<!--<!--<!--

إن شعب إيران من الشعوب التى تكثر من الإحتفال بالمناسبات والأعياد الدينية والقومية وغيرها، وإذا إطلعنا على أحد التقاويم التى تصدرها إيران وجدنا عددا كبيرا من هذه المناسبات والأعياد سواء كانت أعيادا قديمة ترجع إلى ما قبل دخول الإسلام فى إيران، أو ترتبط إرتباطا وثيقا بإعتناق الإسلام كعيدى الفطر والأضحى وذكرى ميلاد أئمة الشيعة وإستشهادهم أو وفاتهم.

أما الأعياد القومية القديمة التى يتم الإحتفال بها فهى كثيرة أيضا ويأتى فى مقدمتها عيدا النوروز والمهرجان، وهما عيدان مشهوران قديمان تناولهما كثير من الباحثين بالبحث والدراسة، وذكرهما كثير من شعراء الفرس والعرب فى أشعارهم. ونحن هنا نتناول بالدراسة عيدا من الأعياد القديمة المتوارثة عند الإيرانيين وفيه يحتفل بليلة من ليالى السنة وهى التى تسمى فى الفارسية "شب يلدا" أو "ليلة الميلاد". 

يجمع الباحثون على أن ليلة الميلاد أو "شب يلدا" أو "شب چله بزرگ" (ليلة الأربعين الكبرى) والليلة الأخيرة من فصل الخريف وشهر آذر، هى أطول ليلة فى السنة، وفيها تتحول الشمس من برج القوس إلى برج الجدى. ويظن البعض أن الإحتفال بهذه الليلة كان من أجل إبعاد نحس أطول ليلة فى السنة، إلا أن الأبحاث الحديثة أكدت أنه لا توجد فى المعتقدات الإيرانية القديمة أى يوم أو ليلة يتصف بالنحس أو بالشؤم، وما هو إلا إحتفال له جذور تاريخية وعقائدية قديمة عند الإيرانيين، ومن هنا يحتفل به الإيرانيون فى معظم أنحاء إيران.
وكلمة "يلدا" كلمة سريانية بمعنى "الميلاد"، والمقصود بها هنا ميلاد الشمس "مهر" أو "ميترا"، وكان القدماء يعتقدون بأنه فى هذه الليلة وهى الأولى من شهر دى (الشهر العاشر من السنة الشمسية الإيرانية من 22 ديسمبر إلى 20 يناير) يوقن أهريمن إله الشر أن الظلمة ستهزم فى يوم من الأيام وأن النور سينتصر، وكان لميلاد الشمس وبداية هذا الشهر عادات وتقاليد وآداب كثيرة عند شعوب كثيرة، ويعتبر يوم تفاؤل عندهم نظرا لتخلص الشمس من قبضة الشياطين، وعيدا مقدسا عند عبدة الشمس (مهر پرستان).
وفى القرن الرابع الميلادى ونتيجة للخطأ الذى وقع فى حسابات الأعوام الكبيسة، عُرف يوم 25 ديسمبر (بدلا من 21 ديسمبر) على أنه هو يوم ميلاد "ميترا"، وجعلوا ميلاد المسيح عيسى عليه السلام أيضا فى هذا الوقت. وقد أشار الشاعر سنائى الغزنوى إلى هذا التطابق فقال:
به صاحب دولتى پيوند، اگر نامى همى جويى كه پيوند باعيسى چنان معروف شد يلدا
ومعناه: إذا كنت تبحث عن الشهرة وذيوع الصيت، فإرتبط بصاحب المال والإقتدار, فإن الإرتباط بعيسى هو الذى جعل ليلة "يلدا" مشهورة.
