عين
على كتب التراث
في اختلاف الناس في من هو أشعر الشعراء
كثيرا ما اختلف الناس و الشعراء حول من هو أشعر شعراء العرب .
لم يتفق العلماء و اللغويون و الشعراء العرب قديما على أي من الشعراء هو اشعرهم .. انما كانوا ينتقون من أشعارهم بيتا أو قصيدة أو عددا من الأبيات و في مواضيع مختلفة فيقولون هذا البيت أشعر ما قالته العرب في النسيب أو الهجاء أو المديح أو الفخر .. الخ .. حتى انهم كانوا يختلفون حول الموضوع الواحد
وقد قمت باستجماع العديد من آراء الشعراء و الخلفاء و اللغويين من عدد من كنب التراث .. ووضعتها في هذا المنشور .. و هو و ان يكن طويلا بعض الشيء .. الا أنه موضوع ممتع و يستحق القراءة .
قال النبي (ص ) ، و قد ذكر عنده امرؤ اقيس بن حجر : هو قائد الشعراء و حامل لوائهم . و قال عمر بن الخطا ب للوفد الذين قدموا اليه من غطفان : من الذي يقول :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... و ليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغش و أكذب
و لست بمستبق أخا لا تلمُّه... على شعث ، أي الرجال المهذب
قالوا : نابغة بني ذبيان . قال لهم : و من الذي يقول :
أتيتك عاريا خَلَقاً ثيابي ... على وجل تظن بيَ الظنونُ
فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون
قالوا هو النابغة . قال : فمن الذي يقول :
فانك كالليل الذي هو مدركي ... و ان خلت أن المنتأى عنك واسع
قالوا : هو النابغة أيضا , و في " الأغاني " سأل عمر الوفد .. و من الذي يقول :
الا سليمان اذ قال الاله له ... قم في البرية فاحددها على الفند
و خبر الجن اني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح و العمد
قالوا : النابغة . قال : هو أشعر شعرائكم .
و فال عمر لابن عباس مرة : أنشدني لأشعر الناس ، الذي لا يعاظل القوافي ( أي لا يعقد و لا يوالي بعضه فوق بعض ) و لا يتتبع حوشي الكلام .
قال : من ذلك يا أمير المؤمنين ؟
قال : زهير بن أبي سلمى ... فلم يزل ينشده من شعره حتى أصبح .
و كان زهير لا يمدح الا مستحقا ، كمدحه لسنان بن أبي حارثة ، و هرم بن أبي سنان ، و هو القائل :
و ان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا
و كذلك ، أحسن القول ما صدقه الفعل .
قالت بنو نمير لسلامة بن جندل : مجّدنا بشعرك . قال : افعلوا حتى أقول .
و قيل للبيد : من أشعر الشعراء ؟ قال : صاحب القروح ، يريد امرؤ القيس ، قيل له : فبعده من ؟ قال : ابن العشرين : يعني طرفة . قيل : فبعده من ؟ . قال أنا .
و قيل للحطيئة : من أشعر الناس ؟ قال : النابغة اذا رهب ، و زهير اذا رغب ، و جرير اذا غضب .
و قال أبو عمرو بن العلاء : طرفة أشعرهم واحدة ، يعني قصيدته :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
و فيها يقول
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... و يأتيك بالأخبار من لم تزود
و أُنشِد النبي صلى الله عليه و سلم ، هذا البيت فقال : هذا من كلام النبوة .
و سمع عبدالله بن عمر رجلا ينشد بيت الحطيئة :
متى تأته تغش الى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
فقال : ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، اعجابا بالبيت .
و سئل الأصمعي عن شعر النابغة ، فقال : ان قلتَ ألين من الحرير ، صدقت ، و ان قلت أشد من الحديد ، صدقت .
و سئل حماد الراوية ، عن شعر ابن ابي ربيعة ، فقال : ذلك الفستق المقشر الذي لا يشبع منه .
