قصيدة بعنوان : ( بطن الحوت : إلى البحر نعود حَزَانَى )/ من ديوان : من قلب القبطان/ علاء طبال
...
#تمهيد : أدركت اليوم معنى عبارة : ( يا بحر يابو اليتامى ).
ليس اليتيم من مات والداه أو أحدهما, إن اليتيم من ابتعد عن الفطرة و الأصل, من ابتعد عن البحر, أليس الماء هو من أحيَّ كل شيء ؟.
ألم تعتمد الأرض في أطوار تخلقها و تطورها على الماء ؟.
ألسنا نحن بني آدم من ماء ؟.
ألم نخرج من البحر يوماً ما ؟.
نعم خرجنا منه يوماً و سنعود إليه يوماً محملين بخيباتنا و خسائرنا لأننا مذ خرجنا من البحر نسينا أننا من ماء و تغلب سعينا نحو الكفاءة المادية فقط على مائيتنا.
من هنا نفهم معنى الحركة و اتجاهها في العالم لدى أرسطو ( السير نحو الله )... إنَّا كادحون كدحاً لنلاقيه.
لكن كيف نجرؤ على مقابلته بهذه الخيبات بل كيف نفكر حتى في ذلك.
ألم يحذرنا من خلط الماء بالنار لئلا نفنى ؟.
أليست الأجساد وقودٌ لناره ؟.
بلى لكن أكثرنا لا يعقلون... على شاطئ البحر جلست فبكيت :
صباحٌ من صباحات المآسي
و ليلٌ حالكُ الظلماتِ قاسي
هي الأيام قد ضاقت علينا
و نحن من احتباسٍ لاحتباسِ
و تاريخٌ يمر و ينطوي
تساقط منه حزنٌ في الأيادي
و أغفو هاذياً من غير جفنٍ
فتهرب كل أجنحة النعاسِ
و قد أشقيتني في البحث عني
فوجدت أني...
ضائعٌ في أشجان ذاتي
وحدي هنا لا طيف يؤنس وحشتي
قبطان بحرٍ تهت في صحراءِ
وحدي هنا لا طيف يؤنس وحشتي
و الجرحُ جرحي و اليراع يراعي
قبطان بحرٍ تهت في صحراءِ
دعني أعاقر وحدتي
فالريح حطم دفتي و شراعي
قد أظلم البحرُ الجميل لحسرةٍ
باحت بها الأمواج حين وداعي
أناجي النفس ثم يضيق صدري
و أحيا بين بأسِ النازلاتِ
و بين قصائدي عنفٌ و حربٌ
كفيفةٌ تسير بلا جهاتِ
ما عادت الكلمات تفعل فعلها
فلمن سأقرأ يا ترى أبياتي
فتحملوا حزني فقد بدأ الأسى
فالحزن يلهمني جميع قصائدي
قد صهلت الشمس تبكي حوافرها
و صفاتها ممزوجةٌ بصفاتي
قد صهلت الشمس تبكي حوافرها
فيها نداءٌ يعاني من نداءاتي
* ( و تنوح كالريح العقيم مسامعي
متجولٌ طيف الهموم بعالمي )
كغياهب الجب البهيم تخوفي
و حشاي نارٌ و البقاء يهدني
و كذا العيون كجمرةٍ لا تنطفي
فيا زمني قد أطلت عنائي...
إلى الله أشكو و ليس سواه
يرى حزن قلبي و يعلم دائي
توقفت عن إرسال النشيج الطافح في صدري للحظات, ثم انتحبت قائلاً : ( يا بحر يابو اليتامى ).
و إذ بيدٍ نسائية تربت على كتفي و تمسح لي شعري, ثم قالت صاحبة اليد :
- ألم ينجو يونس من بطن الحوت ؟.
و لحظتئذ أصابني خدرٌ فلم أعبئ بالنظر إليها ثم شعرت بأن وجهها ندت عنه افترارةٌ و دمعة و أردفت قائلة :
**( لا تمت قبل أن تموت و لا تكن كصاحب الحوت ).
حينها التفت لأراها و إذ ب** ( يمانجا ) فبذلت جهداً جباراً بقسمات وجهي لأهديها ابتسامةً شاحبة, ثم نهضت و صوبت قلبي إلى السماء صائحاً :
****( يا رب أخرجني من طينيتي ).
لثوانٍ شدهت إذ رأيت***** ( بوسيدون ) واجماً متفرساً فيَّ من أسفل إلى أعلى و من أعلى إلى أسفل ثم طوح بي بشوكته ثم صاح : ( الرقص مع الآلهة ).
ثم تحدق يمانجا ببوسيدون و تتأبط ذراعه ثم يقفزان من على الشاطئ إلى البحر قفزةً جعلتهما على مسافةٍ بعيدة عني... قفزا كغول حكايا الماضي و كجوادٍ مطهم, و إذ بي أنهض و أركض مسرع الخطى نحوهما و أصيح : لم أفهم.
فاستدارت يمانجا و صاحت بي باسمة : ( علينا أن نرقص على أنغام قيثارة الله ).
فرددت : ما معنى هذا كله !.
فاستدار بوسيدون و لطم وجنته لطمةً شديدة و ثوى على الماء, فردت يمانجا :
إن معنى أن نرقص على أنغام قيثارة الله : ****** (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
أضاف بوسيدون : و لدى الله قيثارة يظل معظم الأوقات عاكفاً في العزف عليها و لا يلبث أن يتركها حتى يجتاحه الحنين فيعود بكل شوق السيوف للدماء إليها.
نعم لقد فهمت.. أجل, فهمت, فهمت و ملأت جوفي بهواء البحر النقي و بنشوة******* ( مزمار القربة الإسكتلندي ) و هتفت : أينما تولوا ثم وجه الله, يمانجا, بوسيدون انتظراني.
واصل ثلاثتنا المسير صوب أعماق البحر و خلال المسير قال لي بوسيدون : ( كن مع الله و لا تبالي ).
إذن يا صديقي لك الخيار أن تختار : إما جهنم و إما الماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من قصيدتي : ( سورة النسف 7 : خطاب إلى الحسين بن علي )
** من كتاب البوصلة القرآنية – الدكتور أحمد خيري العمري.
*** إلهة البحر في ديانة كاندومبيلي الإفريقية الأصل, و هذه الديانة هي مجموعة من الشعائر و الطقوس التي كانت القبائل الإفريقية تمارسها, و اشتهرت هذه الديانة في البرازيل نتيجة تجارة الرقيق الأفارقة و هجرات الأفارقة إلى البرازيل لكي يكونوا سخرة, و إلى اليوم لا تزال هناك شريحة برازيلية و إفريقية تؤمن بهذه الديانة.
**** من كتاب أناشيد الإثم و البراءة – الدكتور مصطفى محمود.
***** إله البحر لدى الإغريق.
****** الأية 115 – سورة البقرة – القرآن الكريم.
******* ألة من آلات الحياة في الردى, لك الحياة في الردى...