ويضم شهر "دى" أو "ديماه" فى إيران القديمة أربعة أعياد هى: أول يوم من دى، وهو موضوع هذا البحث، واليوم الثامن والخامس عشر والثالث والعشرون، وهى الأيام الثلاثة التى يتفق فيها إسم الشهر مع إسم اليوم. ويعتبر الإحتفال بليلة "يلدا" من الإحتفالات الآرية القديمة، وكان أتباع ميترا أو الميترائيين يحتفلون به فى إيران منذ آلاف السنين، ومنذ أن عرفوا تحديد فصول السنة. وكان النور وضوء الشمس رمزا للخالق عندهم، كما كان الليل والظلمة والبرد رموزا للشياطين وإله الشر "آهريمن"، وقد إعتقدوا بأن التغيرات المستمرة فى الليل والنهار والنور والظلمة إنما هى عبارة عن حرب دائمة بينهما، وأن الأيام الأطول هى دليل على إنتصار النور والأيام الأقصر دليل على تغلب الظلمة. وكان الإيرانيون القدماء يظنون أن "يلدا" هى ليلة ميلاد الإله "ميترا"، ولهذا إحتفلوا بها، وكانوا يلتفون حول النيران ويرقصون فى فرح وسرور ويمدون الموائد، ويقدمون ما يسمى بـ "ميزد" وهو نوع من النذور أو الولائم تضم اللحوم والخبز والحلوى. وكان الإعتقاد السائد بين الناس قديما بأنه فى ليلة يلدا هذه يأتى "قارون" وهو يرتدى ملابس باليه كملابس الحطابين ويدق أبوابهم ويقدم لهم الحطب، وفى الصباح يتحول هذا الحطب إلى سبائك من الذهب، ومن هنا كانوا يقضون ليلة يلدا مستيقظين حتى الصباح فى إنتظار هذا الحطاب الذى يهديهم الذهب والهدايا.
ويعتبر "مهر" أو إله الشمس هو إله النور وحامى العهود والمواثيق، وكان الإيرانيون القدماء يعبدون "مهر" و "ناهيد" (ميترا واناهيتا = الشمس والزهرة) كإلهين قريبين من الخالق ويقدسونهما، ونظرا لقربهما هذا فإنه فى يوم الحساب يجلس "مهر" بالقرب من الخالق ويستقبل "اناهيتا" الصالحين الذين يعبرون جسر "چينوت" أو الصراط. وطبقا للأساطير القديمة فإن "مهر" إله النور ولد فى ليلة "يلدا" فى أحد كهوف جبل البرز، ومن هنا كان أتباع "مهر" يتعبدون فى الكهوف والمغارات وتسمى عندهم "مهرا به". وقد ولد "مهر" أو الشمس فى كهف من بين برعمة نيلوفر تشبه الصنوبر، وكان عبدة "مهر" يعبدونها ويشعلون الشموع فى الكهوف لظلمتها، وفى الأماكن التى لا تتوفر فيها الكهوف كانوا ينتقون حجرا كبيرا ويؤدون طقوسهم بجانبه، وأصبحت هذه الحجارة مقدسة بمرور الزمن. وتسمى "يلدا" أيضا بـ "شب چله بزرگ", أى ليلة الأربعين الكبرى، ويقصد بذلك ليلة الأربعين يوما الأولى من فصل الشتاء، وهى التى تمتد من بداية شهر "دى" وحتى العاشر من شهر "بهمن". وهناك أيضا "چله كوچك" (الأربعون الصغرى) وهى التى تمتد من العاشر من "بهمن" وحتى العشرين من شهر "اسپنـد".
ويرى المستشرق "كريستنسن" أن "ميترا" هو رب الميثاق، وهو فى الوقت نفسه رب النور. وأن عبادة "ميترا" مختلفة تماما عن الديانة المزدية، ومتأثرة كثيرا بعلم النجوم الكلدانى الذى ترعرع عند مجوس آسيا الصغرى، وهى العبادة التى تعتبر "ميترا" إله الشمس، وقد إنتشرت فى الإمبراطورية الرومانية. كما يرى بأن دين الآريين القديم بنى على عبادة قوى الطبيعة والعناصر والأجرام السمـاوية، وأضيف إلى كل ذلك آلهة تمثل قوى أخلاقية أو آراء معنوية. وفى الوقت الذى دخل فيه الإيرانيون العصر التاريخى كان "مزدا" أو "اهورا مزدا" الإله الأعلى للقبائل المستقرة والمتمدنة فى الشرق والغرب. والمزدية أقدم عهدا من الزردشتية، وليس "مزدا" إلها لقبيلة أو لشعب بل هو إله العالم والناس جميعـا. (كريستنسن ص 19، 21، 22).
