مجلة موسيقى الشعر العربى للشاعر/أحمد الشبراوى محمد

لغتنا الجميلة 

 

في الشعر 

 

البحث الأول 

 

في وصف الشعر .. تعريفه .. مفهومه و أحكامه

 

أنشر هنا  بصورة دورية ان شاء الله ، مجموعة من البحوث  تتعلق بالشعر و ما تعلق به من وزن و قافية ، و العيوب التي تقع فيها ، و المحسنات البديعية .. دون التطرق أو التوسع في الأوزان الشعرية و بحورها تفصيلا .. فهو أمر يترك أمره للمتخصصين  .. الا ما استوجب التطرق اليه عرضا ..  علما أن هذه البحوث مستقاة من مجموعة من كتب التراث المتعلقة بالموضوع ، قمت بتسجيل ما ورد فيها و  تجميعها.. و و توليف ما وقع بين يدي من مفيد الكلام منها .. و ما نثره ادباء العرب في هذه الكتب .. و لم آت بشيء من عندي الا القليل من الاضافات و ابداء بعض الرأي لا أكثر ... مع التصرف قليلا زيادة أو نقصانا .. و ابداء الرأي أحيانا و أهم هذه الكتب  :

1-  كتاب العمدة في محاسن الشعر و فنونه .. لابن رشيق القيرواني 

2-  كتاب نضرة الاغريض في نصرة القريض للمظفر العلوي

3- كتاب القافية للأخفش الأوسط

4- كتاب القافية لأبي يعلى التنوخي

5- كتاب البديع لابن المعتز 

6- كتاب البديع في البديع لأسامة بن منقذ

7- كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري

8 – كتاب أسرار البلاغة للجرجاني  

9 – كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي . 

10 - كتاب الوساطة بين المتنبي و خصومه لعلي بن عبدالعزيز الجرجاني

 

في الشعر  : 

 

الشعر .. علم قديم نشأ بالسليقة على ألسنة فصحاء العرب ، و هو يأتي في ستة عشر بحرا .. كانت تأتي موازية بالفطرة على ألسنة الشعراء قبل أن تهذب عروضه ، أو تفصل ضروبه و قوافيه ، و أول من وضع العروض هو الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فاستخرج غرائبه ، واستنبط عجائبه ، و جعله ميزانا للشعر يعرف به التام  من الناقص ، و السليم من المعتل  ، و صاغ له من التفاعيل ثمانية مقاطع لا يخرج شعر موزون عنها صيّرها له أصولا للبناء عليها .. و هي :

 

فعولن – فاعلن – مفاعيلن – مستفعلن – فاعلاتن – مفاعلتن – متفاعلن – مفعولات 

 

و هذه الأصول مقسمة الى أسباب ، و أوتاد ، و فاصلة .نأتي عليها سريعا . 

فالأسباب نوعان : سبب خفيف ، و سبب ثقيل .

فالسبب الخفيف : متحرك بعده ساكن نحو ( لا ) و ( كم ) .

و السبب الثقيل  : متحركان .. نحو  ( بِمَ ) و ( لِمَ ) . 

و الأوتاد نوعان : و تد مجموع ، ووتد مفروق .

فالوتد المجموع  : متحركان بعده ساكن نحو ( عصا ) و ( بلى ) .

و الوتد المفروق : متحركان بينهما ساكن نحو ( قال ) و ( كيف ) . 

أما الفاصلة : فنوعان أيضا .. فاصلة صغرى ، و فاصلة كبرى , 

الفاصلة الصغرى : وهي ثلاث متحركات بعدها ساكن نحو ( خَرَجَتْ )

و الفاصلة الكبرى : وهي أربع متحركات بعدها ساكن .. نحو ( خَرَجَتا ).

و شبه البيت الشعري ، ببيت من الشَعْر .. لأن البيت من الشَعْر لا يكون قائما الا بالأسباب ( الأطناب ) و الأوتاد . فالأوتاد هي التي تضرب في الأرض حول البيت . و أما الأطناب ، فهي الأربطة التي تحفظ توازنه ..  و قد تم تشبيهه بذلك لأن الشعر في تكوينه لا يخلو من حروف مضطربة يطرأ عليها الزحاف ، و لذلك سميت أسبابا  لاضطرابها تشبيها بأسباب البيت من الشَعْر .. و حروف ثابتة لا يطرأ عليها الزحاف .. لذلك سميت أوتادا ..  و لقد أعجب أبو العلاء المعري بحسن تشبيه الخليل ..  فضمن ذلك بيته المشهور :

 

و الحسن يظهر في شيئين رونقه ... بيت من الشعر أو بيت من الشعر 

 

 و لقد سمى الخليل النصف الأول من البيت " صدرا " و النصف الثاني منه " عجزا " و أخر الصدر " عروضا " و أخر العجز " ضربا " أو قافية . 

