مجلة موسيقى الشعر العربى للشاعر/أحمد الشبراوى محمد

لغتنا الجميلة

في علم البيان و البديع

البحث الأول

لا بد للشاعر ليكون شاعرا أن يكون .. ملما بقواعد البيان من استعارة و كناية و تورية و غيرها . و أن يأتي المعنى من الباب الخلفي .. أي بالتلميح قدر الامكان و ليس بالتصريح .. وعارفا بالمحسنات البديعية .. فتااغة الشعرلية تختلف عن لغة النثر ، و على الشاعر أن يملك مخزنا من المفردات تسمح له بالخوض في غمار القافية ... وأن يمزج قوافيه بصدق العاطفة 

.. يقول حسان بن ثابت من البسيط و القافية من المتراكب :

: وان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا

ثم على الشاعر أن لا يأتي المعاني بصورة مباشرة .. فلا بد من استعمال قواعد البيان من استعارة و كناية __

و تأكيدا لهذا المبدأ لا بد من ذكر واقعة في تاريخ الأدب العربي ..

ذلك أنه .. عندما القى الراعي النميري قصيدة يمدح بها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان يقول فيها :

أخليفة الرحمن انا معشر ... حنفاء نسجد بكرة و أصيلا

عرب نري لله في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا

فقال له عبدالملك :

ليس هذا شعرا .. هذا شرح اسلام و قراءة آية ..

كما نذكرواقعة أخرى و هي استهجان الشاعر مروان بن أبي الجنوب بالشاعر علي بن الجهم عندما قال للمتوكل في قصيدة له :

الله أكبر و النبي محمد ... و الحق أبلج و الخليفة جعفر

فرد عليه مروان بن أبي الجنوب مستهزئا :

أراد بن جهم أن يقول قصيدة ... بمدح أمير المؤمنين فأذّنـــــا

فقلت له : لا تعجلنْ باقامة ... فلستُ على طهر فقال و لا أنا

فليس بالامكان تجاهل هذا النقد اللاذع النابع من الإحساس بأن الراعي النميري أو علي بن الجهم لم يكونا يقولان شعرا و انما نظما

وبالتالي فقد ميز القدماء بين الشعر الحقيقي و بين النظم .. و نعود فنذكر أنه لا بد للشاعر من الالمام بقواعد علم البيان .. من استعارة و تشبيه و كناية و غيرها

و سنبحث في هذا المقال أولا .. في الاستعارة

الاستعارة :

هي ، كما يقول عبدالقاهر الجرجاني ، في كتابه " أسرار البلاغة " ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل ، و التشبيه قياس ، و القياس يجري فيما تعيه القلوب ، و تدركه العقول ، وتستفتى فيه الأفهام و الأذهان ، لا الأسماع و الآذان .

يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي ) ، كقوله تعالى :

" لا تظلمون فتيلا " " و لا يظلمون نقيرا " " و ما يملكون من قطمير "

و الاستعارة أوْكَدُ في النفس من الحقيقة ، و تفعل في النفوس ما لا تفعله الحقيقة . و كقوله تعالى أيضا :

" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "

و هنا نرى استعارة لفظة " الجناح " ، و أضافتها الى لفظة " الذل " .. الذي لا يمكن أن يكون له جناح أصلا .. و هو معنى مجازي 

و كقوله أيضا :

" و اشتعل الرأس شيبا "

فقد استعار فعل الاشتعال الى الرأس .. وهو معنى مجازي أيضا .

و الاستعارة ، كقول الشاعر :

و عري أفراس الصبا و رواحله

و قال الآعرابي :

كانوا اذا اصطفوا ، سفرت بينهم السهام ، و اذا تصافحوا بالسيوف ، قفز الحِمام .

فالاستعارة هنا في " عري أفراس الصبا ، و سفرت بينهم السهام ، و قفز الحمام .. الخ

ومن أحسن الاستعارات في الشعر قول ذو الرمة :

أوردته و صدور الليل مسنفة ... و الليل بالكوكب الدري منحور

و قوله أيضا , و هو من أجمل الاستعارات : 

حيث نلاحظ كيف استعار الشاعر فعل ذوى ، و أضافه للعود ، كما 

كما استعار الشاعر الملاءة ، وهي لباس للآنسان أصلا ، و أضافها للفجر ، فكأنه اعتبر الفجر كالانسان يلبس عباءة ، خبأ خلالها نجوم الثريا ، وهو معنى رائع . يقول من الطويل و القافية من المتواتر :

أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... و ضم الثريا في ملائته الفجر

كما أحسن أبو تمام بقوله من الكامل و القاف ية من المتواتر :

لا تسقني ماء الملام فانني ... صب قد استعذبت ماء بكائي

ثم لننظر الى أبيات كثير عزة ، التي أثنى عليها كثير ، من اللغويين و الشعراء ، فكانها الماء جريانا ، و الهواء لطفا ، و الرياض حسنا ، و كأنها النسيم ، أو كأنها الرحيق ، و لنرى مدى جمالها و روعتها ، و الى ما فيها من استعارات جميلة رائعة .. يقول من الطويل و القافية من المتدارك :

و لما قضينا من منى كل حاجة ... و مسح بالأركان من هو ماسح

و شدت على متن المهارى رحالنا .. و لم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... و سالت بأعناق المطي الأباطح

لننظر الى هذه العبارة و مت فيها من صورة رائعة " و سالت بأعناق المطي الأباطح " هذه الاستعارة الرائعة .. ا لا يمكن لقارئ هذه الأبيات ، الا أن يتصور و يتخيل أعناق الجمال ، فيتخيل السهول و التلال و كيف يراها كأنها تسيل و تسير أمام عينيه متلازمة بأعناق الابل . :

أخذنا بأطراف الأحاديث ، سالت بأعناق المطي الأباطح

لقد وقعت الاستعارة موقعها ، و أصابت غرضها ، حتى وصل المعنى الى القلب ، وصوله الى السمع ، و استقر في الفهم ، مع وقوع العبارة في الأذن ، و لسلامة الكلام من الحشو غير المفيد .

ولا بد من القول أن موضوع الاستعارة بحث طويل ، و قد اختصرت ما فيه الكفاية , لنتعرف على موضوعها ، و هي بحث هام للشاعر كما الناثرأيضا .

و سنتابع في أبحاث لاحقة في الكناية و التورية و غيرها . 

...

خالد ع . خبازة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 22 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2017 بواسطة ah-shabrawy

أ/أحمد الشبراوى محمد

ah-shabrawy
نريد أن نرتقى بالشعر العربى وموسيقاه ونحمى لغتنا العربية من التردى فى متاهات عولمة اللغة تحياتي الشاعر والاديب / أ.أحمد الشبراوي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

401,157