كما يرى أيضا أن "ميترا" هو إله العقد ونور الصباح الذى عرفه البابليون بشَمَـس، إله الشمس، والذى جعل منه الميترائيون "الشمس التى لا تقهر"، والإله "مهر" إله قادر، وهو إبن الإله وهو مساعد يقظ للآلهة السبعة. وفى نقش "اردشير الثانى" فى"طاق بستان" وقف "ميترا"، وقد عرف بإكليله الذى يشع منه النور خلف الملك الذى كان يتسلم ولاية الملك من يد "اهورا مزدا". (كريستنسن ص 133، 114).
وكان أصحاب الديانة المهرية يعتقدون أن "مهر" أو "ميترا" يراقب كل عقد أو إتفاق يعقد بين الناس، وكان ينتقم من كل من ينقض العهد أو الميثاق، وكانوا يتبادلون الحلقات كتذكار للعهود والمواثيق بينهم، وهى الحلقة التى تحولت بعد ذلك إلى حلقة العهد والميثاق بين الزوجين. كما رأى أهل هذه الديانة أن مهر كان يذبح بقرة السنوات العجاف (وهى رمز لاهريمن)، يأتى بها من السماء راكبا إياها وينزل بها إلى الأرض، ويغرس سكينا فى نحرها، فتنزل ثلاث قطرات دم منها، ينبت من الأولى القمح ومن الثانية العنب ومن الثالثة الأعشاب والنباتات الدوائية الشافية، وبهذا تصبح الأرض خصبة ومنتجة للمحاصيل.
وتوجد فى ديانة "مهر" سبع مراحل للوصول إلى نور الحقيقة، وعندما ينتقلون من المرحلة الرابعة إلى الخامسة وتسمى "چله" كانوا يعتكفون أربعين يوما على الأقل حتى تصفو النفس وتسمو فى الصمت والسكون. وكان لهذا الإعتكاف الأربعينى "چله نشينى" علامة خاصة هى إطالة الشارب الذى يغطى الشفاه ويكون كخاتم الصمت على الفم. وفى نهاية المرحلة السابعة يعتبر الشخص "شيخا" أو "أبا مقدسا"، وتكون الحقيقة قد إتضحت له وإمتلأ كيانه بالإيمان والنور، ويعد خليفة "مهر" على الأرض.
وللعدد أربعين فى الثقافة الإيرانية قدسية خاصة، ولعل ذلك يرجع إلى أنهم قسموا تقويمهم القديم على أساس أربعين يوما، وعبارة "چله نشستن" و "چل چلى"، وفى طبرستان "پيرا چله" و "گرما چله" دليل على أهمية هذا العدد فى الثقافة الإيرانية. لقد قسم الإيرانيون الشهور قديما إلى أربعين يوما وكانت السنة عندهم تسعة أشهر، ثم عادوا بعد ذلك وغيروا الشهور إلى ثلاثين يوما. وظل التقويم الشمسى سائدا فى إيران، ثم إستخدم الإيرانيون بعد ذلك التقويم القمرى العربى بعد دخولهم فى الإسلام، إلى أن أعيد التقويم الإيرانى الشمسى بعد ذلك وتم إحياء القومية الإيرانية. و كان الإيرانيون القدماء يزينون شجرة سرو بشريطين من الذهب والفضة فى ليلة "يلدا"، كما يقال إن مهر ولد من إمرأة عذراء تسمى اناهيتا داخل كهف. والمعروف أن عبادة الشمس قد تجاوزت حدود إيران ووصلت إلى بلاد الروم، وإعتنقها ملوكها وأصبحت الديانة الرسمية عندهم، وقد شجع "يوليانوس" أو "جوليان" أحد ملوك الروم إعتناق ديانة "مهر" والدخول فيها، وما زالت أدعية هذا الملك لمهر موجودة، وهو يسمى فيها الله بالأب. وقد إحتفل الروم لسنوات عديدة بميلاد "مهر" و "شب چله" وإعتبروها بداية العام، وإعتبر رجال الدين بعد ذلك هذه الليلة هى ليلة ميلاد عيسى، وإحتفلوا بها فى يوم 25 ديسمبر حتى يفرقوا بينها وبين ليلة يلدا أو ليلة ميلاد مهر.