و قالوا في عمرو بن الأهتم : كان شعره حللا منشرة ،
و سئل أبو عمرو بن العلاء عن جرير و الفرزدق ، فقال : هما بازيان ، يصيدان ما بين الفيل و العندبيل . و قال جرير : أنا مدينة الشعر ، و الفرزدق نبعته .
و قال بلال بن جرير : قلت لأبي : يا أبت ، انك لم تهج قوما قط الا وضعتهم ، الا بني لجأ . قال : اني لم أجد شرفا فأضعه ، و لا بناء فأهدمه .
و اختلف الناس في أشعر نصف بيت قالته العرب . فقال بعضهم ، قول أبي ذؤيب الهذلي :
و الدهر ليس بمعتب من يجزع
و قال بعضهم : قول حميد بن ثور الهلالي :
نوكل بالأدنى ، و ان جل ما يمضي
و قال بعضهم : قول زُميل بن أبرد الفزاري :
و من يك رهنا للحوادث يغلق ".. و صدر البيت : أجارتنا من يجتمع يتفرق
و قد قيل : ان لحسان بن ثابت أفخر بيت قالته العرب :
و بيوم بدر اذ يرد و جوههم ... جبريل تحت لوائنا و محمد
و أما أحكم بيت فقوله :
و ان امرءأ أمسى و أصبح سالما ... من الناس الا ما جنى لسعيد
و قالوا : أهجى بيت قالته العرب ، قول جرير :
و التغلبي اذا تنحنح للقرى ... حك استه ، و تمثل الأمثالا
و لما قال جرير هذا البيت قال : و الله لقد هجوت بني تغلب ببيت ، لو طعنوا في أستاههم بالرماح ، ما حكّوها .
و يقال : ان أبدع بيت قالته العرب ، قول أبي ذؤيب الهذلي :
و النفس راغبة اذا رغّبتها ... و اذا ترد الى قليل تقنع
و يقال : ان أصدق بيت قالته العرب ، قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... و كل نعيم لامحالة زائل
و قد فضل سيدنا علي رضي الله عنه ، امرأ القيس ، على الشعراء بقوله : رأيته أحسنهم نادرة ، و أسبقهم بادرة , و أنه لم يقل لرهبة أو رغبة .
و قد قالت العلماء بالشعر :
ان امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا ، و انما سبق الى أشياء فاستحسنها الشعراء ، و اتبعوه فيها . لأنه أول من لطّف المعاني ، و استوقف على الطلول ، ووصف النساء بالمها و الظباء و البيض ، و شبه الخيل بالعقبان و العصي ، و فرق بين النسيب و ما سواه من القصيد ، و قرّب مأخذ الكلام ، فقيد الأوابد ، و أجاد الاستعارة و التشبيه .
روى ابن سلام الجمحي أن سائلا سأل الفرزدق : من أشعر الناس ؟ . فقال : ذو القروح . قال : حيث يقول ماذا ؟ ... قال : حيث يقول :
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... و بالأشقين ما كان العقاب
و أما " دعبل " فقد قدمه بقوله في وصف عقاب :
ويْلُمِّها من من فضاء الجو طالبة ... و لا كهذا الذي في الأرض مطلوب
و هذا عنده أشعر بيت قالته العرب .
و كان الحذّاق يقولون :
الفحول في الجاهلية ثلاثة ، و في الاسلام ثلاثة متشابهون : زهير و الفرزدق ، و النابغة و الأخطل ، و الأعشى و جرير .
و كان " خلف الأحمر " يقول
الأعشى أجمعهم . و قال أبو عمرو بن العلاء :
مثله مثل البازي ، يضرب كبير الطير و صغيره .
و كان أبو الخطاب " الأخفش " يقدمه جدا و لا يقدم عليه أحدا .
و حكى الأصمعي عن بن أبي طرفة :
كفاك من الشعراء أربعة : زهير اذا رغب ، و النابغة اذا رغب ، و الأعشى اذا طرب ، و عنترة اذا طلب . و زاد قوم : و جرير اذا غضب .
