تشكّل نسب العاطلين عن العمل معضلة حقيقية لكل الدول، ولا يوجد استثناء في هذا الموضوع، فكفاءاة الاقتصاد في كل مكان تقاس بنسبة الشواغر من جهة، ونسبة الأيدي العاملة التي تبحث عن الوظائف ولا تجدها من جهة أخرى. ومن الإحصائيات التي يتردد ذكرها أن لدينا في المملكة ما يقارب من نصف مليون شخص يلاقون صعوبة في الحصول على وظائف - والأسباب كثيرة- منها شروط التأهيل، ونوعية العمل المفضل، وعدم وجود رغبة صادقة لدى بعض الشركات وأصحاب المؤسسات في استبدال العمالة الوافد بعمالة محلية، وإعطائها الفرصة لاكتساب الخبرة وإثبات وجودها. وفي نفس الوقت نقرأ باستمرار أن لدينا ما يزيد على سبعة ملايين عامل أجنبي.
والدول التي سبقتنا في ميادين كثيرة لم تصل إلى ما وصلت إليه بعمالة مستوردة، ولكنها أسست صناعتها ووسائل إنتاجها بسواعد وعقول محلية، وضمنت بذلك الاستمرارية، والرخاء، والتفوق. والبعض منها بدون شك استفاد من العمالة المهاجرة؛ ولكن نسبها بقيت أقل بكثير مقارنة بالعمالة المحلية. وأمريكا والدول الأوروبية مثال واضح على ذلك، وهذا عكس ما هو موجود في دول الخليج العربي بصفة عامة. ولأن الدولة ركّزت في الآونة الأخيرة على تطوير التعليم وتحسين مخرجاته؛ فإن الأعداد الكبيرة التي ستتخرج وتنضم إلى طوابير الباحثين عن العمل قريبًا ستزيد من حدة التنافس في سوق العمل، وربما نرى ارتفاعًا كبيرًا في معدلات نسب البطالة في السنوات القادمة، ولهذا يجب العمل على إيجاد حلول عملية قبل تفاقم مشاكل الخرجين في شتى التخصصات عندما يصبحون يجوبون الشوارع، ويتسكعون في المقاهي بدون عمل وبدون دخل شهري يسد حاجاتهم.
ومن الأمور الجوهرية التي يجب أن نركز عليها هي غرس ثقافة العمل لدى المواطنين بصفة عامة، وأحسب أن وزير العمل يضرب لنا مثالاً رائعًا عندما يذهب إلي بعض المطاعم ويشارك في خدمتها بشكل رمزي؛ ولكنه ذا مغزى عميق، ورسالة واضحة يجب استيعابها.
كما لا يفوتنا أيضًا أن ندرك أن نصف المجتمع كان مغيبًا عن سوق العمل، وأن قرار الدولة بتوسيع فرص عمل المرأة سيضاعف الضغط على سوق العمل، وأن على الشباب التيقن أن فرص العمل سيفوز بها الأكثر قدرة على التكيف مع متطلبات الوظائف المتاحة.
إن ما نطالب به في الوقت الراهن بأقل قدر من الجهد ونعتبره تحصيل حاصل سيصبح في المستقبل صعب المنال، وأن الحرف التي نرفضها ونتأفف من الانخراط فيها اليوم ستصبح ميدانًا للتنافس الشديد. وكلنا يعلم أن لدينا عددًا كبيرًا من الحرف التي بها مجال واسع للتوظيف؛ ولكن العمالة الأجنبية هي التي تجني ثمارها - في الوقت الراهن-، وفي نفس الوقت تستنزف موارد البلد المالية لتحويلها إلى الخارج. والمعلومات المتوفرة تدل على أن تحويلات العمالة الأجنبية بلغت خمسة وعشرون مليار دولار سنويًّا، حسبما ذكر أحد المختصين في وزارة العمل في إحدى الندوات التي عقدت قبل فترة في مقر جريدة المدينة بجدة، وهي تعادل مئة مليار ريال سنويًّا، تذهب إلى خارج المملكة ولا يستفيد منها الاقتصاد المحلي. ولو اتجه الشباب السعودي لهذه المهن؛ بدلاً من التغني بثقافة الإحباط، وانتظار شواغر الوظائف الحكومية، لبقيت نسبة كبيرة منها في الداخل، ولتم تدويرها في قنوات الاقتصاد المحلي، ولتكون لدينا طبقة عمالة وطنية مهنية ومستقرة، مثلما هو حاصل في أرامكو وسابك.
إن الهدف من هذا الطرح تسليط بعض الضوء على هذه الهموم، ودفع الشباب لإتقان أصول اللعبة، وفهم الحقائق كما يجب، لا كما يتمناها البعض. فالاعتمادية والرفاهية والوفرة لن تدوم. والفرص الجيدة سيفوز بها المثابر و المقتدر. كما أن على الشركات والمؤسسات التجارية مسؤولية إحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة بشكل تدريجي وفي أسرع وقت ممكن.
والمطلوب من وزارتي التعليم العالي وزارة العمل متابعة مسيرة توظيف الألف طالب وطالبة الذين أشرف معالي الدكتور خالد العنقري على تخرجهم من الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهي أول دفعة بهذا العدد تتخرج من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وجعلها نموذجًا لكيفية التعامل مع توظيف الدفعات القادمة.
م. سعيد الفرحة الغامدي
نشرت فى 10 فبراير 2010
بواسطة ahmedelbebani
عدد زيارات الموقع
285,366
ساحة النقاش