ويتحدث البيرونى عن عيد يلدا فيقول : "وفى الليلة التى يتقدمها الخامس والعشرون من هذا الشهر (كانون الأول) وهو ليلته على مذهب الروم عيد يلدا وهو ميلاد المسيح وكانت وقتئذ ليلة الخميس، فأكثر الناس يذهبون إلى أن هذا الخميس كان الخامس والعشرين" (الآثار الباقية ص 292). ويذكر صاحب "برهان قاطع" أن البعض ذكروا أن ليلة "يلدا" هى فى الحادى عشر من جدى، كما ذكروا أيضا أن "يلدا" هو إسم أحد حواريى عيسى عليه السلام.
ويذكر "محمد معين" فى حواشيه على "برهان قاطع" أن الإحتفال بعيد ميلاد المسيح الذى يسمى "نوبل" NOEL والمحدد له يوم 25 ديسمبر هو فى الأصل الإحتفال بميلاد ميترا (مهر)، وهو الذى جعله المسيحيون فى القرن الرابع يوم ميلاد المسيح.
وهناك أساطير إيرانية حول مولد العشق الذى يتكرر كل عام فى عيد "خرم روز"، ومن ذلك قولهم بأن القمر كان عاشقا للشمس ومغرما بها، وقد قسما العمل بينهما بحيث يكون عمل القمر فى الليل وعمل الشمس فى النهار، وقد عمد القمر إلى لقاء الشمس عند السحر، إلا أنه غالبا ما كان ينام ويطلع النهار. وأخيرا فكر القمر فى إستئجار نجمة توقظه عند منتصف الليل وتخبره بإقتراب الشمس، فيذهب القمر لإستقبالها ويطارحها الغرام ويمنعها من الذهاب، وعندئذ ينسى القمر والشمس عملهما الأساسى وتتأخر الشمس فى الظهور وتسمى هذه الليلة بليلة "يلدا". ومنذ ذلك الوقت والقمر والشمس يلتقيان ليلة واحدة فقط، وتكون هذه الليلة طويلة وحالكة الظلمة، وهى نفسها ليلة "يلدا". ومن هنا كان الحديث فى الأساطير الإيرانية عن ليلة "يلدا" هو حديث عن مولد العشق الذى يتكرر كل عام فى عيد "خرم روز". وفى زمن أبى الريحان البيرونى كانوا يسمون شهر دى أيضا بـ "خورماه" أى شهر الشمس، وكان أول يوم فيه يسمى "خرم روز" وهو اليوم الذى يتجاوز أطول ليلة فى السنة، وتبدأ الطبيعة فى الإزدهار من جديد، وتكتسى بمظاهر الحياة ويعم الدنيا السرور والبهجة.
وفى الأزمنة القديمة شيد الإيرانيون مبان لرصد الشمس وعمل التقويم، ومن أهمها "چار تاق نياسر" فى مدينة كاشان، وهو المبنى الوحيد الذى بقى سليما على أرض إيران. وتدل كلمة "چار تاق" أو "چهار طاق" على بناء مسقوف ومفتوح من كل الجوانب وبدون أبواب، ومن خلاله يمكن تحديد الإنقلاب الشتوى وبداية السنة الجديدة الميترائية بدقة. وقد تم الإحتفال بمشاهدة ميلاد الشمس فى عام 1384 ش = 2005 م فى "چار تاق" مدينة نياسر بمساعدة بلدية المدينة ومركز التراث الثقافى هناك.
