الحمد لله الذي نور قلوبنا بنور الإيمان ، وعرفنا من أسرار الحديث والقرآن ،
والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين .
في وقت كانت فيه سحب الجاهلية السوداء تغطي سماء الجزيرة العربية وفي ذلك المحيط الصاخب بالضلال
والانحراف والحروب الدامية والنهب والسلب ووأد البنات ، وموت الضمير وانحلال الأخلاق .في مثل هذا
الوقت بالذات طلعت شمس السعادة والحياة فأضاءت محيط الجزيرة العربية الغارق بالظلام ،
وأشرقت الدنيا بمولد النبي المبارك محمد صلى الله عليه وسلم في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول
بعد حادثة هلاك أصحاب الفيل بشهر أو أكثر .ومن أكرم بيت من بيوت العرب انحدر رسول البشرية
وخاتم الأنبياء من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة. ليحظى بولادته أبوان كريمان هما:
عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب. ولم يتسنّ لهذا المولود الكريم أن ينعم بالرعاية والحنان الأبوي.
حيث توفي والده وهو جنين في بطن أمه وقيل: بعد ولادته بشهرين وقد تشرّفت بإرضاعه حليمة السعدية
حيث أمضى في بادية (بني سعد) زهاء خمسة أعوام .كان الرسول الأكرم محمد (ص) المثل الأعلى في
حُسن الخلق الذي استطاع من خلاله أن يملك العقول والقلوب، واستحقّ بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله
عزَّ من قائل: "وإنَّك لعلى خُلقٍ عظيم"
وكان منطقه تعبيراً واضحاً عن عظمة رسالته
حيث يوصي أصحابه فيقول لهم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم "
و كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته
بالإكرام والاحترام ، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) سنن الترمذي .
وأوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين طاعته والإقتداء بهدية وأتباع سُنَّته و توقيره
ومحبته صلى الله عليه وسلم فوق محبة الآباء والأبناء والأزواج والعشيرة ، والتجارة والأموال ،
وأوعد من تخلف عن تحقيق ذلك بالعقاب ، فقال سبحانه وتعالى :
{ قُلْ إِنْ كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24.[
إن من أحب شيئاً آثرَ موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حُبه، وكان مُدعياً، فالصادق في حب النبي
صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الإقتداء به، واستعمال سنته، وإتباع أقواله وأفعاله،
وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عُسره ويُسره، ومنشطه ومكرهه،
وشاهد هذا قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [ آل عمران: 31 ]،
فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة
ولا يخرج عن اسمها.ومن ثمرة محبته عليه الصلاة و السلام، مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
لحديث عائشة رضي الله عنها: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقال
يا رسول الله: إنّك لأحبَ إلى من نفسي وإنك لأحب إليَ من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك،
فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك،وإذا ذكرت موتك عرفت إنَك دخلت الجنة رفعت مع النبيين،
وإنّي إذا دخلت خشيت أن لا أراك فأنزل الله تعالى:
{وَمَنْ يُطع الله والرَّسُولَ فأُولَئكَ مع الذين أنْعَمَ اللهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحيِنَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفيِقاً} [النساء: 69]
وحـق المصطفـى لي فيـه حب إذا مرض الرجاء يكون طباً
ولا أرضى سوى الفردوس مأوى إذا كان الفتى مع من أحبا
تحمّل النبي مسؤولية الدعوة والتبليغ فاستجاب له حوالي (40) شخصاً. خلال السنوات الثلاث الأُوَل المعروفة
بالمرحلة السرّية للدعوة. عمل فيها على بناء النواة الأولى للدعوة وتركيز الدعائم لها وبعد ذلك دعا
عشيرته الأقربين.
ثم جهر النبي بالدعوة العلنية على الملأ أجمعين يدعوهم إلى الإقرار بالشهادتين ونبذ الأصنام والشرك.
أستقبل زعماء قريش الدعوة إلى التوحيد بالاضطهاد والتنكيل بأصحابها مما دفع النبي إلى اتخاذ
إجراء وقائي فأمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة وازداد أذى قريش فعمدوا إلى مقاطعة بني هاشم
في البيع والشراء والزواج ودام الحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب ثلاث سنوات ولم تثنِ هذه المقاطعة
من عزيمة المسلمين رغم المحنة الفادحة التي أصابتهم بوفاة أبي طالب حامي الرسول وخديجة أم المؤمنين
في عام الحزن وبوفاتهما فقد النبي سندي الرسالة في مكّة فانتقل إلى الطائف في سنة (11) من البعثة
ليعرض عليهم الدين الجديد فردّوا عليه بغلظة ورجموه بالحجارة فرجع إلى مكة غير يائسٍ من رحمة ربه..
وكان الله عند حسن ظنّه إذ لقيت الدعوة في مواسم الحج استجابة من بعض الوفود القادمة من يثرب الذين التقوا
بالنبي سرّاً وبايعوه على السمع والطاعة فيما عرف ببيعة العقبة الأولى التي حصلت في السنة الثانية عشرة
للبعثة، وبيعة العقبة الثانية التي حصلت في العام التالي.
فبدأت الدعوة مرحلة الانفراجات وانحسر عنها ضغط قريش واضطهادها ووجدت لها متنفساً في المدينة.
إزاء هذا الأمر الخطير اجتمع زعماء قريش وقرّروا اغتيال النبي في محاولة منهم لخنق الدعوة قبل
أن ينتشر أمرها في البلاد. وفي هذه الحالة المصيرية اقتضت حكمة الله سبحانه أن يبيت علي في
فراش النبي دفاعاً عن الرسالة الإلهية. وبهذه المناسبة نزل قوله تعالى:
"ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله"
ولم ينتبه المشركون إلى حقيقة الموقف إلاّ وقد غادر النبي محمد مكّة
"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" والتحق علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه الفواطم بالنبي
ودخلوا المدينة جميعاً لِتُطوى بذلك صفحة مؤثرة ومؤلمة من صفحات الدعوة الإسلامية.
