يقول الأستاذ محمد الشافعي : ( عندما كنت طفلاً صغيراً كنت أتسلل مع أقراني من الصبية إلى حفلات الزار التي تقيمها نساء القرية ، وكنا نجد معظم نساء القرية يجتمعن حول " كودية الزار " التي كانت تقود فريقاً من ابنتيها ، وكن جميعاً ينقرن الطبول ، وفي البداية يطلقن البخور ويبدأ نقر الطبول بطيئاً رتيباً لتقف " المريضة " تتمايل على دقات الطبول ؛ ومع ارتفاع دقات الطبل يزداد عدد النساء التي يقفن في وسط الحلقة يعلو " صوت الكودية " بأغنيات معينة ، ويعلو صوت الطبول ليزداد التمايل ويعلو صراخ النسوة إلى أن تقع إحداهن مغشياً عليها فتقوم " الكودية " بقراءة بعض الكلمات في أذنها وتطلب منها بعد أن تفيق أن تقدم " رضوة للأسياد " وأن تذبح لهم شيئاً أو تدفع بعض النقود 00
وتذكر بعض الكتب أن هذا الزار تقليد فرعوني قديم يعمل على إخراج الطاقة المكبوتة داخل النساء ومن الغريب أن الحضارة الغربية قد طورت هذا الزار وخرجت علينا برقصات الديسكو المجنونة ، وإذا كانت النساء تلجأ إلى الزار للعلاج من " الجان " إلا أن ذلك الزار قد يؤدي بهم إلى " التلبس بالجان " ، فقد تقع المرأة وهي تهتز على دقات الطبول على جني أتى ليشاهد تلك الحفلات الماجنة ، وقد يظن الجان أن المرأة أرادت أن تؤذيه ، فيلتبس بها ويؤذيها ، وتؤكد الدراسات على أن النساء اللاتي يلجأن إلى الزار تزداد فيهن نسبة الأمراض النفسية والبدنية ، وقد تأتي هذه الأمراض من تأثير الجان 00 ويرى الشرع أن هذا الزار حرام ، ويجب أن يعزر فاعله ) ( السحر والجان بين المسيحية والإسلام – ص 139 ) 0
ويعتبر هذا النوع الاقتران من أخطر الأنواع على الإطلاق ، بل أشدها ضررا على عقيدة المسلم ومنهجه وسلوكه ، لما يحتويه من جمع لأطراف الشر كلها ، فتجده يشتمل على الكفر والشرك والبدعة والمعصية ، ويتأتى هذا النوع برغبة الإنسان وطلبه ، بخلاف كافة الأنواع الأخرى التي تحصل للإنسان رغما عنه ، وقد يحصل هذا الأمر على عدة أوجه أذكر منها :-
أ)- الاجتماع بالرقص والطرب بأنغام معينة ، وتراتيل خاصة ، ترفع من شأن بعض الأشخاص الذين جمعوا هذا العلم الشيطاني بكافة أوجهه ، استحضارا لتلك الأرواح المزعومة ، علما أن بعض الأنغام والتراتيل قد تحتوي على تواشيح دينية مصحوبة بأنغام الدف والطبل ، وهذا عين البدعة ، وشرر مستطير يودي بصاحبه في غيابة الانحراف والخلل عن المنهج القويم 0
ب)- قد تستخدم جلسات الزار بالكيفية السابقة طلبا للعلاج والاستشفاء من صرع الأرواح الخبيثة بزعمهم ، واسترضائها بهذا الأسلوب والكيفية ، وتقديم جميع طلباتها دون استثناء ، رغبة في مفارقتها لجسد المريض 0
وكما أشرت آنفا فإن الخطورة التي يندرج عليها استخدام ذلك الأسلوب بالكيفية السابقة فيه هدم للعقيدة من أساسها ، وإغراق النفس في شهواتها ، والانكباب على البدعة المحرمة بإحدى وسائلها ، وأوضح تلك المظاهر الهدامة بالأمور التالية :
1)- المظهر الكفري والشركي : إن الكيفية المتبعة باستخدام ذلك النوع ، يترتب عليها تقرب إلى تلك الأرواح بما يرضيها ، وقد يصل الأمر إلى الذبح والنذر وتعظيم غير الله ، وهذا كله كفر وشرك به سبحانه وتعالى 0 2)- المظهر البدعي : إن استحداث التراتيل الدينية وذكر الله عز وجل على أنغام الدف والطبل والغناء ، بدعة منكرة ، وأي شيء يفوق ذلك من الانحطاط بالنفس ، والتردي بها في أحضان الشياطين ، والتوجه إلى الله بعبادة مزعومة حسب ما تمليه تلك الأرواح الخبيثة 0
