لغتنا الجميلة
في الشعر
البحث الأول
في وصف الشعر .. تعريفه .. مفهومه و أحكامه
أنشر هنا بصورة دورية ان شاء الله ، مجموعة من البحوث تتعلق بالشعر و ما تعلق به من وزن و قافية ، و العيوب التي تقع فيها ، و المحسنات البديعية .. دون التطرق أو التوسع في الأوزان الشعرية و بحورها تفصيلا .. فهو أمر يترك أمره للمتخصصين .. الا ما استوجب التطرق اليه عرضا .. علما أن هذه البحوث مستقاة من مجموعة من كتب التراث المتعلقة بالموضوع ، قمت بتسجيل ما ورد فيها و تجميعها.. و و توليف ما وقع بين يدي من مفيد الكلام منها .. و ما نثره ادباء العرب في هذه الكتب .. و لم آت بشيء من عندي الا القليل من الاضافات و ابداء بعض الرأي لا أكثر ... مع التصرف قليلا زيادة أو نقصانا .. و ابداء الرأي أحيانا و أهم هذه الكتب :
1- كتاب العمدة في محاسن الشعر و فنونه .. لابن رشيق القيرواني
2- كتاب نضرة الاغريض في نصرة القريض للمظفر العلوي
3- كتاب القافية للأخفش الأوسط
4- كتاب القافية لأبي يعلى التنوخي
5- كتاب البديع لابن المعتز
6- كتاب البديع في البديع لأسامة بن منقذ
7- كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري
8 – كتاب أسرار البلاغة للجرجاني
9 – كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي .
10 - كتاب الوساطة بين المتنبي و خصومه لعلي بن عبدالعزيز الجرجاني
في الشعر :
الشعر .. علم قديم نشأ بالسليقة على ألسنة فصحاء العرب ، و هو يأتي في ستة عشر بحرا .. كانت تأتي موازية بالفطرة على ألسنة الشعراء قبل أن تهذب عروضه ، أو تفصل ضروبه و قوافيه ، و أول من وضع العروض هو الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فاستخرج غرائبه ، واستنبط عجائبه ، و جعله ميزانا للشعر يعرف به التام من الناقص ، و السليم من المعتل ، و صاغ له من التفاعيل ثمانية مقاطع لا يخرج شعر موزون عنها صيّرها له أصولا للبناء عليها .. و هي :
فعولن – فاعلن – مفاعيلن – مستفعلن – فاعلاتن – مفاعلتن – متفاعلن – مفعولات
و هذه الأصول مقسمة الى أسباب ، و أوتاد ، و فاصلة .نأتي عليها سريعا .
فالأسباب نوعان : سبب خفيف ، و سبب ثقيل .
فالسبب الخفيف : متحرك بعده ساكن نحو ( لا ) و ( كم ) .
و السبب الثقيل : متحركان .. نحو ( بِمَ ) و ( لِمَ ) .
و الأوتاد نوعان : و تد مجموع ، ووتد مفروق .
فالوتد المجموع : متحركان بعده ساكن نحو ( عصا ) و ( بلى ) .
و الوتد المفروق : متحركان بينهما ساكن نحو ( قال ) و ( كيف ) .
أما الفاصلة : فنوعان أيضا .. فاصلة صغرى ، و فاصلة كبرى ,
الفاصلة الصغرى : وهي ثلاث متحركات بعدها ساكن نحو ( خَرَجَتْ )
و الفاصلة الكبرى : وهي أربع متحركات بعدها ساكن .. نحو ( خَرَجَتا ).
