في الوقت الذي نتطلع فيه لجامعات عالمية بقدر طموحنا وثرواتنا، نتحسس خبر هذه الجامعة الفتية التي نبحث عنها منذ زمن.. نبحث عنها بمعطياتها الضخمة وميزانيتها التي تتلاشى بها العقبات الفنية والتقنية والأكاديمية.. فكم من عبقرية ذابت وكم من نظرية دفنت في التراب.. وكم من مخترع تحطّم.. قبل أن تبزغ شمس هذه الجامعة.. غير أنه لا يزال فينا ومنا من عقول تنتظر لتحلق بخيال عبقري في ميدان البحث في بيئة مهيأة للإبداع والتفكير والاختراع.. ولكن هل قدرنا إذا أردنا تحقيق طموحنا أن نتنازل عن قيمنا.. وهل يعدّ رفضنا للاختلاط عداء للعلم والتقنية؟ وهل يستحيل أن نجمع بين العلم والحشمة والكرامة والالتزام بمبادئ ديننا..؟
لقد اصطلينا بنار كليات الطب وحرمنا هذا التخصص الذي طالما حلمنا به لأنفسنا، ثم ما زلنا نحلم به لبناتنا، حرمنا بسبب الاختلاط الذي يعم معظم سنين الطلب والتدريس والممارسة..
وكأنه لا يمكن أن تكون طبيبة إلا وكتفها في كتف الرجل!
وانثنينا على كتب اللغة والشريعة والتاريخ وبعض العلوم العلمية النظرية، لأننا لم نستطع أن نهيئ لشخصيتنا الإسلامية مجالات أخرى..
ونحن نعلم يقيناً أننا غير عاجزين عن إيجاد هذه البيئة، فدول كثيرة لديها كليات طب نسائية، وبريطانيا لديها مستشفيات نسائية خاصة..
وهنا نتوقف قليلاً لنقول لماذا لا نسمع لمن يرفض الاختلاط في الجامعة؟
لماذا لا نحاورهم ونحن دعاة الحوار؟ لماذا نرفض الاختلاط في الجامعة؟
قد يقول أحدهم لأنكم لم تعتادوا عليه.. أو يقول أنتم متزمتون متطرفون، رجعيون، متشددون، وهلم جرا.. مما يجتره بعض كتاب الأعمدة الخضراء..
والجواب أنّ تبعات الاختلاط أقبح بكثير من محاسن التقنية.. فنحن مؤمنون بأنّ الله تعالى اختار لنا الأصلح، حيث قال لنا: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} مع أنهن زوجات نبي، وهو حي موجود يتنزّل عليه الوحي، فكيف بمن دونهن؟
وقد يقال هذا الحرم يطوف به الرجال والنساء حول الكعبة دون حواجز ولا فواصل..
والرد أنه مع ما جاء في أمر النساء بألا يزاحمن الرجال، فالحرم مقام مرور كالطريق تخرج المرأة متحجبة مستترة، تمكث دقائق ليس لها علاقة بالرجال لا تكلمهم ولا تبحث معهم ولا تناقشهم، أين هذا من طالب وطالبة على طاولة واحدة، وفي مطاعم ومدرجات واحدة، ومع أستاذ واحد..
وكم سيجلسون يتحدثون ويتحاورون، ويمتد ذلك إلى جميع مرافق الجامعة الخدمية والترفيهية.. وما يمنعه اليوم الحياء سيتيحه غدا التبلد.. لا سيما والجامعة تستقبل أطيافاً متعددة، وجنسيات كثيرة، وأديان مختلفة وتقاليد متنافرة، ثم أثر ذلك على مجتمعنا وبلادنا غير خاف، وتقع بالقرب من البلد الحرام، فهل نقبل أن يعصى فيها الله تعالى على مرأى ومسمع منا؟
إنني لأشم رائحة احتراق الورق بالشمعة التي ظننا أننا أشعلناها لتضيء..
وفق الله ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، وحفظ بلادنا من كل فتنة، وحماها من كل بلاء.. والعاقبة للتقوى..
ساحة النقاش