نافذة على الشعراء العرب
عدي بن الرقاع العاملي
عدي بن زيد بن مالك بن الرقاع من عاملة .
شاعر كبير من أهل دمشق ، يكنى أبا داود
كان معاصرا لجرير مهاجيا له ، مقدما عند بني أمية مداحا لهم ، خاصة بالوليد بن عبدالملك .
لقبه ابن دريد في كتاب الاشتقاق بشاعر أهل الشام ، مات في دمشق في عام 95 هجرية الموافق 714 ميلادية .
وهو صاحب البيت المشهور :
تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
وهي قصيدة طويلة من الكامل و القافية من المتدارك يقول :
عرف الديار توهما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
الا رواسي كلهن قد اصطلى ... حمراء أشعل أهلها ايقادها
كانت رواحل للقدور فعُرّيت ... منهن و استلب الزمان رمادها
بشبيكة الحور التي غربيّها ... فقدت رسوم حياضه ورّادها
و تنكرت كل التنكر بعدنا ... و الأرض تعرف تلعها و جمادها
و لربّ واضحة الجبين خريدة ... بيضاء قد ضربت بها أوتادها
تصطاد بهجتها المعللَ بالصبا ... عرضا فتقصده و لن يصطادها
كالظبية البكر الفريدة ترتعي ... من أرضها قفراتها و عهادها
خضبت لها عقَد البراق جبينها ... من عركها علجانها و عرادها
كالزين في وجه العروس تبذلت ... بعد الحياء فلاعبت أرآدها
تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
ركبت به من عالج متحيرا ... قفرا تريّب وحشها أولادها
بانت سعاد و أخلفت ميعادها ... و تباعدت منا لتمنع زادها
اني اذا ما لم تصلني خلتي ... و تباعدت عني اغتفرت بعادها
ثم ينتقل فيقول :
و قصيدة قد بت أجمع بينها ... حتى أقوّم ميلها و سنادها
نظر المثقف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها
و لقد أصبت من المعيشة لذة ... و لقيت من شظف الخطوب شدادها
فسترت عيب معيشتي بتكرم ... و أتيت في سعة النعيم سدادها
و بقيت حتى ما أسائل عالما ... عن علم واحدة لكي أزدادها
صلى الاله على امرئ ودعته ... و أتم نعمته عليه و زادها
و اذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ فزادها
نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثا أغاث أنيسها و بلادها
أولا تري أن البرية كلها ... ألقت خزائمها اليه فقادها
و لقد أراد الله اذ ولاكها ... من أمة اصلاحها و رشادها
و قيل انه لا يعرف لأحد مثل قوله في الظبية و الغزال :
تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
و من غرره الفاخرة السائرة قوله من الكامل و القافية من المتواتر :
و الأصل ينبت فرعه متماثلا ... و الكف ليس بنانها بسواء
ما ان رأيت جبال أرض تستوي ... فيما غشيت و لا نجوم سماء
و اذا نظرت الى أمير زادني ... ظنا به نظري الى الأمراء
و الناس أشباه و بين حلومهم ... بون ، كذاك تفاضل الأشياء
و البرق منه وابل متتابع ... جود ، و آخر ما يجود بماء
و المرء يورث مجده أبناءه ... و يموت آخر و هو في الأحياء
و قال في قصيدة رائية من الطويل و القافية من المتدارك :
أهمٌّ سرى أم عاد للعين عائر ... أم انتابنا من آخر الليل زائر
و نحن بأرض قلّ أن يجشم السرى ... بها العربيات الحسان الحرائر
فبتُّ أُلهى في المنام كما أرى ... و في الشيب عن بعض البطالة زاجر
بساجية العينين خودٍ يلذها ... اذا أطرق الليل الضجيع المهاجر
كأن ثناياها بنات سحابة ... حداهن شؤبوب من الغيث باكر
فهن معا أو أقحوان بروضة ... تعاورها يومين ، طلٌّ و ماطر
فقلت لها : كيف اهتديت و دوننا ... دلوكٌ و أشرافُ الجبال القواهر
اذا ألبس الأرضَ القتامُ تفرجت ... شماريخه فالآل عنهن حاسر
يسامي السحاب الغر حتى تظله ... غمائم منه فهو أخضر ناضر
و له من قصيدة رائعة في الشباب و الشيب و التفكر في الحياة ، من الطويل .. و القافية من المتراكب ، اخترت منها :
طال الكرى ، و ألم الهمُّ فاكتنعا ... و ما تذكر من قد فات و انقطعا
كان الشباب رداء أستكن به ... و أستظل زمانا ثمّت انقشعا
و بُدِّل الرأسُ بعد داجية ... فينانة ما ترى صدغها نزعا
فان تكن ميعة من باطل ذهبت ... و أعقب الله بعد الصبوة الورعا
فقد أبيت أناغي الخود دانية ... على الوسائد مسرورا بها ولعا
برّاقة الثغر يشفي النفس لذتها ... اذا مقبلها في ثغرها كمعا
كالأقحوان بضاحي الروض صبّحه ... غيث أرشّ بنضّاح و ما نقعا
و المرء ليس و ان طالت سلامته ... يدري الذي هو لاقٍ قبل أن يقعا
و الأرض غائلة للناس مهلكة ... فما ترى أحدا من أهلها امتنعا
و ما ترى ميتا يحيا فتسأله ... و لا الشباب الى ذي شيبة رجعا
و ما الحياة لأنسي بدائمة ... و لو تزود من لذاتها متعا
......
خالد ع . خبازة