وشكلت قضية مبيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراش النبي أروع نموذج لعملية التضحية بالنفس
في سبيل الدفاع عن الدعوة وحمايتها، والذود عن القائد النبي محمد.
وفي منتصف شهر ربيع الأول دخل رسول الله (ص) إلى المدينة وهناك عمل على ترسيخ الوجود الإسلامي
تمهيداً لمرحلة المواجهة والجهاد ضد جميع قوى الكفر والإلحاد المتمثّلة بالمشركين واليهود والمنافقين..
وقام بعدّة إجراءات أهمها بناء المسجد الذي يشكّل الدعامة الأولى للدولة الإسلامية، المؤاخاة بين المسلمين
وتوثيق عرى التعاون بينهم ، إبرام المعاهدات مع بعض القوى الفاعلة في المدينة وحولها ،
إرسال المبعوثين إلى خارج الجزيرة العربية للدعوة إلى الدين ، إعداد النواة الأولى للجيش الإسلامي.
وتمّ بذلك إقامة مجتمع إسلامي متماسك مثّل فيه الرسول دور القائد والمشرف والمدير وتحوّل بذلك
من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.
بلغت الغزوات التي اشترك فيها النبي (ص) حوالي (27) غزوة. وكان الهدف منها إزالة العوائق التي تعرقل
سير الدعوة إلى الله.
ففي السنة الثانية للهجرة وقعت معركة بدر التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً حيث قُتل
في هذه المعركة رؤوس الشرك والضلال فدخل المسلمون بذلك مرحلة جديدة من الصراع مع المشركين.
وفي السنة الثالثة للهجرة حصلت معركة أحد التي ابتلى الله بها المؤمنين حيث فاتهم النصر.
وفي السنة الخامسة حصلت معركة الأحزاب المعروفة بوقعة الخندق فحقق المسلمون نصراً عزيزاً على قريش
ومن معها من القبائل العربية.
وفي السنة السادسة للهجرة عقد النبي (ص) مع قريش "صلح الحديبية" بهدف إزاحتها من طريقه،
ففُسح له بالمجال لنشر الدعوة في مختلف أنحاء الجزيرة العربية حتى قويت شوكة المسلمين
وانتصروا على اليهود في غزوة خيبر.
ولم يُكتب لصلح الحديبية أن يصمد بعد أن نقضته قريش. فتوجه النبي (ص) بجيش بلغ تعداده (10000)
مقاتل إلى مكة ودخلها فاتحاً من دون إراقة دماء تُذكر وذلك في السنة الثامنة للهجرة.
وفي السنة التاسعة للهجرة أنشغل النبي (ص) بحرب الروم وانتصر عليهم في معركة تبوك.
وفي السنة العاشرة للهجرة وبعد أداء مناسك الحج وقف النبي (ص) في غدير خم مستجيباً لنداء الوحي:
"يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك" معلناً على الملأ إكمال الدين وإتمام النعمة وبهذه المناسبة
نزل قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
وفي السنة الحادية عشرة للهجرة وأثناء تجهيز جيش بقيادة أسامة بن زيد لغزو الروم فجع المسلمون
بوفاة النبي (ص) إثر مرض شديد ألمّ به، ففاضت روحه الطاهرة.
ومن معجزاته كان لرسول الله (ص) معاجز كثيرة بهرت العقول وحيّرت الألباب، وأبرز هذه المعاجز
على الإطلاق القران الكريم الذي عجز فصحاء العرب عن أن يأتوا بسورة من مثله ومن معاجزه أيضاً الإسراء
والمعراج والغمامة التي كانت تظلله فضلاً عن شفاء المرضى واستجابة الدعاء والإخبار بالمغيبات.
ما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا ، وإنما تمنى ما له علاقة بمنازل الآخرة ،
بل برفيع المنازل ، وعالي الدرجات .
فقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو
في سبيل الله أبدا ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ،
والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل .
رواه البخاري ومسلم .
هذه كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم .أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشجع الشجعان
حتى إنه ليحتمي به صناديد الأبطال عند اشتداد النِّـزال قال البراء رضي الله عنه : كنا والله إذا احمر البأس
نتقي به ، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
ومن ها هنا نعلم اضطرارنا فوق كل ضرورة إلى معرفة نبينا صلى الله عليه وسلم لتقوى محبتنا له ،
فإذا ما أحببناه اقتدينا بهدية وتأدبنا بآدابه وتعاليمه ، فبمتابعته يتميز أهل الهدى من أهل الضلال.
نسأل المولى عز وجل أن يرزقنا حسن متابعته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأن ينفعنا بهدية ،
لنفوز بشفاعته ومحبته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأن يعيننا على خدمة السُنَّة النبوية المُطَهَّرة
وأن يجمعنا وإياكم تحت لواء المصطفى صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجعل حبك وحب رسولك أحب إلينا من أنفسنا وأبنائنا ومن الماء البارد على الظمأ ،
اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد وأوردنا حوضه ، وارزقنا مرافقته في الجنة ،
اللهم صلى وسلم وبارك أطيب وأزكى صلاة وسلام وبركة على رسولك
وخليلك محمد وعلى آله وصحبه
نشرت فى 8 أكتوبر 2009
بواسطة ahmedelbebani
عدد زيارات الموقع
285,130
ساحة النقاش