3)- مظهر المعصية والفجور : وأما استحضار تلك الأرواح الخبيثة ، واقترانها بأجساد الآخرين على هذا الوجه ، والغناء والدف والطبل والتغني بهذا الأسلوب والتراقص والتمايل فهذا عين المعصية ، وكفران للنعمة ، وجحود أيما جحود ، وبعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم 0
* قال الشيخ محمد عبدالسلام الشقيري : ( لقد حوت هذه البدعة المنكرة الممقوتة المشئومة ، بدعة الزار ، كل القبائح والرذائل ، كما سلبت من مرتكبيها الأوغاد السفلة كل فضيلة 0 لقد حوت كل المهازل ، وكل المخازي والفضائح ، وكل العيوب والفسوق والفجور ، وكل حطة وعار ونقيصة ، وانسلخ أهلها من كل أدب وخلق طاهر وشرف وكرامة ، كما تبرأت من أباطيلهم جميع الأديان والشرائع ، وكل العقول الصحيحة السليمة ، فمن من العقلاء يقول : إن في التبذير والإسراف شفاء من مرض الصرع ؟ ومن يقول : بأن لباس الذهب والفضة والحرير والتهتك والخلاعة والرقص وترامي المرأة عارية في أحضان الشبان – مشايخ الداة – على الطبلة والزمارة فيه شفاء من خبل الصرع ، ومن هذا الذي يستطيع أن يقول : أن ذبح الخراريف وأنواع الدجاج الرومي وأصناف الطيور تخرج العفاريت من أجسام النساء ؟ فيا لخراب العقول 0 ويا لخراب البيوت 0 ويا للمصيبة ، ويا للرزية الكبرى 0 ويا للطامة العظمى ، مما سيصيب ، بل قد أصاب عقل وحياة ومستقبل النشء الجديد !
قال الله تعالى : ( يَابَنِي ءادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) ( سورة الأعراف – الآية 27 ) ( السنن والمبتدعات - 321 ، 322 ) 0
* قال الشيخ محمد رشيد رضا : ( إن مفاسد الزار كثيرة مشهورة في هذه البلاد ، - يعني مصر - وقد وصفناها من قبل في المنار 0 وسببها اعتقاد الكثيرات من النساء المريضات بأمراض عادية - ولا سيما إذا كانت عصبية - أن الشياطين قد دخلت في أجسادهن 0 وإن صانعات الزار يخرجنهم منها بإرضائهم والتقرب إليهم بالقرابين وغيرها 0 وهذا نوع من عبادة الجن التي كانت في الجاهلية فأزالها الإسلام بإصلاحه ، ولما جهل الإسلام في كثير من البلاد وقبائل البدو عادت إلى أهلها 0 وقد كان من حسنات تأثير الشيخ محمد بن عبدالوهاب المجدد للإسلام في نجد إبطال عبادة الجن وغير الجن منها ، ولم يبق فيها إلا أهل تجريد التوحيد
وإخلاص العبادة لله ، ولكن علماء الأزهر هنا لا يعنون أقل عناية بمقاومة هذه البدع والخرافات وأمثالها ، ولا المعاصي الفاشية في هذه البلاد ) ( تفسير المنار – 8 / 369 ) 0
* يقول الأستاذ محمد سيد محمود : ( ويتوهم بعض الناس أن علاجه أيضا عن طريق الزار - يعني الصرع - ، كيف يحدث ذلك فهؤلاء الشياطين لهم مهارة عالية في ابتزاز الأموال وسلب العقول فيسمين المريض عروسه ويطلبن لها ما يطلب عادة العرس والعروس : كل على حسب درجته ، ومقدار بسطته ، فيطلبن أنواعا من الحلي ، وأصنافا من الملابس ، وأنواعا من الخرفان ، وألوانا من الدجاج إلى غير ذلك 0