و قيل لكثير أو نصيب : من أشعر العرب ؟ . قال : امرؤ القيس اذا ركب ، و النابغة اذا رهب ، و الأعشى اذا شرب .
و كان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يقدم النابغة . و يقول :
هو أحسنهم شعرا ، و أعذبهم بحرا ، و أبعدهم قعرا .
و سئل الفرزدق : من أشعر العرب ؟. قال : بشر بن أبي خازم . قيل : بماذا ؟ . قال : بقوله :
ثوى في ملحد لا بد منه ... كفى بالموت نأيا و اغترابا
ثم سئل جرير ، فقال : بشر بن أبي خازم . لقوله :
رهين بلى و كل فتى سيبلى ... فشقي الجيب ، و انتحبي انتحابا
قال أبو عبيدة :
أصحاب السبع التي تسمى " السمط " : امرؤ القيس ، و زهير و النابغة ، و الأعشى ، و لبيد ، و عمرو بن كلثوم ، و طرفة .
و قال المفضل :
من زعم أن في السبع التي تسمى " السمط " غير هؤلاء ، فقد أبطل .. فأسقط من أصحاب المعلقات عنترة و الحارث بن حلزة ، و أثبت الأعشى و النابغة .
و كانت المعلقات تسمى " المذهبات " لأنها اختيرت من سائر الشعر ، فكتبت في القباطي بماء الذهب ، و علقت على الكعبة ، فلذلك يقال :
مذهبة فلان .. اذا كانت أجود شعره . ذكر ذلك غير واحد من العلماء . و قيل :
بل كان الملك ، اذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول :
علقوا لنا هذه ، لتكون في خزانته .
و سئل الحطيئة عن أشعر الناس ، فقال : أبو دؤاد . حيث يقول :
لا أعد الاقتار عدما و لكن ... فقد من قد رزئته الاعدام
و هو و ان كان فحلا قديما ، و كان امرؤ القيس يتوكأ عليه ، و يروي شعره ، فلم يقل فيه أحد من النقاد مقالة الحطيئة .
و زعم ابن أبي الخطاب ، أن أبا عمرو ، كان يقول :
أشعر الناس أربعة : امرؤ القيس ، و النابغة ، و طرفة ، و المهلهل .
سئل الفرزق فقال : امرؤ القيس أشعر الناس ، و سئل جرير فقال : النابغة أشعر الناس . و قال الأخطل : الأعشى أشعر الناس .
و قيل لنصيب مرة : من أأشعر العرب ؟ . فقال :
أبو تميم ، يعني علقمة بن عبدة . و قيل : أوس بن حجر . و ليس لأحد من الشعراء بعد امرئ القيس ، ما لزهير و النابغة و الأعشى في النفوس .
و الذ ي أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوي : أن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس ، و أهل الكوفة ، كانوا يقدمون الأعشى ، و أن أهل الحجاز و البادية ، كانوا يقدمون وهيرا و النابغة ، و كان أهل البادية لا يعدلون بالنابغة أحدا ، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا .
أما النابغة ، فقال من يحتج له :
كان أحسنهم ديباجة شعر ، و أكثرهم رونق كلام ، و أذهبهم في فنون الشعر ، و أكثرهم طويلة جيدة ، و مدحا و هجاء ، و فخرا و صفة .
و قالت طائفة من المتعقبين :
الشعراء ثلاثة ، فجاهلي ، و اسلامي ، و مولد .. فالجاهلي امرؤ اقيس ، و الاسلامي ذو الرمة ، و المولد ابن المعتز . و هذا قول من يفضل البديع ، و بخاصة التشبيه على جميع فنون الشعر .
و طائفة أخرى تقول :
بل الثلاثة الأعشى و الأخطل و أبو نواس . و هذا مذهب أصحاب الخمر ، و ما ناسبها . و من يقول بالتصرف و قلة التكلف .
