هو جنتك ونارك
إن أهم عوامل السعادة في الأسر والبيوت: هو فقه العشرة الزوجية بكل مفرداتها التي أوجبها الله- عز وجل- وهي حق واجب بالإجماع على الزوجين معا كل حسب موقعه، إذ قال- تعالى- في حق الرجال ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) النساء 19،
إن كثير من النساء يجهلون أو لا يعملون بما أوجب الله عليهن من الحقوق اتجاه أزواجهن مما يترتب عليه شروخ في العلاقات الزوجية وقد تتنامى مع الزمن فتظهر المشكلات الزوجية. فإلى كل زوجة نهدي هذه الكلمات الناصحة التي يمكن بها أن تكسب حب الزوج وتقديره ... وهذه الواجبات والحقوق نفصلها كما يلي:
قال ابن كثير في تفسيره : أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت
وقال ابن عباس: يعني أمراء عليهن . أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .
فإذا لم تمتثل لأمره بعد وعظها وتذكيرها بما أوجب الله عليها من صحبة لزوجها وجميل العشرة للزوج فله أن يقول لها برفق ولين: " كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب ولاتكوني من كذا وكذا ويذكرها بالموت والقبر والدار الآخرة " فإن لم ينفع الوعظ والتذكير بالرفق واللين فلينتقل إلى الهجر
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشه،ا ويوليها ظهره
وزاد آخرون:ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها والدليل: حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- الطويل: ( ... ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داوود وصححه الألباني
ويجوز أيضاً أن يهجرها خارج البيت؛ فقد صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه هجر نساء ه و اعتزلهن شهراً ، فعن أم سلمة- رضي الله عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا ، ولما مضى تسعه وعشرون يوما غدا عليهن أو راح، فقيل له : يا نبي الله ! حلفت أن لا تدخل عليهن شهرا ، قال : (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما) رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر : إن الجمع بينهما - أي: الهجر خارج المنزل والهجرداخل المنزل - إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال. فتح الباري.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، و ماأنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره " رواه البخاري
وقال الحافظ في الفتح: " وإلا فَغيبةُ الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته؛ بل يتأكد حينئذ عليها المنع؛ لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات - أي من غاب عنها زوجها - وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه ،وإذا غاب تعذر.
قال الحافظ الذهبي : روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكرفاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له ؟ قال:نعم، فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها .. حتى رضيت(سير أعلام النبلاء)
* قال النووي : والمختار: أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً، أو امرأة ، أو أحداً من محارم الزوجة ، فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء ، أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكره.
الخروج بإذن الزوج
قال الإمام أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة : "طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها.
طـاعــتــــه في المعـــروف
وهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرغب المرأة في طاعة زوجها حتى فيما لم يتبين لها فيه المنفعة أو ما قد تخالف فيه رأي زوجها؛ تقرباً إلى الله ومرضاته،
عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال : " آتى رجل بابنته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج ، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أطيعي أباك، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى ُتخبرني ما حق الزوج على زوجته ؟ قال: حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فـَـلحَـسَتها أو انتشر منخراه صديداً أو دماً ثم ابتلعته؛ ما أدت حقه، قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبداً؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكحوهن إلا بإذنهن ". رواه البزار وصححه الألباني. أي: والله إنها علمت الحق، وأبت الزواج؛ لعظم هذا الحق، فما بال نساء اليوم!؟
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت : (يا معشر النساء لو تعلمن حق أزواجكن عليكن؛ لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن وجه زوجها بنحر وجهها) مصنف أبي شيبه.
فعن أنس- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ". رواه الترمذي وصححه الألباني.
فإن المرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريق؛
وعن حصين بن محصن قال : " حدثتني عمتي قالت : أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض الحاجة، فقال: إي هذه ! أذاتُ بعل؟ قلت : نعم، قال : كيف أنتِ له ؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنتِ منه فإنه هو جنتك ونارك" رواه أحمد والحاكم.
قال محدث الشام ناصر الدين الألباني : (قلتُ والحديث ظاهرالدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها ، ومما لا شكفيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك) .آداب الزفاف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الخدمة بالمعروف وهذا هو الصواب ، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة " الفتاوىالكبرى
حــقـــه فــي الفـــراش
فقد روى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري .
قال الإمام النووي : " هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي ، وليس الحيض بعذر في الامتناع؛ لأن له حقاً في الاستمتاع بها فوق الإزار" .
حــفــظ الــســـر
قال النووي وقتادة : "حافظات للغيب : يحفظن في غيبه الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال ".
وقال:" ويدخل في قوله؛ وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة، ولا سيما حديث الرفث؛ فبذلك يحفظ العِرض"
قال الشيخ محمد إسماعيل : " وأما حفظ الغيب فهو واجب على كل من الزوجين؛لكنه في حق المرأة آكد وأقوى؛ لأن الخطر في تساهلها عظيم جداَ يهدد بأفظع النتائج الدينية والدنيوية، ويدمر الأسرة، فالمرأة الصالحة حافظة لزوجها في غيابه : من عرض فلا تزني ، ومن سرٍّ فلا تُفشي،ومن سمعة فلا تجعلها مضغة من الأفواه".
وقد ثبت حديث في تحريم نشر أسرار الاستمتاع منها :
إياكـــن وكفــرالمنعمــيــــن
عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : " لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه "
فعن أسماء ابنة زيد الأنصارية- رضي الله عنها- قالت : مر بي النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنا في جَوارٍ أتراب لي، فسلّم علينا، وقال : " إياكن وكفر المنعمين، فقلت : يا رسول الله ! وما كفرالمنعمين ؟ قال : لعل أحدكن تطول أيمتها من أبويها ثم يرزقها الله زوجاً، ويرزقها منه ولداً، فتغضب الغضبة، فتكفر؛ فتقول : ما رأيت منك خيراً قط " رواه البخاري
فعن أبي أذينة الصدفي- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية؛ إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات؛ وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم " . أخرجه أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني
وعن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها ،فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله- عز وجل- " مستدرك الحاكم صححه الألباني.
قال الإمام النووي : وسبب هذ االتحريم؛ أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت ، وحقه واجب على الفور؛ فلا يفوته بالتطوع، ولا بواجب على التراخي ، وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه ، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ، ويفسد صومها؛ لأن العادة أن المسلم يَهابُ انتهاك الصوم بالإفساد، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهته.
ومن هؤلاء النساء فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، وأخت أربعة من الخلفاء، وزوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول ، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملك امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات... ولقد أمرها زوجها أمير المؤمنين بأن تبعث بكل حليها إلى بيت المال فلم تتردد ولم ترد له مقالا، ولما توفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، لم يخلف لزوجت هوأولاده شيئا ، فجاءها أمين بيت المال وقال لها: " إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي وإني اعتبرتها أمانة لك ، وحفظتها لذلك اليوم وقد جئت أستأذنك في إحضارها"
ساحة النقاش