حكاية رمزية يتم تداولها عبر الإنترنت، تفرض فيها إحدى الممالك القديمة في أوروبا حصاراً على مملكة أخرى. يوجه ملكها إلى نظيره المُحاصر سؤالاً: ''ماذا تريد المرأة؟'' وتكون الإجابة على هذا السؤال شرطاً لفك الحصار. لا يستطيع الملك المُحاصر معرفة ماذا تريد المرأة، ولا تستطيع ذلك حاشيته ولا وزراؤه ولا خبراؤه ولا مفكروه. ينصحه أحدهم بالذهاب إلى عرافة عجوز قبيحة، تشترط بدورها أن يزوجها أحد أكثر رجاله نبلاً ووسامة، لتدلهم على الإجابة. يقبل الفارس النبيل الزواج من أجل مملكته. ويأتي جواب العرافة تالياً: ''إن كل ما تريده المرأة حقاً، هو أن تترك لها حرية الاختيار!''. تُنهي هذه الإجابة حصار المملكة. وفي يوم الزفاف، يفاجأ الفارس بعروسه القبيحة، وقد تحولت صبية فاتنة. يسألها متعجباً عما يرى. تجيب: ''لأنك قبلت الزواج مني، فقد قررت أن أمنحك فرصة، وعليك الاختيار؛ إما أن أصبح جميلة في الليل فقط، أو في النهار فقط''. يحتار النبيل طويلاً، ثم بعد تفكير عميق يجيبها: ''سأمنحكِ أنتِ الاختيار''. تبتسم العرافة. تقرر: ''إذاً. أظل جميلة طوال الليل والنهار''.

جمال المرأة الحقيقي لا يُطلب بل يُطلق. الطلب وثاق والإطلاق ثقة. الجمال يخنقه الوثاق، يُكبِّله، وتحرره الثقة، تبعثه. جمال المرأة ليس طينيا فقط، بل هو مزيج من روحها وعقلها وقلبها وفكرها وذكائها ورهافتها وحاستها وعاطفتها وأمومتها وأنوثتها وعذوبتها وكبريائها وتمردها وقوتها وحتى ضعفها. إنه عبقها الخاص وعزفها المنفرد وسحرها المتفرِّد. المرأة أشبه بمحيط هائل عميق. محيط عصي على الفهم والاحتواء والإحاطة بأسراره وخباياه وغياهبه. لا ينكشف لك الجمال المتكون في عمق المحيط، حتى تؤمن بامتداده الشاسع وعمقه الفاتن وقدرته الخارقة وكيانه الاستثنائي، وقبل ذلك، تؤمن بقصورك إليه: كيف أنت لولا أن الجمال يحيط بك؟ حينها فقط، ستنصرف إليه بصدق، تنصت إليه بثقة، تمتد فيه بتواضع، تلجه بحب. حينها يتحرر الجمال الكامن في أعماق المحيط (المرأة)، ويكشف لك شيئاً من أسراره المتناهية العمق. هكذا تحرر الثقة الجمال المختبئ في الأشياء. فالثقة رهان. وهكذا المرأة، كلما مددتها بثقة (ما تختار وما تقرر وما ترى وما تريد وما تمضي إليه)، مدَّتك بثقة رِهانها. أبدعتك خياراتها. أظهرت لك أجمل ما فيها. أدهشتك والآخرين بما لم تتوقعونه من قدراتها. الجمال الكامن في المرأة أكبر بكثير من أن يقع عليه (رجل أو مجتمع) سطحيين أو تقليديين، بل هما أقل بكثير من أن يحيطا به أو يدركانه. مثل هؤلاء لا يرون في جمال المرأة إلا قشرة خارج، فتراهما يعملان إما على غمغمته وحجبه وإخفائه وتغييبه، أو على افتراسه وابتذاله وامتهانه وبروزته.

المرأة عرَّافة للجمال، لا لما تمتلكه من جمال وهبته لها الطبيعة فقط، بل لأن ممكنات الجمال عندها غير منتهية. فهي قادرة على إخراج تنويعات مختلفة ومتعددة للجمال. قادرة على تحويل مفاهيم الجمال وتوسيعها، قادرة على مفاجأة الآخرين بتعريفات جديدة ومبتكرة للجمال. لكنها عرَّافة لئيمة. تمتحن الأشياء بدهاء، قبل أن تهبها جمالها الكامن والمخبوء، أو تبقيه مستوراً، إلا ما ظهر..

إذا أردت (رجلاً أو مجتمعاً)، أن تقع على إمكانات الجمال العميقة في المرأة، عليك فقط أن تمنحها خيار أن تكون ذاتها. أن تجعلها تثق بثقتك بها، ثم تأكد أن جمالها الحقيقي لن يخذلك. لكن حتماً أنتما (أيها الرجل وأيها المجتمع)، لن تريا من جمال المرأة الكامن ما يُقنع، طالما المرأة بينكم ضلع أعوج، وخطيئة أبدية، وشيطان متحفز. طالما هي عقل ناقص وطاعة ناقضة. طالما حريتها الشخصية والفكرية ضلال وتيه وانحراف وفساد وشر وفتنة وخروج على الدين والأعراف والعادات والتقاليد..

حتماً لن تقعا على جمال المرأة، ولن توقعكما المرأة في جمالها، طالما ذاتها بينكما هامش، فيما كل الذوات الأخرى متن. لن تريا جمالها المخبوء، طالما عليها في كل مرة أن تبتكر أعذارها، قبل أن تعبِّر عن أي من رغباتها الخاصة. طالما عليها أن تصيغ رغباتها وفق رغبات الآخرين، وتبرمج إرادتها وفق إرادات الآخرين كي تحظى بقبولكما وموافقتكما. طالما عليها أن تقول دائماً: ''لأن أبي يريد''، أو ''لأن أخي يريد''، أو ''لأن زوجي يريد''، أو ''لأن أبنائي يريدون''، لكن ليس مقبولاً منها أن تقول: ''لأني أنا أريد''. فتلك أنانية قبيحة، خارجة عما رسمته لها نواميس الكون من دور تضحوي.

ماذا تريد المرأة؟ هل سأل أحد عن ذلك؟ ''إن كل ما تريده المرأة حقاً، هو أن تترك لها حرية الاختيار!''، من دون أن تُلجم، من دون أن ترجم، من دون أن تُهشم، من دون أن تُلعن، من دون أن تحارب، من دون أن تُسفه، ومن دون أن تُقتل واقفة.

تريد المرأة أن يثق الآخرون بقدرتها على بعث مساحات الجمال الحقيقية حولها، ''سأمنحكِ أنتِ الاختيار''، تكفي لفك حصار القبح الباسط نفوذه على كل شيء ذكوري حولنا. ''المرأة هي التي تلقي بالضوء الأعظم، أو بالعتمة العظمى في أحلامنا'' كما يقول بودلير. المجتمع الذي تمنعه أوهامه أن يمنح المرأة حرية الاختيار، (اختيار ما تريد أن تكونه ذاتها الحقيقية، ذاتها غير المرهونة، في كل حركاتها وسكناتها، بالذوات الأخرى المحاصرة لها فكرياً وسلوكياً)، هو مجتمع غاط في عتمة عظيمة لا فكاك له من قبحها.

''سأمنحكِ أنتِ الاختيار''، كافية لتلقي المرأة بضوئها الأعظم على الحياة، لتحيلها حُلماً محرراً بمعاني الجمال التي لم نرها بعد.

<!-- google_ad_section_end -->
  • Currently 110/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 226 مشاهدة
نشرت فى 27 يناير 2010 بواسطة ahmedelbebani

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

285,774