* شوقي رافع
القانون الأمريكي يسمح للطفل أن يرفع سماعة الهاتف ويتصل بالشرطة إذا شعر بأن أحد والديه أساء إليه إساءة بالغة، مع ذلك، فإن دراسة صدرت أخيراً عن مؤسسة منع الإساءة للطفل في مدينة نيويورك تؤكد أن 92 في المائة من الأسر الأمريكية تسيء معاملة أطفالها، ولاحظت الدراسة أن انقطاع الحوار بين الطفل ووالديه هو القاسم المشترك بين هذه الأسر وأن الأهل في معظمهم يحاولون فرض ((مجتمع الطاعة)) على أطفالهم بوسائل مختلفة، تبدأ بحرمانهم من وسائل الترفيه وصولاً إلى تأديبهم جسدياً، وتكشف الدراسة أن ما يزيد على مليون طفل يهربون سنوياً من ((جحيم)) الأسرة ليلتحقوا بجماعات أو عصابات يعتقدون أنها توفر لهم حق ((المساواة)) مع الآخرين، من دون أن تفرض عليهم سلطة ((الوصاية مقابل الحماية)) وتؤكد أن حرمان الطفل من حقوقه هو أقرب طريق إلى الإعاقة النفسية والجسدية والعقلية والعاطفية، وهذه الإعاقة توصد أبواب الإبداع أمام أطفال أمريكا، وتلغي الديمقراطية الشعبية التي هي أساس تقدم وتطور المجتمع الأمريكي.
هذا في الغرب، أما في أرض العرب فإن مجتمع الطاعة هو القاعدة، وما عداه استثناء، فالأب يفرض فضيلة الطاعة على الطفل والأستاذ يرفع علامات التلميذ المطيع بينما يعتبر القائد أن الطاعة فريضة على الجميع وتتحول بالتالي المنازل إلى ثكنات أبوية ويصبح أبرز هموم السلطة إعادة إنتاج هذه الثكنات في المدرسة كما في الدوائر الحكومية، كما في المؤسسات الإعلامية وحتى في صفوف أحزاب المعارضة.
ـ عذاب القبر:
وفي مجتمعات الطاعة في أرض العرب والمسلمين فإن وسائل ((تطويع)) المجتمع حققت تقدماً مذهلاً. ولكن أرفع تقنيات هذا التقدم تظهر في حقول تطويع الطفل، ففي كتاب مدرسي للصف الأول الابتدائي، يدرس في دولة عربية، يقرأ التلميذ الدرس الأول وهو يحمل عنوان ((عذاب القبر)) وفيه صورة مروعة لطفل يمشي فوق حبل يفترض أنه الصراط المستقيم، ومن حوله تلتهب النيران ولا يترك هذا الدرس شيئاً من التفاصيل دون أن يشرحها عن أنواع العذاب التي يمكن أن يتعرض لها الطفل إذا أخطأ. وهذا التركيز على العقاب، دون الثواب، وبعيداً عن ((الرحمن الرحيم)) الجنان التي تجري من تحتها الأنهار يتم تكريسه في مجتمع الكبار اليوم على خطين متوازيين لا يلتقيان، بعض أهل السلطة يرى في الخروج على طاعة ((أولي الأمر منكم)) كفراً مبيناً يستحق فاعله عذاب النار ((خالدين فيها أبداً)) وفريق من الأصوليين يرى أن اليد وليس اللسان هي الوسيلة الأفعل لتغيير المنكر، وبالتالي فإن ذبح الآخرين هو أسرع الطرق لتجنب عذاب النار والدخول في نعيم جنات الخلد.
إن الإرهاب يبدأ من المنزل (!).
ومع أن الحديث عن حقوق الطفل في مجتمعات الاستبداد الشرقي، يبدو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع إلا أن دول العالم اليوم ولأسباب مختلفة باتت تفرض عقوبات ميدانية على الدول التي تسيء معاملة أطفالها، فمثلاً قامت فتاتان من غواتيمالا بتفجير فضيحة مدوية في أمريكا، عندما كشفتا أن أكبر شركات صنع الملابس في أمريكا، أقامت لها فروعاً في دول أمريكا اللاتينية، ومن بينها غواتيمالا، وإن فروع هذه الشركات لا توفر استخدام الأطفال في صنع الملابس، لأنهم من الأيدي العاملة الأكثر رخصاً، ومن قبل فرضت الحكومة الأمريكية، وكذلك بعض الحكومات الأوربية تخفيض استيراد السجاد من الهند بعد أن تبين أن هذه الصناعة تقوم بشكل رئيسي على عمل الأطفال، وهذا ما حدث أيضاً للقمصان المستوردة من مصر حين زعمت الإدارة الأمريكية، أنها تعتمد على أيدي الأطفال ولعل المنافسة مع إسرائيل وراء هذا الزعم.
وفي السياق نفسه، فإن العالم يشهد اليوم حملة واسعة للقضاء على ما يسمى ((دعارة الأطفال)) من الهند إلى البرازيل وصولاً إلى تايلاند ... ومن هنا فإن ((حقوق الطفل)) ربما تتل في السنوات المقبلة المرتبة التي تحتلها اليوم ((حقوق الإنسان)) في اهتمامات العالم.
إن ((اتفاقية حقوق الطفل)) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع،تضم 45 مادة، من بينها: ((يعني الطفل كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه)).
((يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية ... وتتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته ... وإذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته تقدم الدول الأطراف المساعدة الحماية من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته)).
((تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب، وفقاً لسن الطفل ونضجه)).
((يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل)).
ـ الحق في تكوين الجمعيات:
وتضيف الاتفاقية ((تخدم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين)).
((تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفي حرية الاجتماع السلمي)).
((تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال ... )).
((تتخذ الدول الأطراف شتى التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتماشى مع كرامة الطفل الإنسانية)).
((تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي)).
((تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن إلا يشترك الأشخاص الذين لم تبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكاً مباشراً في الحرب، وتمتنع عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة .. )).
((عدم إكرام الطفل على الادلاء بشهادة أو الاعتراف بالذنب)).
هذه بعض حقوق الطفل كما أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولعل كثيرين من البالغين في أرض العرب والمسلمين يتمنون على حكامهم أن يتعاملوا معهم ولو باعتبارهم أطفالاً ... (!) .
نشرت فى 21 يناير 2010
بواسطة ahmedelbebani
عدد زيارات الموقع
285,127
ساحة النقاش