ميلادُ نجمٍ (قصةٌ قصيرةٌ)
والآنَ مِسكُ الختامِ، مع كلمةِ نجمِ حفلِنا الساطعِ، الصحفيِّ الشهيرِ، منير علام.
حينَ نطقَ مقدمُ الحفلِ اسمَهُ، لم يجدْ بدًا مِن القيامِ، دوَّتِ القاعةُ بِالتصفيقِ، أُسقِطَ في يدِهِ، اضطرَّ لِلتقدمِ واعتلاءِ المنصةِ؛ سارَ بِخطيً وجلةٍ. تبخرَتِ الكلماتُ التي كان قدْ أعدَّها لِهذا الموقفِ مِن رأسِهِ، يكرهُ الحفلاتِ المكتظةَ، والملابسَ الرسميةَ، وربطاتِ العنقِ الخانقةَ.
زادَ الطينَ بِلةً، تلكَ العباراتُ القصيرةُ الرنانةُ، التي أردفَتِ اسمَهُ، لتسردَ على الحاضرِينَ الجوائزَ العديدةَ التي حصدَها.
حينَ واجهَ الجمهورَ، تعلقَتْ بِهِ الأعينُ، ارتجَّ عليهِ القولُ باديءَ الأمرِ، وسرعانَ ما استعادَ رباطَةَ جأشِهِ، واستردَّ ثقتَهُ بِنفسِهِ. أجالَ بصرَهُ في الحاضرِينَ مبتسمًا، ثمَّ تدفقَتِ الصُّورُ على عقلِهِ، وانسابَتِ الكلماتُ على لسانِهِ.
في مثلِ هذا اليومِ من أربعينَ عامًا، كان طفلٌ قرويٌّ أسمرُ، من أعماقِ الريفِ المصريِّ، يلهُو وحيدًا في الأرضِ الزراعيةِ، المملوكةِ لوالدِه: يطاردُ الضفادعَ، ويصطادُ الفراشاتِ، وحشراتِ الحقلِ، ويتسلقُ الشجرَ؛ ليقطفَ بعضَ الثمارِ الطازجةِ، يعودُ مع مغيبِ الشمسِ إلى البيتِ، حيثُ الطعامُ والدفءُ والنومُ، استعدادًا للتبكيرِ ليومٍ جديدٍ.
يشبُّ قليلًا، فتقلُّ ساعاتُ اللهوِ، وتزيدُ ساعاتُ العملِ الشاقِّ، وتمرُّ أيامُهُ رتيبةً، كئيبةً، ويأخذُ المللُ بتلابيبِه،ِ فلا يجدُ إلى دفعِهِ سبيلًا. أترابُهُ يروحونَ للمدارسِ ويجيئونَ، وهو مِن دونِهم حبيسُ الحقلِ، يشقُّ الأرضَ تارةً، ويبذرُ الحبَّ أخرَى، ويسقِي الزرعَ، ويقتلعُ الحشائشَ.
كم تمنَّى أنْ يلبسَ ملابسَهم المميزةَ، ويحملَ حقائبَهم الثقيلةَ، ويحييَ العلمَ في طابورِ الصباحِ، بل ودَّ لو يُسمحُ له بالوقوفِ تحتَ نافذةِ الفصلِ، ليرددَ معهم أناشيدَهم الجميلةَ.
يعودُ أخوهُ الغائبُ من الخارجِ، يتوافدُ الأقاربُ والجيرانُ لِلتهنئةِ بسلامةِ العودةِ، يَصدرُونَ محملينَ بِالهدايا الخفيفةِ، والطرفِ الثمينةِ.
يسوقُ القدرُ معَهم ناظرَ المدرسةِ الوحيدةِ في القريةِ.
جاءَ في المساءِ، ووقعَتْ عينُهُ على الطفلِ، فسألَ: في أيِّ عامٍ دراسيٍّ هو؟، فأُخبِرَ أنَّهُ لم يلتحقْ بالتعليمِ!، فثارَ غاضبًا؛ ووبخَهم بشدَّةٍ؛ وطلبَ تحضيرَ أوراقِهِ على الفورِ، وإحضارَهُ لِلمدرسةِ من الغدِ.
بعدَ أشهرٍ؛ كان صاحبُكم يستعدُّ لِأداءِ امتحاناتِ النقلِ، بعدَ أنْ تولَّى المُربِي الفاضلُ تعليمَهُ بنفسِه، ثم أهلَّهُ لِيلحقَ بمَن سبقَهُ مِن أترابِهِ، فيتفوقُ عليهم، ويواصلُ تفوقَهُ حتَّى التخرجِ في كليةِ الإعلامِ، وينتظمُ في بلاطِ صاحبةِ الجلالةِ.
عادَتِ الأكفُّ تلتهبُ بالتصفيقِ الحارِّ، ترحيبًا بِالنجمِ الشهيرِ، الذي التحقَ بِقطارِالتعليمِ قدَرًا.
أحمد عبد السلام_مصر