و قال قوم :
بل الثلاثة المهلهل و ابن أبي ربيعة و العباس بن الأحنف . و هذا قول من يؤثر الأنفة ، و سهولة الكلام ، و القدرة على الصنعة و التجويد في فن واحد . و لو كان كذلك لكان شيخ الطبع أبو العتاهية ، مكان عباس ، و لكن أبو العتاهية تصرف .
و ليس في المولدين أشهر اسما من أبي النواس ، ثم حبيب و البحتري . و يقال :
انهما أخملا خمسماية شاعر كلهم مجيد ، ثم يتبعهما في الاشتهار ، ابن الرومي و ابن المعتز ، فطار اسم ابن المعتز ، حتى صار كالحسن ( أبي نواس ) في المولدين ، و امرئ القيس في القدماء ، فان هؤلاء الثلاثة ، لا يكاد يجهلهم أحد من الناس . ثم جاء المنتنبي ، فملأ الدنيا و شغل الناس .
قال الشعبي :
دخلت على عبد الملك بن مروان ، اذا بين يديه رجل أبيض الراس و اللحية ، ثم أقبل على رجل عنده . فقال له : ويحك . من أشعر الناس ؟ . فقال : أنا يا أمير المؤمنين ! .
قال الشعبي : فأظلم ما بيني و بين عبدالملك من البيت . و لم أصبر أن قلت : من هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر الناس ؟ . فعجب عبدالمالك من عجلفتي قبل أن يسألني . و قال : هذا الأخطل ! . قلت : بل أشعر منك الذي يقول :
هذا غلام حسن و جهه ... مستقبل الخير ، سريع التمام
للحرث الأكبر و الحرث الــ ... أعــرج و الأصغر خير الأنام
ثم لهند ، و لهند و قد ... أسرع في الخيرات منهم امام
ستة آباء هُمُ ما هُمُ ... أكرم من يشرب صوب الغمام
قال : فرددتها حتى حفظها عبدالملك ، فقال الأخطل : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ . قال: هذا الشعبي ! . قال الأخطل : و الانجيل .. هذا ما استعذت من شره ! . صدق و الله .. النابغة أشعر مني ، فالتفت الي عبدالملك ، فقال : ما تقول في النابغة يا شعبي ؟ . قال : قدمه عمر ابن الخطاب في أكثر من موقع على جميع الشعراء .
قال الشعبي : ثم أقبل عبدالملك على الأخطل ، فقال : أتحب أن يكون لك شعر أحد من العرب عوضا على شعرك ؟ . قال : لا و الله يا أمير المؤمنين ، الا أن رجلا قال شعرا فيه أبيات ، وددت أني قلتها . وهو القطامي :
ليس الجديد به تبقى بشاشته ... الا قليلات و الا ذو خلة يصل
و العيش لا عيشَ الا ما تَقَر به ... عين و لا حالة ، الا ستنتقل
و الناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي و لأم المخطئ الهبل
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... و قد يكون مع المستعجل الزلل
قال أبو عمرو ( بن العلاء ) :
اتفقوا على أن أشعر الشعراء : امرؤ القيس و النابغة و زهير ، و كان يشبه ثلاثة شعراء من الجاهلية بثلاثة من شعراء الاسلام ....
و قال : أقسام الشعر تؤول الى أربعة أركان : منه افتخار و منه مديح و منه هجاء و منه نسيب . فأما الافتخار فيسبق الناس اليه جرير في قوله :
اذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
و أما المديح ، فبرز فيه جرير على الناس ، بقوله :
ألستم خير من ركب المطايا ... و أندى العالمين بطون راح
و أما الهجاء ، فبرز فيه جرير على الناس بقوله :
فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت و لاكلابا
و أما النسيب ، فبرز فيه جرير على الناس بقوله :
ان العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... و هن أضعف خلق الله انسانا
قال أبو عمرو بن العلاء :
لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله و الناس
قال مسلم بن قتيبة :
ما أعلم قافية تستغني عن صدرها ، و تدل عليه و ان لم تنشد مثل قول الحطيئة :
لا يذهب العرف بين الله و الناس
......
خالد ع . خبازة
المراجع عدد من كتب التراث