((...قهوةُ النِّسيانِ...))
إنِّي سكبْتُ الليلَ في الفنجانِ
و سأحتسي منْ قهوةِ النِّسيانِ
لكنَّ ليلاً في فناجيني أبى
ألَّا يضيعَ بسالفِ الأزمانِ
أزمانَ كانَ الليلُ يرقصُ هائماً
بالأهلِ و الأحبابِ و الجيرانِ
جيرانُ هذا الليلِ غابوا بغتةً
و خلتْ بيوتهمُ منَ السُّكانِ
قدْ عشّشتْ في كلِّ ركنٍ قصَّةٌ
أشخاصُها في أبعدِ البلدانِ
تؤوي سقوفُ الدَّارِ رجْعَ حديثِهمْ
و تبثُّهُ ليلاً إلى الجدرانِ
كلُّ النَّوافذِ أُغلقتْ ، فتنفَّسَتْ
رئةُ النَّوافذِ شهقةَ الأحزانِ
أبوابُ كلِّ الدُّورِ راحتْ تشتكي
صارتْ تئنُّ مقابضُ البيبانِ
و السُّورُ قدْ أغفَتْ عليهِ مواجعٌ
تحنو إليهِ براعمُ الأغصانِ
ظمئتْ ورودُ الدَّارِ تربُ أصيصِها
متلهفٌ للماءِ كالظَّمآنِ
في كلِّ أبراجِ الحمامِ تكوَّرتْ
أفعى تفحُّ برفقةِ الثُّعبانِ
و على المداخلِ حسرةٌ و تألمٌ
كلُّ الخطا تاهتْ بظرفِ مكانِ
جاءتْ إليَّ الذِّكرياتُ أليمةً
هيَ هكذا تأتي بلا استئذانِ
لتقضَّ كلَّ مضاجعي بمجيئها
كالسَّيلِ كالطُّوفانِ كالبركانِ
و لقدْ شربتُ الليلَ آخرَ جرعةٍ
هي جرعةُ المحزونِ و الحيرانِ
عَبْدُالرَّزَّاقِ الْأَشْقَرُ. سوريا.