ثم يركبن العروس خروفا أو جملا ويوقدن حولها الشموع ، ويضربن بالدفوف الضربة التي يتطلبها عفريتها ، ويصحن بالأغاني التي تناسبه ، وهناك يحصل للمريضة هزة للابتهاج بالدفوف والغناء ، ونشور الفرح بهذا المهرجان العظيم الذي ما هو إلا إذا كان مرضا زاد بذلك ، وإن كان مس من الجان زاد وتمكن من المريض ولا يخرج منه إلا بصعوبة بالغة لأن ذلك يصبح تثبيتا له ) ( البديل الإسلامي للشعوذة والدجل – ص 42 ) 0* وفي تحقيق صحفي بعنوان " الأسياد يحكمون أبناء القرن العشرين " نشرته جريدة الوفد في 14 سبتمبر 1989 - 14 صفر 1410 ، نقلت الجريدة على لسان محررها مشاهد حية من هذه الصالات التي تسمى ( بالزار ) تعمدت أن أنقلها كاملة ، لنعلم كيف يتعبث هؤلاء المشعوذين بعقول النساء في محاولة ابتذاذ الأموال 0( أحد المنازل بأبي السعود وقد اجتمع داخل حجرة من حجراته التي لا تزيد مساحتها على 12 مترا ما يزيد على خمسين امرأة افترشن الأرض تتوسطهن ( الكودية ) التي تميزت بذلك الحجاب المصنوع من الذهب الخالص ، وتتولى عملية إطلاق البخور ومن تريد التزود بالبخور عليها أن تقدم جنيها واحدا للكودية وإذا ما أرادت العودة للتزود بالبخور مرة أخرى عليها أن تدفع جنيها آخر 0 فالحاضرات من النساء يتسابقن إليه ويستمر الزار النهار بأكمله وبعض ساعات الليل ليصل دخل الكودية المعلمة من البخور فقط 300 جنيها في اليوم الواحد بخلاف النقطة التي يقدمها من يرغبن في النزول إلى حلقة الزار 0ويلاحظ أن النقطة تختلف باختلاف نوع العفريت التي توهمها أنه قد لبسها ، فإن كان أسود يتم دق لحن خاص به وإن كان من الجن الأحمر فاللحن على نغمة " يا عروسه الجن يا صغيرة " ، " يا حلوة والله ومغيرة " وإن كان الجن مسلما يتم الإكثار في ذكر الله والرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وإن كان مسيحيا يقال له بعض الترانيم ، والنقطة لا تقل عن خمسة جنيهات في المرة الواحدة وكلما زادت زاد الوقت المخصص لها فتحظى المريدة بمزيد من رضا الأسياد عليها وسريعا ما تتحول حلقة الزار بسبب كثرة روادها إلى مسرح للأعمال المنافية للآداب خاصة عندما يستبدل فريق السيدات من العازفات بفريق الرجال أو خدام الأسياد لإحياء الوصلة الثانية 0ومن المشاهد الأخرى فتاة لا تزال في مقتبل العمر أجهشت ببكاء شديد ، سألتها عن سبب بكائها فقالت لقد تعديت العشرين من العمر وإلى الآن لم يتم خطبتي لأحد حتى أصبحت معيرة للبنات في شارعنا ووصف لي البعض " أم عزة " هذه التي أشارت بذبح " ديك عتبة " وهو ديك أحمر به نقط سوداء ، وفرخة مجمعة بها ، أي بها جميع الألوان ، وأحضرت لها طلبها من رجل دلتني عليه مقابل 70 جنيها وقامت بذبحها على عتبة منزلي وطلب مني بعدها عمل زار خصوصي قامت هي بإعداد طقوسه في منزلي ، لكني لم أستطع عمله لتكاليفه الباهظة التي وصلت إلى 700 جنيها 0
