authentication required

حكمةٌ
أولُ ليلةٍ يبيتُها وحدَه منذُ تزوّجَ قبْلَ أعوامٍ، يستعصِى عليهِ النومُ وهو الذي كان يغطُّ في سباتٍ عميقٍ بمجردِ أنْ تَمسَّ رأسُهُ الوسادةَ، سَرحَ ببصرِهِ إلى البابِ الذي صفقَهُ خلفَها في الصباحِ وهو يهدِرُ: " أنتِ طالق". لا يدري كيف نطقَ بِها؟ هذه الكلمةَ التي هدمتْ سعادتَه، وأتتْ على بنيانِهِ مِنَ القواعِدِ، هو يعلمُ تمامًا أنَّها أبغضُ الحلالِ، ولطالَما نصحَ العديدَ من أصدقائِهِ أنْ لا يُعوِّدُوا ألسنتَهم عليها، وأنْ لا يستسلموا لنوباتِ الغضبِ الطارئةِ، التي تُشتَّتُ الأسرَ المترابطةَ، وتعصفُ بالبيوتِ الهانئةِ ، وتتركُها، خاويةً على عروشِها، ينعبُ فيها البومُ والغربانُ، بعد أنْ كانتْ تصدحُ في جنباتِها العصافيرُ والبلابلُ، وها هو اليومَ يقعُ في الفخِّ الذي حذَّرَ الآخرينَ منهُ، ولا يُغنِي حذرٌ مِن قدرٍ، الآن فقط أحسَّ بأنَّ المشكلةَ كانت هينةً، وأنَّ الخطْبَ لم يكن جَسيمًا، وأنَّ العلاجَ كان مُمكنًا، بقليلٍ مِن الصبرِ والحكمةِ، وكظْمِ الغيظِ، هل زادتْ على أنْ طلبتْ منه زيادةَ النفقةِ؟ وأشارتْ عليهِ بعملٍ إضافيٍ بدلًا مِن السهرِ أمامَ الإنترنيت والفضائياتِ؟ لا، لا، ليسَ سهلًا عليْه أنْ تقارِنَ حالَها بحالِ أختِها التي ترفلُ في الحريرِ، وتتحلَّى بالذهبِ، بينما هي تقاسِي معَه شظفَ العيشِ راضيةً، لماذا لم يخرجْ من البيتِ ساعةً، ريثما يزولُ غضبُهُ؟ وقبل أنْ تفلتَ من لسانِهِ تلك الرصاصةُ الطائشةُ لتصيبَ سعادتَهما في مقتلٍ؟ لماذا لم يطبِّقْ تلك التوجيهاتِ النبويةَ التي يحفظُها عن ظهرِ قلبٍ لإطفاءِ الغضبِ؟ ها هوَ قدْ سمحَ للجمرةِ الحارقةِ أن تتأججَ في قلبِهِ حتى انطلقتْ شرارتُها من لسانِهِ لتأتيَ على الأخضرِ واليابسِ، لو أنه قام وتوضأ! لو أمرَها بالذهابِ لبيتِ أهلِها إلى أن يهدأَ! لكنَّها عنيدةٌ، لو انحنيتَ اليومَ شبرًا فستركبُك للأبدِ وتسوقُك إلى أي وِجهةٍ شاءتْ! نعم، لماذا ردتْ عليك؟ عاد يضعُ رأسَه بين كفيْهِ ويغمغمُ وهل هذا مبررٌ؟ ألم تكن نساءُ النبيِّ يراجعْنَهُ القولَ وتهجرُهُ إحداهنَّ إلى الليلِ؟ ألم يذهبِ الرجلُ ليشكوَ لِلفاروقِ ارتفاعَ صوتِ امرأتِهِ عليهِ فوجد حالَه كحالِه؟ وما ذنْبُ الصغيرِ الذي سيضيعُ بيننا؟ ثمّ، أليسَت هذه حبيبةَ القلبِ ومُنى النفسِ التي بادلتْك حُبًا بِحُبٍ، وكانتْ لك الحبيبةَ والزوجةَ والصدرَ الحنونَ والمستشارَ الأمينَ ورفيقةَ الكفاحِ؟ حين وصلَ بيتَ أبِيها لم يجِدْها، سألوُه لماذا لم تحضرْ معَه؟ ادَّعَى أنَّه كان مارًّا بِجوارِهم فبدَا لهُ أنْ يزورَهم، عادَ مُدمدِمًا ناعيًا كرامتَه، أدارَ المفتاحَ في البابِ ليجدَ مفاجأةً في انتظارِه.

المصدر: صفحتي على الفيس بوك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 18 مايو 2015 بواسطة ahmed1957eg

عدد زيارات الموقع

19,444