ارتبط شهر رمضان في مصر بتقاليد عديدة منها الفانوس والمأكولات الرمضانية، ولكن أبرزها منذ مائة عام هو موكب الرؤية الذي يخرج الكبار والصغار لرؤيته، وإن اختفى ذلك اليوم. 
قصة موكب الرؤيا بدأت في عهد المماليك، وقيل قبلهم، حيث كانت السلطات الحاكمة لمصر على مر العصور تبدي اهتمامهما بهذا الشهر وتقديرها له لمكانته بين شهور العام. فكانت مراسم هذا الموكب تتمثل في حفلة فخمة تتعاون فيها كافة جهات الدولة من سلطات دينية متمثلة في شيوخ الازهر والقضاه مع حكام البلاد. فكان الحفلة التي تقام في بين القاضي يحضرها الوزير وكبار القواد ورجال الحاشية والقاضي الأكبر والقضاة والعلماء والوجهاء والوالي والشرطة. 
وبعد ثبوت الرؤية يخرج من بيت القاضي موكب عظيم تقدمه الوالي ومن خلفه الشرطة على ظهور الخيل مرتدين الزي العسكري وكان حينها عبارة عن قفطان وجبة وخنجر في الحزام وسيف يتدلى يمين الجندي. ومن وراء العسكريين يأتي دور طوائف العمال وعلى رأس كل كائفة كبيرها الذي يتولى إدارة شئونها. وأمام هذا الموكب وعلى جانبيه يسير حملة المشاعل. كان هذا الموكب المهيب يطوف أحياء القاهرة كاملةً وأثناء ذلك يتم إرسال خبر ثبوت الرؤية بالحمام الزاجل إلى باقي أنحاء مصر. أما المدن الكبيرة في مصر حينها مثل الاسكندرية ودمياط فكانت تستقل برؤية الهلال ولكن كان هناك اتفاقاً على توحيد يوم الصيام وأيام العيد. 
ومما يذكر عن هذا الموكب أن بعض الطوائف كانت تقوم بحركات تمثلية على عربات كارو تشرح مهنتها أثناء الموكب، فتقوم طائفة الحلاقين بفاصل تمثيلي أثناء سير الموكب كما لو كان حلاقاً يقوم بعمله بالفعل وكذلك الحال مع باقي الطوائف. 
مع الاحتلال العثماني لمصر لم يتغير الأمر كثيراً وإن فقد هذا الموكب بريقه الذي تمتع به في العصور السابقة وزاد تدهور الموكب في فترة الحملة الفرنسية رغم الاهتمام البالغ الذي أبداه نابليون بونابرت بالمناسبات الدينية المصرية ومنها رؤية الهلال وموكبه في محاولة منه لاستمالة المصريين. ولكن الدمار الذي اصاب القاهرة أثناء الحملة وحالة الكساد التي ضربت القاهرة علاوة على الضرائب الباهظة التي فرضها نابليون على المصريين أصابتهم بحالة من الأسى والحزن جعلتهم لا يشعرون برونق هذه الموكب. 

لم يعد لموكب رؤية الهلال بريقه القديم سوى في عهد محمد على الذي شهدت البلاد في سنوات حكمه ازدهاراً كبيراً ولكنه سرعان ما عاد إلى الوراء في عهد أبنائه بسبب تناقص عدد الطوائف الممثلة فيه خاصة وأن نظام الكوائف كان شبه رسمي أيام محمد على ثم صار عرفياً في فترة حكم الخديوي اسماعيل ثم حلت محله النقابات العمالية في العهود التالية. وفي السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لم يكن موكب رؤيا الهلال سوى موكب عسكري شبيه بموكب مولد النبي ينحصر المشاركين فيه على العسكر بينما يصطف الناس على جانبي الطريق لمشاهدة الموكب. 

شريف على

المصدر: الذاكرة المصرية
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 207 مشاهدة
نشرت فى 28 يونيو 2014 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

633,632