ونظرا لقدم هذا العيد عند الإيرانيين، فإننا نجد كلمة "يلدا" تتردد فى أشعار شعراء الإيرانيين القدامى بعد الإسلام, فنجد العنصرى (توفى 431هـ) يقول:
چون حلقه ربايند به نيزه تو به نيزه خال از رخ زنگى بربايى شب يلدا
أى: عندما يخطف (اللاعبون) الحلقة برماحهم، تخطف أنت الخال من على وجنة الزنجى برمحك فى الليلة الظلماء وتزيله.
ويقول منوچهرى (متوفى 432هـ):
نور رايش تيره شب را روز نورانى كند دود خشمش روز روشن را شب يلدا كند
أى:إن نور رأيه يحيل الليلة الحالكة الظلمة إلى نهار منير،
ودخان غضبه يحيل النهار المضئ إلى ليلة ظلماء كليلة يلدا.
ويقول مسعود سعد سلمان (متوفى 515هـ):
كرده خورشيد صبح مملكت تو روز همه دشمنان شب يلدا
أى:
لقد جعلت الشمس مملكتك صبحا مضيئاً، وصار نهار كل أعدائك مظلما كليلة يلدا.
ويقول سعدى الشيرازى (توفى 691 هـ):
نظر به روى تو هر بامداد نوروزيست شب فراق تو هرگه كه هست يلدا ييست
أى: إن النظر إلى محياك كل صباح هو عيد نوروز،
وليل فراقك حيثما يكون هو ليلة يلدا.
وهكذا نجد الشعراء الفرس قد إستخدموا هذه الكلمة للتعبير عن الليل الحالك الظلمة الذى يعانى منه أعداء الممدوح أحيانا، أو الذى يعانى منه العاشق الموله من فراق محبوبته له أحيانا أخرى، أو فى معان أخرى كثيرة تتضمنها الأشعار الفارسية التى ذكرنا أمثلة لها.
ويعتبر عيد "يلدا" أو الإحتفال بليلة "يلدا" من المناسبات التاريخية التى يجتمع فيها الإيرانيون حتى يومنا هذا. وغالبا ما يكون هذا التجمع أسريا، حيث يجلس أفراد العائلة وأقاربهم وأصدقائهم المقربين حول المدفأة التى تسمى بـ "الكرسى"، ويتناولون الأطعمة والفاكهة والنُقل، ويأخذون الفأل من ديوان "حافظ الشيرازى". ولا شك أن إستخدام أجهزة التدفئة قد منع إستخدام الكرسى فى كثير من مناطق إيران حيث كان يستخدم كثيرا فى الأزمنة القديمة. وعادة ما يتناول الإيرانيون فى هذه المناسبة فاكهة معينة كالبطيخ والرمان وغير ذلك من فاكهة فصل الصيـف، والفاكهة التى تمر عليها ليلة "يلدا" لا تؤكل. ويتضمن النُقل الحمص المحمص ولب البطيخ والقرع، واللوز والفستق والبندق والزبيب والتين والتوت المجفف. وتذهب بعض الأسر للسهر فى ليلة "يلدا" إلى منزل الأقارب الأكبر سناً وذلك بعد تناول العشاء.
والحقيقة أنه لا يوجد مكان داخل إيران لا يؤكل فيه البطيخ فى هذه الليلة، وهو الفاكهة التى لا يمكن الإستغناء عنها، وذلك لإعتقادهم بأن أكله فى ذلك الوقت بالذات يقيهم من أمراض البرد وأعراضه خلال الأربعين يوما الكبرى والصغـرى، وموائدهم فى هذه المناسبة لا تتشابه مع مائدة النوروز والتى تسمى "هفت سين", أى الموجود عليها سبعة أشياء تبدأ بحرف السين، بل يضعون على موائدهم مرآة وصورة لسيدنا على رضى الله عنه. وفى آذربايجان يأكل الناس فى هذه المناسبة ما يسمونه بـ "هندوانه چله" أو "چيله قارپوزى" (بطيخة الأربعين) ويعتقدون بأن الرعشة والحمى لن تصيب أجسامهم نتيجة لهذا. وفى جيلان يتناولون البطيخ أيضا ويعتقدون بأن أكله يحميهم من الإحساس بالعطش فى فصل الصيف والبرد فى فصل الشتاء.