و شبه البيت الشعري ، ببيت من الشَعْر .. لأن البيت من الشَعْر لا يكون قائما الا بالأسباب ( الأطناب ) و الأوتاد . فالأوتاد هي التي تضرب في الأرض حول البيت . و أما الأطناب ، فهي الأربطة التي تحفظ توازنه .. و قد تم تشبيهه بذلك لأن الشعر في تكوينه لا يخلو من حروف مضطربة يطرأ عليها الزحاف ، و لذلك سميت أسبابا لاضطرابها تشبيها بأسباب البيت من الشَعْر .. و حروف ثابتة لا يطرأ عليها الزحاف .. لذلك سميت أوتادا .. و لقد أعجب أبو العلاء المعري بحسن تشبيه الخليل .. فضمن ذلك بيته المشهور :
و الحسن يظهر في شيئين رونقه ... بيت من الشعر أو بيت من الشعر
و لقد سمى الخليل النصف الأول من البيت " صدرا " و النصف الثاني منه " عجزا " و أخر الصدر " عروضا " و أخر العجز " ضربا " أو قافية .
و حصر أقسام الشعر في خمس دوائر يتفرع منها ستة عشر بحرا .
و يقول البعض :
.. ان اشتقاق لفظة " الشعر " من العلم و الادراك و الفطنة ، تقول : ليت شعري هل أصاب صوب السماء منازل أسماء ؟ . أي : ليت علمي . و أما كونهم سموا الشعر " قريضا " فلأن اشتقاقه من القرض ، و هو القطع ، لأنه يُقرض من الكلام قرضا . أي يقطع منه قطعا ، كما يُقرض الشيء بالمقراض . قال الله تعالى :
" و اذا غربت تقرِضهم ذات الشمال "
أي تجوزهم و تدعهم على أحد الجانبين . قال عبدالعزيز بن حاتم بن النعمان بن الأحمر ، و كان يهاجي الفرزدق :
أنفي قذى الشعرعنه حين أقرضه ... فما بشعري من عيب و لا ذامِ
كأنما أصطفي شعري و أغرفه ... من موج بحر غزير زاخر طامِ
منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة انها رصفي و احكامي
و أما القصيد ، و هو جمع قصيدة ، مثل سفين ، جمع سفينة ، فانما اشتُقت من القِصدة ، وهي القطعة من الشيء ، اذا تكسر كأنها قطعة من الكلام ، و من ذلك : رُمحٌ قِصَدٌ و قد تقصد ، اذا صار قطعا . قال المسيّب بن علس :
فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة الى القعقاع
ترد المياه فلا تزال غريبة ... في القوم بين تمثل و سماع
و أما تسميتهم القصيدة " قافية " فلأن القافية تقفو البيت ، أي تتبعه ، و سموا الجميع باسم واحد ، ايجازا و اختصارا ، كما سموا القصيدة بجملتها " كلمة " و الكلمة اللفظة الواحدة ، ميلا الى اختصار الكلام ، و اخلادا الى ما يدل على التمام . قالت الخنساء :
و قافية مثل حد السنان ... تبقى و يهلك من قالها
نطقتَ ابنَ عمرو فسهّلتَها ... و لم ينطق الناسُ أمثالها
و مطلق القول ، فان الشعر عبارة عن ألفاظ منظومة ، تدل على معان مفهومة ، فاذا قيس به النثر ، كان أبرع منه مطالع ، و أنصع مقاطع ، و أجر عنانا ، و أفصح لسانا ، و أشرد مثلا .
قال الأصمعي :
" الشعر ما قلّ لفظه ، و سهل و دقّ معناه و لطف ، و الذي اذا سمعته ، ظننت أنك تناله ، فاذا حاولته ، وجدته بعيدا ، و ما عدا ذلك، فهو كلام منظوم " .
و لبعض البلغاء :
" الشعر عبارة عن مثل سائر، و تشبيه نادر ، و استعارة بلفظ فاخر " .
و عن أبي زكريا التبريزي قال :
" كنت أسأل المعري عن شعر أقرأه عليه ، فيقول لي :
هذا نظم جيد ، فاذا مر به بيت جيد ، قال : يا أبا زكريا ، هذا هو الشعر " .
- و فيما يتعلق باقامة وزن اشعر ، فهو عبارة عن ذوق طبيعي حفظ فصوله من الزيادة و النقصان ، و عدلها تعديل القسط بالميزان ، و لو أن كل ناظم للشعر يفتقر في اقامة وزنه ، و تصحيح كسره ، و تعديل فصوله ، الى معرفة العروض و القوافي ، لما نظم الشعر الا قليل من الناس . على أن الشاعر اذا عرفهما ، لم يستغن عنهما .
