تكشف الطقوس الشعبية التى يمارسها المصريون فى الموالد الكثيرة والمتعددة التى تشمل ربوع المحروسةعن سر تعلقهم بآل بيت الرسول الكريم وباوليائه الصالحين لتعبرعن ثقافة شعبية نابعة من ايمان وحب وارتباط روحى.ويتبارك المصريون فى الموالدالمتعددة كمولد الامام الحسين والسيدة زينب و السيدة سكينةوالسيدة نفيسة وغيرهم وهم من آل بيت الرسول وباولياء الله الصالحين المنتشرين فى المحافظات المختلفة مثل السيدالبدوىفى طنطا وابراهيم الدسوقى بدسوق والمرسي أبوالعباس بالاسكندرية والرفاعى والامام الشافعى والسلطان أبوالعلا بالقاهرة وغيرهم.ويذكر أن يوجد فى مصر من خمسة آلاف إلى ستة آلاف قرية، ومن النادر أن توجد قرية دون أن يكون بها ضريح أو مقام لولى من أولياء الله، أما المدن فيوجد بها أكثر من مقام وضريح، وهذه المقامات والأضرحة عادة ما تكون مركزاً ل الاحتفالية الطقسية «المولد» ولذلك فعلينا أن نتخيل أنه من الصعب أن يمر يوم بمصر دون أن يكون فيه مولد فى مكان ما على الخريطة المصرية.
إن التصوف ظاهرة إسلامية ورغم أن الكثير من أولياء المسلمين لهم خلفيات صوفية فإن هناك أولياء عاشوا قبل ظهور التصوف والطرق الصوفية.
كما أن هناك أولياء عاصروا التصوف واكتسبوا الولاية دون أن يمروا عبر التصوف.
وهناك الكثير من الروايات التى تروى عن الأعمال الخارقة والعجائبية، التى حظى بها الأولياء ، وبعض هذه القصص الخارقة رواها شهود عيان
ومهما يكن من أمر فإن ظاهرة الأولياء ومعها الموالد هى ظهرة جماهيرية وليست ظاهرة تختص بالصفوة.
ورغم أن مصر هى المهد الأول للتوحيد لكنها استوعبت الديانات التعددية، كما أنها تضم واحداً من أكبر التجمعات الصوفية النشطة فى العالم الإسلامى منذ أكثر من ألف عام، كما نقف فى مصر على ذلك التلاحم بين المقدس والدنيوى من خلال موالدها المختلفة.والموالد تقام عادة إحياءً لذكرى احتفالية لولى فى الغالب ليس على قيد الحياة، وبعض منها يقام لإحياء مثل مولد الشيخ موسى بالكرنك فى حياته فى بداية شهر رجب.
وتجتذب الموالد أعداداً غفيرة تقارب المليون شخص وهى عادة ما تقام فى الأماكن البعيدة أو الأحياء الشعبية لفترة قد تمتد لأسبوعين.
ويطلق على اسم المحتفلين الرئيسيين فى المولد الإسلامى «أهل الطريقة» أو المتصوفة أو الدراويش، وهؤلاء يضمهم تنظيم على المستوى القومى يمثل ٦٨ طريقة تتفرع إلى مجموعات يترأسها خليفة وكل مجموعة منها تقوم بزيارة عدد من الموالد فى مصر طبقاً لاختياراتها، وغالباً ما يخضع الاختيار لوجود صلة ما بالطريقة التى ينتمون إليها،
حتى ولو كان الاحتفال بالمولد فى أماكن بعيدة للغاية لكنهم حتماً سيجدون هناك بيتاً أو مسجداً يؤون إليه أو يضربون خيامهم على مقربة من المقام فيسافر الشيخ زاهر من بلدته الصغيرة فى محافظة الشرقية مع مريديه إلى الطاهرة ليشارك فى مولد الحسين والسيدة أو يشارك فى موالد تقام فى محافظة الشرقية مثل مولد سيدى أبومسالم وسيدى أبوخليل.أما حلقات الذكر فهى لا تقام عادة فى النهار، ولكنها فى الأغلب تأتى بعد صلاة العصر، والذكر الليلى يخلف حالة من الإجهاد وهناك خيام مخصصة لخدمة رواد المولد وضيوفه، يقدم فيها الطعام والشاى مجاناً لمن يرغب، وذلك أن كرم الضيافة سمة ملازمة للمتصوفة، وهذا من أحد العناصر المهمة فى الموالد، كما يتم توزيع الطعام على الفقراء.
