة اضطرب من تحت أقدامنا ،، وبدأ يتزلزل ويتزلزل ، حتى سقط السقف علينا ، وما زال المكان يضطرب ويضطرب حتى أصبح كومة من الحجارة والتراب ،،وهذا لا يحدث إلا إذا حدثت خيانة للصداقة ،،، أنظر إلى حالنا نستظل بخيمة كمشردي فيضانات باكستان ،،،

شاهد المحكمة : الرجاء من ممثل الاتهام  ،، تحديد التهمة بعبارات واضحة

رفيق الأنس : تذكر كما ليلة سهرنا            في ظلها والزمان عيدا

                  تذكر كم نغمة سمعنا           وأنت فينا راقص مريدا

                  تذكر كم خمرة شربنا            من نشوها والشراب زيدا

                  أين النساء التي عرفنا          وأنت فينا القائد المجيد

                  أين الصلاة التي تركنا           والكفر في حقنا زيدا

                  كل كأن لم يكن ، تقضى       وأنت منا الصالح الوحيدا

المتهم : ذاك ماضي قد مزقت أوراقه ،،

رفيق الأنس : تدفع ثمنه

المتهم : ليس لكم عندي صنيعة أكافئكم عليها ،،،

رفيق الأنس : اسمح لي سيدي القاضي أنادي الشهود ،،

اصطف الشهود أمام المتهم ،

رفيق الأنس : أتعرفهم ،

المتهم : جميعهم ،،، جمعتني بهم الصداقة ، صرت أحفظهم عن ظهر قلب ، أعرف أسمائهم ، أهلوهم ،أرقام هواتفهم ،، عناوينهم ، الأماكن التي يحبون الجلوس فيها ، الكلمات التي يستخدمونها ، عطورهم أعرفها ، قطع ملابسهم أستطيع أن أعدها، صبغات شعورهم ، مشاكلهم ، من يحبون، من يكرهون  ،،إنهم أصدقائي ،،،

المحامي : مفهوم خاطئ للصداقة ، فما ذكرته تعرفه المخابرات الإسرائيلية عن الحكام العرب ، وهي ليست صديقة لهم ، الصداقة توافق في المعتقدات ، و الأفكار ،و الخبرات والمشاعر.

وقف المتهم أمام الشهود ، تصفح وجوههم واحد ،واحد ثم استأذن القاضي أن يبدأ في الدفاع عن نفسه

المتهم : سيدي القاضي ،،، أعرفك على أصدقائي ، وأقسم بالله أن أقول الحق ،،،

مرحبا صديقي العزيز ،، الست من قال لي يوم عرفته

أوعدك مستحيل أكرهك من ( حب ما يكره )

يا أصعب الحب ياجرح الغلا الباقي

أراك أخلفت وعدك ،، على العموم ليست أول مرة ،، دائما تخيب ظني وتخلف وعودك معي ،، صرت لا أعلق على وعدك أي أهمية كم مرة وعدت أن لا تفعل وفعلت ،، و وعدت أن تأتي ولم تأتي ،،، أتعلم أن اسمك في دنيا الصداقة ("مخلف الوعد )"

ولم لم تتركني بعد أن عرفت هذا عني ،لأنك مثلي أتذكر كم مرة حرضتني وساعدتني على اخلاف موعدي مع غيرك ، وكم أوجدت لي مخرجا حتى حين أحلف اليمين ، أيرضيك أن أسميك إبليس ،،،

 

مرحبا صديقي ( الخائن )، لا تعجب هذا تصنيفك في عالمنا ، لا تنفك عن القيام بما يجرحني ويؤلمني ، كم مرة قمت بنشر إشاعة خبيثة عني ، كم مرة قطعت علاقتك بي دون سبب ظاهر ،،

ورغم ذلك أبقيت على وجودي في مملكة الصداقة ، لأنك كنت تستخدمني سلاحا لجرح وإيذاء الآخرين ، لأنك جبان لا تواجه ، لم تبقني حبا بل كنت تخاف ثورتي وغضبي تتحاشى أن تكون ضحيتي الثانية ،،

وأنت صديقي يا من يعرضني للأذى بسبب سلوكياته الخطيرة ، أو غير المشروعة ، الصديق المدمر المؤذي إلى حد مرضي ،، كنت دائما مصدر تهديد حقيقي لي تعرف لماذا ، لأنك لا تحكم عقلك يا صديقي "المجازف"

ومن تكون غير الصديق (المستغل )، أتظن أنك أبقيتني في إمبراطوريتك من أجل سواد عيني ، أعلم أنك كنت تستفيد من تهوري لأقوم بالأعمال التي تعجز عن القيام بها ، تحب أن أذكرك ، كم مرة تركت مكان عملي لأقضى لك حاجة وعرضت نفسي للخطر لأحقق رغبة لك ،،،أتذكر اليخت الذي استأجرته لك ولأصدقائك أم أذكرك ،،،

وصلنا إلى صديقي المتمركز حول ذاته ، وقتك الذي تقضيه معي لك أنت ، أنا في حياتك مجرد جهاز استقبال ، لا تهتم بما أقول ،، دوري أن أكون مستمعا لمحادثة فارغة مستفيضة عن نفسك ،،،

إياك أن تحاول أن توهمني أنك الصديق المثالي المنصت المضحي ، أتظن أني مغفل لا أعرف الدور الذي تلعبه، تسمع لي لتكون حياتي بين يديك ، نقاط ضعفي تسمح لك بالسيطرة على حياتي ،،، وهذه فرصة لن تفوتها أيها الصديق (المسيطر ) ،،،

