القُوتُ والقَاتُ
كفيلُنا الذي كانَ يقتاتُ مِن خياطةِ زوجتِهِ، ويهيمُ بِالقاتِ، أصبحَ مُقاوِلًا كبيرًا، ينفذُ مشروعاتٍ بِالملايينَ، كنتُ رئيسًا لِلعمالِ، معِي مهندسٌ سودانيٌ واثنا عشر عاملًا مِن كلِّ الجنسياتِ. كفيلُنا ضخمُ الجثةِ، قويُّ البنيانِ، تتفجرُ أنهارُ الصحةِ بينَ جنباتِ بدنِهِ، يأوِي إلَى الظلِّ، يأكلُ المشهياتِ ويشربُ، بيَنما نتصببُ عرقًا، ونأكلُ الفُتاتَ، عدتُ مِن مهمةٍ، ، لِأجدَهُ قد كلفَّ المهندسَ بِعملٍ يدوِيٍّ شاقٍّ! تصدَّيْتُ لَهُ، علَتْ أصواتُنا، بِالكادِ أفهمتُهُ، أنَّ المهندسَ لَهُ عملٌ مختلفٌ عنْ بقيةِ العمالِ، انصرَفَ مُدمدِمًا. كان المهندسُ نحيلًا كالعصَا، تحسبُهُ هيكلًا عظميًا مدهونًا بِالسوادِ، ما ترَى منهُ سوَى عينانِ تُشعانِ ذكاءً وطيبةً، يكادُ لا يأكلُ ولا ينامُ، مُنكبًّا على عملِهِ نهارًا، وكُتبِهِ ليلًا، ويتقاضَى ألفيْ ريالٍ، كمْ رجوتُ الكفيلَ أنْ يزيدَهُ فنهرَنِي، مددتُ يدِي فأنهضتُهُ مِن سقطتِهِ، بعدَ أنْ طرحَهُ الكفيلُ أرضًا، شكرَنِي بِنظرةِ امتنانٍ،  بعدَ سنواتٍ أرسلَ إليَّ الكفيلُ يرجُونِي الحضورَ بِالشروطِ التِي أُحددُها، وجدتُهُ كأنِّي فارقتُهُ مِن خمسينَ سنةٍ، وقدْ أكلَ السُّكريُّ لحمَهُ وعصبَهُ، وكانَ لا يفتأُ يرددُ: سامحُونِي يا أولادُ، رثيْتُ لِحالِهِ. ذاتَ صباحٍ، فوجئْتُ بِالسودانِي، ينزلُ مِن سيارةٍ فارهةٍ، عليْهِ أثرُ النعمةِ، عانقَنِي بِقوةٍ، وأخبرنِي أنَّهُ التحقَ بِهيئةِ التدريسِ بالجامعةِ، ويتقاضَى ثلاثينَ ألفَ ريالٍ شهريًا.

المصدر: صفحتي على الفيس بوك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 19 مايو 2015 بواسطة ahmed1957eg

عدد زيارات الموقع

21,527