و حصر أقسام الشعر في خمس دوائر يتفرع منها ستة عشر بحرا . 

و يقول البعض :

.. ان اشتقاق لفظة " الشعر " من العلم و الادراك و الفطنة ، تقول : ليت شعري هل أصاب صوب السماء منازل أسماء ؟ . أي : ليت علمي . و أما كونهم سموا الشعر " قريضا " فلأن اشتقاقه من القرض ، و هو القطع ، لأنه يُقرض من الكلام قرضا . أي يقطع منه قطعا ، كما يُقرض الشيء بالمقراض . قال الله تعالى :

"  و اذا غربت تقرِضهم ذات الشمال "

 أي تجوزهم و تدعهم على أحد الجانبين . قال عبدالعزيز بن حاتم بن النعمان بن الأحمر ، و كان يهاجي الفرزدق :

 

أنفي قذى الشعرعنه حين أقرضه ... فما بشعري من عيب و لا ذامِ

كأنما أصطفي شعري و أغرفه ... من موج بحر غزير زاخر طامِ

 

منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة انها رصفي و احكامي

 

و أما القصيد ، و هو جمع قصيدة ، مثل سفين ، جمع سفينة ، فانما اشتُقت من القِصدة ، وهي القطعة  من الشيء ، اذا تكسر كأنها قطعة من الكلام ، و من ذلك : رُمحٌ قِصَدٌ و قد تقصد ، اذا صار قطعا . قال المسيّب بن علس :

 

فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة الى القعقاع

ترد المياه فلا تزال غريبة ... في القوم بين تمثل و سماع

 

و أما تسميتهم القصيدة " قافية " فلأن القافية تقفو البيت ، أي تتبعه ، و سموا الجميع باسم واحد ، ايجازا و اختصارا ، كما سموا القصيدة بجملتها " كلمة " و الكلمة اللفظة الواحدة ، ميلا الى اختصار الكلام ، و اخلادا الى ما يدل على التمام . قالت الخنساء : 

 

و قافية مثل حد السنان ... تبقى و يهلك من قالها 

نطقتَ ابنَ عمرو فسهّلتَها ... و لم ينطق الناسُ أمثالها 

 

و مطلق القول ، فان الشعر عبارة عن ألفاظ منظومة ، تدل على معان مفهومة ، فاذا قيس به النثر ، كان أبرع منه مطالع ، و أنصع مقاطع ، و أجر عنانا ، و أفصح لسانا ، و أشرد مثلا .

قال الأصمعي :

"  الشعر ما قلّ لفظه ، و سهل و دقّ معناه  و لطف ، و الذي اذا سمعته ، ظننت أنك تناله ، فاذا حاولته ، وجدته بعيدا ، و ما عدا ذلك، فهو كلام منظوم " .

و لبعض البلغاء : 

" الشعر عبارة عن مثل سائر، و تشبيه نادر ، و استعارة بلفظ فاخر " .

و عن أبي زكريا التبريزي قال :

"  كنت أسأل المعري عن شعر أقرأه عليه ، فيقول لي : 

هذا نظم جيد ، فاذا مر به بيت جيد ، قال : يا أبا زكريا ، هذا هو الشعر " . 

- و فيما يتعلق باقامة وزن اشعر ، فهو عبارة عن ذوق طبيعي حفظ فصوله من الزيادة و النقصان ، و عدلها تعديل القسط بالميزان ، و لو أن كل ناظم للشعر يفتقر في اقامة وزنه ، و تصحيح كسره ، و تعديل فصوله ، الى معرفة العروض و القوافي ، لما نظم الشعر الا قليل من الناس . على أن الشاعر اذا عرفهما ، لم يستغن عنهما .