هاي صديقي رقم كم لا أعلم ،، أتدري من أي نوع أنت ،، كم مرة قلت لك هذا بيني وبينك ، تومئ برأسك ، ولكن ما أن تلتقي عيناك بعيني غيري حتى تنسى نفسك وتنشر سري يسمونك في الكتب الصديق("الفاضح)

عرفتني فما الذي دعاك للاستمرار معي ،،، أليس من أجل أن أنقل لك أسرار بقية الشلة ،، مثلما تعرف أسمي في عالم الكتب أعرف اسمك  (الباحث عن الأخطاء )وأضيف لها اسم أخر الغبي ، لقد فضحت لك أسرار كثيرة ، ولكنك غبي لا تعرف كيف تستخدمها ،، فلست خيرا مني يا هذا

أحييك صديقي "المنافس" ، فرحت بصداقتك في البداية لأنها كانت تحقق لي نوعا من التحفيز والإثارة ، ولكنك بالغت حتى جعلتني أشعر كأنني في سباق لأكون ظافرا وأنت الخاسر ،،،

اختلطت عليك الأمور يا صديقي (المقلد )لم تكن تنافسني ، المنافسة في كل جانب من جوانب الحياة ، وإنما كنت تقلدني في لبسي ، قصة شعري ، طريقة كلامي ، حتى كلماتي التي ابتكرها تكون أول من يرددها ،كان يعجبني هذا منك لأن بقية الشلة تعرف كم أنت مفتون بي ،

أوه صديقي (المعتدي) ، معاناة القرب منك ، يدك طويلة ولسانك بذئ ، تعشق الاعتداء على أفراد الشلة بدنيا ونفسيا ، تحملت منك ذلك لأني طيب القلب حين تأتي معتذرا باكيا وتلقي اللوم على الظروف التي تعاني منها ،، وأحيانا تتهمني بأني السبب ، وأنها أخر مرة ،أصدقك وأسامحك،

لست مغفلا لأصدق أنك ملاك الرحمة ،، أبقيت على صداقتي لأنك الصديق الجبان تختبئ خلفي ،، كم مرة استخدمتني كأداة لأوقع الأذى نفسا أو جسديا بأحدهم ،، أتحب أن أذكرك ،،

وحشتني أتذكر كيف كنت تعتمد علي على نحو مبالغ فيه ، تنتظر دائما أن أكون بجانبك كل لحظة ، تبالغ في طلب المساعدة حتى وإن كانت على حساب حاجاتي الشخصية أو عملي أو أسرتي أو علاقاتي بالآخرين ، صدق من سماك الصديق(مصاص الدماء )

إن كنت مصاص الدماء فأنت الصديق( الوصي) ، أبقيتني في دائرة أصدقائك لأني وجودي في حياتك يحقق لك الشعور بالأهمية، تريد أن تظهر أمام الأصدقاء بأنك إنسان يمكن الاعتماد عليه في جميع الأوقات

وأنت يا من صور لي المعدوم موجودا ، والموجود معدوما ، والحق باطلا ، والباطل حقا ، والخير شرا والشر خير ، أنت الصديق (الكذوب) كم زرعت بيني وبين أصدقائي من عداوة ، وكم أبعدت عني من صديق ،،

الم تكن تعرف أني أكذب ،، الم تكشفني أكثر من مرة ، بعد كل مرة تعود إلى ،،، لأنك إنسان بلا مروءة تحقق أغراضك عندي بتحمل كذبي عليك

 

جئت في آخر الصف لأنك كما عهدتك الصديق( المتطفل )، أردت أن تسمع كل من سبقك ،، وصلت إلى قلبي عندما أبديت اهتماما بحياتي وأفكاري وعملي ، أسعدني اهتمامك وانشغالك بي ،، ولكنه أصبح مبالغا فيه وخانقا ، لقد اجتزت الخط الفاصل بين الاهتمام والتطفل ، كم مرة أحرجتني عندما أعرض عليك مشكلة مع صديق ، تسارع إلى الاتصال به لتطلب منه أن يدعني وشأني ،،،

ورغم ذلك أبقيت على صداقتي ،، فأنت تتباهى بأني معجب بك لدرجة أني أرغب إن أراك دائما وأنت تنعم بحياة مستقرة ،، وكنت تلقبني بالصديق المضحي ،، أتذكر أم أفتح لك الدفاتر القديمة ،،،

جلس صديقنا يبكي وينتحب ، يمسح دموعه بكفيه ،، اقترب منه مولانا ، أمسك بيده ،، وسحبه في حضنه ، وظل يمسح على رأسه برفق وحنان ، حتى هدأ ، رفع رأسه وقال له ،،،

هذا ما سيكون ، يا سيدي ، ماذا سأفعل بأصدقائي ، كيف أواجههم ،، كيف أتصرف معهم ،،، ما الذي سيحكم به القاضي ،،، ما رأيك أنت ، انصحني ،،، سنترك الأمر للقاضي  ولنرى حكمه ،،،

 سيدي القاضي لقد قرأت كلامي وكلامهم ، صدقت فيما قلته وهم أيضا كانوا صادقين وأنا الآن أنتظر حكمك سيدي أنت نعم أنت أيها القاضي .

 

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 371 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2011 بواسطة aishasaleem

ساحة النقاش

عائشة سليم الذبياني

aishasaleem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

201,700