ويحتفل الزرادشتيون فى إيران بهذه الليلة أيضا ويرددون دعاء معينا فيها يسمى "نى يد" وهو دعاء للشكر على النعم، أما الأطعمة التى يتناولونها فى هذا العيد فهى اللحم وسبعة أنواع من الفاكهة المجففة. كما يشارك الآشوريون الإيرانيون أيضا فى الإحتفال بعيد "يلدا" مع سائر الطوائف الإيرانية، حيث أنهم يؤمنون بأن الإحتفال بيلدا تقليد آشورى قديم، ويشيع عندهم أيضا التفاؤل بديوان حافظ.
ولا تقتصر الإحتفالات بليلة يلدا على إيران فقط، بل تتعداه إلى روسيا رغم أنه عيد إيرانى أصلا، والروس يحتفلون به منذ زمن بعيد وقبل دخول المسيحية هنـاك، ويقال إنه ما زال قائما حتى الآن بين أهل الريف هناك. ومن طقوسهم فى هذا الإحتفال إعداد الحلوى وتزيينها بأشكال مختلفة، وممارسة الألعاب المحلية المتنوعة، ونثر القمح فى أفنية المنازل، والغناء والرقص وذبح الذبائح، وأخذ الفأل والنبوءات. ويتشابه هذا كثيرا مع ما يجرى فى إيران من عادات وتقاليد فى هذا العيد.
وإذا تصفحنا أى تقويم إيرانى وجدنا هذه المناسبة وقد سجلت فى يوم 30 آذر، وفى العام الماضى (2007م) جاءت ليلة "يلدا" فى يوم الجمعة الموافق 21 ديسمبر 2007 الموافق 30 آذر 1386 ش (10 ذى الحجة 1428)، وهو فى نفس الوقت يوم من أيام عيد الأضحى المبارك (اليوم الثانى فى مصر). وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على تمسك الإيرانيين بالإحتفال بأعيادهم القومية القديمة بجانب الأعياد والمناسبات الإسلامية، وهم من الشعوب التى يكثر عندهم الإحتفال بكثير من المناسبات والأعياد كما ذكرنا.
ويتندر كبار السن فى إيران على أن هذه الليلة كانت قديما ذريعة لكى يرى الخطيب خطيبته، خاصة وأن منازل العروسين كانت عادة قريبة من بعضها البعض، ولم تكن هناك وسائل إتصال متوفرة كما هو الحال اليوم. فكانت أسرة العريس تضع الفاكهة الخاصة بهذه المناسبة من بطيخ ورمان يجرى الدم فيهما، وأنواع النُقل والحلوى المختلفة، بالإضافة إلى قطعة قماش فى طبق مزين ويرسلونه مع العريس حتى يتمكن من لقاء عروسه فى منزل أهلها وقضاء بعض الوقت معها. ومع تغير الظروف والأحوال فى عصرنا الحديث لم يعد أحد يحمل طبق الهدايا، وإستبدل ذلك بعلبة بها قطعة من المشغولات الذهبية. بل إن الهدايا تقدم الآن دون مناسبة ولا يعرف الأهل شيئا عنها.