- فأما العروض وهي مؤنثة ، فهي ميزان الشعر ، يستخرج منها صحيحه من مكسوره ، و  سمي حرف الروي رويا ، لأنه من الرواء ، وهو الذي يشد على الأحمال و المتاع ليضمها ، وروى  في كلامهم للضم و الجمع و الاتصال ، و كذلك حرف الروي ، تنضم و تجمع اليه جميع حروف البيت ، فالقوافي على ذلك خواتيم على عنوان الشعر ، جامعة لأطراف معانيه   قابضة على أزمّة مهاريه .

 

ما قيل في الشعر و الشعراء  : 

 

   قال النبي (ص) لعمرو بن الأهتم لما أعجبه كلامه : ان من البيان لسحرا . و قال ( ص ) : ان من الشعر لحكمة . 

و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه  : أفضل صناعات الرجل ، الأبيات من الشعر ، يقدمها في حاجاته ، يستعطف بها قلب الكريم ، و يستميل بها قلب اللئيم .   

   و قال عمر بن الخطاب أيضا :  الشعر جزل من كلام العرب ، يُسَكَّن به الغيظ ، و تُطفأ به الثائرة ، و يتبلغ به القوم في ناديهم ، و يعطى به السائل . 

و قال ابن عباس : الشعر علم العرب ، و ديوانها ، فتعلموه ، و عليكم بشعر الحجاز . و ربما ذهب الى شعر الحجاز ، و حض عليه ، اذ لغتهم أوسط اللغات . 

   و أنشد عمر رضي الله عنه ،  قول زهير :

 

فان الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء 

 

فجعل يعجب بمعرفته بمقاطع الحقوق و تفصيلها ، و انما أراد : مقطع الحقوق ، يمين أو حكومة ، أو بينة .

و انشد عمر قول عبدة بن الطيب : 

 

  و العيش شح و اشفاق و تأميل 

 

فقال : على هذا بنيت الدنيا .

و كان شعراء النبي ( ص ) : حسان بن ثابت الأنصاري ، و كعب بن مالك ، و عبدالله بن رواحة . و قال سعيد بن المسيِّب : كان أبو بكر شاعرا ، و عمر شاعرا ، و علي أشعر الثلاثة . و من قول علي كرم الله وجهه، بصفين :

 

لمن راية سوداء يخفق ظلها ... اذا قلت قدمْها حصين ، نقدما

فيوردها في الصف حتى يردها ... حياض المنايا تقطر السم و الدما 

 

جزى الله عني و الجزاء بكفه ... ربيعة خيرا ما أعف و أكرما 

 

و كان علي رضي الله عنه ،  اذا برز الى القتال ينشد :

 

أي يوم من الموت أفرْ ... يوم لا يُقدر أم يوم قُدِرْ 

يوم لا يقدر لا أرهبه  ... و من المقدور ، لا ينجو الحذِر

 

و قال معاوية : 

 

على الرجل تأديب ولده ، و الشعر أعلى مراتب الأدب .

و قال : 

اجعلوا الشعر أكبر همكم ، و أكثر دأبكم . 

ووقف أعرابي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : 

اني اليك حاجة رفعتها الى الله قبل أن أرفعها اليك ، فان أنت قضيتها حمدت الله تعالى و شكرتك ، و ان لم تقضها ، حمدت الله تعالى و عذرتك .  فقال له علي :

خط حاجتك في الأرض فاني أرى الضر عليك . فكتب الأعرابي على الأرض اني فقير ، فقال له علي :  يا قنبر ! ادفع اليه حلتي الفلانية ! . فلما أخذها مثل بين يديه فقال:

 

كسوتني حلة تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

ان الثناء ليحيي ذكر صاحبه ... كالغيث يحيي ثناه السهل و الجبلا

 

لا تزهد الدهر في عرف بدات به ... فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

 

فقال علي : يا قنبر ! أعطه خمسين دينارا !  .. أما الحلة فلمسألتك ، و أما الدنانير ، 

فلأدبك . 

نكتفي بهذا المقدار ..و سنتابع البحث في حلقات قادمة ان شاء الله .

 

...........

 

خالد ع . خبازة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2017 بواسطة ah-shabrawy

أ/أحمد الشبراوى محمد

ah-shabrawy
نريد أن نرتقى بالشعر العربى وموسيقاه ونحمى لغتنا العربية من التردى فى متاهات عولمة اللغة تحياتي الشاعر والاديب / أ.أحمد الشبراوي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

400,679