الخطوبة فى الاسلام
* أحكامها وآدابها :
الخطبة هي المقدمة والمدخل إلى عقد النكاح وهي في ذاتها عقد إبتدائي لإعلان القبول بالزواج بين طرفين، والخطبة المشروعة لا بد أن نتبع فيها ما يأتي:
* النظرة إلى المرأة قبل الخطبة *
يجب على من وقع في قلبه إمرأة أن ينظر إليها قبل التقدم لخطبتها وهذا النظر واجب للأحاديث الآتية:
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب إمرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما] أي أن إعجابك بها أحرى بأن تدوم العشرة بينكما. رواه الخمسة إلا أبا داود.
حديث أبي هريرة قال: خطب رجل إمرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً] رواه أحمد والنسائي.
وليس عندنا في السنة -على ما أعلم- تحديد لحدود هذا النظر وكيفيته فما يجوز للمرأة كشفه أمام الأجانب هو الوجه والكفان (على خلاف بين السلف والفقهاء) فهل النظر إلى هذا فقط أم إلى هذا وغيره؟
تشدد بعض الفقهاء، فقال بأن النظر للخطبة لا يجوز إلا للوجه والكفين فقط. ووسع آخرون إلى ما يبيحه العرف الإسلامي، ولا شك أن هذا إفراط وذاك تفريط، والوسط هو العدل.
من ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
[إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل]. رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الشافعي وعبدالرزاق والحاكم وصححه وقال الحافظ رجاله ثقات، قال الشوكاني.. وفي إسناده محمد بن إسحاق، وأعلنه ابن القطان بواقد بن عمرو.. فإن صح الحديث فهو حجة لأكثر من الوجه والكفين، وقد جاء عن بعض السلف أنهم نظروا عند الخطبة لأكثر من ذلك.
* الخلوة ليست من المباحات *
هذا وليست الخلوة بالأجنبية جائزة، ولو رغب في زواجها للأحاديث الكثيرة التي جاءت بالنهي عن ذلك فمن ذلك حديث جابر عند أحمد: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان]، وحديث عقبة بن عامر في البخاري ومسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إياكم والدخول على النساء] ، ويشهد لهذين الحديثين حديث ابن عباس المتفق عليه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم].
فلهذه الأحاديث فإنه يجب أن يعلم أن الخلوة ليست بجائزة ولو لطالب الزواج إلا أن تكون الخلوة مع محرم للمرأة.
* الخطبة على الخطبة *
يجوز إذا تقدم رجل لخطبة إمرأة أن يتقدم ثان وثالث وأكثر من ذلك ما لم توافق على واحد منهم.
فإن وافقت المرأة وأولياؤها على واحد من الخطاب فلا يجوز لأحد التقدم إلى الخطبة بعد ذلك لأن هذا منهي عنه نهياً شديداً وهو من أسباب نشر العداوة والبغضاء في المجتمع المسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: [لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك] رواه البخاري وفي رواية أخرى قال: [لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخطاب قبله أو يأذن له الخاطب] رواه أحمد والنسائي.
* وأما لو وقع هذا فما الحكم؟
قال بعض الفقهاء يفسح نكاحها من الثاني (الذي خطب الرجل على خطبة أخيه) وترد إلى الأول ، وجعلوا هذا من مبطلات عقد النكاح,.
وجعل البعض هذا غير مبطل للعقد ولكنه معاقب عليه شرعاً فعند هؤلاء لا يبطل العقد إن وقع وإن كان فاعل هذا يستحق التعزير والمجازاة.
ونرى أن الخطبة عقد جائز ولم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على ترتب حقوق معينة بالفسخ فإذا وقعت الخطبة على الخطبة فلا نرى بطلان زواج الثاني وإن كنا نرى أنه ظالم وأنه يجب عليه الرجوع عن خطبته وأنه مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة وكذلك من وافقه من المرأة والأولياء، ولما كان الأصل في عقد الزواج التراضي كما سيأتي في شروط النكاح فإننا نرى أنه لا يجوز أن يعقد عقده مع الإكراه أبداً.
* الخطبة في العدة *
* هناك أوقات وحالات لا يجوز أن يتقدم فيها إلى خطبة النساء وهي:
(أ) عدة المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً :
فلا يجوز في عدة الطلاق أن يتقدم رجل بخطبة هذه المرأة حتى تنتهي عدتها وذلك أن (الرجعية) ما زالت معلقة بحبل الزواج طالما هي في العدة. وأما البائن وإن كان لا يجوز أن ترجع إلى زوجها إلا بعد نكاح آخر فإن هناك اتفاقاً على أنه لا يجوز ذلك ولم يأت في الكتاب والسنة ما يبيح ذلك. هذا ولا يجوز أيضاً التعريض بخطبتها.