ومع التقدم الحضارى وإرتفاع مستوى المعيشة لم تعد الولائم بنفس شكلها القدبم، بل تغيرت إلى ولائم أكثر فخامة، كما يستمع المحتفلون بهذه المناسبة الآن إلى الموسيقى الكلاسيكية من خلال أجهزة حديثة، ويأخذون فألهم من ديوان حافظ المطبوع الآن على ورق مصقول خلاف الطبعات القديمة، ويعزف بعض الشباب على آلات موسيقية حديثة كالجيتار وغير ذلك وهم يرتدون ملابس السهرة. ويتصل المضيف بأقاربه وأصدقائه الآن بالتليفون المحمول ليدعوهم للإحتفال، ويحتفل الشباب عادة فى أيامنا هذه بأسلوبهم الخاص الذى لا ينتمى كثيرا لإحتفالات ليلة يلدا ولا تقاليدها وطقوسها القديمة، غير أن الإحتفال بهذه المناسبة ما زال قائما فى إيران بشكل أو بآخر. وقلما نجد الآن منزلا وضع فى وسطه "الكرسى" وبجانبه "السماور" والماء يغلى فيه، وكان القدماء يشعلون النيران بجانب المصابيح لمزيد من الضوء، وكانوا يتفاءلون بذلك. ولم تكن الأسرة قديما تحتفل فى غياب الجد والجدة، إلا أن كثيرا من هذه الأعياد تمر الآن بدون حضورهما أو مشاركتهما.
وإذا كانت تقاليد وطقوس يلدا تعد من التراث الإيرانى الذى يرجع إلى عدة آلاف من السنين، إلا أنه قد أضيف إليها فى القرون الأخيرة تقليد جديد هو أخذ الفأل من ديوان حافظ الشيرازى كما ذكرنا، وهو تقليد متبع فى أعياد أخرى كذلك، ولأخذ الفأل لابد من الإخلاص فى النية أولاً، وقراءة سورة الفاتحة مرة وسورة الإخلاص ثلاث مرات، والصلاة على النبى ثلاث مرات، وبعد ذلك يطلب الإنسان الفأل، ويفتح الديوان على إحدى غزليات حافظ، وفيها تكون الإجابة عما يرغب فى التنبؤ له. وقد يقرأ المجتمعون أحيانا فى شاهنامة الشاعر الفردوسى لتمضية الوقت، وعادة ما يقوم أكبر الموجودين سنا وأكثرهم إجادة لقراءة أشعار حافظ أو الفردوسى بهذه المهمة.
هذه فكرة موجزة عن عيد من أعياد الإيرانيين القومية كانوا يحتفلون به قديما، ومازال الناس يحتفلون به حتى يومنا هذا كنوع من الإرتباط بالماضى، وتعلق بالقومية الإيرانية وبالتراث الشعبى الذى ورثوه عن أسلافهم.

المصدر: لمراجع: - الآثار الباقية عن القرون الخالية - ابو الريحان البيرونى - طبعة زاخائو. - إيران فى عهد الساسانيين - آرثر كريستنسن - ترجمة يحيى الخشاب - القاهرة 1957م. - برهان قاطع - محمد حسين بن خلف تبريزى - باهتمام دكتر محمد معيـن - تهران 1342. - فرهنگ فارسى - دكتر محمد معين - تهران 1992 م. لغت نامه دهخدا. WWW.DADASHREZA.MIHANBLOG.COM WWW.FARHANGSARA.COM WWW.VCN.BC.CA/OSHIHAN - محاضرتان للدكتور فريدون جنيدى والدكتور مير جلال الدين كزازى حول "شب يلدا". .جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام2010 المراجع: - الآثار الباقية عن القرون الخالية - ابو الريحان البيرونى - طبعة زاخائو. - إيران فى عهد الساسانيين - آرثر كريستنسن - ترجمة يحيى الخشاب - القاهرة 1957م. - برهان قاطع - محمد حسين بن خلف تبريزى - باهتمام دكتر محمد معيـن - تهران 1342. - فرهنگ فارسى - دكتر محمد معين - تهران 1992 م. لغت نامه دهخدا. WWW.DADASHREZA.MIHANBLOG.COM WWW.FARHANGSARA.COM WWW.VCN.BC.CA/OSHIHAN - محاضرتان للدكتور فريدون جنيدى والدكتور مير جلال الدين كزازى حول "شب يلدا". جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 564 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2011 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

614,120