ونظرا لضخامة العائد التي تحظى به الكودية من هذا الزار الخصوصي والذي يصل إلى آلاف من الجنيهات فهي دائما تطلب من الزبون عمل الزار مرات ومرات تحت حجة أن الأسياد لم يرضوا بعد ؟؟وتستجيب الزبونة وكلما سألت ألم يرضوا بعد ؟ تكون الإجابة أنهم يطلبون المزيد ؟؟وتقول إحدى السيدات التي تجاوزت الخمسين من عمرها والتي اعتادت حضور مثل هذا الزار عندما علمت بنبأ وفاة شقيقتي كنت بدورة المياه فصرخت فيها صرخة عالية ، مرضت على أثرها ، وأشار علي البعض بالزار وذهبت للحاجة " أم الجوهرة " التي أخبرتني أن هناك عفريتا قد ركبني فسألتها وماذا يطلب ؟فقالت : يريد خلخال فضة ، وقلب عقيق حر ، ودقولي الزار ، بعدها شعرت بتحسن ولكن لم تمض فترة حتى عاودتني الحالة فأخبرتني بأن سلطان الجن الأحمر لبسني هذه المرة ، ودقوا لي الزار مرة أخرى وطلب أن ألبس ثيابا حمراء وبعدها ركبتني عفريتة سودانية ومن يومها وأنا اتردد على " أم الجوهرة " لحضور الزار كل أسبوع وإحضار طلبات الأسياد بعدها أشعر وكأنني وردة مفتحة ؟ - انتهى ) ( البديل الإسلامي للشعوذة والدجل – ص 43 ، 44 ) 0قلت : تلك بعض التجارب العملية التي تؤكد سفاهة ووضاعة ما وصل إليه مدعو هذا العلم الأجوف ، ولا أستطيع حقيقة أن أعبر بالكلمات والمعاني عن تلك المشاهدات التي إن دلت على شيء ، فإنما تدل على ما وصل إليه الإنسان من انتكاس في الفطر وتدمير للعقيدة وانحلال في الخلق ، وهذا يؤكد على أن المنهج الإسلامي ما زال غائبا في الواقع العملي لمعالجة تلك المشكلات ، وأن الفكرة والمضمون الإسلامي عن الطب الوقائي والعلاجي ما زال خاطئاً مشوها عند الكثيرين ، وأن تناولها في مجال الكتابة ما زال قاصرا ، وهذا يؤكد أن الفكرة الإسلامية في المجالين الواقعي والنظري ليست واضحة المعالم ، فهي فكرة لم تعرف الاستقرار بعد سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن الحكم الشرعي في انتشار ظاهرة الزار في العالم الإسلامي ، ولجوء بعض المسلمين لعلاج الأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين عن طريق ذلك ؟فأجاب – حفظه الله – : ( الزار حسب ما نعلم نوع من الجن يخاطب من يدعوه أو يخدمه ولا أعرف كيف يستحضر الإنسان هذا الزار وحيث أنه من الأرواح الخفية وأنه يخدم من يتعرف عليه ، فإني أرى والله أعلم أنه شبيه بمن يستخدم الجن والمردة والشياطين من الكهنة والسحرة فإنهم يسخرون الجن ويتصرفون فيهم كما يريدون ولا شك أنهم قد تقربوا
إليهم بالذبح لهم أو دعائهم من دون الله أو صرف نوع من العبادة لهم حتى استسلموا لهم فإن كان هذا الزار من الجن والشياطين فلا يجوز استخدامه ولا علاج الصرع والعين والسحر كما يفعل ذلك الكهان ، فإن الجن تخبرهم بموضع السحر وكيفيته وتحضره للساحر أو الكاهن في لحظته وإن كان الزار من غير الجن والشياطين فلا أعرف له حكما ومع ذلك فلا أرى استخدامه والله أعلم ) ( منهج الشرع في بيان المس والصرع – ص 241 ) 0تلك بعض الأمور الهامة المتعلقة بـ ( الزار ) ، ولا بد من الحذر كل الحذر لكل من يلجأ إلى تلك الطرق بسبب العلاج أو بسبب أي أمر آخر ، فقد تبين مدى خطورة ذلك على المنهج والعقيدة والدين ، سائلاً المولى عز وجل أن يمن علينا بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى 0 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامه بن ياسين المعاني

المصدر: منتدى الرقية الشرعية
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 378 مشاهدة
نشرت فى 1 ديسمبر 2009 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

627,558