وتشيع فى الموالد الحلوى التى صنعت على نحو يشى بسيطرة الموروث الشعبى من السير الشعبية كالعروس وراكب الحصان كما نجد لعبة التحطيب والرقص بالخيل، وهناك عادة متبعة فى الموالد المقامة للأولياء من أصحاب الطرق
، وهى «الزفة» أو «الدارة»» أو «اللفة» التى تقام باتجاه الضريح لتدور حوله ويزف ساعتها شيخ السجادة أو نائبه ممتطياً جواده أو جمله، وأكبر هذه الزفات فى القاهرة هى الخاصة بالطريقة الرفاعية، والتى تنطلق من مسجد السيدة زينب إلى مسجد الرفاعى ويقودها نائب الطريقة ويستقبله شيخ السجادة على مدخل مسجد الرفاعى،
أما زفة سيدى البيومى الممتلئة بالعمائم والرايات فإنها تنطلق من الحسين مجتازة الطاهرة المملوكية عابرة باب الفتوح صاعدة إلى شارع الحسينية الضيق وصولاً إلى المسجد الموجود به الضريح.
وفى الإسكندرية تنطلق الزفات بعد صلاة العشاء لتبدأ بها الليلة الكبيرة
وتقام الموالد فى مصر على مدار العام بما فى ذلك شهر رمضان، ونجد فى مجلة الطرق الصوفية لشهر أبريل عام ١٩٨٩ «التصوف الإسلامى» نجد قائمة بما لا يقل عن ثمانية عشر مولداً تقام فى الإسكندرية وحدها خلال شهر رمضان من ذلك العام الذى وافق سنة ٤٠٩ هجرية،
لكن الموالد فى العموم تتفادى تزامنها مع المولد النبوى فهناك تدخلات من منظمى الموالد من أصحاب الطرق الصوفية فى محاولة لتفادى التوقيتات غير المناسبة فنجد المولد الذى ينظمه الشيخ زاهر لجده مؤسس الطريقة يقام فى شهر أكتوبر لأن الأرض المخصصة لإقامة المولد عليها تكون مزروعة فى غير هذا الشهر.
وكذلك مولد أبوالحجاج فى منطقة كنيسة الدهرية، حيث يقام بعد موسم جنى القطن كما يبدأ الاحتفال بالمولد الكبير للسلطان فرغل فى الصعيد بمدينة أبوتيج بعد آخر يوم فى امتحانات الثانوية العامة.
أما الموالد التى تقام فى الصحراء مثل مولد النبى صالح فى سيناء فإن مواعيدها السنوية تختلف وفقاً لحركة انتقال القبائل، وعلى ذلك فإن الوقوف على أجندة ثابتة لمواعيد الموالد لهو من الصعوبة بمكان، باستثناء بضعة منها مثل مولد السيدة زينب الذى تقام ليلته الكبيرة فى الثلاثاء الأخير من شهر رجب، وكذا مولد الحجاج وسيدى عبدالرحيم القناوى يومى ١٣ و١٤ شعبان.
أما الموالد الرئيسية فهى تغطى فترة زمنية تمتد من ربيع الأول والثانى وجمادى الأول والثانى ورجب وشعبان، ففى هذه الفترة تقام على التوالى موالد فاطمة النبوية والسلطان أبوالعلا ومولد الحسين والسيدة سكينة والسيدة نفيسة والسيدة رقية وعلى زين العابدين وأحمد الرفاعى والسيدة زينب والإمام الشافعى وحسن الأنور والسيدة عائشة.
أما فى الإسكندرية فتوجد خمسة موالد فى خمسة أسابيع متوالية بالترتيب المرسى أبوالعباس ثم سيدى جابر ثم سيدى بشر ثم سيدى كمال ثم سيدى محمد الرحال وقد ثبت إقامة هذه الموالد فى شهرى يوليو وأغسطس عام ١٩٨٧.
ونجد شهر شعبان مكدساً بالموالد وبالأخص بدءاً من منتصفه للاعتقاد السائد بأن منتصفه مبارك لاقترابه من شهر رمضان
وبين قنا والأقصر تقام ستة موالد رئيسية فى منتصف شعبان بين ١٣ و١٥ منه حينما يكتمل القمر بدراً وهى موالد أبوالحجاج فى الأقصر وأبواليزيد البسطامى فى أسوان والشيخ عزب فى العزب بين القرنة وقنا ومولد عبدالرحيم القناوى فى قنا والأمير غانم فى أسفون بالقرب من إسنا وسيدى الأمير فى دراو وسيدى أبوالقمصان فى القرنة.
وتعتبر الموالد بدعة فى الإسلام، ويود المتشددون لو تم منعها وكذلك التقدميون.
وكانت الموالد قد تعرضت لمضايقات فى الثلاثينيات والأربعينيات وبخاصة من جهاز الشرطة أما فى هذه الأيام فقد ساد التسامح الكبير رسمياً باتجاه أهل التصوف وطرقهم،
نشرت فى 2 يناير 2010
بواسطة ahmedsalahkhtab
أحمد صلاح خطاب
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
637,186