(ب) عدة الوفاة :
المرأة التي يتوفى عنها زوجها لا يجوز لأحد التقدم لخطبتها حتى تمر عليها أربعة أشهر وعشر أو تضع حملها إن كانت حاملاً. ولكن يجوز أن تشعر بالخطبة تعريضاً وتلميحاً لا تصريحاً.. كأن يقال لها: "إني أبحث عن امرأة فاضلة وأود لو أنني وفقت لذلك" ونحو هذا من العبارات التي تفهم الرغبة في الزواج وليست نصاً صريحاً في الخطبة كما قال تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم}.. (البقرة).
*من بدع الخطبة في العصر الراهن*
من الأحكام السابقة يظهر لنا أن الخطبة في الشريعة الإسلامية اتفاق على الزواج، وأنها لا تحل شيئاً من المخطوبة غير النظر إليها قبل الخطبة، وأنه لا يترتب على فسخها شيء من الحقوق، ولا يشترط لعقدها حضور شهود ولكن لو تمت بحضور شهود فلا بأس بذلك وأنه يستحسن أن يكون من الأولياء أعني ولي المرأة ونائباً عن الرجل وأن هذه الخطبة تمهيد لعقد الزواج الذي يتوقف على الحقوق والواجبات الخاصة بكل من الزوجين عليه.
والخطبة في شريعة المذاهب المحرفة غير ذلك فهم يعتبرونها عقد يبيح للخاطب كل شيء في مخطوبته إلا النكاح كالنظرة والخلوة والاستمتاع بكل شيء عدا النكاح ولذلك تعقد أمام الكاهن وبشهود وبتقديم مهر. ولأنه يقام في هذه الخطبة حفل كهنوتي خاص والحفلات من الأمور التي يقلد الناس فيه بعضهم بعضاً فإنه سرى إلى المسلمين عدوى هذا الاحتفال بالخطبة والعادات والتقاليد التي تصنع فيه كتبادل (الخواتم) والشراب ودفع مهر يسميه الناس (الشبكة)، ويصبح الخاطب بعد هذه الحفلة أشبه بالزوج يخلو بخطيبته ويسافر بها، بل ولا يستنكر الناس استمتاعه بها فيما عدا الجماع وذلك كالشرائع المحرفة سواء بسواء، وقد أدى هذا إلى فساد كبير فكثيراً ما تفسخ الخطبة من قبل الخاطب أو المخطوبة وحيث إنه لا يترتب على ذلك حقوق معروفة في الشريعة الإسلامية فإن المشاكل تحدث حول رد الهدايا، والشبكة وما قد يكون الخاطب قد خسره في أثناء فترة الخطبة التي قد تمتد عند بعض الناس إلى سنوات هذا عدا الفساد الذي كثيراً ما يحدث بالخلوة والتقاط الصور التي تكون أحياناً وسيلة إفساد وإضرار بالمرأة عند فسخ الخطوبة.
ولذلك فإننا نحذر إخواننا المسلمين من هذه العادات السيئة التي انتشرت فينا باتباعنا سنن الضالين في زواجهم وأن يكتفي في الخطبة بالإعلام والإشعار فقط وإظهار الموافقة من قبل أولياء المرأة، والاقتصار في الخطبة على ما لا يكلف الخاطب أو المخطوبة ما لا يندم بعضهم عليه عند الفسخ.
ولا يجوز قولاً واحداً للخاطب الاطلاع من خطيبته إلا على ما يجوز للأجنبي الاطلاع عليه.
ونرى أيضاً أن تبادل (الخواتم) من شريعة غير المسلمين وإن كانت قد انتشرت في المسلمين فليس انتشارها أبداً - دليلاً على جوازها.
وبهذا نعلم أنه لا يترتب على فسخ الخطبة آثار معينة على الرجل أو المرأة لأن الخطبة على النحو الإسلامي تكون مجرد اتفاق مبدئي على الزواج، فإذا ألغي فلا أثر يترتب عليه لأنه لم تحصل مخالطة أو مهر (هذا الذي يسمونه الشبكة) أو غير ذلك.
أما إذا كان الشخص قد تورط ودفع شيئاً من هذا عند الخطبة فنرى أنه لا يجوز للرجل أن يسترده إذا كان الفسخ منه لقوله صلى الله عليه وسلم: [العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه]، وهذه هبة لامرأة كان ينوي الزواج بها فإذا صرف نظره فلا يجوز له العود في هذه الهبة.
وأما إذا كان الفسخ من قبل المرأة فنرى أنه يجب عليها أن ترد ما أخذته منه إذ هل يستحل مالاً من صاحبه بغير عوض وبغير طيب نفس منه. وإذا كان الله قد أذن للرجل أن يأخذ المهر الذي دفعه لزوجته إذا كان طلب الطلاق منها فمن باب أولى أن ترد المخطوبة ما أخذته من الرجل .
ساحة النقاش