- فأما العروض وهي مؤنثة ، فهي ميزان الشعر ، يستخرج منها صحيحه من مكسوره ، و سمي حرف الروي رويا ، لأنه من الرواء ، وهو الذي يشد على الأحمال و المتاع ليضمها ، وروى في كلامهم للضم و الجمع و الاتصال ، و كذلك حرف الروي ، تنضم و تجمع اليه جميع حروف البيت ، فالقوافي على ذلك خواتيم على عنوان الشعر ، جامعة لأطراف معانيه قابضة على أزمّة مهاريه .
ما قيل في الشعر و الشعراء :
قال النبي (ص) لعمرو بن الأهتم لما أعجبه كلامه : ان من البيان لسحرا . و قال ( ص ) : ان من الشعر لحكمة .
و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أفضل صناعات الرجل ، الأبيات من الشعر ، يقدمها في حاجاته ، يستعطف بها قلب الكريم ، و يستميل بها قلب اللئيم .
و قال عمر بن الخطاب أيضا : الشعر جزل من كلام العرب ، يُسَكَّن به الغيظ ، و تُطفأ به الثائرة ، و يتبلغ به القوم في ناديهم ، و يعطى به السائل .
و قال ابن عباس : الشعر علم العرب ، و ديوانها ، فتعلموه ، و عليكم بشعر الحجاز . و ربما ذهب الى شعر الحجاز ، و حض عليه ، اذ لغتهم أوسط اللغات .
و أنشد عمر رضي الله عنه ، قول زهير :
فان الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
فجعل يعجب بمعرفته بمقاطع الحقوق و تفصيلها ، و انما أراد : مقطع الحقوق ، يمين أو حكومة ، أو بينة .
و انشد عمر قول عبدة بن الطيب :
و العيش شح و اشفاق و تأميل
فقال : على هذا بنيت الدنيا .
و كان شعراء النبي ( ص ) : حسان بن ثابت الأنصاري ، و كعب بن مالك ، و عبدالله بن رواحة . و قال سعيد بن المسيِّب : كان أبو بكر شاعرا ، و عمر شاعرا ، و علي أشعر الثلاثة . و من قول علي كرم الله وجهه، بصفين :
لمن راية سوداء يخفق ظلها ... اذا قلت قدمْها حصين ، نقدما
فيوردها في الصف حتى يردها ... حياض المنايا تقطر السم و الدما
جزى الله عني و الجزاء بكفه ... ربيعة خيرا ما أعف و أكرما
و كان علي رضي الله عنه ، اذا برز الى القتال ينشد :
أي يوم من الموت أفرْ ... يوم لا يُقدر أم يوم قُدِرْ
يوم لا يقدر لا أرهبه ... و من المقدور ، لا ينجو الحذِر
و قال معاوية :
على الرجل تأديب ولده ، و الشعر أعلى مراتب الأدب .
و قال :
اجعلوا الشعر أكبر همكم ، و أكثر دأبكم .
ووقف أعرابي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال :
اني اليك حاجة رفعتها الى الله قبل أن أرفعها اليك ، فان أنت قضيتها حمدت الله تعالى و شكرتك ، و ان لم تقضها ، حمدت الله تعالى و عذرتك . فقال له علي :
خط حاجتك في الأرض فاني أرى الضر عليك . فكتب الأعرابي على الأرض اني فقير ، فقال له علي : يا قنبر ! ادفع اليه حلتي الفلانية ! . فلما أخذها مثل بين يديه فقال:
كسوتني حلة تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
ان الثناء ليحيي ذكر صاحبه ... كالغيث يحيي ثناه السهل و الجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدات به ... فكل عبد سيجزى بالذي فعلا
فقال علي : يا قنبر ! أعطه خمسين دينارا ! .. أما الحلة فلمسألتك ، و أما الدنانير ،
فلأدبك .
نكتفي بهذا المقدار ..و سنتابع البحث في حلقات قادمة ان شاء الله .
...........
خالد ع . خبازة